الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وإنما .. كالمعتاد ..

عبد العاطي جميل

2023 / 6 / 18
الادب والفن


كالمعتاد ..
أتردد على المقهى لا لأشرب القهوة .. القهوة عندي في البيت ذات جودة عالية ، ومعطرة بمختلف التوابل التي أعدها لي العطار الصحراوي خصيصا .. أذهب إلى المقهى إذا لأقرأ أحيانا ــ دون مبالغة ــ مختلف الكتب من مختلف الأجناس التعبيرية وفي مختلف المجالات الأدبية والاجتماعية والسياسية والفكرية والفنية وغيرها . وربما أكتب أحيانا أخرى ..
كالمعتاد ..
أبتعد عن دخان السجائر التي طلقتها الطلاق بالثلاث قبل أكثر من ثلاثين سنة خلت .. وبالضبط في 13 يناير 1990 .. اليوم الذي يتزامن ويوم ميلاد ابني أصيل جميل ..
كالمعتاد ..
أغادر المقهى قبل بداية أية مباراة في كرة القدم مهما علا شأنها في نظر الجمهورالكريم أو سفل .. وهذا يجري حتى على مباريات كأس العالم السابق منها واللاحق ..
كالمعتاد ..
إذا قصدت المقهى ووجدت مباراة في كرة القدم ، أعود بخفي حنين إلى البيت ، الذي يخلو من الهرج ومن دخان السجائر أيضا .. إلا أن المكتبة ، أو بعض حاجيات وطلبات البيت تفسد علي التركيز ومواصلة قراءة الكتاب ذاته ..
كالمعتاد ..
وجود الهاتف النقال صحبتي يفسد علي القراءة أيضا .. أفضل أن أتركه في البيت أو في المحفظة .. وهذا يسبب لي مشاكل ، أنا في غنى عنها ، حيث يتصل بي الأصدقاء والصديقات فلا أكون في المستوى المطلوب .. أو رهن الإشارة ...
كالمعتاد ..
أحاول ــ قدر المستطاع ــ أن أغير المقهى الذي أرتاده بحثا عن خلوة ممكنة .. تمكنني من التركيز في قراءتي البطيئة للصفحات المحددة سلفا ، والتي تزيد أو تنقص حسب الساعتين أو ثلاث ساعات المخصصة للقراءة في المقهى .. فللبيت حصته الخاصة أيضا ..
...
في الجلسة الأخيرة ..
جلست في الخارج ، في الركن الأيمن ، أمام باب المقهى الذي لم يسبق لي الجلوس فيه .. عن يساري جلس ثلاثة رجال .. صوتهم مسموع .. حديثهم يدور حول المواضيع التي كنت أتجنب الحديث فيها ، وعنها ، عندما كنت أدرس لمدة أربعين سنة خلت .. ومن هذه المواضيع : ــ المذكرات الوزارية حيث التعليمات والتحذيرات والتهديدات ، مذكرات رسمية يغلب عليها طابع الوعد والوعيد ، الترغيب والترهيب .. لا علاقة لها بالتربية وعلم النفس .. كأنها موجهة لغير رجال ونساء التعليم ، من المربيين والمربيات .. ــ الحديث المطول والمسهب عن السلالم والدرجات والتعويضات والترقيات وعدد النقط ومنها النقطة الإدارية ونقطة التفتيش وزيارات المفتش ومشاكل المدير وأعوانه .الامتحانات وظروف الحراسة والتعويضات .. باختصار كنت أحاول أن أبتعد عن هذا النوع من الأحاديث المشحونة التي لا تسمنني ولا تغنيني على الأقل ..
كنت أقرأ الصفحات الأخيرة من كتاب " شاعر يمر " للروائي والشاعر والمترجم عبد اللطيف اللعبي والصادر عن الناشر : ورد للطباعة والنشر والتوزيع بسورية في طبعته الأولى عام 2010 ، ( كتب ما بين أكتوبر 2007 و يناير 2009 ) . والكتاب صادر بترجمة روز مخلوف ، المترجمة من سوريا اللاذقية ، خريجة الأدب الفرنسي من جامعة دمشق . والكتاب عبارة عن يوميات كما يصرح الكاتب / السارد في بداية الكتاب ص 7، حين يقول :
20 أكتوبر 2007
تعود اليوميات الوحيدة التي كتبتها حتى الآن إلى المراهقة . ثلاثة أو أربعة شهور على الأكثر دونت خلالها بالتفصيل ما ظننت بأنه أحداث في المجرى الاعتيادي لحياتي اليومية في فاس .. وحين يخبرنا في الصفحة 51 بقوله : " ... توقفت يومياتي فجأة في ديسمبر الماضي ، واتخذت منعطفا غير متوقع .. " و يغلب على الكتاب الطابع السيري يقول مثلا في الصفحة 144 :
" ... كان سلوكي ينتج عن وعد صغته في قصيدة كتبتها عام 1972 ، بعد أسابيع قليلة من سجني ، وتنتهي على الشكل التالي :
" سنرى
من سجين من
من سيحاكم من
ومن سيدين من " .
ويضيف السارد معلقا : " كان شيئا مريحا أن تكتشف بأن الأدب يعطي ، من وجهة نظر الضحايا ، فرصة للانتقام معنويا على الأقل عندما يحول دون نسيان ما أنزل بهم ... " ص 145 ..
ولما بلغت في قراءتي المتوالية السردية الأخيرة في الكتاب والمعنونة ب " الحياة أقوى " ص . 179 . وفيها يحدد سمات الكتاب بقوله مخاطبا ابنته المدللة التي زارها في دار التوليد بباريس في ليل يوم 7 يناير .بقوله : " ... أعترف يا صغيرتي بأنني ، في موضوع التوريث ليس لدي ما أورثك إياه سوى هذا الكتاب الذي يظهر بمظهر متاهة يتم فيها الانتقال من الشعر إلى النثر ، من المسرح إلى الحكاية ، من الغضب إلى التأمل ، ومن الجنون إلى الحكمة . وتعرض فيها رحلات عديدة ، حقيقية ومتخيلة ... " ص 182 / 183 ..
كان الثلاثة بجواري يختلفون في تقديراتهم واقتراحاتهم وتأويلاتهم حسب فهم كل واحد منهم .. إلى أن اختلفوا في قضية لغوية ، نحوية / إعرابية إن صح التعبير .. بعد تردد سألني أحدهم :
ــ أستاذ .. أستاذ ، واش عندك مع النحو والإعراب ..
ــ معرفتي لا بأس بها ، قد كنت أدرس اللغة العربية .. فما المشكل .
ــ كيف نعرب هذه الجملة : " إنما المؤمنين إخوة ؟ "
ــ هذه آية قرآنية وردت على الشكل التالي : " إنما المؤمنون إخوة " .. لفظة " المؤمنون " جاءت جمع مذكر سالم ، مرفوعة بواو الجماعة .. وتعرب مبتدأ . ولفظة إخوة كذلك مرفوعة بالضمة الظاهرة خبر .. أما " إنما " فمركبة من " إن " و من " ما " . فإن الناسخة غير عاملة أي مكفوفة عن نصب المبتدإ " المؤمنون " . لأنه دخلت عليها " ما " فهي كافة تبطل عمل إن . فنقول " إنما : كافة ومكفوفة : . فإذا حذفنا " ما " نقول : إن المؤمنين إخوة .. إن في هذه الحالة حرف توكيد ونصب فهي عاملة ، أما المؤمنين فاسم إن منصوب بالياء لأنه جمع مذكر السالم . وإخوة خبر إن مرفوع بالضمة ... لذلك لا نقول : " إنما المؤمنين .. " بل نقول : " إنما المؤمنون ... "
التفت أحدهم إلى الآخر وقال له : ألم أقل لك ذلك ... ثم التفت إلي وقال : جزاك الله عنا خيرا ..
هذه الوقيعة ذكرتني بأيام الجد والنشاط .. رغم أني لم أكن متفوقا في اللغة العربية ، بخلاف ما يعتقد التلاميذ الذين درسوا عندي ، والذين مالبثوا يؤكدون قدراتي على تبسيط الشرح والتفسير وإعادته بصبر ..
أتممت قراءة الكتاب " شاعر يمر " .. وقلت في نفسي : و " أستاذ يمر " ... كذلك ...
.................................................................................................
يونيو 2023
.............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية