الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين يتجه السودان؟

محمد سيد رصاص

2006 / 10 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


شكَل السودان,بالسنوات الأخيرة,مثالاً كبيراً على أقلمة وتدويل(المحلي),وعلى أن البنية الداخلية,التي تعيش حالة من اللااندماج الإجتماعي,لاتشكل فقط أرضية خصبة للتدخل الأجنبي وإنما أيضاً تؤدي إلى مد الأيدي من النوافذ للخارج.
لم تكن هذه حال السودان في فترة الحرب الباردة,عندما كان لاعباً رئيسياً ضد اثيوبيا حليفة السوفييت أثناء حربها مع الصومال من أجل اقليم أوغادين-1977-,ومن خلال دعمه للحركات الإريترية ضد الاحتلال الاثيوبي,كما كانت الخرطوم عاملاً فاعلاً في الصراعات التشادية بالسبعينيات والثمانينيات بين حليف ليبيا (غوكوني عويدي)وخصمه الموالي للغرب(حسين هبري).
تغيرت الأمور في عام 1989,لما تزامن صعود الاسلاميين السودانيين للسلطة مع انفكاك تحالف واشنطن مع الحركات الاسلامية العالمية إثر انتفاء حاجتها إليهم بعد هزيمة المعسكر السوفيتي,وقد لوحظ منذئذ تصاعد اعتماد الأميركان على دول الجوار الإفريقي للسودان دون الخرطوم في قضايا افريقية عدة(أوغندا في أزمتي رواندا وبوروندي عام1994-اثيوبيا في أزمة الصومال بعد انهيار حكم زياد بري في عام1991),الشيء الذي لايمكن عزوه فقط إلى توترات الحكم الاسلامي السوداني مع الغرب بالتسعينيات وإنما يمكن القول أيضاً بأن ذلك قد أعطى دلالات على اتجاه أميركي جديد إلى تزايد الاعتماد على الدور الافريقي الإقليمي في مناطق التماس والجوار مع العالم العربي,على حساب أدوار قامت بها القاهرة والخرطوم والرباط لحساب واشنطن في المحيط الافريقي خلال أيام الثنائية القطبية.
في هذا الإطار,كان واضحاً الغطاء الأميركي للدور التدخلي الذي قامت دول منظمة (الإيغاد)في أزمة جنوب السودان بالتسعينيات,سواء على صعيد دعم بعضها(أوغندا-كينيا)لحركة جون غارانغ أوعلى صعيد تأمينها لإطار تفاوضي افريقي للأزمة يتمتع بمظلة واشنطن,مع استبعاد أدوار دول عربية معنية بالوضع السوداني(مصر-ليبيا-السعودية),وقد كان واضحاً من مسار أزمة الجنوب في التسعينيات بأن الخرطوم لم تعد تستطيع التحكم بمجرياتها,ولابالحد من تدخلات(الاقليمي)و(الدولي)فيها,بل إن الكثير من التحولات الداخلية السودانية,مثل عزل الدكتور حسن الترابي من الحكم عام1999,قد كان الهدف منها التكيف أوالتخفيف من تأثيرات الرياح الخارجية أوالتلاقي معها عبر تحولات داخلية"مرضية"للمحيطين الاقليمي والدولي,ربما من أجل تكرار تجربة اتفاقية أديس أبابا(آذار1972)التي أنهت التمرد الجنوبي الأول(منذ آب1955),والتي أتت بعد أشهر من ضرب الرئيس النميري للشيوعيين المحليين.
لم ينجح الرئيس البشير في محاولة ذلك,حيث بان ,من اتفاقيتي(مشاكوس)-2002-و(نيفاشا)-2005-مع الجنوبيين,بأن الخرطوم قد وقعت اتفاقيات ستؤدي(وأدت) إلى فقدان سيطرتها على الجنوب,في وقت كانت فيه قد انفجرت أزمة دارفور(منذ شباط2003),وقد كان واضحاً من التنازلات المتزايدة التي قدمتها الحكومة السودانية في(نيفاشا)بأنها تريد التفرغ من الهم الجنوبي لإحتواء أزمة الاقليم الغربي,التي ظهرت فيها عملية تدويل واسعة للمشكلة المحلية السودانية,إضافة لأقلمتها عبر دور اقليمي فيها لبعض الدول الافريقية(تشاد-نيجريا),حيث فاق تدويل (دارفور)ماكان في الجنوب بالتسعينيات من تدويل لم يكن فاقعاً ومباشراً وإنما كان يتغطى بقفاز(الإيغاد).
في هذا الإطار,فرضت (دارفور)حركات اجبارية على الحكومة السودانية,من الواضح أن اتفاقية نيفاشا كانت احداها,وبالمقابل فإن فشل (اتفاق أبوجا)-أيار2006-حول دارفور,بسبب رفض فصائل رئيسية التوقيع عليه واتجاه الولايات المتحدة إلى تدويل قوات حفظ السلام هناك بدلاً من القوات الافريقية,قد سرَع كثيراً في توقيع الخرطوم لاتفاقية وقف النار مع (جبهة الشرق)في حزيران الماضي,ثم(اتفاقية أسمرة)-14تشرين أول-معها لتقاسم السلطة والثروة في الاقليم الشرقي حيث تشكل قبائل (البجا)أكثرية سكانية هناك.
هنا,في(اتفاقية أسمرة),ظهرت إريتريا كدولة راعية ,وهي التي استطاعت,خلال عقد ونصف من استقلالها,أن تصبح لاعباً كبيراً,بفضل لعبها على مشاكل الدول المجاورة أوضدها,عبر دعمها لجون غارانغ ول"التجمع الوطني الديموقراطي"السوداني المعارض وحركات التمرد في دارفور ول(جبهة الشرق) السودانية إضافة إلى دعمها اللاحق للمحاكم الاسلامية الصومالية الداخلة في صراع ضار مع اثيوبيا.وبالمقابل,فإن تشاد,كما أوغندا في تسعينيات أزمة الجنوب,قدظهرت كلاعب كبير,هي ونيجريا,في الأزمة الدارفورية:تمتعت(وتتمتع)هذه الدول الاقليمية,المتدخلة في الشأن المحلي السوداني وأزماته,بغطاء دولي كبير,وبسكوت راض من المحيط الافريقي,وقد أصبحت ,هي و(القطب الواحد),محدِداً كبيراً للمسارات الداخلية السودانية.
إلى أين يتجه السودان:هل إلى التجزؤ؟............أم إلى الوحدة,مع نزع طابعه العربي لصالح أفرقته عبر فقدان الشمال والوسط العربيين لسيطرتهما التقليدية على الحكم؟...........أو إلى فيدرالية فضفاضة ,تكون فيها مدينة الخرطوم محصلةً لقوى متناقضة ومتنازعة؟..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات