الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العَصَبِية القَبَلِيّة لدى الحكومات العربية

عبد الفتاح مرتضى

2003 / 6 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                     
      الحكومات العربية بشكل عام – عدا الحكومات العربية الإفريقية – منبعهم ألأساسي شبه الجزيرة العربية ، وللتأريخ ، فإن الجزيرة العربية قد عاشت صراعاً بين القبائل العربية المختلفة قبل ألإسلام وحتى في بداية ظهوره ، من خلال أعمال السلب والنهب كلٌ فيما بينهم ، وإستمرت هذه الحالة حتى بعد ظهور ألإسلام كما حدث في غزوتي بدر وأُحُد ،حيث سميتا بالغزوة دلالة على ان الغزوات كانت من حيثيات العمل والتفكير ألأساسي لإنسان شبه الجزيرة العربية0وحاول ألإسلام بكل قوته ان يلغي مبدأ العصبية القبلية ، لكن بعد وفاة النبي ،عادت موضوعة العَصَبية القَبَلية مرة اخرى وأثمرت بوضوح خلال الحكمين ألأموي والعباسي العربيين ثم الفارسي والعثماني غير العربيين 0 وإستمر العرب الذين يخضعون تحت حكم الإحتلال العثماني وبما تسببه العقلية العثمانية ايضاً من حالة التفرقة التي تخدمها بين القبائل العربية المختلفة وذلك بحكمها المتخلّف الهمجي والطائفي المتعصب، مما زاد من حدة ألإفتراق فيما بين القبائل العربية الذين حاول الإسلام ان يوحِّدَهم . وكانت الدولتان ألأموية والعباسية ثم العثمانية قد دمَّرت كل مافعله الإسلام في سنواته الاولى .
     وبعد إنتهاء الحكم العثماني في المنطقة العربية ،جاء الحكم الأوروبي متمثلاً بالبريطاني والفرنسي وكذلك ألأميركي سواء بشكل مباشر او غير مباشر، ليعيد موضوعة العَصَبية القبلية بشكل آخر او بصيغة جديدة من خلال مبدأ (فرِّق تسد). فأسَّست كل من بريطانيا وفرنسا جامعة الدول العربية التي تمثّل الحكومات الناطقة بالعربية وليس طموحات وأماني وتطلعات الشعوب العربية. وبما ان هذه الحكومات تابعة بشكل مباشر لتلك الدول الإستعمارية، وبإزدياد الوعي الجماهيري للتخلص من الإستعمار، كان مبدأ العصبية القبلية يطفو الى السطح بشكل آخر او بصيغة معدَّلة من خلال مبدأ (فرّق تسد) السيء الصيت، وهو مايخدم الحكومات العربية وطموحاتها في ألإحتفاظ بكراسيها بمباركة الدول الإستعمارية.
     وبدأت الحكومات العربية تمارس هذا المبدأ للحفاظ على كراسيها، فلا عجب إن وجدنا أن كل دولة عربية تدّعي ان لها تأريخاً مشرِّفاً يتجاوز به على تأريخ الدول العربية الأخرى ، وأنّ لها ألأولوية في قيادة الدول العربية الاخرى. كل حكومة عربية تحاول ان تقوّي من سلطتها داخل مجموعة الحكومات العربية لغرض قيادة الآخرين وهو لا يختلف عن مبدأ قبائل قريش قبل الإسلام وبعده كما ذكرنا في قيادة العرب تحت سلطة واحدة .
ويمكن ان نعتبر قصة الزير سالم كنموذج حي على مايفعله الأعراب حينما يديرون شؤون البلاد حتى على اقرب الناس اليهم والمقصود بهم ابناء العمومة، ويمكن ان نعتبر الزير سالم دليلاً لما يفكر به العرب وكيف يتصرفون كما هو الواقع الحالي .
    قلنا في مقال سابق أنَّ بتحوِّل اميركا من صنع ودعم الديكتاتوريات الى الديمقراطيات في المنطقة العربية ليس لإيمانها بالديمقراطية او إيمانها بأن الشعوب يجب ان تعيش بحرية بل، لأن هذه الديكتاتوريات التي اوجدتها باتت تشكل خطراً كبيراً عليها من خلال التشكيلات التي تأسست في ثناياها، وباتت هذه التنظيمات تشكل خطراً على المصالح الاميركية بالذات بعد ان إستنفدت أغراضها منها، وبات من الضروري حفاظاً على مصالحها ومبدأ السيطرة على العالم ان تبدأ بتغيير هذه الانظمة الديكتاتورية الى انظمة اكثر إنفتاحاً كما هو الحال في التغيير الذي حصل في الاردن. وبما ان كل الحكومات العربية بلا استثناء هي حكومات ديكتاتورية مدعومة من قبل اميركا وبريطانيا، فإن مبدأ تغييرها الى نظام ديمقراطي يعني تغيير كل هذه الحكومات بلا استثناء، وهذا مادعا كل هذه الحكومات للوقوف ولو بشكل علني ضد الغزو الاميركي- البريطاني للعراق وتغيير نظامه الى نظام اكثر ديمقراطية .
    ففي الوقت الذي وقفت فيه هذه الحكومات ضد العراق وساهمت بشكل مباشر في تدمير بنيته الاساسية وتقتيل ابناءه عام 1991 ،ذلك ان الهدف كان تقوية موقع هذه الحكومات اولاً وتدمير العراق الذي اصبح قائداً غير معلن لكل الدول العربية ثانياً، وهذا مالاتقبل به عقلية العصبية القبلية التي تتحكم بالحكومات العربية ،حيث لا ترضى بأن يقودها سوى الحكومات نفسها التي تطالب بأن تكون هي القائدة للآخرين ولا تقبل بقيادة الاخرين لها.
     وبما ان العراق عام 1989 قد ظهر بأنه يجب ان يقود الدول العربية الاخرى بحكم قوته العسكرية وانتصاره في الحرب على ايران بدعم اميركي فرنسي بريطاني اسرائيلي كامل ،وبات العراق القوة المركزية في الشرق الاوسط، لكن اختلاف المصالح بين النظام العراقي وأسياده دعا الى ضرورة كسر شوكته لا القضاء عليه، فوجدت الحكومات العربية طريقها لهدم وكسر جناح العراق ليبقى في الخلف وتستمر هي في البناء والصعود حتى ولو على مئات آلآف الضحايا من العراقيين، فالعصبية القبلية التي تتحكم بهم والطائفية البغيضة لدى البعض الآخر هما كانا الهدفان الرئيسيان للمشاركة في تدمير العراق وليس تحرير الكويت .
    لكن ماحصل في الألفية الثالثة ،ان الوضع الإستراتيجي قد تغير بعد احداث 11 أيلول، وهذا مالاتطمح اليه الحكومات العربية من ان تغيير النظام في بغداد يعني ان دورها هو التالي على خريطة تغيير واقع الانظمة في منطقة الشرق الاوسط .
    ان العصبية القبلية التي تتحكم بالحكومات العربية تجعلها تعلن دائماً بانها هي الاولى في كل شيء ،وعقدة النقص هذه تتملكها بلا استثناء، مما يجعلها لا تقبل بأي قيادة عربية اخرى من اي دولة كانت .هذا التنافر والتناحر فيما بين القيادات العربية مبدأها الاساسي العصبية القبلية. ويمكن ان نرى بوضوح ماحل بالعراق خلال فترة حكم صدام في الوقت الذي نرى كيف ان كل الدول العربية بلا استثناء قد قامت ببناء بلدانهم مقابل تدمير العراق وهو مبدأهم الذي بدأ منذ عام 1958 بعد ثورة 14 تموز ،والذي نختلف فيه برؤيتنا عن كثير من العراقيين من خلال الرؤية التحليلية لعقلية عبد الكريم قاسم والتي تقول بانه لم يكن سياسيا بقدر ماهو عسكري، في الوقت الذي نرى فيه نحن ان عبد الكريم قاسم كان يمتلك وعيا سياسيا كبيرا وكان يعلم بان الحكومات العربية لا تعمل لصالح الدول الغربية فحسب بل تعمل وفق هذا المبدا وهو العصبية القبلية مما جعله يرفع شعار : (العراق أوّلاً )وهذا ماحدا بمصر بشكل خاص الى محاربة العراق منذ ذلك التاريخ وحتى ألآن.
     على العراقيين ان يعلموا جيداً اذا ماأردنا ان نعيد للعراق مكانته الدولية والاقليمية، عليهم ان يتخلصوا من أي آثار للعروبية وارتباطه بالدول العربية الاخرى سوى المصالح الاقتصادية ولا بأس بالأمنية، اي من مبدأ المصالح فقط لا لإرتباط المبدأ المصيري .ماأتمناه هو ان يخرج العراق من عضوية الجامعة العربية طالما ان العراق ليس عربيا مائة بالمائة ،حيث ان مايقارب الثلث من سكانه ليسوا عربا فعليه ماهي المبررات التي تقرر ان يكون العراق عربيا ؟
    ان الحكومات العربية التي وقفت مع اميركا ضد العراق عام 1991 هي نفسها التي وقفت ضد اميركا عام 2003 حيث تعلم جيداً أن بإمكان صدام ان يغامر وان يشتري العالم كله باموال العراق ويمكن ان يكون للعراق دور ريادي كبير فيما لو حصل ماكان يخطط له صدام خصوصا بعد تقاربه الاخير بشكل مباشر مع اسرائيل وهو مالاتطمح اليه الحكومات العربية مما جعلها تقف بالضد من تغيير النظام في الوقت الذي كانت تحارب النظام عام 1991 .
    وكما نلاحظ في المواقف العربية فهي كانت تطالب برفع الحصار عن العراق ولم يكن هدفها رفع الحصار عن الشعب العراقي بل فيما ستحصل عليه من امتيازات مادية كبيرة كان النظام في بغداد باستمرار يوعدها بها من خلال عقود النفط وحينما تم رفعه مؤخراً إنكشفت حقيقتهم لأن مولى نعمتهم زال مع الحصار وهذا يعني انهم لن يحصلوا على ماكان صدام يوعدهم بها.
     ان من المهم للحكومات العربية ان يبقى العراق ضعيفاً ومعزولاً اقليمياً ودولياً لكي تتصرف هي في قيادة الدول العربية دون منافس من احد. ان ماحصل للعراقيين على يد العرب انفسهم خلال الإثني عشر عاماً الماضية دليل واضح على مايمكن ان يفكر به العرب بشكل عام ليس ضد العراقيين فقط وانما حتى فيما بينهم، وهذا واضح في التعامل مع العرب فيما بينهم في بلدانهم ومع العرب الاخرين، واوضح دليل ماكان بين دول الخليج نفسها في محاولة للإستئساد برضى اميركا واسرائيل دون الدول الاخرى وجعل الحظوة لديهم وهو ماقلنا عنه انه نتيجة الايمان بمبدأ العصبية القبلية.
     واذا عدنا للعراق والشعب العراقي، فإن ماذاقوه من العرب خلال الاثني عشر عاماً الماضية لهو كافٍ لجعلهم يشعرون بعدم حاجتهم لوجودهم في الجامعة العربية الهجينة والإهتمام ببلدهم وشعبهم قبل كل شيء وهذا مالايرغب به العرب ايضا لأنه يعني ان يعود العراق لوضعه الطبيعي ولكن بشكل افضل مما كان عليه في السابق مهما كانت المبررات للإحتلال الأميركي فهو بالتاكيد لن يكون اسوأ من نظام حكم صدام وحينما إنتهى الأمر بسرعة في بغداد عادت الحكومات العربية لتصحّح مواقفها من موضوعة الاحتلال وهو دليل على ان الحكومات العربية بلا استثناء لا تقدم اي خدمة للعراقيين.
     ان موضوع تجميد عضوية العراق في جامعة الدول العربية هو امر ضروري اذا اردنا للعراق ان يعيد بناء نفسه ويتخلص من كل آلآثار التي حلّت به سواء على يد نظام صدام او على ايدي الحكومات العربية .


د.عبد الفتاح مرتضى
عضو المنظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين
كندا – ايار – 28 - 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة