الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


" سأرسل هذه الدراسة من Cyber ، لان مدير البوليس المريض المعقد نفسيا ، والجلاد .. قطع الكونكسيون عن منزلي لعرقلة الحق في النشر . " .
ما الفرق بين الاختطاف السياسي الذي يحصل خارج القانون ، وبين الاختفاء القسري ، وبين الاعتقال التعسفي ؟
ما دامت النتيجة هي الانسان الذي يخضع للاختطاف السياسي ، و للاختفاء القسري ، وصولا الى الاعتقال التعسفي ، فلا نكاد نعتبر التوصيف هذا اقرارا بحالة خاصة تختلف عن الاختطاف السياسي ، وهو المصطلح الشائع في جميع حقب الصراع السياسي او النقابي ، وبين وصف الاختفاء القسري ، أي يحصل رغم رفض الشخص المختطف لظروف وشروط الاختفاء، وبين الاختفاء القسري القريب من الاختطاف السياسي في المعنى عنه في مجال الاختفاء التعسفي ..
فخلال مراحل الصراع خاصة اثناء الستينات والسبعينات ، كان المعنيون بالظاهرة يصفون عملية الاختفاء بالاختطاف السياسي ، لان الاختطاف حصل بسبب مواضيع سياسية ، جرت العادة على تسمية ضحاياها بالمختطفين السياسيين . وهذا من حيث المعنى ، اكثر ضررا مقارنة مع الاختفاء القسري ، والاختفاء التعسفي .. رغم ان نفس الضرر ، ونفس النتيجة يتولد عن الاختفاء او الاختطاف القسري ، المجرم من القانون الدولي ..
فما يقوم به البوليس السياسي ضد المثقفين ، والديمقراطيين ، والصحافيين ، وفاضحي الفساد بكل اوجهه المقرفة ، هو تصرف اجرامي يمنعه القانون الدولي ، وتمنعه مواثيق الأمم المتحدة ، لان لا ضمانة تضمن ظهور من تعرض للاختطاف السياسي ، الذين العديد منهم قضوا تحت تعذيب البوليس السياسي ، الخارج عن القانون ..
لكن الاختطاف القسري ظهر بعد رحيل الحسن الثاني ، لكن سرعان ما تم استبداله بالاختفاء التعسفي بدل الاختفاء القسري .. ففي حالة الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء التعسفي ، ومنْ قبل تعرضوا للاختفاء القسري ، يكونون في أوضاع خاصة ، تحميها القوانين المختلفة ، خاصة قوانين الأمم المتحدة . لكن لن يتم تصنيفهم بالمعتقلين السياسيين الذين كانوا يشكلون مشاكل لضمير الحاكم ، بسبب تعرية الصحافة الدولية لهذه الجرائم التي يقوم بها البوليس السياسي ، بخلاف الاختفاء القسري والتعسفي ، الذي لا يرقى بأصحابها الى مرتبة المعتقلين السياسيين ، كما هو الحال في عملية الاختطاف السياسي . لذا ففي عهد الملك الحسن الثاني ، كانت محاضر البوليس السياسي ، يتم تحريرها حسب التهمة التي وجهها الى الشخص المتهم . وهنا فان الوضعية القانونية لهؤلاء ، تصنف ضمن الاعتقال السياسي ، لان اصل التهمة هو سياسي .. وهذا الوضع كان يسمح لمنظمات حقوق الانسان الدولية ، وللحكومات الغربية ، بالتدخل لدا الملك في موضوع هذه الملفات ، كما اعطى وضعا قانونيا خاصا بهؤلاء ، حيث كانت لهم مكانتهم بمختلف السجون التي حشروا فيها .
لكن اثناء حكم الملك محمد السادس تغير كل شيء ، واصبح البوليس السياسي يفبرك المحاضر المزورة ، التي لها علاقة بالحق العام ، فيقدم الضحايا الى المحاكم كمجرمي الحق العام ، لا كمعتقلين سياسيين زج بهم في السجن من اجل أفكارهم ومبادئهم ، ففرق بين المجرم السياسي الذي دخل السكن بسبب أفكاره ، وبين من لصقوا له تهمة لها صلة بجرائم الحق العام ، حيث يحرمون داخل السجن في الامتيازات ، التي يتوفر عليها المعتقلون السياسيون وحدهم دون غيرهم ...
تطرح ظاهرة الاختفاء القسري مجموعة من الإشكاليات المعرفية والإنسانية ، وتأسيسا على ذلك ، يمكن ان نسائل مكونات هذه الظاهرة ، تأثيراتها الفعلية او المحتملة ، على تكوين السلوك السياسي للمجتمع المغربي ، امتداداتها البنيوية ضمن تراكمات البناء المجتمعي ، أي عن مدى قدرتها على تكييف السلوك الفردي والجماعي ، حسب استراتيجية السلطة . ولكن قبل هذا وذاك ، يمكن ان نتساءل عن الأسباب ، او الشروط الموضوعية التي تؤسس للّجوء الى هذه الآلة التدميرية ، حيث ان الاختفاء القسري ، او اللاإرادي يْحوّل الانسان الى اللاّإنسان ، كما يرتبط بإشكال سرية وآليات موازية ، وأماكن سرية . وفي حالة المغرب . هل تشكل ظاهرة الاختفاء القسري ، حالة تاريخية ، فقدت رهنيتها ، ام ان هلامية السلطة السياسية البوليسية مجسدة في الدولة المخزنية ، وتراكم السلطات ومركزتها ، وغياب أجهزة للمراقبة ، يجعل من ظاهرة الاختفاء القسري واقعا قائما وكائنا ، حيث الاحداث التي جرت منذ مجيء محمد السادس الى ( الحكم ) ، اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ، مدى هشاشة القواعد ، والمعايير ، والخطابات امام جوهر يستمر في الامتداد والتجرد .
وبناء عليه ، يمكن ان نتساءل . هل ظاهرة الاختفاء القسري تراجعت حقا ؟ . وما يبرر هذا التراجع ؟ ألا يعني ذلك فقط ، ان المخزن البوليسي راكم من الوسائل الزجرية والقمعية ، ما يجعله بنأي عن آلية أصبحت مكلفة على المستوى العالمي ، خصوصا في ظل الترابطات التي اصبح ينسجها هذا الأخير مع نظام العولمة ؟ ، وهي من الأسباب الرئيسية التي عرقلت قضية الصحراء الغربية بأطروحتها المغربية .
وهل يشكل المغرب استثناء ، ام ان ظاهرة الاختفاء القسري ، هي ظاهرة عالمية وكونية بكل المقاييس ، وعملة رائجة في اغلب الدول على حد تعبير مدير الشؤون القانونية لمنظمة " هيومان رايتش واتش " ؟ وتجدر الإشارة الى القول ، انه من السذاجة بمكان ، ومن انعدام المسؤولية القول ، بان ظاهرة الاختفاء القسري في المغرب ، ممارسة تهم الماضي ، حيث الوقائع تؤكد عكس ذلك ..
1 ) الاختفاء القسري . إشكالية المفهوم واسئلة الدلالة :
بدأ استعمال كلمة الاختفاء القسري لأول مرة بصورة منتظمة ومنهجية سنة 1974 ، من طرف منظمات حقوق الانسان ، ووسائل اعلام دول أمريكا اللاتينية ، وبعد ذلك جرى استخدامها بشكل كبير في جهات أخرى من العالم، وخلال سنة 1978 تبنت الأمم المتحدة اول قرار لها حول الاختفاء والاختطاف القسري .
لا شك ان اية محاولة لمقاربة ظاهرة الاختفاء القسري ، تبقى مسكونة بالكثير من المخاطر النظرية ، خصوصا ان اغلبية الآليات القانونية ، لم تتصد لتعريفها التعريف الدقيق ، وبالتالي فواقع التماثل مع ظواهر قد تشكل هي الأخرى انتهاكات لحقوق الانسان ، يمكن ان يؤدي للغموض ، او الى تقييمات غير دقيقة ، او غارقة في ضبابيتها ، الامر الذي من شأنه تعويم دلالات ومفهوم الاختفاء القسري . وبشكل عام ، يمكن القول ان ظاهرة الاختفاء ، والاختطاف القسري ، هي حالة طبيعية في المجتمعات الإنسانية ، حيث ان بعض الافراد ، يمكن ان يُفقدوا بعد حدوث كوارث طبيعية ، او في ظروف غياب الامن وسيادة الفوضى ، ويعدم بالتالي أي اثر لهم .
كما انه خلال الحروب ، تنشغل العائلات بمصير المحاربين ، الاّ انها ما تلبث ان تتوصل بأخبارهم سواء أكانت محزنة او سارة . وفي هذه الحالة يشتركون مع عائلات المختفين قسريا ، في وضعية القلق والترقب . إلاّ ان السلطات في الحالة الأولى ، لا تعمل على مضاعفة معاناة العائلات . وباختصار يمكن القول ان المسؤولية الأخلاقية والجنائية للدولة ، تبقى قائمة ، وتعتبر عنصرا أساسيا في تعريف ظاهرة الاختفاء القسري . كما انها تشكل آلية أساسية ، لإزاحة الغموض عن دلالة المختفي ، وتميزه نظريا وعمليا عن بعض المفاهيم والاصطلاحات ، مثل الشخص المفقود الذي يستعمل عادة اثناء النزاعات المسلحة ، واحيانا يتم استخدام هذه الدلالات بشكل تبادلي ، وهذا خطأ كبير ، لان مسؤولية الدولة غير قائمة في الحالة الأخيرة ، بينما تشكل جوهر وعمق المأساة في ظاهرة الاختفاء القسري . كما ان هذه الأخيرة تشترك مع وضعيات الاختطاف واحتجاز الرهائن في الكثير من النقاط Les points fixe ، حيث ان العائلات والاقارب ، لا يعرفون مصير الضحايا ، ومع ذلك فان الاختطاف او عمليات احتجاز الرهائن ، لا يمكن مماثلتها مع ظاهرة الاختفاء القسري ، لان الأولى عادة ما تستتبع بطلب صريح للمقايضة ، سواء اكان سياسيا او نقابيا . كما يتم تفعيل الأجهزة البوليسية للعثور على الضحايا والفاعلين ، وفتح تحقيقات . وهذا يتناقض مع المنطق الذي يحكم ظاهرة الاختفاء او الاختطاف القسري . ويتعين كذلك هنا التمييز بين الاعتقال في حالة سرية ، والاختفاء القسري ، حيث انه على الرغم من مسؤولية الدولة في كلتا الحالتين . ففي الحالة الأولى غالبا ما يتم اعتقال الشخص من طرف البوليس السياسي ، أي الأجهزة الرسمية للدولة ، وتتوصل العائلة بوثيقة تثبت واقعة الاعتقال ، الاّ ان الزيارات تبقى ممنوعة ، وفي حالة انتفاء هذين المعطيين الأخيرين ، يصبح التمييز غير عمليا .
2 ) المخزن السياسي البوليسي ، وظاهرة الاختفاء القسري او اللاإرادي .
كيف تتحدد العلاقة بين المخزن السياسي ، و بولسه السياسي ، وظاهرة الاختفاء القسري ؟ . اليس من المجحف نظريا وعمليا ، الإقرار بواقع التلازم والامتداد ، في ظل غياب معطيات تاريخية ؟ . وكيف تعاطى المخزن السياسي ، باعتباره آلية عنيفة ورمزية ، مع إشكالية الاختلاف السياسي ، واحتمالات ظهور اقتصاد جديد للتمثيلية السياسية ، تتنازع مكوناته اطراف اللعبة السياسية ؟
تشير الكثير من الكتابات التاريخية ، الى ان المخزن في صورته التاريخية ، كثيرا ما كان يلجأ الى أساليب ، لا تتوافق مع الاطار القانوني الذي يحكم اشتغاله ، والمرجعيات التي يؤسس عليها وجوده . وفي هذا الاطار شهدت الفترة التاريخية السابقة عن الحماية الفرنسية ، حملات اغتيال واختطاف قادة الانتفاضات ، التي كانت تنطلق من مقاربات عقائدية دينية ، تنازع مشروعية السلطان مثل الحركة المهدية ، ومثل ثورة القبائل البربرية ضد الدولة السلطانية المتحصنة في فاس ، وثورة الجيلالي الزرهوني المكنى ب ( أبو حمارة ) .
واذا كان البحث في ظاهرة الاختفاء القسري ، خلال الفترة التاريخية السابقة عن عهد الحماية ، محفوفا بالمخاطر النظرية ، لغياب المعطيات والمرجعيات القانونية العالمية ، التي تدين هذه الممارسة ، فان فترة الاستقلال الشكلي ، تظهر بشكل لا يقبل الجدل ، انّ هذه الآلية شكلت أولوية حاسمة لإرادة الحكم ، وتحييد اطراف اللعبة السياسية ، حيث ظلت حاضرة في سلوك النخبة الحاكمة ، على الرغم من وجود ترسانة قانونية ، تكفل نظريا كافة الحقوق الأساسية للفرد / الرعية / المواطن . ونشير هنا الى دستور 1962 ، وقانون الحريات العامة لسنة 1958 ، الذي خضع لتغيير تراجعي من طرف النظام في سنة 1973 .
ابتداء من فترة الاستقلال الشكلي ، او النصف استقلال ، ستشرع المؤسسة الملكية في التـأسيس لمشروعها السياسي والثقافي والايديولوجي ، لا دارة المجال ، يستند أساسا لهيمنة المتوحد الأيديولوجي ، والمقدس الاستثنائي في أعلى صوره ، وبذلك ستصبح اطراف اللعبة السياسية القائمة ، او المفترضة ، محكومة بمجموعة من الاكراهات الدينية والثقافية التقليدية . كما انها لا تستطيع تجاوز السقف الاجماعي ( اجماع ) ، الذي يحكم منطق اشتغال الحقل . كل هذه المعطيات وغيرها ، تشكل الاستقبالية ، لإشكالية حقوق الانسان بشكل عام ، وللانتهاكات الخطيرة التي شهدها المسار التاريخي للمغرب السياسي بشكل خاص ، ومن بينها أساسا ظاهرة الاختفاء القسري ، حيث انه في ظل غياب تصور واضح لمشروع مجتمعي ، ينبني أساسا على دولة عقلانية ، ومؤسسات حداثية ، واقتسام للسلطة ، يبقى الاستثنائي في كافة صوره الغير أخلاقية واللاانسانية ، اول آلية لردع الاختلافات ، وتحديد الخصوم ، والتأسيس للشمولية ، لان العمق التاريخي ، والسوسيولوجي للدولة المخزنية البوليسية ، يؤسس للكثير من السلوكات والمظاهر ، التي تتنافى مع دولة المؤسسات المحكومة بالقانون . وهذا شيء طبيعي ، لأنه بالرجوع للتمثلات ، يُعدّ المخزن شيئا مسكوتا عنه سياسيا ، لأنه لا يُعدّ مبدأ دستوريا او مقولة قانونية . فإرث المخزن يظهر ، وكأنه يؤسس لطريقة موازية لإشغال الحكم ، يستعمل المساطر القانونية أحيانا ، الاّ انه لا يقف عند حدودها دائما ، أي ان المخزن السياسي البوليسي ، محكوم بانتهازية في التعاطي مع الأدوات القانونية ، وبالتالي فالعمق التاريخي للمخزن السياسي ، يَحُول دون تكريس البعد المؤسساتي للدولة المخزنية . ومن هنا يتحتم القول ، انّ المخزن في حمولته التاريخية والسياسية ، يشكل النقيض الطبيعي لدولة المؤسسات والمواطنة ، حيث يتماهى مع الاستثنائي في اعلى صوره ، ويهاب القواعد القانونية ،لأنه يرى فيها اكراها وخضوعا مُعمّمان ، كما يتضمنان الحق في الاختلاف ، وتحديد المسؤوليات ، وأجهزة للمراقبة .
