الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدالة تحت المشنقة

رياض ممدوح جمال

2023 / 6 / 16
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد، عن قصة حقيقية

تأليف : رياض ممدوح جمال

المكان : العراق – بغداد

الزمان : عام 2007

الشخصيات :
وليد : شاب في السادسة والثلاثون من العمر.
رضية : امرأه في الستين من العمر. وهي ام وليد غير الحقيقية.
مخلص : رجل في نهاية الاربعينات من العمر وهو عم وليد.

المنظر : (غرفة متهالكة كل ما فيها هو عبارة عن بسط ومفارش قديمة
على الارضية ومنضدة متهالكة عليها جهاز تلفاز قديم. رضية
ومخلص جالسين على ارض الغرفة).

مخلص : لقد بذلت قصارى جهدي على ان يغير رايه ابن اخي وليد ويأتي
معي الى المانيا، ولكن دون جدوى فهو متمسك بكما انت وزوجك،
ويعتبركما ابويه الحقيقيين وان عليه ان لا ينكر جميلكما. والسبب
الاخر هو حبه الكبير لعمله كسجان، وهذا ما يثير استغرابي.
رضية : صحيح اننا بحاجة ماسة اليه ونعتبره ابننا الوحيد فعلا، لكننا مع
ذلك بذلنا جهودا كبيرة ليبحث عن مصلحته هو لا مصلحتنا نحن
ولكننا فشلنا في اقناعه.
مخلص : لم يبق على موعد عودتي الى المانيا الا بضع أيام، فاردت
رؤيته لساعات اكثر. وارجوا ان لا اكون قد ازعجتكم بزياراتي
خلال الايام المنصرمة ولا بزياراتي القادمة.
رضية : نحن ابوابنا مفتوحة دوما لكل زائر، الغريب والقريب. فكيف
بك انت عم ابننا وهو ابن اخيك وليد. ان هذا بيتك، واعتبره
بيت وليد وبيت اخيك رحمه الله.
مخلص : (يتأثر حزنا)
رضية : (تشعر بتأثره) انا اسفة اني ذكرتك بأخيك ابو وليد.
مخلص : كلا، انا لم انسه يوما حتى اتذكره الان، فهو دائما في فكري.
بالمناسبة، هل تذكرينه بعد مرور ستة وعشرين سنة على
اعدامه؟
رضية : اخوك ابو وليد لم اذكره جيدا، فقد رايته فقط ساعة صعوده الى
المشنقة. ولكني اذكر المسكينة زوجته جيدا.
مخلص : لقد تحدثنا قليلا عن ذلك ولكني لم اكتف فانا متعطش لمعرفة
المزيد من التفاصيل، ان لم يزعجك ذلك.
رضية : لقد كان قد مضى خمس سنوات على عملي كمنظفة في سجن ابو
غريب القريب من هنا، ابتدأت حربنا مع إيران وبعد مرور سنة
تقريبا من اندلاع الحرب، جاءوا بأخيك وزوجته الشابة ذات
العشرين عاماَ وكانت آنذاك حاملا. وقالوا لنا، ان محكمة الثورة
قد حكمت عليهما بالإعدام. ولا اعرف السبب.
مخلص : ذلك تماما، فقد سبق لهما ان التحقا بجماعتنا في جبال كوردستان
ومعارضتهم النظام وذلك في عام 1979. وفي عام 1981 عادا
الى بغداد، ولكن تم القاء القبض عليهما في احدى السيطرات.
رضية : اليس خطا ذهابهما ثم عودتهما. كيف يمكن استغفال الاسد بعد
ايقاظه. لا يمكن لعاقل ان يفعلها.
مخلص : كان ذلك هو خطا القيادة. وكثيرا ما تكون القيادة هي اخر من
تدرك اخطاءها، لا بل تفلسف وتبرر اخطاءها.
رضية : وهل انهم يتبعون القيادة كما يتبع المؤمن رجل الدين دون
تفكير؟
مخلص : نعم نفس الشيء، هذا هو طبع الاغلبية من القطيع.
رضية : واين كنت انت في حينها ؟
مخلص : كنت معهما في كردستان. ولكني حال ما علمت انه تم اعدامهما
تركت البلاد وكل شيء وهاجرت الى المانيا. ولم اعد الى
العراق حتى بعد سقوط النظام عام 2003. ولكن حين علمت
قبل مدة قصيرة ان زوجة اخي كانت قد ولدت طفلا قبل شنقها،
جئت ابحث عنه.
رضية : وكيف اهتديت اليه هنا عندنا؟
مخلص : لقد ذهبت وبحثت في سجلات السجن ولم اعثر على اثر لابن
اخي. ولكن احدى العاملات القديمات في السجن دلتني عليك،
وحدثتني عما تتذكره عن ولادة وليد في السجن. اريد الان ان
اسمع تفاصيل اكثر عن القصة منك، وما تتذكرينه عن ذلك.
رضية : كانت ميادة زوجة اخيك حامل عندما جلبوهما، هي واخاك الى
سجننا. وعندما اقترب موعد تنفيذ حكم الاعدام، قدمت ميادة
طلبا الى المسؤول عن السجون ان يتم تأجيل تنفيذ الحكم الى
ما بعد ولادتها. فجاء الرد بالرفض قائلا، ان البلد ليس بحاجة
الى خائن جديد فعليهم اعدام الجنين معها حتى وان كان في
بطنها. حتى انها طلبت ان يجرى لها عملية ولادة قيصرية،
ولكنه رفض ايضا. وجن جنون ميادة وحاولت الا سراع بالولادة
بكل الطرق. وفي ساعة التنفيذ اقتادوها الى المشنقة وهي تصرخ
وتعصر نفسها لعلها تنقذ جنينها من الموت، ولكن دون جدوى.
وحدثت معجزة بعد ان تم تعليقها بحبل المشنقة ظلت ترافس وتدفع
بساقيها بكل قوتها، فسقط الجنين على ارضية منصة المشنقة وماتت
هي، ولكن الجنين حي ظل يصرخ.
مخلص : ربما اراد ان يكمل ويواصل صرخة امه، او انه اراد ان
يوصل صرخته لامه ليعلمها انه حي لم يمت وسيواصل
الحياة بعدها، كما ارادت هي.
رضية : واحتارت ادارة السجن بأمر المولود، لان امر قيادتهم يقول
يجب اعدامه. اقترح السجان بدفن الوليد مع امه وان كان حيا.
وايده بذلك رجل الدين الذي حضر لتلقين ميادة الشهادتين. ولكن
الطبيب الذي كان من واجبه التأكد من موت ميادة وكتابة تقرير
بذلك، رفض اقتراح السجان وقال، ان الطفل لا ذنب له وان
العقاب يقع على الجاني فقط. واخيرا قررت ادارة السجن، خوفا
من قيادتها، ايداع المولود عند طرف ثالث لحين البت بمصيره.
وانتهزت انا الفرصة وعرضت عليهم ان يودعوه عندي ووافقوا
على ذلك. وجلبت المولود معي الى البيت، ولكوننا لم ننجب
اطفالا انا وزوجي، رحب وفرح زوجي بالطفل. ومن حسن الحظ
تم نسيان امره من قبلهم فيما بعد. قمنا انا وزوجي بتسجيله بدائرة
النفوس باسمنا واسميناه وليد. وظل وليد بهجة حياتنا.
مخلص : يا لطيبتكما! كيف احتملت البقاء بين هؤلاء المجرمين لهذه المدة
الطويلة؟
رضية : انها الحاجة للقمة العيش. ولقرب السجن من دار سكننا هذا
تم تعييني فيه كعاملة تنظيف، وبقيت في عملي هذا حتى
بعد تغيير النظام، وكان وليد حين ذاك يعمل حمالا في السوق،
ومن خلال عملي لسنوات طويلة وعلاقاتي البسيطة في السجن
استطعت حشره في البداية كعامل تنظيف لحمامات السجانين، ثم
تدرج واصبح سجانا. وفي العام الماضي تم احالتي الى التقاعد.

مخلص : الحياة مليئة بالأشواك ولكن عزاءنا وجود الزهور من امثالكم
بينها.
رضية : لقد امضيت اكثر من ثلاثين عاما في عملي ذاك.
وتعرفت على الكثير من السجناء، فتيات ونساء وعجائز،
وشباب بعمر الزهور، وحتى الشيوخ منهم. واكثرهم
كالأولياء لا ينقصهم العقل ولا الاخلاق. ولكني لم اجد
جوابا يقنعني عن انه لماذا يتدخل هؤلاء وبعناد في هذه
السياسة اللعينة؟
مخلص : انهم كالأم لهذا الشعب وهي ترى ان السلطة تظلم اولادها.
رضية : كثير من حديثكم، انتم المتعلمون، لا افهمه وكانه الغاز
او لغة اجنبية.
(صوت الباب، تخرج رضية وتعود بصحبة وليد)
وليــــد : اهلا بعمي العزيز( ينكب ويقبل راسه).
مخلص : اهلا بك يا ابن اخي العزيز.
رضية : سأذهب انا لأهيئ لكما الطعام، لابد إنكما جائعان الان
(تخرج)
مخلص : كيف حالك يا ابن اخي، وكيف تسير الامور في عملك ؟
ولـــيد : انها على خير ما يرام.
مخلص : هنيئا لمن يكون سعيدا في عمله. ذلك هو نصف حياة المرء.
ولــــيد : انها خير مهنة تناسبني واناسبها.
مخلص : اذن انت مغرم بمهنتك كسجان!
وليــــد : نعم، وكان القدر قد اختارها لي على مقاساتي.
مخلص : لم افهم سبب ولعك بهذه المهنة!
ولـــيد : لأنها المهنة الوحيدة التي فيها اوفي والدي الحقيقيين حقهما.
مخلص : (بانزعاج) اذن هي وسيلتك للثأر والانتقام؟
وليـــد : ممكن قول ذلك، نعم. فليس هناك عمل امتع من ان
تنتقم من الذين حرموك من والديك.
مخلص : يجب ان لا تشعر بالمتعة في ذلك، بل ان تشعر بانك تؤدي
واجب تطبيق القانون فقط.
ولـــيد : انا لا افكر بهذه الطريقة، يا عمي. وانما افكر انه كلما
كثر الموت قل الاعداء.
مخلــص : انت بذلك تعالج الخطأ بالخطأ. وكمن يزيت دولاب الموت
بالدم، والدم لا يجلب الا الدم.
وليد : المهم هو ابادتهم جميعا.
مخلص : من المستحيل القضاء على جميع الذباب بشكل مطلق
وتردي بواسطة مضرب قتل الذباب. وان فاتت
مجرد ذبابة واحدة، فسينشأ منها ملايين الذباب في المستقبل.
ويعود كل شىء كما كان.
وليد : اذن الحل هو قتلها جميعا دون ان تفلت منا ذبابة واحدة ابدا.
مخلص : وهذا مستحيل.
وليد : اذن هل نتركها ونياس.
مخلص : كلا، لا تتركها. ولكن غير أساليبك في ابادتهم.
وليد : وكيف ذلك، يا عمي؟
مخلص : ذلك في خلق بيئة نظيفة، لا يجد الذباب فيه ما يتغذى عليه.
وليد : وكيف ينطبق ذلك على هؤلاء المجرمين؟
مخلص : كذلك بأن تنظف البيئة التي يحتاجون اليها هؤلاء.
ولـــــيد : عندما انفذ شنق الاعداء لا افكر بكل هذه التفاصيل.
مخلص : المشنقة كالعملة المعدنية لها وجهان، وجه للظلم ووجه
للقصاص، فاستخدمها للقصاص لا للظلم والانتقام.
وليــــد : هل تريد مني ان اقبل المجرم والاطفه عند شنقه؟
مخلص : كلا، بل فقط لا تنظر اليه كقاتل لوالديك لك ثار شخصي معه،
بل انظر اليه على انه مجرد قاتل وانك تنفذ القانون بحقه دون
أي حقد شخصي لك انت بالذات.
ولــــيد : لا ارى ان هناك فرق او اختلاف كبير بين الاثنين.
مخلص : بل هناك فرق، كالفرق بين السماء والارض.
وليد : اني بالكاد افهم المسائل الواضحة التي تناسب عقلي وتفكيري.
(تدخل رضية، وتجلس على الارض)
رضية : قريبا سيكون الطعام جاهزا. كيف حال عملك يا ولدي؟
وليد : اليوم قدت بيدي إلى المشنقة، مسؤول السجون في النظام
السابق، ويقال انه كان مجرما كبيرا.
(رضية ومخلص ينظران لبعضهما باندهاش)
ماذا هناك! انتما تعلمان ان هذا هو واجبي. فما الذي يدهشكما
فيما قلته؟
رضية : قلت مسؤول السجون في النظام السابق؟!
وليد : نعم، واسمه شعلان.
رضية : (تزداد دهشتها. توجه حديثها إلى مخلص)
انه هو بعينه!
مخلص : هو الذي قال، ان البلد ليس بحاجة الى خائن جديد؟
رضية : نعم، نعم هو تماما، صحيح اسمه شعلان.
وليد : لم افهم شيئا منكما، فهو كان معروفا جدا.
مخلص : نعم، كان مجرد ذكر اسمه يرعب البلاد كلها.
وليد : ولكنك لو رايته اليوم وانا اقوده الى المشنقة وهو يرتجف
رعبا، لقلت انه طفل يخشى زرقة الابرة.
رضية : يا لغرابة الحياة!
وليد : والاكثر غرابة، هو انه حين تعلق بحبل المشنقة، انفصل راسه
عن جسده، الذي سقط على ارضية منصة المشنقة.
مخلص : (موجها كلامه إلى رضية) على نفس أرضية منصة المشنقة،
التي سقط عليها ذلك الوليد؟!
رضية : نعم، هي نفس الأرضية بالضبط.
وليد : (مازحا، موجها كلامه إلى أمه رضية) يبدو اني لم اعد افهم
شيئا، من شدة الجوع. فأرجوك ان تجلبي لنا الطعام. فهو
افضل من اي حديث.
(تنهض رضية وتخرج وهي ذاهلة)

ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال