الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الخارجية الجزائرية...بين المبادئ الثابتة و البرغماتية الواقعية

سلامة الصادق فرابي

2023 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر السياسة الخارجية الجزائرية من بين السياسات الأكثر فعالية و نشاطا على المستوى الإقليمي العربي المغاربي و على المستوى القاري ، خاصة في تعاطيها مع القضايا التي تتماشى مع مبادئها الراسخة المنبثقة من بيان اول نوفمبر 1954.
لطالما نادت الحزائر في العديد من المناسبات الدولية ،و رافعت في خطاباتها الرسمية على منابر الأمم المتحدة و الإتحاد الإفريقي ، و في لقاءاتها عبر دبلوماسية القمم ، بأن مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية تتماشى مع مواثيق الأمم المتحدة و مبادئ القانون الدولي.
فالجزائر تؤكد على مبدأ إحترام سيادة الدول ، و عدم التدخل في شؤونها الداخلية ، إذا أن الملاحظ على الأداء الدبلوماسي للجزائر في كيفية تعاملها مع القضايا الإقليمية و الدولية ، يجد أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تعاني من أزمات أمنية ، ففي الحالة الليبية مثلا دعت الحزائر مرارا إلى حل الازمة الليبية في إطار داخلي دون تدخل أي طرف من الأطراف الأجنبية، من خلال الحوار ليبي-ليبي .
هذا ما جعلها محل إحترام و تقدير من قبل أطراف النزاع ،و على هذا الأساس قامت الحزائر بعقد سلسلة من المباحثات و اللقاءات بين الأطراف المعنية بالأزمة الليبية في إطار مايسمى بمؤتمر حوار دول الجوار الليبي منذ سنة 2014 و إلى غاية سنة 2022 ، هذا فضلا على أن الجزائر تمكنت من جمع طرفي النزاع الليبي (بين قادة الشرق فايز سراج و عبد الحمد دبيبة من جهة و قادة الغرب خليفة حفتر من جهة أخرى ) على طاولة مفاوضات واحدة.
الجزائر دعت ايضا إلى تجنب التدخل العسكري في الدول التي تشهد أزمات أمنية و سياسية ، فدعوة الجزائر إلى ذلك مرده إلى النتائج الوخيمة التي يخلفها التدخل العسكري من آثار إقتصادية و إجتماعية خطيرة و إنتشار تهديدات أمنية كبيرة كالإرهاب ،و هذا ما حدث فعلا مع أزمتي ليبيا و مالي ، فتدخل حلف الناتو في ليبيا و قيام فرنسا بحملة "برخان ثم تاكوبا" العسكرية في شمال مالي ، أدى إلى حدوث إنفلات أمني خطير مما ساعد على تكاثر عدد الجماعات الإرهابية و زيادة نشاطها، و سقوط تللك دول في مستنقع الدول الفاشلة.
كما ان مبدأ و حدة و سلامة أراضي الدول من المبادئ الراسخة في السياسة الخارجية الجزائرية ، إذ جسد هذا المبدأ فعليا عندما رفضت الحزائر جملة و تفصيلا قيام حركة الأزواد الإنفصالية المالية بإعلان عن قيام جمهورية الأزواد و رفع علمها في شمال مالي ، إذ عبرت الجزائر عن معارضتها الشديدة ،لأن هذه الخطوة تزيد من تعقد المشهد الامني المتأزم في مالي و في منطقة الساحل بشكل عام.
و لعل أهم مبدأ جعل من السياسة الخارجية أكثر موثوقية ،و فاعل مهم على مستوى الإقليني و القاري ، هو مبدأ حل الازمات بطرق السلمية من خلال الوساطة و دبلوماسية المؤتمرات ، فسجل الدبلوماسية الجزائر بخصوص هذا الموضوع ، حافل بالإنحازات التي كتبها التاريخ بأحرف من ذهب ، فالجزائر من خلال هذا المبدأ تمكنت من حل المشكل الحدودي بين العراق و إيران في 1975 ، كما تمكنت من حل النزاع للحدودوي بين إثيوبيا و إريتيريا و توقيع على وقف إطلاق النار بين الطرفين في الجزائر سنة 2000 ، كما إستطاعت الجزائر من إنهاء الأزمة المالية و توصل طرفي النزاع (حركة الأزواد و الحكومة المالية) إلى إتفاق السلم و المصالحة في مارس 2015 أو كما يعرف بمسار الجزائر .
فالجزائر لم تعرف فقط بوساطتها لحل الزمات ، بل كانت علامة مسجلة لدى الدول المستضعفة و التي كانت تحت وطأة الإستعمار ، فمنذ إستقلال الجزائر أخذت على عاتقها مسؤولية الدفاع على حق الشعوب في تقرير مصيرها ، بل كانت في سبعينيات القرن الماضي عاصمة الحركات التحررية في العالم و قبلة الثوار ، و هنا نستذكر المقولة الشهيرة للزعيم( أميكال كابال) :" إذا كان الفاتيكان قبلة المسيحيين و مكة قبلة المسلمين فإن الجزائر قبلة الثوار".
فالجزائر طالما ناصرت القضايا العادلة و حق الشعوب في الحرية و الإنعتاق من أغلال الإستعمار ، إذ ناصرت القضية الفلسطينية ظالمة أو مظلومة ، كما دعمتها ماديا و إعلاميا و دبلوماسيا، و هي التي طلبت من الأمم متحدة من إعطاء فلسطين منصب عضو كامل الصلاحية في الجمعية العامة ، عوض كونها عضو مراقب ، كذلك بخصوص قضية صحراء الغربية فقد ساندت حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره و ضرورة تفعيل دور مجلس الأمن لتنفيذ قرار الأمم المتحدة القاضي بتنظيم و مراقبة عملية الإستفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية و هذا طبقا لمخرجات اللائحة الاممية رقم 4 و التي تعتبر الصحراء الغربية إقليم ذو حكم ذاتي.
و نتيجة لهذه المبادئ الراسخة في السياسة الخارجية الجزائرية ،جعلت بعض الدوائر و القوى الأجنبية و اخرى
وظيفية ، تتهم الجزائر بأنها دولة إرهابية و مارقة لأنها لم تمشي و فق مخططاتها ،و لذلك نجد الجزائر مع الرئيس الحالي عبد مجيد تبون، تتجه نحو الإعتماد على دبلوماسية الفعل و ليس رد الفعل ، كما أنها اصبحت أكثر برغماتية و واقعية في علاقاتها مع شركائها ، و هذا ما لمسناه فعليا عندما اعلن الرئيس تبون إلى ضرورة مراجعة الإتفاقيات الموقعة مع بعض الدول التي لا تدر نفعا بالإقتصاد الوطني ، فقد أشار صراحة إلى إتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي الذي وقع سنة 2005 و دخل خيز التنفيذ 2007 ، في ظروف أقل ما يقال عنها غير مستقر سياسيا ، فقد إعتبر أن هذا الإتفاق تم توقيعه لأهداف سياسية من اجل إعطاء إنطباع للمجتمع الدولي على أن الجزائر أكثر ديناميكية و إنخراطا في علاقاتها الخارجية ، غير أن هذا الإتفاق لم يخدم بتاتا الإقتصاد الحزائر بسبب بنوده المجحفة في حق الإقتصاد الجزائري ، و تعطي إمتيازات مالية المنتجات الأوروبية من خلال إستفادتها من عفاءات جمركية و هذا ما أدى إلى خسارة الخزينة الجزائرية بنحو 60 مليار دولار منذ التوقيع على إتفاق الشراكة.
كما تتجلى الواقعية البرغماتية في سياسة عدم الإنحياز التي تتبعها الجزائر ، فعلاقاتها مع الولايات جيدة و ثابتة مثلها مثل علاقاتها مع دول الإتحاد الأوروبي و التي ترى في الجزائر شريكا موثوقا خاصة في الإمدادت الطاقوية ، كذلك علاقاتها مع روسيا و الصين هي كذلك علاقات جيدة ، في وقت التي ذهب فيه الدول الأوروبية وحتر الأسياوية (كوريا الجنوبية ، الهند اليابان )إلى التموقع في صف أمريكا من خلال سياسة الإستقطاب لمواجهة روسيا في حربها ضد أوكرانيا ، نجد الجزائر كانت واقعية و برغماتية في تحركها ، فلم تقف في صف أمريكا في مواجهة روسيا كما أنها لم نقف مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
و على هذا الأساس قام الرئيس عبد المجيد تبون في أواخر شهر فيفري بإعطاء أوامر للخارجية الجزائرية بفتح سفارتها في كييف ، و التي اغلقت بسبب تدهور الأوضاع الأمنية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية . فالقارئ لهذا القرار هو رغبة الجزائر إلى بعث رسالة المجتمع الدولي و لبعض القوى الفاعلة فيها ، بأنها دولة صاحبة سيادة و ليست دولة وظيفية مثل بعض الدول الجارة التي تقوم لتنفيذ مخططات و أجندات قوى في المنطقة ، كما أن الجزائر أرادت من هذا القرار التأكيد على انها مازات تمشي وفق سياسة عدم الإنحياز و عدم خضوعها لسياسة الإستقطاب.
في نهاية كلامنا ، نتوصل إلى نتيجة مفادها أن السياسة الخارجية الحزائرية هي سياسة قائمة على المبادئ الثابتة و القيم الراسخة في علاقات مع الدول مع برغماتية واقعية تدعم مصلحتها الوطنية و تحمي أمنها القومي، في ظل تحديات جيوسياسية يشهدها العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا