الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالح والتبعية تعرقل مساعي الأمم المتحدة

فهد المضحكي

2023 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ذات مرّة، قال داغ هامرشولد، الأمين العام الثاني للأمم المتحدة، إن المنظمة لم يتم إنشاؤها لقيادة البشرية إلى الجنة، بل لإنقاذ البشرية من الجحيم. وتعليقًا على هذا الكلام، يقول الكاتب روجر ماكنزي، ترجمة «قاسيون»، ربما تداعيات معسكرات الإبادة التي صنعتها ألمانيا النازية قد تركت أثرا مهيمنا في عالم هامرشولد أثناء ولايته في 1953 حتى وفاته الحزينة في حادث تحطم طائرة في عام 1961. لذلك لا بد أن يكون هناك ظلّ محتمل للإبادة النووية الناجمة عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، تركت أثرها في عقل الرجل. لكن ما كان قادرًا على قوله، حتى في تلك الحقبة القديمة، هو أن الولايات المتحدة لطالما اعتبرت نفسها القوة العالمية المهيمنة، وأنها مستعدة لإطلاق نسختها الخاصة من «الجحيم» متى ما شاءت، وكيفما أرادت. لا بد أن هامرشولد - كغيره من المطّلعين - كان يعلم أن الأمم المتحدة التي يمكنها، وعادة ما تفعل، أن تتصرف بأي شيء تريده على المسرح العالمي. إن الأمم المتحدة كانت، وما زالت، مؤسسة تعمل عندما يقرر البيت الأبيض أن لها دورا ما في حماية المصالح الأمريكية. إن الحرب بالوكالة التي تشنها الولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا، وتصعيد التوترات ضد الصين مع عدم وجود أية إشارة ذات مغزى للحياة من الأمم المتحدة لوقف ما يحدث، هو المثال الأوضح على ذلك. الأمم المتحدة هي هيئة خالية من أي انتقاد جدير بالاهتمام للولايات المتحدة.

حقيقةً أنّه على مدى السنوات الثلاثين الماضية على التوالي، طالبت الغالبية العظمى من الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع الحظر غير القانوني الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا، يتم تجاهلها تماما. لكن تتوقع الولايات المتحدة من كلّ دولة أن تتبع تعليماتها بفرض عقوبات على روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، يجعلنا ندرك مدى ضعف الأمم المتحدة. في عام 2003 أخبر كولن باول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يفترض بأنه الهيئة الرئيسية للمنظمة، أن الولايات المتحدة لديها دليل على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل واضحة وكان هذا مبررا لهم لخوض الحرب. بالطبع، كانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ستغزو العراق بكل حال، لكن البيت الأبيض شعر بوضوح بأنه من المهم إرسال كبير دبلوماسييهم إلى الأمم المتحدة ليقولوا للعالم ما يعرف الجميع - في إدارتهم وخارجها - بأنه كذبة،وذلك للحصول على دعم دولي لمغامرتهم السيئة. حتى الكونغرس الأمريكي وجد أن الإدارة الأمريكية كذبت، ولكن في الأمم المتحدة كان هناك صمت يصم الآذان بشأن أية عقوبات ضد الولايات المتحدة لكذبها على العالم حتّى تقتل مئات الآلاف من الناس باسم تغيير النظام.

في الوقت ذاته، هناك قوى صاعدة تسعى إلى التخلص من الهيمنة الأمريكية، وبالتالي إيجاد بدائل مختلفة عن المؤسسات التي تأتمر بأمرها. يبدو اليوم مثلا أن الصين والبرازيل تبذلان جهودًا لإحلال السلام في أوكرانيا، في حين أنه لا توجد تحركات سلام ذات مغزى من قبل الأمم المتحدة. لقد تطلب الأمر من الصينيين الجمع بين السعوديه وإيران للتوسط في صفقة تؤدي في محصلتها إلى تخفيض التوتر على الكثير من الجبهات في الشرق الأوسط، ومنها إخفاق السلام في اليمن. نجحت الصين وفشلت الأمم المتحدة. حاولت الولايات المتحدة أن تنكر بشكل لا يقنع أحدًا دور الصين في الأمر، وأصرّت أن جمع الصين السعوديين والإيرانيين معًا لم يسهم بشيء لتحقيق السلام في اليمن. تدور حبكة رواية الأمريكيين أن هذا تم بوساطة مسؤول صغير من وزارة الخارجية الأمريكية أجرى مكالمة مع السعوديين وأقنعهم بذلك! يمكن للمرء أن يفترض براحة ضمير أن الأمم المتحدة تدرك جيدًا أن الولايات المتحدة والمجمع العسكري الصناعي الذي تديره مرتبطان بعمق بكل من النزاع العسكري في اليمن وأوكرانيا، ما جعل أية محاولة لمخالفة إرادتها غير مجدية. يدرك الجميع أن هناك فرصة ضئيلة في أن تضطر الولايات المتحدة إلى الاعتراف بأخطائها عالميًا. عندما أظهر جوليان أسانج وو يكيليكس في عام 2010 الانتهاكات الواضحة والصريحة للقانون الدولي عبر التسريبات التي قدمتها محللة الاستخبارات في الجيش الأمريكي تشيلسي مانينغ، لم تكن هناك أية ثغرة يمكن من خلالها استبعاد أو الدوران حول محاسبة الولايات المتحدة. بالنسبه للولايات المتحدة، كانت هذه في الواقع إشارة لملاحقة مانينغ وأسانج وليس لديها أدنى خوف من أن تتم محاسبتها. حتى أن دبلوماسييها يعلمون دومًا أن عليهم الخروج من اجتماعات الأمم المتحدة عندما يحاول أحد إزعاجهم بانتهاكاتهم، كما حدث مؤخرًا عندما بدأ ممثل روسيا بالتحدث عن ارتكاب الأمريكيين لانتهاكات الحرب وحقوق الإنسان.

اليوم تم اختزال الأمم المتحدة إلى كونها مجرد منظّم للمؤتمرات حول قضايا مهمة مثل الطوارئ المناخية، والمياه، ومجموعة من القضايا الأخرى. حقيقة أن هذه المؤتمرات تنعقد هو أمر هام، ولكن نادرًا ما توجد نتائج حقيقية تُحدث أي فرق تنجم عن جلسات التفاوض «الماراثونية» التي يتم إبرازها عادة في هذه المؤتمرات. الواقع الوحيد الذي يمكن العيش فيه أمام هذه المؤتمرات، أنه كلما اعتقد المراقبون أن هناك نتائج حقيقية ستنجم عنها، يكتشفون أن الأمم المتحدة لا أسنان لها ولا حتى رغبة في محاسبة بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مقابل أي شيء تختاره أو تمتنع عن فعله مما تم الاتفاق عليه في المؤتمر. إننا لا نزعم أن جمع دول العالم كلها تحت سقف واحد لمناقشة التحديات التي تواجه الكوكب ليس بالأمر المهم، فهو أمر حيوي شديد الأهمية. لكنه ينجح فقط إن كانت المنظمة التي تجمع الدول تمتلك القوة لمحاسبة جميع هذه الدول على قدم المساواة. هذا الخطأ الفادح أدى إلى قيام بلدان الجنوب العالمي بالبحث عن طريق جديد للقيام بالأعمال. ترى الكثير من دول الجنوب العالمي اليوم قيمة أكبر في إنشاء هياكل لا تجعل الجميع بيادق في يد الولايات المتحدة. يجتذب تحالف بريكس اهتمامًا كبيرًا من دول أخرى مثل السعوديه وإيران. تستعد بريكس ايضا للتداول فيما بينها بعملاتها الخاصة كمقدمة لتطوير عملتها المشتركة لجنوب الكرة الأرضية. سيؤدي هذا إلى تحطيم هيمنة الدولار على الغالبية العظمى من سكان العالم. ان الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة هي أنه يمكنكِ أن تكوني وثيقة الصلة بالجنوب العالمي وتصمدي وتصبحي جزءا من التطور، أو يمكنكِ الجلوس على الكرسي الهزاز بكِ وأنتِ تدخنين غليونكِ، وتتحدثين عن الأيام الخوالي برعاية الولايات المتحدة، بانتظار ضربة الموت الأخيرة. يقول الباحث المتخصص في السياسة الدولية د. محمد يوسف الحافي، إن حقيقة تعامل الولايات المتحدة مع المنظمة وميثاقها من موقع المهيمن دون اعتبار لحقوق الآخرين وحرمانهم من حماية المنظمة الدولية التي أُنشئت أصلاً لهذا الغرض طالما اعتمد كمقياس لمصالح الدول العظمى وتحول «الفيتو» لمجرد أداة لتعطيل عمل المنظمة الأممية وخرق ميثاقها وثنيها عن القيام بدورها في دعم حقوق الشعوب. تباين تعامل الولايات المتحدة مع هيأت الأمم المتحدة تبعًا للمناخات الدولية التي كان يمر بها النظام الدولي ومستوى الصراع الدولي بين أقطابه بما يخدم الأهداف الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية، فعلى مدار أكثر من سبعة عقود من إنشاء الأمم المتحدة أصبح واضحًا تمامًا حقيقة تعامل الإدارة الأمريكية مع الأمم المتحدة وقراراتها، فهي تشير إلى ما تريد من قرارات عبر المنظمة الدولية إن استطاعت، وكان ذلك مناخًا في الفترة التي لحقت تفكك الاتحاد السوفيتي وتحول النظام الدولي من مرحلة القطبية الثنائية إلى نظام دولي أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة منفردة. في المقابل فهي لا تكترث لأي قانون أو شرعية لا تتوافق مع سياساتها الخارجية، وتهمل قرارات المنظمة التي سبق أن شرعنت بها سياساتها وكأنها دائرة مرتبطة بوزارة الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض وذلك من خلال استخدام حق الفيتو لمنع صدور أي قرار لا يتماشى مع مصالحها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة