الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الحقيقي واليسار الزائف

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2023 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


تجرى في الغرب عملية غسيل دماغ جماعي فاضح، لمحو موضوع الصراع من أجل ردم التباينات الطبقية، كصراع أجتماعي تخوضه الطبقات والشرائح الأجتماعية المغتصبة حقوقها في العيش الكريم، والاستعاضة عنه بالترويج لصراعات مفتعلة، أو مضخمة، وتسويقها للأذهان باعتبارها هي التناقضات الحيوية والأساسية، للتمويه على حالة الأستلاب الأنساني الناجمة عن استحواذ أقليات بالغة الضئالة لا تزيد عن خمسة بالمئة من النخب الاقتصادية على حوالي تسعين بالمئة من ثروة العالم، وإبقاء الخمس وتسعين بالمئة الآخرين في صراع ضار يوصل حد اليأس من أجل حياة كريمة.

على مدى عقود طويلة، وربما قرون، من تأريخ العالم السياسي المعاصر، كان مصطلحا اليمين واليسار بالغا الوضوح في أذهان المهتمين بالحياة الأجتماعية والنشاط السياسي، كان اليسار معروفا بانه يضم الأفكار والجماعات التي تسعى الى ردم الفجوة الطبقية بين فئات المجتمع، إن بنضالات سلمية أو عنفية، وتمكنت تلك الأفكار والجماعات بنضالها الذي استخدم كلا الوسيلتين من تحقيق أصلاحات هامة، حررت الأنسان من العمل لعشر ساعات أو أثني عشر ساعة يوميا لستة أيام في الأسبوع، ومنحته الحق في عطلة أسبوعية ليومين في الأسبوع مع تقليص ساعات العمل إلى ثمان أو ست، مع عطلة سنوية لأسابيع أربع أو خمس، كما منحته الحق في الأضراب لتحسين ظروف العمل أو تدني قيمة الأجر الذي يتقاضاه مقارنة بارتفاع الأسعار.

كل هذا جرى في خضم صراع ضد الأفكار والجماعات التي كان يطلق عليها أسم يمين، والتي كانت تحاجج بأن تقليص أيام وساعات العمل سيؤدي الى أفلاس أرباب العمل وأنهيار الأسواق وكوارث أقتصادية مزعومة.

وكان ثمة مجال أخر للنزاع بين اليسار واليمين يتعلق بحرية الفكر والرأي والعقيدة، حيث يسعى اليسار الى إلغاء ما عليها من قيود، دينية أو عرفية، فيما يسعى اليمين الى الحجر على تلك الحرية أو تقييدها بضوابط دينية وعرفية. وهنا أيضا تحققت بفضل نضال اليسار إصلاحات وأنجازات بعضها هائل.

لكن حتى مع كل هذه التطورات، ما تزال الفجوة الطبقية هائلة بين المتمرغين بالثروات ومحتكريها وعموم المجتمع، وبين ما يسمى بالعالم الأول والعالم الثالث أو العالم النامي، والذي يصطلح عليه أحيانا بالشمال والجنوب. فثمة تكدس رهيب للثروات في أيدي حفنة مليارديرات، تعادل ثروات بعضهم ميزانيات دول يعيش فيها ملايين البشر، وليست نادرة الحالات التي تنتشر فيها المجاعات ، في عديد من مناطق العالم، ويضطر كثير من الناس، والنساء على نحو خاص، إلى إهدار كرامتهم الأنسانية للحصول على لقمة العيش لهم وأسرهم.

ومن أجل تمويه هذا الواقع يجري تشويه ممنهج للفكر الجمعي في العالم برمته، عبر الأيحاء بأن التناقضات الآن، تتمحور حول مواضع وقضايا أخرى مثل الحق في تغيير الجنس، من ذكر ألى أنثى أو العكس، وحول مثلية العلاقات الجنسية بين المنتمين الى جنس واحد، لا بل حتى الحديث عن جنس ثالث غير الأنثى والذكر. وأعتبار الأختلاف هول هذه المواضيع هو القضية الجوهرية التي ينبغي أن يتمركز حولها أهتمام البشر. ويسرق مصطلح اليسار ليضفى على أنصار هذا التيار وعلى أفكاره، مقابل أطلاق مصطلح يمين على المعارضين.

وهكذا تغيب عن أذهان الناس التناقضات الأساسية التي تتعلق بعيشهم الكريم، وردم الفجوات الهائلة بينهم، لقصرها على مواضيع هامشية، لا يتضرر منها سوى نسبة تافهة، وتهمل معاناة الملايين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليسار هو الوقوف الى جانب الحريات
د. لبيب سلطان ( 2023 / 6 / 17 - 09:39 )
استاذ نا العزيز
اليسار في عمقه وتحليله الحقيقي هو الموقف الى جانب - الحريات- اي كلمة واحدة لاغير . ان اية طروحات او شعارات او مناهج تحمل قيما انسانية مثل العدالة اوالمساواة او غيرها ان لم تقم على اسس الحريات تفقد قيمتها وحتى غرضها الاجتماعي وهدفها ، فلا عدالة ولا مساواة دون الحريات لانها ستقوضها من محتواها وتحولها في نهاية المطاف الى ادوات لتبرير وممارسة القمع باسمها. وهذا مابرهنته تاريخيا التجارب الاحتماعية الكثيرة ومنها ممارسة الانظمة الماركسية في القمع ومصادرة الحريات تحت يافطة اقامة العدل الاجتماعي وحتى النظام الهتلري يدعي انه اقام نظاما للعدالة وفق مفاهيم عزة و كرامة الامة الالمانية ومثله اية الله يقول باقامة العدل الالهي وجميعها انظمة تنادي بالعدالة وصادرت الحريات ومنها فهي نظما
ديكتاتورية ضد اليسار بمفهومه اعلاه
مثال اخر من تاريخ عراقنا القريب في السبعينات حيث كانت الحريات اهم مطلب ووضعها البعث تحت جزمته ولكنه اعتبر تقدميا لرفعه شعارات يسارية وفق مفهومكم لليسار
ارجو تقبل ارائي مع التقدير


2 - الحرية هي وعي ضرورة التحرر من العبودبة لرأس المال
حسين علوان حسين ( 2023 / 6 / 17 - 13:37 )
الأستاذ الفاضل عبد الله عطية شناوة المحترم
تحية حارة
جزيل الشكر على هذا المقال المهم
الحرية تعني وعي الضرورة مثلما عرفها ماركس العظيم، وأهم ضرورة انسانية هي بناء المجتمع اللاطبقي الذي يحرر البشر من بشاعات العبودية لرأس المال .
الحرية عند للبرالية مبيدة الشعوب تعني حق الامبريالية المطلق في الابادات الجماعية واشعال الحروب المدمرة واحتلال البلدان الضعيفة مثل فلسطين والعراق وافغانستان وسوريا، وكذلك حقها المطلق في تدمير البيئة والمناخ واستنزاف ثروات الأرض الناضبة لتحويلها لجيوب نفر من التنانين مثل موسك وشركاه. ولكون اللبرالية لاتحيا الا على سفك محيطات من دماء البشر، لذا فقد اعطت لنفسها كل الحرية في تنظيم الانقلابات القومية والدينجية في كل انحاء العالم لخدمة مصالحها في نهب الشعوب وابادة ملايين الشيوعيين وذلك بتعميل الحركات القومية والدينجية سمسارا للبرالية مبيدة الشعوب في كل مكان طوال قرنين من الزمان وماتزال. الحرية بالنسبة للبرالية الملطخة من أعلى رأسها الى اخمص قدمها بدماء مليارات البشر تعني ايضا الحرية المطلقة في تزييف وتزوير الحقائق المشهودة عبر سماسرتها الأميين.
كل الحب.
















3 - الأستاذان الفاضلان حسين علوان ولبيب سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2023 / 6 / 18 - 19:33 )
رؤية اليسار الحقيقي للحرية تقوم على تحرير الأنسان من الأستعباد وتحرير فكره من الأستلاب، أي أن يكون حرا ماديا ومعنويا، وبدون الحرية المادية تصبح الحرية المعنوية وهما، ووسيلة لتضليل الأنسان والتعتيم على استعبادة. تضخيم الحرية المعنوية وتشويهها يقفان وراء توسع وأنتشار آفات أجتماعية مثل المخدرات والداعرة الصريحة والمقنعة، ولكلا المجالين أسواق واسعة، وأقتصادات ضخمة تناهز مئات المليارات وربما عشرات الترليونات. يدفع ثمنها الأنسان المدفوع والمسخر جسدا وروحا، لصالح بارونات الجريمة الناشطة في كلا الحقلين، والذين يشترون بدورهم نخبا سياسية وفكرية تبرر هذه الحريات وتدافع عنها وهي في الحقيقة تدافع عن مصالح البارونات، وهناك أيضا حرية أقتناء السلاح الشخصي، ولا داع لتقديم كشف مفصل عن الأرواح البريئة التي تزهق بسبب قوننة هذه (( الحرية )). أساس الحرية هو الحرية المادية، وطريقها ردم الفجوات الهائلة بين الطبقات، وهي محل إدانة من اليمين التقليدي، ومن اليمين الذي ينتحل أسم اليسار.


4 - ‎معركتنا مع السلفية وقبلها البعثية هي الحريات
د. لبيب سلطان ( 2023 / 6 / 19 - 02:23 )
استاذ عبد الله شناوة
ان معركتنا اليوم مع السلفية ليست طبقية بل معركة حريات وقبلها مع البعث كانت كذلك فاليسار هي معركة الحريات وهي ليست كما تطرحون معركة طبقية فلاهم رأسماليون ولاهي معركة طبقية لحقوق طبقة عاملة صناعية وكلاهما لاوجود له وبالتالي توجهتم لخوض معركة مع الغرب خارجيا لاظهار انكم يساريون وهي ليست معركتنا كونها خارجية بينما معاركنا الداخلية اساسها الحريات واقامة نظم ديمقراطية والتنمية الاقتصادية بطرق علمية بعيدا عن التؤدلج المدمر لهما
ان المقصود بالحريات انها اساس لتحرير العقل الذي لايتحرر الا بتوفرها واهمها الحريات الفكرية وهذه غير الشخصية التي تتناولوها في الغرب المشبع بها وتتركون اهميتها في مجتمعاتنا لمقاومة السلفية وانتهاكها لها باسم الشريعة والجماعة وكلاهما اهم معارك اليسار
العربي . وانتم تطرحون اليسار الموقف من العدالة المادية ولا احد يختلف في اهميته ولكن معركة اليسار العربي اليوم هي معركة الحريات والديمقراطية وتحرير العقل من السلفية والتوجه للتنمية
الاقتصادية وماتطرحونه هي المعركة التي تخوضونها مع الغرب في مفاهيمه وهي تخدم اليمين الديني والسلفية
مع التقدير


5 - المتاجرون بالحرية هم ألمبيدون لها
حسين علوان حسين ( 2023 / 6 / 20 - 08:03 )
الاستاذ الفاضل عبد اله عطية شناورة المحترم
جزيل الشكر على ردكم الواضح في ت 3
بالفعل، لايمكن ابادة الصراع الطبقي بالثرثرة الامية الجوفاء. وقائع التاريخ تثبت أن الغرب الامبريالي يبيد الحريات مع الشعوب حالما تصبح الحريات عائقا أمام مصالحه في الإبادة والنهب واشعال الحروب والانقلابات في كل مكان من بلدان أمريكا اللاتينية الى أفريقيا واسيا، وحتى اوربا وامريكا الشمالية، ومآسي ابادة اللاجئين خير دليل على ذلك. كما تثبت وقائع التاريخ أن اليمين الديني والسلفي والقومي واللبرالي كلهم صناعة امبريالية بامتياز لنهب الشعوب واستعبادها. كل الاحزاب الدينية والقومية هي صناعة لبرالية امبريالية تتاجر باللعب على مصائر الشعوب بالشعارات الكاذبة وأهما الثرثرة بالحريات. انظر الآن لكلاب الامبريالية الفاسدين الذين نصبهم الغرب المبيد للشعوب وللحريات حكاما في الخليج والحجاز ومصر وتونس والسودانَين وليبيا وافغانستان وميانمار والفلبين والباكستان والهند وفلسطين المحتلة والعراق، الخ . الحرية الوحيدة التي يدافع عنها اللبراليون هي حرية الامبريالية المطلقة في الابادة والنهب والاستعباد عبر زرع المتاجرين بالحرية في كل مكان.

اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا