الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نقل المعلومة وتوثيقها بين إحداث المعرفة وتكرارها .
ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث
(Yasser Gaber Elgammal)
2023 / 6 / 17
الادب والفن
قضية المصادر والمراجع ليست قضية بسيطة أو مجرد سرد لقائمة طويلة عريضة دون أهداف أو جدوى أو رؤية، فكل كلمة مخطوطة أو مكتوبة لا بد أن تكون لها دلالة وهدف في سياقها أو بجانب أخواتها، ومن ذلك قائمة المصادر والمراجع وكيفية التوثيق والكتابة، والتعامل مع المصادر، وأخذ المعلومة وكتابتها، وكيفية الاعتماد على المصدر في التدليل على الفكرة والرؤية، فهذه بعض القضايا التي تحضرني الآن، وإلا فالكلام على المصادر والمراجع فن له أصوله وثوابته لعلنا نشير إلى بعض منها في تلك السطور تكون بمثابة قواعد منهجية في التعامل مع أي مصدر بعد ذلك.
بداية فإن من المناسب التفرقة بين المصدر والمرجع، فالمصدر هو الكتاب الأساسي الذي يعتمد عليه الكاتب في كتابه ودراسته، ويأتي في المقام الأول، والمرجع يأتي في المقام الثاني في خدمة المصدر والتدليل على الفكرة المقتبسة منه، ودعمها، فعلى سبيل المثال، عندما يتناول كاتب معين موضوعًا يتعلق بالقرآن الكريم، فإن القرآن الكريم في هذه الحالة هو المصدر الأساس، وتأتي كتب التفسير والفقه واللغة كمراجع تألية.
القضية الثانية فإن المصدر البشري يخضع للنقد والتمحيص، وهي مسالة ما يعرف بنقد المصدر، فالسؤال التأسيسي في هذه النقطة، هل تم الاتفاق بين علماء الأمة حول هذا المصدر في تخصصه واعتماده مصدرًا معتمدًا منسوبًا لصاحبه، أم لا؟، وهل الوارد فيه محل إتفاق وقبول أم لا؟، وهذا مثل صحيح البخاري، وكتب السنة، والفقة واللغة وغيرها، فقد مرت بهذه المراحلة من التحقيق والتوثيق حتى استقرت في وجدان الأمة، وأصبحت من المصادر التراثية في الأمة.
يترتب على هذه المسألة لدى المحققين والنقاد أن الكاتب أو الباحث إلى تحدث في قضية علمية أو معرفية ثم يقول المصادر في الوصف أو أسفل المادة المطروحة، كما يفعل في وسائل البث الحديث – اليوتيوب- على سبيل المثال، فإننا تجاه هذا الامر نقول الآتي :
أولا: مجرد ذكر المصادر في الوصف ليس كافيًا على تقبل المعلومة والتسليم لها.
ثانيًا : لا بد أن نؤكد أن هذه مصادر معتمدة أم مجرد كتب لا ترقى إلى المصدرية.
ثالثًا: إذا كانت مصادر فإننا ننتقل إلى المادة المستدل لها هل هذا الاستدلال صحيح أم لا؟
رابعًا: وقد نصل إلى مسألة نقد المصدر والتمحيص فيه، حتى وإن كان مصدرًا معتمدًا.
القضية الثالثة المتعلقة بالمصدر، المحقق، ففي حالة التوسع في التحقيقات والكتابة، وسهولة الوسائل التي تخدم ذلك أصبح التحقيق مجرد نقولات أو تكرار للمكرر فقط، وسرقة مجهود الأخرين، وأصبح التحقيق هكذا، وهذا يدفعنا إلى قضية هامةـ وهي التدقيق في المحقق الذي يضع أسمه على الكتاب، فلابد من الإلمام بمسيرة المحقق العلمية والمعرفية، وجهوده في التحقيق، وأن تكون له سابقة تحقيقة بارزة حتى يكون ثقة فيما بعد، وهكذا، فتوجد تحقيقات تلقتها الأمة بالقبول أو حاز أصحابها القبول عند طلبة العلم، ففي الحديث أمثال أحمد شاكر، وفي اللغة أمثال عبدالسلام هارون، محمد محي الدين عبدالحميد، ومحمود شاكر، ومحمود الطناحي،
وفي التاريخ أمثال سهيل ذكار، وفي السير والفقه وغير ذلك.
النقطة الرابعة : التعامل مع المصادر يكون بحسب التاريخ وبحسب التخصص، فعلى سبيل المثال التاريخية في المصادر تكون بالأقدم، فإذا أردنا الاستدلال على مسألة في أي تخصص، فإن المصادر الأولى التي تناولت هذا الأمر تقدم على ما جاء بعدها وليس العكس.
كذلك من ناحية التخصص، فعندما نكتب عن قضية وليكن ترجمة شخص والتعريف بمنجزه المعرفي، فإننا عندما نتكلم عن الميلاد والنشأة نذكر ذلك من كتب التاريخ والتراجم، وعندما نتكلم عن البيئة التي نشأ فيها – وصف المكان – فإننا نتكلم عن ذلك من كتب البلدان والأماكن ككتاب ياقوت الحموي الذي تناول ذلك وأمثاله من الكتب.
وعندما نتكلم عن مسألة من الأصول فلا يستدل لها من كتب الفروع والعكس كذلك، وعندما نتاول قضية من قضايا اللغة فلا توثق من كتب الأدب والنقد، وهكذا لابد من مراعاة الفروق الدقيقة في التعامل مع المصادر.
وعندما نتكلم عن قضية من قضايا الفقه فلا يستدل لها من كتب التفسير أو السير والمغازي.
النقطة الخامسة : وهي دار النشر التي تقوم بنشر المصادر والمراجع، فإنها لها دور كبير في المصدر، فتوجد دور نشر ليست لديها أمانة علمية في النشر، وتضع تحقيقات مزورة على الكتب أو تنسب تحقيقات لغير أصحابها أو تصور نسخ غيرها وتنسبها لنفسها أو غير ذلك من المخالفات التي التي تُخل بالعملية العملية وعدم مراعاة دقائق الطبع وخطورة عدم إدراك في المتون إذا تبدل بها شيء ولو حرف فإنه كفيل بتغير قضية برُمَّتها.
القضية السادسة، وهي نقل المعلومة من المصدر فإنها تكون بالنقل المباشر من المصدر أو بالإطلاع أو على المعلومات التي تخدم الموضوع من المصادر ثم يحدث بعد ذلك النقل، ويكون بالصورة الحرفية للنص بين علامات التنصيص، وتارة يكون بالمعنى الموجود في النص، وفي ذلك يقول أستاذنا / عاطف معتمد الدرعمي :"يتمتع معظم الباحثين بمستوى ذكاء متوسط أو فوق المتوسط، وهناك فروقات بينية تجعل أحدهم يتقدم على الآخرين.
وإذا افترضنا تتثبيت كل العوامل الأخرى، من ظروف مالية واجتماعية واتزان نفسي وعافية بدنية وعدم وجود عراقيل ونيران صديقة، سنجد أن الإحاطة بالمراجع عامل فارق محوري.
في عام 2008 رافقت أستاذا مصريا شهيرا في الجغرافيا إلى تونس، وهناك قال لي "ها قد وصلت للدولة التي كتبت عنها بحثا قبل عشر سنوات دون أن أراها بعيني!"
لا يعرف كثيرون أن جمال حمدان كتب عن تفاصيل جغرافية مصر دون أن يكون قد رأي بعينه أو داس بأقدامه على معظم الأقاليم والبقاع التي تحدث عنها، بل استعان بنحو ألف مرجع كان مؤلفوها قد قاموا بالرحلات والانتقالات والسفر وجمع المادة العلمية من مصادرها الأولى.
وما قام به حمدان هو امتداد لمدرسة شهيرة في الإحاطة بالمراجع قبل الكتابة وصياغة الفكرة والنظرية.
في السيرة الذاتية للفيلسوف المصري زكي نجيب محمود محطة مهمة أعير فيها لدولة عربية خليجية شقيقة لم تكن فيها مراجع عن الفلسفة الأوروبية التي كان يهواها الفيلسوف الكبير، بل كانت عامرة بكتب التراث الإسلامي، وهنا حدثت نقلة نوعية في ما قدم من أعمال ومقالات ورؤى بعد أن وجد نفسه في مكتبة عامرة بمراجع إسلامية دون سواها.
وفرة المراجع والمصادر تحتاج إلى إدارة رشيدة للعقل. فلو قرأت كل شيء ستصبح تابعا للجميع، ولن تكون لك شخصية. وهنا لا تكتمل نعمة المراجع إلا بصفة أخرى تحتاج إلى تدريب منهجي طويل أي القراءة النقدية.
الاكتفاء برؤية نقدية وحدها – وهي خصلة نعاني منها جميعا – لا يسمح لك سوى بغلاف لامع من الحكمة والنقد وزعم نفاذ البصيرة، ولكن من دون أسس وقواعد من المراجع و"أمهات" الكتب.
في كلمتين: أنت ما تقرأ..أنت المَرَاجِع !(( ))
وفي التعامل مع المصادر والمراجع فإن هذا علم يدرس من حيث التعامل والتوثيق، وقد تكلمنا على التعامل المعرفي أو جزء منه مع المصدر، بقي الإشارة إلى التعامل مع المصادر والمراجع في التوثيق ونقل المعلومة، فمن يرى من العلماء أن المصدر عند ذكره أول مرة في البحث تذكر بياناته كاملة من : اسم المؤلف / أوالكتاب، ثم اسم الكتاب أو المؤلف – هذا حسب من يبدأ باسم المؤلف أو الكتاب- ثم المحقق في حالة كون الكتاب محققًا، ثم دار النشر، ثم الطبعة، ثم سنة النشر. وفي حالة عدم توافر سنة النشر يكتب ( د- ت)، و(د- ط) في حالة عدم معرفة رقم الطبعة.
وبعد ذلك يذكر اسم الكتاب / المؤلف، ثم رقم الصحفة أو الجزء، في حالة تعدد الأجزء، وهكذا على امتداد البحث.
ويري البعض الآخر أن يكون التوثيق من البداية بذكر المصدر أو المرجع ثم المؤلف / الكتاب، والجزء والصفحة، وبقية المعلومات تذكر في النهاية في قائمة المراجع.
وطريقة توثيق المقالات المنشورة في المجالات مثل السابق، لكن يزيد عليها رقم العدد(ع)، والمجلد ( مج)، واسم المجلة، والجامعة التابعة لها.
كانت هذه هو المصادر المعتمدة في الآونة الأخيرة إلى أن ظهر الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من المستجدات والحوارات الصوتية والمرئية، والمقابلات، وكل هذا مادة علمية يمكن توثيقها والاعتماد عليها؛ لذلك فهي مصادر جديدة تخضع للنقد ابتداء من حيث قبول المعلومة أو رفضها ثم بعد ذلك توثيقها، وقد توثق بعيد عن ذلك بغض النظر عن الموافقة على الكلام الوارد فيها أم لا.
وهذا يكون بذكر عنوان الموضوع أو المقال، واسم الكاتب، والموقع المنشور فيه، وسنة النشر، ووقت دخول الباحث على الموقع، ورابط المادة المنشورة. وذكر التخصص إذا ذكر.
كذلك فإن من النقاط الهامة المتعلقة بالمصدر قضية تعدد الطبعات والمراحل الزمنية بينها، ورصد التغيرات التي طرأت عليه والخلاف بين تلك الطبعات، والتغيرات التي طرأت على الكاتب والمكتوب، فهذه نقطة مهمة في رصد التحول الحادث في المصدر أو التغيرات التي لحقت به.
ثم إن قائمة المصادر والمراجع لها فلسفة ودلالة في موضعها، فهي منهجية علمية مؤسسة على أبعاد دلالية يمكن من خلالها رصد العديد من القضايا، فهي تبدأ بذكر المصادر أولا، ثم يتبع ذكر المراجع العامة، ثم المجلات والدوريات ثم رسائل الماجستير والدكتوراه ثم المواقع الألكترونية، ثم المراجع الأجنبية، والبعض لا يلتزم بهذا الأمر فيجعلها كلها في تصنيف واحد، وكل ذلك وفق الترتيب الأبجدي.
ومنهم -وخاصة في العلوم الشرعية- من يجعل القرآن الكريم أولا.
ثم كتب السنة مرتبة منهجيا، بحيث تذكر الموطأت أولا ثم الصحاح، ثم السنن، ثم المسانيد، ثم المعاجم، ثم كتب الأطراف، ثم كتب المصنفات وهكذا.
وفي الفقه يذكر كتب كل مذهب بمفرده من خلال ذكر الأقدم فالأحدث أو مرتبة أبجديًا أو ةتاريخيًا.
وكتب التفسير منفردة، وكذلك كتب الأصول واللغة.
وهذه الترتيبات كلها اجتهادية ومحاولات ابداعية لا أكثر ولا أقل.
وهذا نموذج تطبيقي لقائمة من المصادر والمراجع في الأدب والنقد راعينا فيها بعض الضوابط التي أشرت إليها، وهي بمثابة منهجية تحمل عديدا من الدلالات التي يمكن استراجها من بين الكلمات.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لحظة خروج ا?حمد عز وسط زحام الجمهور من عزاء الفنان مصطفى فهم
.. توافد الفنانين لتقديم واجب العزاء في وفاة الفنان مصطفى فهمي
.. في عيد ميلاد شاروخان الـ59.. «ملك بوليوود» يحتفل بسنوات من ت
.. حزن حسين فهمي أثناء تلقيه عزاء شقيقه من الفنانة ليلي علوي
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: حسن أبو عتمان الوحيد