الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والولايات المتحدة وروسيا والعرب

الطاهر المعز

2023 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


رغم العلاقات السيئة بين نظامَيْ الحُكْم بالولايات المتحدة والصّين، لم تنقطع صلة رجال الأعمال الأمريكيين مع الصين، وهذه بعض الأمثلة، فقد تكاثرت الزيارات اعتبارا من كانون الأول/ديسمبر 2022 بعد ثلاث سنوات من القيود الصحية المرتبطة بكوفيد-19 التي عزلت الصين عن بقية العالم، وكانت أهم الزيارات لرئيس شركة تسلا "إيلون ماسك" إلى مؤسس مايكروسوفت "بيل غيتس" مرورا بالمدير العام لشركة آبل "تيم كوك"، وكأن الحرب التجارية أمر لا يعنيهم، وهم معنيون في واقع الأمر بالسوق الصينية الواسعة، فقد قال إيلون ماسك (نهاية أيار/مايو الماضي 2023 ) "إن مصالح الولايات المتحدة والصين مترابطة بشكل وثيق على غرار توأمين لا يمكن الفصل بينهما"، وفي آذار/مارس 2023، أكد تيم كوك في بكين "إن آبل تنعم بعلاقة متوازنة مع الصين التي تستضيف أكبر مصنع لإنتاج هواتف آي فون في العالم"، واستقبل قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الجمعة 16 حزيران/يونيو 2023، بيل غيتس الذي لم يزر الصين منذ 2019، وعمومًا لم يمنع تفاقم التوترات التجارية من وصول المبادلات الثنائية سنة 2022 إلى مستوى قياسي بلغ 691 مليار دولار، حسب بيانات وزارة التجارة الأميركية، غير أن شركات قطاع التكنولوجيا تأثّرت سلبًا بتباطؤ الصادرات الأمريكية إلى الصين التي تبقى الشريك التجاري الثالث للولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة قد حَظَرت، منذ سنة 2022، تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين، بذريعة "حماية الأمن القومي"، فضلا عن مكونات ضرورية لإنتاجها، ما دَفَعَ الصين إلى تكثيف جهودها لتحقيق الاستقلالية على صعيد أشباه الموصلات، بالتوازي مع تدهور العلاقات الثنائية، رغم زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لبكين...
يعرب العديد من مسؤولي الشركات الأميركية عن معارضة هذه القيود، وفق معهد بترسون للاقتصاد الدولي وارتفع عدد الأصوات التي تدعو إلى توطيد العلاقات التجارية الصينية-الأميركية، ويُعارض مجلس الأعمال الأميركي الصيني -المكلف بتعزيز التجارة الثنائية- العقوبات التجارية، غير أنه مُهَمَّش أمام الكونغرس الذي يعتمد موقفا هجوميا متناميا حيال بكين، ويقول جيمس زيمرمان الرئيس السابق لغرفة التجارة الأميركية في الصين "ضَخّت الشركات الأميركية استثمارات كبيرة في الصين ولديها آلاف الموظفين لأن الصين سوق واعدة"، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب 14 حزيران/يونيو 2023 )...
أدّى التّصعيد الأمريكي إلى تدهور علاقاتها مع روسيا والصين، فضلا عن كوبا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وغيرها، كما أدّى إلى تعزيز العلاقات بين حكومات الدّول التي تُعاديها الولايات المتحدة، وتشكيل ما يُشبه الجبهة – غير المُتجانسة – بين مجموعة من الدّول التي بدأت تتخلّى تدريجيا عن استخدام الدّولار في المبادلات التجارية، وعلى سبيل المثال اتفقت شركة روسنفت، أكبر شركة لإنتاج النفط في روسيا، يوم الجمعة 16 حزيران/يونيو 2023، مع المؤسسة الوطنية الصينية للنفط والغاز على استخدام العملات المحلية (الروبل واليوان ) في معاملاتهما، في إطار السّعْي إلى التخفيف من استخدام الدّولار، وأعلن الرئيس الروسي في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، إن حوالي 90% من التجارة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (روسيا وبيلاروس وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان) تتم بالعملة الروسية، وإن نحو 80% من التسويات التجارية بين روسيا والصّين تتم بالعُمْلَتَيْن الوطنيّتَيْن، الروبل واليوان، وكانت حكومة روسيا قد اشترطت، كرد فعل على العقوبات الأوروبية/الأمريكية، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بيع الغاز بالروبل الروسي لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي صادرت مُنشآت التكرير التابعة لمجموعة "روسنفت" في ألمانيا...
تجاوز التّخلِّي التّدريجي عن الدّولار، الصين وروسيا، فقد أعلنت الصين والسعودية توقيع أربع وثلاثين اتفاقية، بقيمة حوالي ثلاثين مليار دولارا، في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة والعقارات والتعدين والسياحة والرعاية الصحية، فضلا عن صفقة استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار، ما قد يُؤَشِّرُ على تحول خريطة التوازنات والقوى في الخليج والمشرق العربي، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، وتكمن أهمية تطور العلاقات الصين مع السعودية في إن السعودية تُعْتَبَرُ الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، غير أنها قبلت وساطة الصين الرامية إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران بعد سنوات من العداء.
تُعَدُّ السعودية وإيران أكبر مصادر واردات الصين من النفط، وفازت العديد من الشركات الصينية بعقود سعودية ضخمة للبنية التحتية وتركيب السيارات والسكك الحديدية، وفاقت قيمة التجارة البينية بين الصين والسعودية 106 مليارات دولار سنة 2022 بزيادة 30% عن سنة 2021 بفضل زيادة واردات الصين من النفط السعودي، فيما بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية 55 مليار دولار سنة 2022 بزيادة نسبتها 39% عن سنة 2021، وتعمل الصين على جعل الخليج والبحر الأحمر من المحطات الهامة، في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية الرامية إلى تعزيز التجارة بين آسيا وبقية العالم.
تواجه الولايات المتحدة تحدّيات عديدة في الوطن العربي، حيث أبدت العديد من الدّول – منها مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين - رغبتها في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، والتي تدرس إنشاء عملة جديدة لإتمام المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء، وإنشاء نظام تحويلات مصرفية على غرار منظومة "سويفت" التي تتحكم بها الولايات رغم وجود مقرها في بروكسل، لتجنب التعامل بالدّولار، خصوصًا بعد تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطي الذهب والنقد الأجنبي للمصرف المركزى الروسى فى الخارج، ويعتقد باحثون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "إن مثل هذه الخطوة ستقوض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وإن كان بِبُطْءٍ شديد"، فقد كثّفت الولايات المتحدة تواجدها في آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وفيتنام وتايوان...)، دون الإبتعاد عن غربي آسيا، حيث تمتلك قواعد عسكرية في تركيا والعراق وسوريا والبحرين والخليج، فضلا عن قاعدتها الثابتة التي يمثلها الكيان الصهيوني، بينما تمكّنت الصين من التّوغّل في "الشرق الأوسط"، حيث كان النفوذ الأمريكي قويا، ثم بدأ يتآكل، فالخطاب الصيني يتجنب الحديث عن حقوق الإنسان والحَوْكَمَة والشفافية والدّيمقراطية، ويُركّز على التبادل التجاري وعلى المنافع الإقتصادية، سواء كانت حقيقية أم وَهْمِيّة.
شهدت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ في كانون الأول/ديسمبر 2022 للسعودية ثلاث قمم بين بكين والسعودية، وبين الصين ودول الخليج، إضافة إلى قمة عربية صينية هي الأولى من نوعها، ما يُؤسّس لمرحلة جديدة من علاقات التعاون والتنمية بين الأنظمة العربية والصين، لكن الصين غير قادرة ولا تطمح – حاليا – للعب الدور الأمريكي المهيمن في الخليج والوطن العربي، فالصين مهتمة بتدعيم موقعها الإقتصادي من خلال تأمين الطاقة وطرق التجارة (الحزام والطريق) فضلا عن موقع الوطن العربي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، لذلك أكد الرئيس الصيني: "إن الدول الخليجية والصين يمكنها تحقيق التكامل الاقتصادي والصناعي وتعزيز الشراكة ودفع التنمية".
تعتبر الصين المصدر الأساسي لمعظم المنتجات الاستهلاكية المنزلية والسلع الإلكترونية المنزلية والهواتف وألعاب الأطفال والأقمشة في الأسواق العربية وتستورد الصين نصف حاجياتها النفطية من الوطن العربي، ما رَفَعَ حجم التبادل التجاري العربي - الصيني من نحو 190 مليار دولار سنة 2011 إلى نحو 330 مليار دولار خلال سنة 2021 ، غير أن الإستثمارات لا تتجاوز 27 مليار دولارا سنة 2021، وحصلت الشركات الصينية على تنفيذ مشاريع مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومراكز اتصال ومشاريع نفط وغاز وإنتاج للبتروكيماويات السعودية ومصر والعراق وسلطنة عُمان والكويت وقطر، وتُخطّط الصين إلى تعزيز استثمارات شركاتها في مشاريع البنية التحتية في الدول العربية النفطية المُقدّرة بتريليون دولارا، حتى سنة 2030 ما يساعد الشركات الصينية على تحقيق أرباح ضخمة،
لا تنزعج الولايات المتحدة كثيرًا مادامت معظم الاتفاقيات مع دُوَيْلات الخليج "ذات طبيعية اقتصادية "حيث تركزت على تنويع العلاقات الاقتصادية الثنائية التي تقوم في الأساس على قطاع النفط "ولم تتضمن أي اتفاقيات أمنية حساسة خاصة المتعلقة بالطاقة النووية ومبيعات الأسلحة، فالولايات المتحدة لا تزال تهيمن على العلاقات التجارية والعسكرية والإستخباراتية ولها قواعد ضخمة في البحرين وقطر وغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة