الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبح البطالة بين كماشة الاحتكار ومصائب الأقدار

ميمد شعلان

2023 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


البطالة مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة جدا في العالم العربي، وتهتري مجتمعنا المصري بشكل أبعد ما يكون آفة تصيب رونق محصولنا وهو قطاع الشباب.. فسوق العطالة يزداد عددا وظلما وعدوانا.. وأقرب ما وصل إليه الآن هو الكفاح من أجل التغيير، وما ثورات الربيع العربي إلا كنسيم الصباح الذي خرج يفتش عن نفسه من جوف الليل الغميق؛ من أجل عيش.. كرامة.. عدالة اجتماعية. فتشجيع الشباب علي فتح أفق جديدة في عالم المال والعمال ستكسبهم ثقة في تحقيق الأمل المنشود.. فلدينا المشروعات الصغيرة التي خلقت من أجلهم والحوالات والقروض البنكية التي ستلبي رجائهم في القضاء على شبح البطالة.. هذه من جهة! أما من جهة أخري علينا مراعاة تبني مشروع الحدود الدنيا والقصوى للأجور.. فهذا ما سيولد نوعية جديدة من الثقة المتبادلة بين المواطن والجهات المعنية التي ستتولى دور المراقب في تنظيم المسائل بينهما.. أما الدور الرقابي فهي تلك المعايير التي تقتضيها الحاجة لتثبيت دعائم التنقيح المركزي لسوق العمل وضخ الشباب بها.

بالرغم من حيثيات الموضوع التي ألقت بنا علي الربيع العربي ودورها البارز في إحداث نوعية التغيير المأمول إرساء أعمدتها، إلا أنها لم تحقق أهدافها لصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة التي كانت القوة الرئيسية لتلك الثورات.. والسبب واضح وضوح الشمس في كبد السماء.. وهي تلك الانهزامات طويلة الأمد التي أصابت المواطن العربي وعصفت بأهدافه نحو الهاوية والتي جعلت من واقعه نمطًا كئيبًا وشرخًا أليمًا؛ فبالكاد يعيش عمره لسد قوت يومه، حيث تبخرت أجور العاملين في وقت وجيز. أما العاطلين فانحصرت قواهم في معاناتهم المادية والتي تعكسها الظواهر الاجتماعية الدالة على تفكك خطير بسبب تدهور ظروف المعيشة، وارتفاع نسب العنف الأسري، وانتشار إدمان المخدرات، والانتحار، وجرائم الشارع، وتجارة الجنس، والتشرد…وغيرها.

لا نريد أن ننكر بأن ثقل الأزمات المتتالية خلال السنين الأخيرة، من جحيم جائحة الكورونا (كوفيد-19)، كان سببًا في زيادة السع الاستهلاكية بجنون في ظل قلة المعروض وزيادة الطلب والخوف من المجهول، وتفاقم الحال مع تغلغل ثقافة السوق الاستهلاكية التي جرفت عالم القرية وأنهت قرونا من عزلته؛ فلا صوت يعلو عن صوت المادة في ظل انحسار منافذ البيع واستفحال معدلات البطالة بأرقام قياسية. لم يعد ارتفاع الأسعار حالة طارئة أو نسمة صيف تمر بها البلاد، بل للأسف أصبحت نغمة شاذة جديدة ونشاذ يسمعها القاصي والداني، وذلك بسبب العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي تعصف بعصر العولمة المضطرب، وخصائص نمط احتكار السلع الغذائية والدوائية والمعمرة، والتوزيع الخاضع لشركات كبرى تحمي أرباحها وتملي شروطها مع انحصار الجهاز الرقابي داخل المدن عن مثيلاتها، وكذا انحراف أخلاق التاجر ونواياه الخبيثة في الكسب الغير مشروع في احتكار السلع و(تسقيعها) ومن ثم إغراق السوق بأسعار خيالية؛ وبالتالي فالتذرع بالظروف العالمية لتبرير الأزمات الداخلية ونفض الدولة مسؤولياتها عما يترتب عنها من كوارث هو خداع سافر. إن التوجه نحو التحرير الاقتصادي والاندماج من موقع التابع في منظومة العولمة الرأسمالية يعني إعداد العدة لمواجهة الانعكاسات السلبية والصدمات العنيفة المتولدة من رحم الرأسمالية وتناقضاتها. مبرر التأثير الخارجي ليست عذرا بل حجة ضد الدولة وكبار التجار والموزعين الذين يجنون الأرباح من الانفتاح ويرمون بالخسائر المترتبة عنه على كاهل الكادحين.

من زاوية أخرى، فقد تفاقمت الحرب الروسية الأوكرانية وواكبت معها أزمة اقتصادية هائلة، ومشاكل نقص الغذاء وزيادة التضخم الناتج من الأثر السلبي لوباء الكورونا، الظروف الجوية القاسية والتغير المناخي، زيادة تكلفة مصادر الطاقة وغيرها. ونظرًا لإنتاج كل من روسيا وأوكرانيا نسبة تقارب %40 من الإنتاج العالمي، أسهمَ الاجتياح الروسي لأوكرانيا في نقص سلاسل الامداد وزيادة أسعار المواد الأساسية مثل القمح والشعير والذرة والزيوت النباتية وعلف الأغنام والماشية وبالتالي زيادة أخرى في أسعار المواد الحيوانية ومنتجات الألبان. وبما أن روسيا تعد ثالث أكبر بلد منتج للنفط في العالم، ومن بين خمسة ملايين برميل من النفط تنتجها روسيا يوميًا، ازدادت أسعار المحروقات وبصورة هستيرية داخل المنطقة العربية وأوربا.

أخيرًا وليس آخرًا، يمكن أن تكون فترات الركود التي تعايشناها وما زلنا نعاني من ويلاتها بمثابة تطهير للأحداث للاقتصاد ككل، مما يؤدي إلى إبعاد الأطراف غير الفعالة عن العمل وإفساح المجال أمام منافسين أكثر ذكاءً ومرونة واحتواء للمشهد الاقتصادي؛ مما يمكنهم تلبية حاجات المستهلك بشكل أفضل وتضمين فرص ووظائف لغير القادرين والعاطلين عن العمل. وهذه المرة تغير الاقتصاد بدرجة كافية في أعقاب الظروف العالمية الذي لا بد أن تفتح فرص عمل جديدة وواعدة للشباب. أخيراً، إذا كانت المنطقة العربية في حالة ركود الآن أم لا، فإن هناك إشارات على أن الاقتصاد آخذ في العرض؛ فإن ثقة المواطن في مؤسسات الدولة يجب تعزيزها وربطها ربطًا وثيقًا في كيفية استثمار الطاقات والموارد البشرية لما يخدم مصالحها ويعود بالفائدة تباعًا على كل من الفرد والمجتمع، حيث أن معظم فترات الركود يعد التحفيز المركزي طريقة نموذجية لتحفيز الاقتصاد والقضاء على شبح البطالة، بل وأنه من غير المحتمل أن تهبط شرايين الحياة المالية هذه المرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف