الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة) الفصل الاول

وليد المسعودي

2023 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


نقد الدولة – دولة النقد
( البحث عن دولة حديثة ناقدة )

الفصل الأول




تعريف مصطلحات البحث
مفهوم النقد
المظهر اللغوي للنقد
أشكال النقد
النقد الواقعي
النقد المقارن
النقد التاريخي
النقد الفلسفي
أشكال أخرى من النقد
مفهوم الدولة
المظهر اللغوي
المظهر الاجتماعي
المظهر الفلسفي
أشكال الدولة
الدولة التاريخية
الدولة الحديثة
الدولة التاريخية الحديثة
الدولة المعاصرة
خاتمة الفصل الأول

لدينا مصطلحين او مفهومين علينا أن نوضحهما قبل الدخول في موضوعنا أعلاه " نقد الدولة – دولة النقد " ، إذ إن مفهوم النقد أكثر تلازما في العقل السياسي والثقافي الحديث ، ليس من حيث القدرة على نقد الدولة والحكومة والكشف عن الأخطاء والسلبيات فحسب ، بل هنالك النقد الجذري لجميع الأجهزة والأنساق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع بشكل عام ، إذ إن النقد هنا يمتلك المساحة الواسعة من التعبير والانتشار والحرية ، وبالتالي هناك التغيرات المتواصلة لمفهوم الدولة والمجتمع والسياسة والاقتصاد ضمن حدود النسبي وليس المطلق ، وذلك لان الأنساق المهيمنة عادة ما تتقبل النقد ولكن أن تذهب معه إلى حدود التغيير الجذري والثوري ، فذلك أمر يصعب تحقيقه ، ولكنه ليس بالمستحيل ، وهنا نقصد بالأنساق المهيمنة تلك المرتبطة بالطبقة الاقتصادية الرأسمالية ، وليس تلك المرتبطة بالطائفة أو الدين أو القومية ، فهذه الثلاث الأخيرة ، أكثر انغلاقا من حيث المضمون الثقافي والسياسي ، وبالتالي يصبح النقد لها بمثابة المحرم الذي يصعب الخوض فيه .


مفهوم النقد


المظهر اللغوي لمفردة " نقد "

في الأصل اللغوي العربي لكلمة " نقد " يظهر البعد الحر في الكشف والتمييز بين الجيد والرديء ، الحسن والقبيح ، حيث يقال " نقد الشيء نقدا : نقره ليختبره ، أو ليميز جيده من رديئه " ويقال أيضا " نقد الطائر الفخ " ويقال أيضا " نقد الشعر ، نقد النثر ، اظهر ما فيهما من عيب أو حسن " (1)
ويقال أيضا " ناقده : أي ناقشه في الأمر " و " انتقد الولد : شب " و" ناقده " اي ناقشه في الأمر ، و " النقد : فن تمييز جيد الكلام من رديئه وصحيحه من فاسده " و " النّقَدُ " " السُّفَّل من الناس " (2)
وفي الأصل اللغوي الانجليزي تظهر كلمة " نقد " " critique " و " critisme " بمعنى النقد ، والانتقاد ، والتحليل ألانتقادي ، وكلمة " critic " بالعياب او الناقد ، و critical ، بالحرج والعصيب المحفوف بالمخاطر ، وبالمدقق أو ألانتقادي ( 3)
وفي الأصل اللغوي الفرنسي لمفردة نقد " critique " تظهر بمعنى النقد والانتقاد والحكم الجمالي بالإضافة إلى معنى اللوم والتنديد و " critique " أيضا بمعنى الناقد " المعلق على آثار فنية " و اللائم والعاتب و " critique " مرة أخرى بمعنى الحرج والخطر و " criticism " بمعنى النقدية ومذهب نقدي " فلسفة كانط التي تذهب الى ان الفكر حاصل بذاته على شرائط المعرفة " (4)
وهكذا تظهر الاختلافات اللغوية في معنى النقد وجذورها من النقد الاختباري التمييزي الذي يظهر العيوب ويكشفها من خلال النقاش الذي تشوبه أحيانا آثار عدم القبول ما دام النقد هم من السفل من الناس وليسوا هم الفاحصون الكاشفون للعيوب وآثارها الحرجة ضمن حدود النسبي ، هذا في جانبه العربي في حين تكون الانجليزية معنية بالتدقيق النقدي الذي يجعل صاحبه يعيش حالة من الحرج والمخاطر العصيبة لان النقد وظيفته الكشف عن العيوب وهذه الأخيرة قلما يكون الاعتراف فيها سهل القبول والمنال ، وفي الفرنسية سوف يكون للجمال ذلك الأثر بعد النقد والتنديد كمحصلة نهائية لوظيفة النقد التي لا تخلو من مشاكل ومحاذير حرجة وخطرة في الوقت نفسه .


أشكال النقد


لا يعتد المجتمع " مجتمعنا " بالنقد لان التربية الاجتماعية السائدة دائما ما تكون تربية تقليدية محافظة ، وبالتالي يكون النقد لها بمثابة الكشف عن عيوبها ونقائصها فضلا عن تخلفاتها الماضوية ، لذلك تظهر الجذور الاجتماعية غير مرحبة بالنقد ضمن هرميات تبدأ من الأعلى وتنزل إلى الأسفل رويدا رويدا من سلطة الدولة " ملكية ، سلطانية ، جمهورية " إلى سلطة المجتمع وتفرعاته وتدرجاته " قبيلة ، عشيرة ، مؤسسة الأسرة " ومؤسسات المجتمع الأخرى الاجتماعية والثقافية والدينية .. الخ ، وهذا ما يجعل كل ناقد موضوعا في خانة النبذ والرفض وليس بغريب تسمية النقد بالسفل من الناس ، ولكن كل شيء بدأ يتغير مع العصر الحديث وظهور الأفكار النقدية للمجتمع والثقافة والفكر ، وبالتالي أصبح للنقد مدارس متفرعة لدى كل علم ولا تتطور العلوم إلا من خلال البحوث الحرة الكاشفة عن العيوب والنقائص والمطورة للأفكار والنظريات بشكل يدعم الجديد ويحبذ ثقافة التجديد والشباب ، لذلك جاءت أكثر النظريات الاجتماعية أو الاتجاهات الاجتماعية الحديثة بإظهار عنصر النقد فيها ، وهذا النقد كامن في الأفكار أو المفاهيم أو النظريات أو التفكير السائد والبحث عما هو جديد من جهة أو رفض ظاهرة أو مجموعة من الوقائع ، وصولا إلى رفض النظام القائم بأكمله من جهة أخرى (5)
وكل مدرسة أو نظرية اجتماعية تركز في نقدها على جانب معين أو جوانب معينة عرفت بها وبالتالي تختلف عن غيرها من المدارس الاجتماعية

النقد الواقعي

فالمدرسة الواقعية في النقد أو المنهج الواقعي في النقد يركز على واقع المعرفة الاجتماعية وطبيعة تلقيها وإدراكها من قبل المجتمع ككل متمثل بالطبقات والجماعات والمجتمعات الشمولية فضلا عن طبيعة الممارسة الاجتماعية لهذه المعرفة تلك التي تتخللها سلوكيات وأحداث ووقائع ، كل ذلك يكون مؤسسا له في التناول النقدي المعرفي ، والمعرفة المتناولة في النقد الواقعي ما هي إلا انعكاس للوجود الاجتماعي الذي يقرر الوعي (6)
وبذلك تكون للطبقية ذلك الأثر الكبير في توزع النقد الواقعي وظهوره ، فضلا عما تشكله البنى الفوقية والتحتية التي دائما ما تشكلان الوعي السائد حيث يعبر أنجلس قائلا " ليس العقل سوى أيديولوجية البرجوازية المنتصرة " (7)
وهكذا يكون واقع التشيؤ والسلعة وسلطة رأس المال واغتراب الإنسان وارتهانه لسلطات وأفكار هي محط اهتمام النقد الواقعي الذي يكشف عن ترسبات التبرير والتفسير أكثر من قدرات التغيير الذي تنطلق منه أيديولوجيا ماركس نفسه .

النقد المقارن

ومع المنهج المقارن أو النقد المقارن يرتبط بالتجربة ومقارنة المجتمعات وما تملك من تشابه في الظواهر والأفكار والمعتقدات والمنتجات الأدبية والثقافية ، وبالتالي تكون ممارسة المقارنة هدفها الوصول إلى مستوى أعلى من الموضوعية والدقة والحقيقة المقاربة لما يفكر فيه الكاتب أو العالم ، والنقد المقارن يتطلب معرفة الآخر ، المختلف ، حتى ينتهي التجمد الذاتي أو العقائدي ، وقبل معرفة الآخر هناك الذات ومعارفها التاريخية وبالتالي يجب الإلمام بجميع زواياها ومداخلها ومخارجها حتى لا يقع الناقد في ما يسمى بالتماهي أو الانتقال من تجمد إلى آخر عقائدي أيضا ولكن هذه المرة مع تقديس الآخر المختلف . والنقد المقارن أحيانا ما يكون سلطويا تفرضه الظروف الاجتماعية الحديثة على المجتمعات القديمة وحينها يغدو " كل مقارن هو وسيط بالقوة " كما يقول باجو (8)
وكل نقد مقارن سوف يقود إلى ولادة نصوص وأفكار جديدة مغايرة للذات تزيدها انفتاحا وتقلل من ضيقها ، حيث " ينتهي كل ادب الى الضيق بذات نفسه إذا لم تأت إليه نفائس الآداب الأخرى لتجدد من ديباجته " كما يقول غوته (9) وهكذا يقود النقد المقارن الى التنوع في الآداب والثقافات والرؤى لا إلى التوحد والتجانس والتماهي فيما بينها .


النقد التاريخي

والمنهج التاريخي أو النقد التاريخي يهتم بدراسة ظواهر التاريخ المكتوبة ضمن سياقاتها الزمنية المنتجة للأحداث والنصوص والأفكار والظواهر والمكتسبات .. الخ ، بحيث تكون مادة المؤرخ هو الماضي يقف عليه موقف المدقق والمحقق من اجل الوصول الى حقيقة موضوعية بواسطة النقد التاريخي او المنهج التاريخي مع الابتعاد عن كل أشكال التحيز والذاتية وما فيها من مشاكل وعلل كثيرة ، وهذا المنهج له طرائقه وكيفياته تلك التي تبدأ بما موجود من وقائع مادية وغير مادية تلك التي تشمل الأفكار والأفعال والدوافع يتم جمع المعلومات حولها ومن ثم التحقق والنقد في هذه المعلومات وطبيعة مصادرها من اجل الوصول إلى حقيقة تاريخية يؤمن بها المحقق والكاتب الباحث طارحا رؤى جديدة مختلفة عما هو سائد في المجتمع وفقا للمنهجية المتبعة من قبل الباحث أو المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها أو يطبقها في دراسته للتاريخ ،مع وجود البديهية اللازمة في اعتماد البرهان بواسطة الاستقراء والتحليل والتركيب بعد تمكنه من ملامسة جوانب الموضوع المراد دراسته ونقده من مختلف الزوايا والاتجاهات ، والنقد التاريخي خضع لتطورات بدءا بعملية نقل الأخبار دون متابعتها والتفكير فيها بشكل نقدي قديما حيث التداخل ما بين الواقعي والأسطوري وصولا إلى دراسة النصوص والأحاديث الدينية المقدسة وفقا للمدرسة السائدة المدعومة بدورها من قبل الدولة المنتصرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، وبالتالي هناك ما هو ظاهر وما هو كامن ومختف هذا ضمن سياقات الدول التقليدية ، ولكن مع الحداثة وظهور الصناعة تطور البحث التاريخي النقدي حيث شمل الكثير من الإضافات لدراسة التاريخ تلك التي تتجاوز دراسة اللغات وتاريخها ومصدرها المكتوب والشفوي لتصل إلى دراسة الآثار المكتشفة من وثائق وألواح ونقود ومنحوتات وغيرها مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة البيئة المعاشة وتطبيق أثرها على المجتمع او النصوص المنتجة فيه وهكذا يكون النقد التاريخي مرتبط بنقد جانبين احدهما سطحي أو خارجي وثانيهما باطني أو داخلي يحمل الإيجاب والسلب في تكونه النهائي (10)
النقد الفلسفي

يعرفه كانت بكونه " فحص حر غير مقيد بأي مذهب فلسفي " وذلك من خلال " تطابق معاني العقل مع مدركات الحس " (11)
وهنا يتضمن مفهوم النقد بعدين ، الأول مرتبط بالحرية في الاختبار بعيدا عن القيود التي يفرضها الواقع الاجتماعي والتاريخي وما يحمل من عادات وتقاليد وأبنية فكرية وثقافية ، والثاني يتمثل في عنصر التطابق والامتحان من خلال استخدام العقل ومدركات الحس ، والتي هي في النهاية مقياس للحقيقة ضمن حدود النسبي وليس المطلق . . تطور مفهوم النقد بشكل اجتماعي وثقافي مؤسساتي مع ظهور النزعة الإنسانية في القرن الثامن عشر ، والتي أخذت من العلم الصناعي الجديد الكثير من الصفات ، تلك المتعلقة بالاكتشاف والمغامرة والتجربة ، التي أتاحت لمفهوم النقد تحقيق عنصر " نفي النفي " ضمن حدود واسعة ومستمرة من النقد عبر أجيال فلسفية وعلمية متواصلة الحضور والتأثير ، بشكل يختلف عن الأزمنة التي قبلها تلك المرابطة بعصر النهضة وهنا يمكن المقارنة بين نقد ديكارت الضمني ، وبين نقد كانت الأكثر توسعا منه بعد انتصار العلم الصناعي الجديد ، فالأول كان خائفا من سلطة الكنيسة والثاني متحرر منها نسبيا ، خصوصا وان الأخير عاش تأثيرات الثورة الفرنسية وما حملت من مميزات تدعم قيم الحرية والعلم والحقيقة المرتبطة بالإنسان كقياس جوهري من شأنه أن يحرر مفهوم النقد من التبعية الميتافيزيقية التي كانت تشكل عائقا أساسيا أمام العلم الحديث وجوهر عملية النقد بشكل عام .
.

أشكال أخرى من النقد

هناك أيضا التفرعات مع كل منهج نقدي ، فمثلا هناك النقد النصي الذي يهتم بالنصوص المراد دراستها ونقدها او بالأحرى دراسة العقل المنتج لهذه النصوص ونقده أو هو نقد النقد كما يسميه علي حرب في نقده للنصوص حيث يقول إن " نقد النص يتكشف عن نقد الحقيقة واستكشاف الكائن " أو " فتح علاقة جديدة مع الحقيقة من شأنها أن تبدل طريقة تعاملنا معها " ( 12)
وهكذا يكون النقد النصي مصاحبا لاكتشاف المعنى الجديد الذي يشكل بدوره مذاقا خاصا يحس به الوعي عندما يذوق تركيبة من العناصر " كما يعبر ليفي شتراوس (13)
ولا يوجد المعنى الجديد إلا من خلال إعادة دراسة النصوص وقراءتها بشكل مختلف عما هو جاهز وتقليدي .
وهناك أيضا النقد السياقي الذي يهتم بالسياق التاريخي والاجتماعي والنفسي الذي يشكل أثرا على منتجات وآراء الكاتب ونصوصه ، وبالتالي لا انعزالية عن واقعه المعاش وهذا النقد وجد في القرن التاسع عشر وأيضا هناك النقد ألنسقي والانطباعي ، والنقد التكويني والبنيوي ، والنقد الإيديولوجي وغيرها من أشكال النقد ، وكل علم لديه ممارساته وأساليبه ومناهجه النقدية وصولا إلى حقائقه ونتائجه التي تطور وتزيد وتراكم الخبرة والمعلومة والمعرفة سواء كانت ماضوية أو معاصرة من خلالها يتم إدراك العالم أكثر فأكثر ، وهكذا تلتقي بعض أشكال النقد من علم الى آخر مستخدمة ذات المناهج بفعل عوامل التأثير والاكتساب .





مفهوم الدولة

المظهر اللغوي

يعرفها قاموس المحيط أي الدولة ضمن معاني ، الدوران والتداول والغلبة والانقلاب وتغير الزمان ، وصولا الى تمثلها " بالعدو " ، إذ يقول " أدالنا الله تعالى من عدونا : من الدولة ، والإدالة : الغلبة ، والدول لغة في الدلو ، وانقلاب الدهر من حال إلى حال " (14)
وفي اللغة الانجليزية تظهر كلمة " STATE " بمعنى المنزلة ، والدولة والحكومة أو الولاية والأبهة أو الطبقة الاجتماعية (15)
والملاحظ في معناها هنا يطغى عليها الجانب الاقتصادي المصاحب للمكانة الاجتماعية ذات الأبهة العالية حيث المركز الكبير في شأنه وعلوه .
أما في اللغة الفرنسية فان كلمة " ETAT " فإنها تعني الدولة مضاف لها مفردات ترتبط بالحالة والشأن والوضع والجدول والمهنة ( 16 )
وهي بذلك أيضا لا تفارق المكانة والوضعية والمنزلة والحالة العملية للفرد مضاف لها عنصر التخطيط ضمن جدولة معينة أو ترتيب معين يراد من خلاله الوصول إلى حالة أسمى وأفضل .
ويعرفها معجم الفلسفة " بأنها مجموع كبير من الأفراد يقطن على وجه الاستقرار إقليما معينا ويتمتع بالشخصية الذاتية وبنظام حكومي واستقلال سياسي " (17)







تعريف الدولة

وللدولة عدة تعاريف من وجهة نظر الفلاسفة وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة ، فهذا ميكافيلي لم يعطي تعريفا محددا للدولة ولكنه أشار ضمنا إلى إن الدولة أو سياسة الأمير مرتبطة بعنصر السيطرة على الناس بواسطة السلاح ولا يستطيع الحاكم الجديد ان يشكل حكمه دونما أنصار ومؤيدين وظروف اجتماعية واقتصادية معينة تقوده إلى تأسيس حكمه ، ومع مرور الزمن يتحول بين الخير والشر وفقا لمقتضيات المصلحة المادية فلكي يضمن حكمه الملك أو الأمير في الأقاليم يعمل على إثارة الفتن كما يقول ميكافيلي واصفا الاسكندر السادس في ايطاليا عندما أراد أن يثبت ابنه الدوق ويعلي من شأنه (18)
وبذلك يكون أول تعريف للدولة حسب ميكافيلي هو نظام سياسي يتخذ من السيطرة على المجتمع واستغلالهم هدفا أساسيا لاستمرار وجوده ومن خلاله تتخذ وتنفذ كافة الوسائل الخيرة والشريرة في نفس الوقت بعد مخاض ظروف اجتماعية وسياسية معينة .
ويرى هوبز إن الدولة بدأت من خلال وجود القيد الذي فرضه الناس على أنفسهم من اجل الوصول إلى أهداف سامية تتعلق بالحرية وممارسة السلطة على الآخرين وبالتالي العيش داخل إطار الدولة بما يضمن لهم مستقبلا المزيد من المكتسبات المتعلقة بالرضا في حياتهم (19)
وبالتالي لابد من حاكم يحيط الناس ويسيطر على طبيعتهم الأنانية وينقلهم من حالة الفطرية إلى الحالة المدنية بواسطة هيمنة النظام المطلق الدنيوي الذي يجنب الناس من حرب الجميع ضد الجميع في مجتمع ما قبل الدولة ( 20)
ولكن رغم هذا التكوين ألدولتي سوف تعود الأمور إلى طبيعتها في البحث عن عدو خارج منظومة الدولة والمجتمع أي عدو خارجي تسقط عليه كافة الرغبات في السيطرة والهيمنة وان انتفى ذلك العدو تم اللجوء إلى الداخل وذلك الأخير لا يسلم من الصراع وهنا هوبز لا يخرج من قانونه الطبيعي المادي الذي يجعل الحياة في صراع دائم ولا ضابط لهذا الصراع سوى اللفياثان الوحش الأسطوري التوراتي الذي يظهر آخر الزمان حيث يعطيه الرمزية في كبح العنف والسيطرة على الانفلات المجتمعي في حالة حدوثه .
ومع روسو ترتبط الدولة بالميثاق الاجتماعي أو العقد الاجتماعي بين السيد والرعايا ، بين الحاكم والشعب على أن لا يتجاوز هذا الميثاق أو العقد النفع العام مطلقا ، وبالتالي تكون الدولة غير ملتزمة بعقيدة معينة تصون العقائد جميعا حيث ما يهم الدولة مثلما يقول روسو " أن يكون لكل مواطن دين يحبب إليه واجباته " وهذا الدين لا يقع في الكراهية بل في التسامح وهو دين مدني يحمي جميع العقائد والمشاعر الاجتماعية على اختلاف وجودها (21)
ولكن هذه النظرة لا تلغي طبيعة الفوارق الاجتماعية بين البشر بل تجعلها طبيعية جدا حيث نشوء المجتمع المدني نفسه قائما على الملكية الخاصة والفرق هو بين المطلق الحاكم الملكي القديم الذي يسيطر بواسطة القيد الذي فرضه الناس على أنفسهم وبين الجمهوري الحديث الذي يقترح روسو وجوده بواسطة العقد الاجتماعي كحماية للملكيات وديمومة للتآلف والرضا الاجتماعي وأي نقض لهذا العقد يؤدي إلى نشوء الاستبداد .
ومع هيجل تكون الإرادة هي صاحبة القرار في تكوين الدولة ، وهذه الإرادة حرة بوجودها " الملكي " أي أنها قادرة على الامتلاك ، تنفصل عن الأفراد الآخرين ضمن صورة وعي متناه قادر على بناء الاختلاف شكلا ومضمونا حيث يقول " بمقدار ما يفكر العقل فان مضمونه وموضوعه يبقيان شيئا كليا بينما يعتمد سلكوه الخاص على النشاط الكلي " ( 22)
وهنا تظهر النتيجة النهائية ليس لشكل الدولة فحسب بل لجميع منتجات الروح في الفن والدين والفلسفة .. الخ ، والدولة بملكيتها الخاصة تنمو وتكبر إرادتها وحريتها وبالتالي تكون أخلاقها الفردية سيدة لوجودها المطلق . هكذا يبعث هيجل رسالته حول الدولة بشكل مثالي بين روحين " روح ذاتي وروح موضوعي " الأول يشمل الفكر والثاني يشمل الطبيعة أو المادة المنتجة ، وبالتالي تكون الروح الأولى الذاتية هي منتجة للروح الثانية الموضوعية ، يأتي ماركس ليقلب الأمر كما هو معروف من اجل تجاوز الاستلاب أو الاغتراب الذي يقول إن الفكر هو الذي يحرر الإنسان من العبودية ، بل إن الأخيرة بما يوجد فيها من تراكم هائل للاستغلال والتشيؤ وهيمنة رأس المال على العمال ومنتجاتهم مع وجود الخسارة الكلية في حياتهم هي من تصنع الدولة وتضيف لها قيمة عليا وهي من تستطيع أن تتجاوزها كأداة قهر من خلال كثرة التحسينات أو الثورات الاجتماعية المتتالية تلك التي تعيد للجدل والصراع هيبة ومنع وقوفه على رأسه كما يقول ماركس .
إن الدولة عند ماركس هي منتج بشري وجدت مع وجود الملكية وتقسيم العمل عبر مراحل تاريخية تطلبت من الإنسان العيش في أنماط مختلفة بدءا بالحياة البدائية القائمة على الصيد والقنص وتربية الماشية ، ومن ثم هناك الاستقرار في الزمن الزراعي والتجاري ، ويليه الصناعي وهكذا يتطور تقسيم العمل ومعه الملكية من القبيلة إلى المشاعة أو ملكية عدة قبائل تتحالف لتكوين دولة معينة حيث تظهر وتنمو هنا الملكية الخاصة كما يقول ماركس باعتبارها شكلا لا طبيعيا وخاضعا للملكية المشاعة (23)
ومع هذا التطور هناك العبودية أيضا ستظهر بواسطة الغزو والسيطرة على القبائل الأخرى ومع كل نمو هناك تفكك للأبنية القديمة وتعارضات كثيرة بين القديم والجديد بين الريف والمدينة بين مصالح السلطة السابقة والحالية ، وهكذا يتطور تقسيم العمل والملكية الخاصة وكان الأمر لم يتغير حيث واقع " العنف والحرب والسلب واللصوصية هو القوة المحركة للتاريخ " (24)
ومع ازدياد الحروب والغزوات تتغير طبيعة الملكية وتنتقل من المشاعة إلى الإقطاع او الملكية الإقطاعية ومن ثم الملكية البرجوازية ضمن مكانين في الريف والمدينة بين من يملك الأراضي وبين من يملك الحرف ، وبالطبع هناك الازدياد المتواصل من العمال الذين هم في الأصل كانوا من العبيد الذين سوف تلغى عنهم هذه الصفة مع التطورات الصناعية القادمة مع ظهور الآلة البخارية وبقية المكتشفات الأخرى كالنول الآلي ودولاب الغزل وبقية التطورات في مجال الزراعة والتجارة ، وهذه التطورات هي التي شكلت نموذج الدولة الحديثة القائمة على الاستلاب من خلال أقلية مالكة لأدوات ووسائل الإنتاج وأكثرية محرومة عاملة تساعد على زيادة التطورات المستقبلية لهذه الأقلية الحاكمة ، التي سوف تدعم المزيد من الحريات المزدوجة للإنسان مقابل بقاء حريتها في الامتلاك أكثر وأكثر ، ولا يمكن إن تزول هذه الدولة في نظر ماركس إلا من خلال الدولة الشيوعية التي " تتخطى الملكية الخاصة أو لاغتراب الذات الإنساني باعتبارها التملك الحقيقي للماهية الإنسانية من جانب الإنسان وللإنسان " كما يقول ماركس (25)
ومع هذا التخطي يتم من خلاله تجاوز جميع مكامن الخوف من الدولة والدين والعائلة وبالتالي تجاوز لأكثر من اغتراب يلغي حرية الإنسان ولكن هل تحقق هذا التخطي على ارض الواقع مع النماذج الشيوعية للدولة سيكون الجواب بالنفي خصوصا مع ذوبان الفرد في الجماعية المغلقة وليست المفتوحة تلك التي لم يشهدها ماركس ويجرب أثره النقدي عليها في كونها دولة بوليس مراقب شرس لجميع مصادر الاختلاف والملاحظة والنقد ، دولة الشمول العقائدي المغلق دولة رأسمالية الدولة المداراة من خلال الحزب الواحد الشمولي .
ولكن رغم السلبيات التي وقعت فيها الدولة في نموذجها الشيوعي إلا إنها شكلت تهديدا لرأس المال لم تتطور وتجسد الفردية موائمة مع الجماعية وخصوصا في مجال الحريات والإشباع الغريزي للحاجات الإنسانية .


ولعلماء الاجتماع أيضا رؤيتهم لمفهوم الدولة بعد الفلاسفة والمفكرين ، فهذا ماكس فيبر يعرف الدولة على أنها " الجماعة الإنسانية التي تدعي داخل ارض محددة وبنجاح حقها باحتكار العنف الطبيعي المشروع " ( 26)
واستخدام العنف هذا يتيح سيطرة الإنسان على الإنسان الأخر وهذا التجمع مر بمراحل حتى وصل إلى شكله الحديث بدءا بالدولة التي يحكمها سيد الأرض الأمير أو الملك وبالتالي تكون الملكية إقطاعية وتبرر السلطة والسيطرة بشكل عرفي ضمن تقاليد مهيمنة على هذا التجمع ، وهناك أيضا ثانيا السلطة التي يمتلكها النبي أو القائد الثوري حيث امتلاك الكاريزما والهيبة وبالتالي تكون السيطرة حاملة للولاء المطلق من قبل الناس الخاضعين لهذه السلطة وهناك أخير السلطة التي يضفيها العقد الدستوري الحديث وفي كلا الحالات الثلاث يكون الانقياد حاضرا " ومشروطا بما يفرضه الواقع من حوافز على درجة عالية من الخوف والأمل " (27)
ويقصد بالخوف " المابعدي " في الآخرة مثلا أو من قوة سحرية أو من الملك والحاكم والرئيس ، والأمل بالهبات والثروات والخيرات في الآخرة أو في هذه الدنيا .
وهكذا لا تخلو الدولة من مفهوم السيطرة التي تعمل على قولبة وتوجيه السلوك الإنساني داخليا وخارجيا ، حيث منظومة القيم والأوامر بمثابة دين لسلوك الأفراد يسميها فوكو " تقنيات ممارسة الذات " من الداخل ، ومن الخارج هناك القمع وتنميط وقولبة المجتمع ، والقمع يختلف من زمن إلى آخر وقد تطور بشكل كبير مع النظام البرجوازي حيث يشكلان جسما واحدا مثلما يقول فوكو ( 28)
وكل قمع بحاجة الى تنظيم وهذا الأخير يكون من حصص الإدارة العليا للدولة تلك التي تهيأ الوسائل المادية اللازمة له تلك التي تضمن السيطرة السياسية الحالية والمستقبلية على حد سواء
ويعرف دوركهايم أيضا الدولة بكونها النموذج الجمعي المتجسد في الضمير العام ، ذلك الذي " يؤمّن احترام المعتقدات والتقاليد وآداب السلوك الجمعية ويحمي الوجدان العام من كل الأعداء الآتين من الداخل أو من الخارج " ( 29)
فالعلاقة بين الضمير العام والدولة علاقة رمزية تؤبد السلطة الممارسة على المجتمع لا تنفك تبعد كل سلطة معارضة من الممكن أن تشكل تهديدا للدولة وقيمها وهنا يلح دوركهايم على إن سلطة هذه الدولة موجودة بشكل كبير لدى المجتمعات البدائية التي يوجد فيها الوجدان الجمعي بشكل خطر من حيث ممارسته للسلطة " فمنه تصدر كل صفة إجرامية مباشرة أو غير مباشرة "(30) للمعتدي أو غير المعتدي من الأهل والأقارب ضمن سلطة مطلقة هي المسئولة عن تحديد السلامة العقلية والإنسانية للفرد معززة بالوعي الجمعي الذي يمارس آلية العقاب . (31)
والدولة في نظر أنجلس ليس سوى " الاعتراف بان المجتمع أصبح مصابا بتعارض لا حل له مع نفسه وانه أصبح غارقا في صراع لا تخف حدته عجز عن إزالته " (32)
ولكي يتم تهدئة هذا الصراع يأتي التنظيم السياسي للدولة كقوة تتولى مهمة الحفاظ على هذا الصراع وعدم انزلاقه إلى مهاوي الفوضى وضياع شكل الدولة والأخيرة مهمتها تخفف من ذلك الصراع وتحصره داخل الإطار القانوني الحافظ لوجود الطبقات ، والطبقة الأعلى اقتصاديا وسياسيا وثقافيا هي من تدير شكل الدولة عبر وسائل الضبط والإكراه فضلا عن التأثيرات الإيديولوجية التي تمارسها طبقيا لهيمنة طبقة على أخرى وكل دولة لديها عبيدها ومستغليها منذ دولة القنانة إلى دولة الرأس مال من ملكية العبيد إلى ملكية الطبقة العاملة مع بعض الاستثناءات (33)
وبذلك تكون الدولة في نظر أنجلس هي تنظيم بشري من الطبقة المالكة وحمايتها من الطبقة التي لا تملك ولا يمكن حسم النصر النهائي بين الطبقتين إلا من خلال الشكل الأعلى للدولة وهو الدولة الديمقراطية التي يعتبر وجودها ضرورة لا يمكن تجنبها خصوصا وإنها قادرة على عدم التمييز بين الناس ولو بشكل رسمي أو مباشر حيث تبقى التنظيمات الإدارية مخفية وهي في النهاية حامية للطبقة المالكة اقتصاديا أيضا .














أشكال الدولة


من خلال ما تبين أعلاه من تعريفات للدولة نستطيع أن نحدد أشكال الدولة إلى أربعة أشكال :


الدولة التاريخية

شكل من أشكال الدولة ما زال يمارس حضوره السياسي والاجتماعي عبر ثبات القوانين والسياسات والتعاملات مع المجتمع ضمن أحادية الطابع الديني والعقائدي الطائفي والقومي المرتبط بالأصل العرقي القبلي للطبقة السياسية الحاكمة ، وهذه الدولة هي التي سميت متداولة بواسطة العنف والانقلاب ولا يمكن تغيير الطبيعة الحاكمة إلا من خلال إحداث القطيعة معها بشكل نهائي إلا من خلال تغيير شكل الحكم وجعله متغير بشكل دوري اختياري للمجتمع المتعدد الأفكار والاتجاهات وحينها يتم مغادرة التاريخ ذاته إلى الحداثة سياسة وحكما وثقافة .
والدولة التاريخية هي إقطاعية بامتياز لا تنفك عن السيطرة على المجتمع وإخضاعه لإرادتها ، وبالرغم من إن هذه الإرادة يراها ( هوبز ) قد تكون مخولة للحاكم من قبل الجماعة أو المجتمع المحدد الذي يرتبط به الحاكم من اجل توفير المزيد من الحماية والبقاء ، وبالتالي يكون الخضوع هنا طوعيا وليس إجباريا مثلما قد يفعل الحاكم مع أفراد عائلته وقبيلته ومجتمعه من إخضاعهم بواسطة القوة الطبيعية (34)
وقد يكون الحاكم المطلق منصبا بشكل الهي من خلال النصوص الدينية التي توظفها مجموعة بشرية مقربة لصالحه تسهل عليه عملية الحكم وتسمح له بممارسة السلطة وإخضاع المجتمع الرافض لوجوده والمؤمن به أيضا ، والاتفاقية الإلهية هذه يتم تنفيذها بكل تقديس وقبول مطلقين من قبل الجماعة المؤمنة ولا يوجد للظلم أي مكانة أو اعتبار سياسي وتكون الحياة مقسمة ضمن ثنائية لا تقبل التجاوز بين الخير والشر السلام والحرب الإيمان والكفر .. الخ ، كذلك الحال مع الطبقية للحاكم وبطانته وجنوده وخدمه وشعبه كل ذلك ضمن ثنائية لا تنتهي من الأعلى والأدنى وضمن درجات درجات من السماء إلى الأرض .
والدولة التاريخية مرة أخرى مكونة من ثلاث اتجاهات للمعرفة يحددها جورج غورفيتش من خلال :-
1- المعرفة الميثولوجية ، المعرفة السياسية ، المعرفة التقنية ( 35)
وهذه المعارف متداخلة مع بعض ، وكثيرا ما تدعم المعرفة الميثولوجية النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع بشكل أسطوري
2- معرفة العالم الخارجي ، وهذه المعرفة تكون تابعة إلى الميثولوجيا والمعرفة السياسية حيث دائما ما يوجد الغلو أو الغليان " الفورة التاريخية " في إسقاط كل حدث واقعي إلى المعتقد الديني أو الأسطوري الأمر الذي يلغي كل مسببات الواقع الاجتماعي والسياسي
3- معرفة الآخر ، وهذه ليست على ذات بال أو اهتمام حيث توضع بالمرتبة الأخيرة ، ولا يوجد آخر إلا وهو موضوع في خانة المراقبة بشكل سياسي لذلك تبقى الجماعات المختلفة منزوية ضمن اتجاهاتها العائلية الدينية أو الصوفية .






الدولة الحديثة

بدأت الدولة الحديثة بالظهور كتطبيق سياسي عملي لها عندما تخلت الدولة عن فرض العقائد على الناس مهمتها الوحيدة هي حماية الملكيات وديمومة التآلف والرضا الاجتماعيين ومنع نشوء الاستبداد من خلال وجود العقد الاجتماعي الذي يؤسس المجتمع المدني ، حيث نستطيع أن نحدد ولادتها مع الثورة الفرنسية في سنة 1789 ومع الزيادة المتواصلة في عدد السكان والزحف ألمديني نحو الأرياف بفضل التجارة والتصنيع وولادة حركة التنوير مرافقة للطبقة البرجوازية الوسطى فضلا عن تراجع الملكية المطلقة في بريطانيا ، ولكن تبقى الثورة الفرنسية هي المسئولة عن " إلغاء العلاقات الزراعية الإقطاعية في جميع أنحاء أوربا الغربية والوسطى عن طريق الفعل أو رد الفعل أو الاقتداء ، ثم ثورة العام 1848 " ( 36)
والمقصود هنا برد الفعل هو محاولة المواكبة وركوب موجة العصر الحديث ذلك ما تم في بلدان أوربية ضلت ملكية لكنها عملت على تحديث أجهزتها الحكومية والإدارية ، وبالتالي أصبحت على ما عليه اليوم من ملكيات دستورية وذات صلاحيات محدودة بالنسبة للملك .
وبالطبع لم تتأسس هذه الدولة الحديثة تطبيقيا قبل الثورة الفرنسية دونما ممهدات فهناك الثورة الصناعية التي أدت إلى زيادة في الناس والبضائع والخدمات ولم يعد للإنتاج أي قيود تعيق البشرية عن النمو والزيادة المتواصلة ضمن بنية أو نسق اجتماعي صناعي يحبذ الحركة والنشاط والحيوية لا اللامبالاة والكسل والنوم التاريخي ، حيث هناك من يقارن زمن ما قبل الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر والتاسع عشر بما هو سائد في القرن الثالث عشر والرابع عشر وصولا إلى القرن السابع عشر بتجارب صغار البط في التحليق ومحاولتها الطيران (37)
إذ تغيرت الأمور وأصبح كل شيء قابل للتحليق والطيران بدءا بالعقل والجسد والروح في تطور متسارع بشكل كبير لا تهدأ وتيرته حتى اليوم ، فالعقل البشري اكتسب الكثير من الأفكار والمعارف حيث تسارعت المنجزات العقلية الإبداعية أكثر وأكثر ، كذلك الجسد أصبح متنقلا بين الحضارات والدول والاكتشافات ، وأخيرا الروح وما تملك من أحلام وطموحات في بناء البلدان والسيطرة على الطبيعة .. الخ من مفاهيم وأحلام القرن التاسع عشر والحداثة .
إن الدولة الحديثة هي دولة مدن حديثة صناعية يرافقها مجتمع صناعي لا يعاني هيمنة الارستقراطية على مفاصل الدولة والحياة بشكل عام ، دولة ناهضة بالعمال والمهندسين والعلماء الطبيعيين والمفكرين الأحرار ، فضلا عن وجود تراتبية الصعود الطبقي بين الفقراء والأغنياء والعكس هو الصحيح ، بالإضافة إلى تمتع المجتمع الحديث بالانفتاح على المواهب في مجالات المسرح والأدب والابتكار والإبداع العلمي .. الخ
ومن يرعى هذه الدولة ويهيمن عليها ؟
سيكون الجواب هو النظام الديمقراطي الرأسمالي الذي يقسم المجتمع إلى ثلاثة طبقات مكونة من الملاك والرأسماليين والعمال ، وهذه الطبقات ليست مكرسة وموضوعة بشكل قدري " الله " كما هو مؤسس له في الماضي بل بشكل حديث صناعي آلي مرتبط بالحاجة إلى التطور الذي يضفي بدوره الحركة الدءوبة والإيمان بالمستقبل وجعل الحاضر صلة وصل بالجديد وليس بالقديم ، والأخير لا يشكل سوى ارث معرفي يساعد على التطور أكثر فأكثر .
هكذا كان القرن التاسع عشر يقود المجتمع والدولة في نفس الوقت ، فبجانب التطور هناك الجشع الرأسمالي الذي لا يهدأ ، هناك الطاقة الخلاقة وعدم وراثة المهن والأعمال كما كانت في القرن الثامن عشر فابن الاسكافي سوف لن يكون مثل أبيه اسكافيا ، بل سيكون محاميا وطبيبا ومهندسا .. الخ وهكذا الحال مع بقية المهن سوف لن تتكرر سلاليا ، وبجانب كل ذلك هناك " دنيوة " العالم ، المتع بواسطة الفنون والآداب بمختلف أشكالها من اجل التخفيف عن كاهل المجتمع العامل الصناعي الحديث .
هناك بالطبع الجانب الأسود المظلم المتمثل في التزايد المتواصل في حياة السكان وضمن الأكثرية الكادحة التي تعيش في مساكن فقيرة وموبوءة بشكل متعمد ، حيث دائما ما يتم عزلهم في الأماكن الطرفية من المدن في أحياء مكتظة ، وكلما ولدت مدن جديدة كلما زاد عدد العمال الفقراء ، وهم يشكلون خطرا كبيرا على النظام السياسي ، لذلك كان الحل بالعزل والتمركز المكاني ، حتى ان بناء ناطحات السحاب لم تتم لصالح العمال والفقراء بل لصالح الطبقة الوسطى تلك التي تدعم بقاء النظام وتديم حيويته ، فضلا عن التحكم بحياة الآلاف من البشر من الطبقة العاملة الكادحة عبر ولادة إمبراطوريات صناعية كبيرة
يقول اريك هوبزباوم في عام 1870 انه " نصف سكان بلدة كروسو كانوا يعملون في مرافقها من أفران الصهر الى مصانع المطل والقضبان والمطارق المتحركة والمشاغل الهندسية " ( 38) وهؤلاء العمال بالطبع مكونين من الرجال والنساء ويقومون بكل ما يطلبه منهم رب العمل الذي تدعمه قوة الدولة والقانون التي تدفع إلى الإمام قيم الدولة – الأشخاص الذين يملكون الشركات ويهيمنون على القرارات السياسية والاجتماعية والثقافية في أكثر بلدان أوربا الرأسمالية الصناعية .
فكل نهوض برجوازي أخلاقي روحي يقابله زيادة في مستوى الفقر وبالتالي زيادة أيضا في المستويات الطبقية الواضحة جدا بين الأغنياء والفقراء ضمن مميزات واعتبارات ثقافية واجتماعية وجودية معاشة بشكل يومي وما يديم هذا الوضع هو الكذب السياسي وخلق الأحلام والتخيلات للطبقات جميعا وخصوصا الطبقة العاملة التي تحاول ان تتشبه بالطبقة البرجوازية الوسطى .
إن الدولة الحديثة هي دولة المتناقضات برمتها ، فبين الحرية والعبودية هناك يقف القانون داعما الصعود والنزول للقيم الإنسانية وهي مصاحبة لرأس المال الصناعي المتنامي المعزز لأوضاع غير راسبة على حالها للمجتمع المنقسم على نفسه طبقيا ووجوديا ثقافيا واجتماعيا .












الدولة التاريخية الحديثة

لم تستطع الكثير من المجتمعات التي تقع خارج بلدان النهوض الأوربي الصناعي تكوين الدولة الحديثة ، إذ وجدت لديهم الدولة وهي معاشقة لتاريخ وجودها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي ، وبالتالي جمعت بين التراث والحداثة ، بين التخلف والتطور ، بين الجمود والحركة في شكل وطبيعة وجود الدولة والأمثلة كثيرة فالدولة في الصين الحديثة تبدأ المادة الأولى بوصف الصين " دولة اشتراكية في ظل الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية وقائمة على تحالف العمال والفلاحين . النظام الاشتراكي هو النظام الأساسي لجمهورية الصين الشعبية يحظر تخريب النظام الاشتراكي من قبل أي منظمة أو فرد " (39)
وهذه المادة واضحة جدا في طبيعة الفرض التاريخي لحزب واحد طليعي قائد للجماهير ، هذا الشكل من التعبير والتأسيس لم يولد في بنية ديمقراطية حديثة أو في دولة صناعية حديثة بل ولد في ظل صراع مع دولة امبراطورية ملكية مطلقة " مملكة تشينغ " لذلك تكونت الدولة معززة لحداثتها الاشتراكية الصناعية الناهضة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والطبقة العاملة الصينية مع ثبات التاريخ السياسي في التعامل مع المختلف في مجال الحقوق في التعبير والحرية في الحديث والنقد أو الحق في الإضراب ، فكل ذلك يقع في مجال الممنوع وما مسموح فيه هو " الالتزام بالدستور والقانون والحفاظ على أسرار الدولة وحماية الممتلكات العامة ومراعاة انضباط العمل والنظام العام واحترام الأخلاق الاجتماعية " (40)
وهذه المادة مفخخة في الشموليات وتقليدية في المحافظة على النظام والضبط الاجتماعي والتوحد الجماعي في شكل الدولة الدكتاتورية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ، وللحداثة لا يوجد أي مجال لنسيان أو نكران وجودها وتطورها العظيم بدءا بالصناعة وشكل المدن الحديثة فضلا عن محاولات الوصول إلى دول الرفاه الاقتصادي في بلد عامل بأكمله تحت قيادة الدولة الشمولية .
ولا تقف الدولة التاريخية الحديثة عند الصين فحسب بل هناك الكثير من الدول الشرق أوسطية أيضا تمزج حداثتها السياسية في تاريخها الاجتماعي والديني والثقافي الأمر الذي يعرقل الكثير من المكتسبات في مجال الحرية في الحديث والتعبير والإضراب والحق القولي اللغوي أمام شموليات تاريخية أصولية مطلقة مثل دول إيران والسعودية وتركيا واندنوسيا وغيرها من الدول التي تشكل عناصر المحافظة على التاريخ محافظة على الحداثة نفسها والأخيرة ناقصة ولن تكتمل .


















الدولة المعاصرة

هي دولة ما بعد الحداثة تلك التي اكتسبت أهمية التلاحم الرأسمالي بين شركات اقتصادية تجارية عابرة للقومية والجنسية وفي أكثر من مكان وبلد معين ، بحيث أصبحت تؤثر بدورها على دول الرعاية الاجتماعية والنهوض الداخلي المحلي فضلا عن زعزعة الهويات الضيقة وجعلها تعيش حالة من الخلخلة أو الارتداد الداخلي أكثر فأكثر نحو المحافظة ، وبالتالي استمرار التراجع في حاجات الناس وكرامتها وحريتها ، فبدلا من الدولة الضابطة المراقبة لسلوكيات الناس هناك الدولة التي لا تحمل هوية أو سيادة ، مجردة من الاستقلال الاقتصادي ومعرضة إلى التفتت أكثر فأكثر في حالة مقاومة شروط الدولة المعاصرة ، دولة ما بعد الحداثة تلك الدولة التي تعتمد على الصناعة مع تكنولوجيا المعلومات حيث استخدام الإبداع من اجل تعميم الفوائد الاقتصادية لدى الطبقة الرأسمالية التي تتحكم بعوامل الإنتاج والاستهلاك والتوزيع ، ومن ثم هناك احتكار لقيمة العلم واتساع متواصل بين الطبقات الاجتماعية .

وابرز مخلفات هذه الدولة هو تنامي عدة قضايا على سبيل المثال لا الحصر هي : -

قضية الفقر

تشكل علاقة الرأسمالية والفقر ، في عالمنا المعاصر علاقة واقعية ليس بسبب القدرة على امتلاك العمل والأرض ورأس المال فحسب بل على امتلاك التكنولوجيا الحديثة والتأثير الاقتصادي والسياسي الدولي ، من قبل أقلية اجتماعية متميزة في ظل وجود العولمة وقوانينها ومؤسساتها المساعدة والمساندة لها متمثلة بثلاثية ( البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية )
فمسألة تدويل سياسة الاقتصاد الكلي باتت قادرة على تحويل الكثير من البلدان إلى " أراض اقتصادية مفتوحة والاقتصاديات القومية إلى احتياطيات من العمل الرخيص والموارد الطبيعية " ( 41 )
وبالتالي هنالك التحديد الإجباري على السير ضمن مسار السوق العالمية المعرضة إلى قابليات من الانكماش وضياع الفرص والإمكانية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وهكذا مع التقدم العلمي والتكنولوجي تزداد الفجوة وتتسع بين الأغنياء والفقراء في العالم

ظاهرة التلوث

تعد ظاهرة التلوث ضمن تأثيرها البشري ، إحدى إفرازات التقدم الصناعي والتكنولوجي منذ ظهور الثورة الصناعية ، وصولا إلى الأزمنة المعاصرة ، التي ساعدت على تكثيف وتنويع مصادر وأشكال التلوث بدءا بالتلوث الهوائي والمائي وانتهاء بالتلوث الالكتروني والنووي ، وكل ذلك يشكل إخلال بالتوازن الطبيعي لجوهر الحياة على كوكب الأرض ، فمن خلال ارتفاع درجات حرارة الأرض نتيجة الزيادة الحاصلة في غاز ثاني أكسيد الكربون ( من 260 جزء في المليون في نهاية القرن الثامن عشر إلى 350 جزء في المليون عام 1985 ، ومن المتوقع أن تتضاعف النسبة في القرن الواحد والعشرين ) ( 42 )
ان ظاهرة التلوث حمالة لمخاطر ومضار مختلفة ونتائج هذه الأخطار كثيرا ما تتحملها الدول الفقيرة والنامية أكثر من الدول المتقدمة ، وعلاج ظاهرة التلوث أو الحد من مخاطرها يتطلب مليارات الدولارات ، الأمر الذي تعجز هذه البلدان الفقيرة عن تحقيقه ماديا ومعنويا ، وبالتالي هنالك فقدان لانسنة التقنية والعلم من خلال عدم المساهمة في معالجة آثار التلوث لدى المجتمعات المتضررة منه ، ومن ثم عدم استطاعة مجتمع المعرفة الحديث على وقف استغلال مصادر الطبيعة بشكل سلبي ، بسبب هيمنة المنطق الاداتي ، الذي ينظر إلى الحاضر و المستقبل على إنهما مكونان من منفعة مخزونة يجب استخراجها بغض النظر عن النتائج والاحتمالات التي من الممكن أن تقودنا إلى عوالم مجهولة وغير معلومة تحمل معها الآثار الحسنة أو السيئة ، وهذا هو في حد ذاته منطق العلم الحديث الذي يشتغل على مفاهيم المغامرة والمخاطرة ، وصولا إلى منجزات وابتكارات جديدة قد تحمل في ذات الوقت المضار والنتائج الخطيرة ، ليس على الإنسان فحسب بل على طبيعة الحياة في كوكب الأرض بشكل عام .


مجتمعات النموذج

تعد ظاهرة التوجيه والقولبة أو خلق النموذج الأحادي في دولة ما بعد الحداثة ، الصناعي والتقني ، إحدى المظاهر السلبية التي تؤسس لهيمنة الطبقة الرأسمالية على وعي الجماهير ، ليس من خلال تحويل الناس والمعارف إلى أدوات وأشياء فحسب بل من خلال ملكية وسائل الإعلام التي تباشر الدور الأساسي في عدم انتقال مجتمع المعرفة من شكله النظري ، العلمي إلى شكله التطبيقي ضمن حدود التأثير الإنساني بشكل عام ، أي بعيدا عن تجربة " التأليل " تحويل الإنسان إلى آلة للإنتاج والاستهلاك والتوزيع خدمة لمصادر النظام وأجهزته الاقتصادية والثقافية والسياسية ، فالتوجيه يمتلك الحضور بشكل فاعل بالرغم من التعدد في وسائل الاتصال والإعلام ولكنها تندرج جميعا في ثقافة واحدة وإطار مستقبلي واحد ، إذ يقول هربرت ماركوز " عن طريق التكنولوجيا تلتغم الثقافة والسياسة والاقتصاد في نظام كلي الحضور يفترس أو ينبذ كل الاختيارات والحلول البديلة " (43)
ومن ثم هنالك اتحاد جوهري بين المصلحة والمعرفة ، بشكل يجعل الأخيرة أكثر توجيها وأحادية ، الأمر الذي يفقدها صفة الحياد والموضوعية ، " فشبح الخطر" ، كثيرا ما يشتغل عليه النظام الرأسمالي المسيطر على مجتمع المعرفة الحديث من اجل الحصول على المزيد من السيطرة والهيمنة ، عبر وسائل الإعلام من اجل تكرار عملية إعادة الإنتاج والتسويق لعجلة الصناعة أو الاقتصاد . فالحرب على العراق وامتلاك أسلحة الدمار الشامل تم تمريرها بشكل ناجح دون أي اعتراض من قبل المجتمع الصناعي المتقدم ، والنتيجة كانت واضحة كما أسلفنا وهي التركيز والتكثيف لعملية الهيمنة بشكل متواصل دون أية أشكال للمعارضة والرفض وذلك إن دل على شيء فانه يدل على توحد المصلحة والمعرفة ، التكنولوجيا والاقتصاد ، الثقافة والسياسة في اتجاه واحد يؤبد النماذج ويطيل عملية خداع المجتمع . يقول جيل ديلوز " على الإنسان أن يقتنع بسيطرة التقنيات والعلوم على وجوده ، وان يتكيف مع هذه السيطرة دون القدرة مع ذلك على الوثوق فيها فيما يتعلق براحته " ( 44)
وهذا الخطاب يخدم ضمن تصورنا تأبيد مجتمعات النموذج المخدر غير المعارض والبديل يتمثل في تسويق فكرة تعدد المراكز تحت تأثير " نبتة الجذمور " ذات الرؤوس المتعددة بشكل مثالي لا يمكن أن يتحقق ضمن حدود النسبي ، وذلك لان المراكز ذاتها تمارس الهيمنة على الأطراف وبالتالي يغدو تكاثر الصور واختلافها مدعاة لتحول المجتمع إلى فكرة التعدد والاختلاف في إشباع الحاجات وكيفية التعامل معها فحسب وليس في تغيير مصادر توزيعها وإنتاجها .


ولكن رغم هذه المآخذ السلبية التي تنتجها الدولة المعاصرة هناك الجوانب الايجابية هناك مجتمع المعرفة الحديث الذي يتمتع بمجموعة خصائص تكمن في

مجتمع النشاط والحركة

: وذلك من خلال قدرته على الإنتاج والاستهلاك والتوزيع للمعارف والمهارات والخبرات المعرفية ، بشكل يتضمن التغيير المتواصل والتطور المستمر ، بحيث تتيح له قابلية الحركة والنشاط ، ديمومة عناصر المراجعة والمتابعة والكشف عن الأخطاء وتجاوزها بشكل مستمر ، وتاريخ النشاط والحركة كفعل إنتاجي " صناعي واقتصادي وثقافي وسياسي واجتماعي .. الخ " في المجتمعات الحديثة ، بدأ مع ظهور الثورة الصناعية المنتجة بدورها نتيجة تفاعل العلوم الطبيعية والرياضية مع تطبيقاتها العملية (45)
أو من خلال التجسيد العملي لهذه العلوم ، الأمر الذي أتاح المجال لظهور عصر الآلة أو التكنولوجية التي غيرت الزمان والمكان على حد سواء من حيث قدرة الإنسان على نشر واستيعاب المعرفة بشكل مضاعف من جهة ، ومن حيث استخدامها عمليا للتأثير على الواقع وتغييره من جهة أخرى . فظهور المعامل أو المصانع جعل الناس تعي قيمة الإنتاج والاستهلاك والاستغلال أيضا ، من حيث وجود " الإنتاج " الذي يضفي التطور في أساليب الحياة والمعيشة ، فضلا عن تنامي عناصر الاكتشاف والابتكار من خلال وجود التخصص والكفاءة وتقسيم العمل ، ومن حيث وجود " الاستهلاك " الذي يباشر عملية الظهور أو التحقق بشكل غير عادل أو متساو بين جميع المواطنين ، بسبب وجود القوانين الجديدة ، المدافعة عن مالكي الإنتاج أو المعامل وليس عن المنتجين أو العمال ، بحيث يصبح المستهلك مندمجا ضمن حدود الطبقة الاجتماعية التي يتراوح وجودها بين القبول والرفض والخضوع .. الخ ، في حين يبقى الاستغلال مادة الصراع والسعي المتواصل إلى عالم أفضل ضمن حدود الفرد أو الجماعة ، لا تنفك أن تظهر في صورة الثورات والاحتجاجات من اجل ممارسة الضغط والتغيير والحصول على مستويات متواصلة من الاحترام للكائن البشري ضمن حدود النسبي . إن هذه الثلاثية " بعد الكثير من التحسينات والتغيرات ضمن حدود تطبيقها في المجتمعات الحديثة " ، تحدد قصة التطور والتحديث والتجاوز لما موجود من " ثقافات وقوانين وأصول معرفية وعلمية .. الخ " بحيث أصبح النشاط والحركة مرتبطان بالعلم الجديد الذي لا يؤمن بالسكون والثبات بقدر ما يؤمن بالحركة والتجاذب بين الأجسام والموجودات من خلال الاتصال والتواصل فيما بينها ، فقوانين نيوتن المرتبطة بالحركة والجاذبية نصت على إن " الأجسام تستمر في الحركة نفسها وبخط مستقيم عندما لا تؤثر عليها أية قوة معينة " ، وكذلك إن " سرعة الجسم تزداد أو تتغير بمعدل يتناسب مع القوة المؤثرة فيه " وكل جسم يجذب جسما آخر بقوة تتناسب طرديا مع كتلة الجسم " ، وكذلك كلما بعدت الأجسام بعضها عن بعض قلت قوة الجذب بينهما " . هذه القوانين وضعت نهاية لنظرية الموقع المطلق في المكان ، لتأتي بعدها قوانين اينشتاين لتضع نهاية المطلق داخل الزمان . (46)


مجتمع السيطرة والتحكم


وهكذا يقود مجتمع الإنتاج والاستهلاك المتمثل بالنشاط والحركة إلى مجتمع السيطرة والتحكم معتمدا على البحث والتطور التقني في مجالات وعلوم مختلفة كالطب والفيزياء والبايلوجيا والاقتصاد وأنظمة الاتصالات والنقل والتعليم .. الخ ، ففي مجال الطب تمثل السيطرة والتحكم في طبيعة الأمراض ومحاولة علاجها عن طريق التقدم في الوسائل والأجهزة العلاجية ، سيطرة وتحكما في طبيعة حياة البشر أنفسهم من حيث الارتفاع المتواصل في سكان كوكب الأرض ، إذ إن تأثير التقدم الصحي جعل كوكب الأرض ينتقل " سكانيا " من مليارا واحدا عام 1830 إلى مليارين عام 1930 وأكثر من ثلاثة مليارات ونصف عام 1972 ، وأكثر من سبعة مليارات عام 2012 . ( 47)
وكل ذلك يعود إلى تطور وانتقال أجهزة العلاج والكشف بدءا بظهور السماعة ( آلة التنصت ) وانتهاء بالآلة الحديثة التي تعمل بالرنين المغناطيسي النووي مرورا بالتصوير بالأشعة والمسح والتصوير بالصدى ، بحيث قاد ذلك التطور إلى تغيرات في طبيعة الفحص والكشف عن الأمراض وظهورها ، وهنا يقول جورج كانغليم " إن التطور في وسائل العلاج أعلاه جعل تمثل الظواهر المرضية يتحول من العضو إلى الخلية ومن الخلية إلى الجزيئة" (48)
وبالتالي سيطرة متتالية على المرض ومحاولة ضبط حركته وانتقاله ، وصولا إلى التشخيص ومحاولة الوصف والعلاج .
وهكذا الحال مع الفيزياء التي قدمت الكثير من الخدمات في مجال الصناعة والزراعة والبحث العلمي والطب ، خصوصا مع اكتشاف الإشعاع الذري الذي فتح الطريق إلى منجزات وتطورات متتالية في غاية الأهمية ففي مجال الصناعة هنالك الاستخدامات العديدة في صناعة الاسمنت والحديد والصلب والسيراميك والسيارات وغيرها كذلك الحال مع الزراعة التي استفادت من الأشعة الذرية ولاسيما أشعة غاما والأشعة السينية في تحسين نوعية البذور وإحداث طفرات نوعية فيها وكذلك استخدامها في مجال حفظ الأغذية من التلف من خلال عمليات التعقيم الإشعاعي الذي أصبح بديلا حيويا لممارسات التجفيف والتجميد والبسترة التقليدية ( 49) .
إن علم الفيزياء يشتغل بشكل مستمر من خلال نسق التقلبات ، وانه لا توجد ثوابت أو جداول معينة وفقا لتعبير باشلار ، أي إن الفيزياء تطورت بواسطة عدم الإيمان بالبداهة والعمومي ومن ثم كان لها النصيب الدائم في التجاوز والتطور ، وصولا إلى طبيعتها التجريبية المحكومة بمنطق التسارع في المعرفة والاكتشاف والانجاز ، وهنا يشكل تجاوزا جوهريا لعقلية ما قبل العلم تلك التي تعتمد على ثبات العالم وفقدانه التغيير والتنوع . في حين تقدم لنا البيولوجيا أو علوم الحياة الكثير من الإمكانيات خصوصا مع الثورة المتواصلة لتكنولوجيا الجينات الوراثية ، والتي تشتغل ضمن مجالات التحديد والتحسين والتطوير البيولوجي للكائنات الحية ، ففي مجال التحديد البيولوجي يتم من خلال معرفة الأصل والتكوين متمثلا في العمر والنوع والشكل ، ومن ثم العمل على التحسينات الوظيفية في الإنتاج البيولوجي من خلال التحكم في مستوى النوع والجنس ، وبالتالي التطوير المستمر في قدرة الكائنات الحية على البقاء والتكاثر ، إذ يشكل علم زراعة الأعضاء واستخدامها أهمية كبيرة في إطالة عمر الإنسان ، وكذلك القدرة على التحكم الجيني ومحاولة إنتاج أنواع وأشكال أكثر امتيازا من سواها من الكائنات الحية من النباتات والحيوانات ، ومن ثم تنامي وازدياد الفائدة الاقتصادية العالية . وكذلك في مجال الطب هنالك الإمكانية في تحقيق الوقاية من الأمراض قبل حدوثها وذلك بعد معرفة الجينات المسببة للمرض . (50)


مجتمع الإبداع والبحث العلمي


يتميز مجتمع المعرفة بكونه مجتمعا قائما على الإبداع والبحث العلمي وصولا إلى ترسيخ وتثبيت عناصر التغيير والتحول من مجال معرفي وتقني إلى آخر أكثر مساهمة في القبول الاجتماعي ، بحيث تصبح العلاقة بين الإبداع والبحث العلمي من جهة والتغيير والتحول من جهة أخرى ، علاقة تزاوجيه ، لا انفصال عنها ، تحكمها قوانين النسبية والحرية في التأسيس والفعل ونقد الفعل ، وصولا إلى إبداع وابتكار جديد ومستمر. ومجتمع المعرفة الحديث يعتمد في تطوره بشكل أساس على التسارع المتواصل في تحقيق البحوث والابتكارات الجديدة ، التي تظهر نتائجها بشكل عملي وتطبيقي لدى المجتمع ، وذلك لان المعرفة والمعلومة المبتكرة تعد بمثابة السلعة المتنافس حولها ، والمدعومة من قبل الشركات ذات الاهتمام التقني والعلمي والاقتصادي .. الخ . الأمر الذي يجعلها أي المعرفة إحدى الموجودات الأساسية في عصر المعلومات يضاف إليها ، اتساع النظرة العقلية والخيال الخلاق ( 51)
وسمة الإبداع المعرفي غير متوقفة ضمن حدود وثوابت معينة ، بل يحيطها البحث العلمي الذي ينظر إلى العلم ضمن معايير النسبية والمرونة والتجربة والنقد ، وليس ضمن معايير الصرامة والاتساق المنطقي الذي كان يحكم أزمنة وانساق معرفية متواصلة الحضور والهيمنة كالقرون الوسطى وعصر النهضة والتنوير ، بسبب ربط العلوم الطبيعية مع علم اللاهوت ، كعلم الفيزياء على سبيل المثال والذي كان يطغى عليه عقيدة سفر التكوين كعقيدة كونية علمية إلى حد كبير (52)
وبالتالي ربط الإبداع بعمليات عقلية ، تجريبية بشرية ، مرجعها المعرفي لا يأتي من الغيب واللاهوت أو التاريخ والتراث بقدر تعلقه بالتجربة البشرية التي تركز على تراكم المعرفة العلمية والمجهول وعدم اليقين والإيمان الفاعل بالحقيقة كخطأ مصحح كما يرى غاستون باشلار من اجل خلق الجديد والمبتكر بشكل دائم ، إذ إن العقل الغربي الحديث يركز اليوم على حضارة الشباب من حيث الإعلان والتمجيد والتصوير ، وذلك لان الشباب يمثلون المستقبل والاستهلاك والإنتاج ، وبالتالي الإبداع والتطور بشكل متواصل ( 53 )


مجتمع الحرية الفردية والجمعية ، الثقافية والاجتماعية


إن مجتمع المعرفة الحديث لا يستطيع أن يتطور ويباشر حضوره العلمي والثقافي إلا من خلال وجود الشريان الحيوي الذي يبث فيه التقدم والعطاء بشكل دائم ومستمر ، والشريان الحيوي هنا مرتبط بمفهوم الحرية في التعبير والإبداع ، الإنتاج والتكوين ، بشكل فردي وجمعي ، اجتماعي وثقافي ، بحيث تغدو معامل الارتباط واضحة الحضور والأهمية ، رباعية التشكيل ضمن معادلة المجتمع والحرية والإبداع والمؤسسة ، ومن ثم الانتقال إلى رباعية أخرى ضمن معادلة الإنتاج والاقتصاد والإدارة والمجتمع . وهكذا ضمن دورة متواصلة من التأثير المتبادل والمستمر بين هاتين الرباعيتين ، وصولا إلى مجتمع معرفي جديد ومتطور بشكل دائم . ومفهوم الحرية يقصي الثوابت والحواجز ، ويديم النشاط والحيوية في جسم الكائن الحي سواء كان مادة وموضوعا ، مؤسسة ومجتمعا ، وذلك بعد التجرد من مصطلحات كالأصل والنهاية والمطلق والحقيقة ضمن شكلها النهائي ، وكلها مصطلحات تنتمي لمراحل ما قبل العلم ، والارتباط بمفاهيم جديدة مثل النسبية والتقدم والمغامرة والاكتشاف والاختلاف ( هذه المفاهيم تشكل أساسا جوهريا لظهور العلم الحديث وتطوره المستمر ) ، والمعرفة التي تعتمد على هكذا مفاهيم لا تستفيد منها السلطات أو تشكل أداة لها فحسب كما يقول فرانسوا ليوتار بل هي مفيدة أيضا للمجتمع بشكل عام ، إذ تعمل على شحذ حساسية الناس للاختلافات ، ومن ثم هي مصدرا أساسيا لتحمل ما لا يقبل القياس ، ومبدؤها بعيد عن التماثل قريب من الابتكار والاختلاف . (54 )
. وكل ذلك يعتمد على طبيعة التنشئة الاجتماعية التي يشكل عامل التربية احد العوامل الأساسية في تكوينها ضمن صورة غير نمطية ، متحولة ، مرتبطة بطبيعة عصر المعرفة المتدفقة بشكل متحرر وسريع وذو أبعاد جغرافية مفتوحة . فكلما تدفقت المعلومات بشكل حر وسريع كلما غيرت وحررت الكثير من الأشياء حولنا ، ليس البشر أنفسهم فحسب بل هنالك المال والكتب ووسائل الإعلام الالكترونية واسعة الانتشار ( 55).




خاتمة الفصل الأول

لا تنفصل الدولة الحديثة عن النقد ، فهو مطور معرفي تاريخي لوجودها الاجتماعي والثقافي والعلمي ، فضلا عن فائدته في تراكم المعارف والخبرات والإمكانيات ، والنقد بشكل مختصر هو الكشف الحر عن الآثار المنتجة بشريا والمتفاعلة بواسطة البشر أنفسهم ولكنها قد تعرضت إلى الجمود وعدم قدرتها على المواكبة وشحذ الفعل والفعل المضاد أو شحذ الحركة داخل المادة الاجتماعية والثقافية والعلمية .. الخ ، وللنقد أشكاله المتعددة تلك التي ترتبط بالواقع وما يعانيه المجتمع من تقلبات وثورات وتغيرات كلها ترتبط بطبيعة السلطة السائدة وقيمها ، ومنها ما هو مرتبط بالمقارنة ومحاولة منع التخثرات الاجتماعية عبر تنوع وتعدد الثقافات والمعارف لا توحدها وتجانسها أو عزلتها كثيرا ، هكذا يفضي النقد المقارن إلى إن يكون قوة تفرض التغيرات على الأبنية الاجتماعية ، وبعد المقارن هناك النقد التاريخي الذي يعني بظواهر التاريخ ومدى تأثيرها على المجتمعات صاحبة الإنتاج الأولي لها ، بشكل يتجاوز الآثار المكتوبة والشفاهية ، بشكل قصصي لتصل إلى حدود الوثائق المكتشفة من منحوتات وألواح وقطع نقدية .. الخ بحيث تكون البيئة المعاشة هي صاحبة الإنتاج التاريخي وليس سواه ، ومع النقد الفلسفي المتضمن استخدام العقل ومدركات الحس بالشكل الذي يتماشى مع الحقيقة ضمن معيارها النسبي وليس المطلق ومع تأثير البيئة الجديدة نفسها تلك المرتبطة بالعلم والصناعة .
في حين تظهر الدولة جاهزة عبر تعريفاتها المتدرجة من التاريخ الذي يجعلها منتجة بشكل فوق بشري ، وبالتالي يشكل المساس بها مساس بالمجتمع ووجوده وحريته وبالتالي تشكل هذه الدولة بمثابة القيد الذي ربط المجتمع به عبر تقديس الملك أو السلطان أو جميع النصوص المقدسة المحافظة على شكل هذه الدولة ووجود المجتمع فيها ، وبعد الدولة التاريخية هناك دولة العقد الاجتماعي الذي بدأت تعي أثار الإنسان نفسه على تأسيس الدول وصناعتها وبالتالي ظهرت مفاهيم الحرية والإيمان بالإنسان كصانع بشري للحضارة ولكن ضمن جاهزية الاستغلال الطبقي أو الصراع الطبقي بين الناس أنفسهم ، الأمر الذي يجعلها تتجاوز حدود المكان أو الترسيمة التقليدية للدولة ذات الأثر السيادي لتصل الى الدولة المتلاحمة رأسماليا بين شركات اقتصادية تجارية عابرة لحدود القومية والجنسية وبالتالي بقدر ما هي مطورة تكنولوجيا وعلميا لحياة الإنسان بقدر ما هي مهددة لوجوده عبر زيادة الإمراض والفقر والتلوث والانغلاق النموذجي الاجتماعي خوفا من الاكتساح الثقافي العالمي لها ، وبالتالي انعكس ذلك الأمر على المجتمعات التي تعيش داخل التاريخ أو تلك التي تتمسك بهوياتها الاجتماعية الثقافية بالشكل الذي يجعلها غير قادرة على التحديث السياسي والاجتماعي عبر أدوات النقد الحديث بالرغم من وجود الحداثة في الأبنية التحتية لها مع بقاء الفوقي غارقا في التخلفات الكثيرة .


















المصادر :-

1- المعجم الوسيط ، جمهورية مصر العربية ، مجمع اللغة العربي ،مكتبة الشروق الدولية ، الطبعة الرابعة ، 2004 ، ص 944
2- المصدر ، نفسه ص 944
3- القاموس / انكليزي عربي / دار الكتب العلمية / لبنان ، بيروت ، 2004 ، ص 213
4- عبد الجبور ، جبور . ادريس ، سهيل / المنهل ، قاموس فرنسي – عربي / دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان / الطبعة السابعة 1983 ، ص 273
5- د . عبد المعطي ، عبد الباسط / اتجاهات نظرية في علم الاجتماع / سلسلة عالم المعرفة / العدد 44 ، 1981 ، ص 139
6- غورفيتش ، جورج / الأطر الاجتماعية للمعرفة / مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر / بيروت ، الطبعة الثالثة 2008 ، ص 63
7- المصدر ، نفسه ، ص 63
8- المناصرة ، عز الدين / النقد الثقافي المقارن ، منظور جدلي تفكيكي / دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان – الأردن ، الطبعة الأولى 2005 ص 192
9- المصدر ، نفسه ، ص 206
10- قدور ، منصورية / النقد التاريخي وأهميته في ابراز الحقيقة التاريخية / مجلة الرواق والدراسات الإنسانية / المجلد 7 ، العدد 1 / 2021 ، ص 528-529 )
11- معجم الفلسفة / فصل النون
12- حرب ، علي / نقد النص / المركز الثقافي العربي / بيروت 2005/ ص 13
13- هنيدي ، مارك / مشكلة الأخلاق في بنيوية كلود ليفي شتراوس / مجلة العرب والفكر العالمي / مركز الإنماء القومي / العدد التاسع بيروت 1990 / ص 42
14- القاموس المحيط / محمد بن يعقوب الفيروزبادي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثامنة 2005 ، ص 1000- 1001 / المعجم الوسيط / الطبعة الرابعة ، جمهورية مصر العربية ، ص 304
15- القاموس / انكليزي عربي / دار الكتب العلمية / لبنان ، بيروت ، 2004 ، ص 697
16- عبد الجبور ، جبور . ادريس ، سهيل / المنهل ، قاموس فرنسي – عربي / دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان / الطبعة السابعة 1983 / ص 410
17- معجم الفلسفة / فصل الألف
18- ميكافيلي ، نيقولا / كتاب الأمير / مكتبة ابن سينا ، القاهرة 2004 ، ص 45
19- هوبز ، توماس / اللفياثان .. الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة / هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ( كلمة ) ودار الفارابي / الطبعة الأولى 2011 / ص 175-176
20- عبد الجبار ، فالح / الاستلاب . . هوبز لوك روسو هيجل فيورباخ ماركس / دار الفارابي ، الطبعة الأولى 2018 ، ص 30-31
21- روسو ، جان جاك / العقد الاجتماعي / مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة / جمهورية مصر العربية ، 2012 ، ص 170
22- هيجل / أصول فلسفة الحق / دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت 2007 ، ص 121
23- ماركس ، كارل و أنجلس ، فردريك / الإيديولوجية الألمانية / دار دمشق ، دمشق - بيروت / الطبعة الأولى ، 1976- / ص 26
24- المصدر ، نفسه ص 27
25- ماركس ، كارل / مخطوطات كارل ماركس 1848 / دار الثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1974 ، ص 96
26- فيبر ، ماكس / العلم والسياسة بوصفها حرفة / المنظمة العربية للترجمة / الطبعة الأولى بيروت 2011 ، ص 263
27- المصدر ، نفسه ص 265
28- فوكو ، ميشيل / تاريخ الجنسانية .. إرادة المعرفة / مركز الإنماء القومي بيروت الطبعة 1990 / ص 29-30
29- دوركهايم ، إميل / في تقسيم العمل / اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع ، بيروت 1982 ، ص 102
30- المصدر ، نفسه ، ص
31- في زمن الدكتاتورية الصدامية في العراق كانت تهمة المعارض السياسي تنسحب بشكل عام إلى عائلته وأهله وأقاربه وبالتالي يتم استبعادهم من أي منصب وظيفي وكأن بهم لوثة عقلية مضادة لقيم الدولة لا يجب أن تسود وتنتشر بين الناس ، وهكذا الحال مع كل سلطة أصلية دينية تدعي الحقيقة تحارب بدورها أي إمكانية للاختلاف والنقد وتعده قادم من جهات شيطانية خارجية يؤمن بها الوعي الجمعي ويقدسها إلى حد ما
32- أنجلس ، فردريك / أصل العائلة والملكية والدولة / ص 190
33- وهنا أنجلس يشير إلى المساواة التي قد تحصل بين الطبقات في المشاركة في سلطة الدولة كما حصل الأمر بين طبقة النبلاء وطبقة سكان المدن في القرن السابع حيث كانت الدولة تشكل بمثابة وسيط عشوائي على درجة معينة من الاستقلال وكذلك في زمن بونابرت الأول والإمبراطورية الفرنسية الثانية حيث الإثارة المتعمدة للطبقة العاملة ضد الطبقة البرجوازية والعكس لغايات سياسية محضة . يراجع هنا أنجلس / المصدر نفسه ، ص 193
34- هوبز / اللفياثان .. الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة / ص 181
35- غورفيتش ، جورج / الأطر الاجتماعية للمعرفة / ص 178
36- هوبزباوم ، اريك / عصر الثورة .. أوربا 1789-1848/ مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2007 ، ص 71
37- المصدر ، نفسه ، ص 80
38- هوبزباوم ، اريك / عصر رأس المال / مركز دراسات الوحدة العربية / بيروت ، 2008 ، ص 379
39- constitution of the people s republic of china 1982 / Article 1
40- constitution of the people s republic of china 1982/ Article 53
41- تشوسودوفيسكي ، ميشيل / عولمة الفقر / الهيئة المصرية للكتاب ، مكتبة الأسرة ، 2012 ص 31
42- أ . د . عويضة ، محمود احمد / التلوث روماتيزم العصر / كتب عربية / الطبعة الأولى ص 46- 47
43- ماركوز ، هربرت / الإنسان ذو البعد الواحد / دار الآداب – بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1988 ، ص 33
44- دورتي ، جان فرانسوا / فلسفات عصرنا ، تياراتها ، مذاهبها ، أعلامها وقضاياها / منشورات الاختلاف ، الطبعة الأولى 2009 ، ص 178
45- ويردي ، منير الله / الدول المتخلفة والتبعية التكنولوجية / مجلة دراسات عربية ، السنة العاشرة ، العدد 9 ، ص 46
46- هوكنغ ، ستيفن / موجز تاريخ الزمن / دار المأمون للثقافة والإعلام – بغداد – 1990 ، ص 38-39
47- هامبورجه ، جان / الطبيب والحياة ، بحث في تحولات الطب والإنسان / دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1988 ، ص 78 ، وكذلك يراجع موقع الموسوعة الحرة http://ar.wikipedia.org/wik
48- كانغليم ، جورج / دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها / المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الأولى ، بيروت ، أيار- مايو 2007 ، ص 604
49- الجزار ، عبد الحميد حلمي / صقر ، محمد عبد المنعم / الإشعاع الذري واستخداماته السلمية / عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – أغسطس 2011، ص 87
50- د . الحفار ، سعيد محمد ، البيولوجيا ومصير الإنسان / سلسلة عالم المعرفة (38) الكويت ، 1984 ، ص 28
51- رستون . ولتر ب / أفول السيادة ، دار النسر للنشر والتوزيع عمان 1994 ، ص 34
52- باشلار ، غاستون / تكوين العقل العلمي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى – 1981 ، ص 72 .
53- د . حجازي ، مصطفى / علم النفس والعولمة ، رؤى مستقبلية في التربية والعولمة / شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، لبنان – بيروت ، الطبعة الأولى 2001 ص 54
54- ليوتار ، جان فرانسوا / الوضع ما بعد الحداثي / تقرير عن المعرفة / دار شرقيات للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1994 القاهرة ص 25
55- رستون ، ولتر ب / أفول السيادة / ص 34 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من