ان المخزن السياسي والتاريخي ، لا يتسع صدره لكل هذا الهذيان ، كما ان أيديولوجية الامن و( الاجماع ) الوطني التي طورها ، تنزع الصفة الإنسانية عن العلاقات الاجتماعية ، وتُحوّل الافراد الى مجرد أشياء رعايا / ارقاماً ، وليسوا بمواطنين . وبذلك تنقلب وظيفة الدولة من آلية للحفاظ على امن الافراد ، الى نقيضها . ان حقوق الانسان ، ليست ثانوية فقط مقارنة مع الامن الوطني ، كما يراه المخزن السياسي قبل المخزن الطقوسي ، بل هي نقيضه . ففي ظل هذه الشروط اللاّمتكافئة ، تطورت ظاهرة الاختفاء القسري ، وبناء على هذه المقاربة ، يصبح إيجاد فضاءات وحدائق سرية ، ضرورة عملية لتدبير الاختلاف ، وتحديد الخصوم لتحييدها ، وتصريف التناقضات ..
3 ) فضاءات وحدائق سرية للرعب ، وللقتل والتقتيل .
شكلت الرباعية السوداء ، الستينات ، السبعينات ، الثمانينات ، والتسعينات ، المسار الحقيقي ، لاستراتيجية تصنع الرعب عبر ظاهرة الاختفاء القسري ، الأداة الموازية لإدارة الحكم ، في غفلة عن القوانين ، والسلوكات ، والمرجعيات القانونية ، الدينية ، والوطنية ، والعالمية . وخلال هذه الرباعيات ستتعدد الفضاءات : تزمامارت ، قلعة مگونة ، مركز قوات التدخل السريع بالعيون ، ثكنة الجيش قرب بلدية الشاطئ بالعيون ، درب مولاهم الشريف ، قلعة القايد عبدالله ناحية ورززات ، قصر آية الشعير ناحية سكورة ، واد المالح ناحية سكورة ، واد أنيل بالصحراء الشرقية ، واحة عقا شمال واد درعة ، إگدز تازناخت جنوب غرب ورززات ، مزرعة منصور قرب البئر الجديد ، بالإضافة الى الفيلات والمراكب ، ومطار أنفا ، ومركز البوليس السياسي المدني بتمارة DST التي تحولت الى DGST ، الكونبليكس قرب الوقاية المدنية ، مقر قيادة الدرك سابقا حيث كان هناك الاخوان بوريكات ، وحسين المانوزي ، والعسكريين المتمردين ، فيلا تابعة للجنرال الدليمي بمنطقة بوقنادل قبل الوصول الى مدينة القنيطرة ، النقطة الثابتة رقم واحد ، ورقم اثنان ، ورقم ثلاثة Les points fixe ..... الخ . هذه الفضاءات السرية والمرعبة ، ستظل حية في الذاكرة والمِخْيال الجماعي والاجتماعي والسياسي ، اذ لا وجود للمنطق ، او العقل ، او التدين ، او الاخلاق . فضاءات للدموع ، والدماء ، والعرق ، والصراخ ، والجنون ، والشهادة ، أحلام موزعة بين شغب الأرض ، وتعنت الأفق ، فضاءات في غاية السرية التي افتضحت ، ولم تعد سرية حين كشف عنها المثقفون والحقوقيون الفرنسيون ، والمثقفون والسياسيون المغاربة اللاجئين بفرنسا ، وبلجيكا ، واسبانية . أوليس هناك تلازم طبيعي ، بين الاختفاء القسري ، واستراتيجية السرية . لكن ما الذي يجعل المخزن السياسي البوليسي ، يلجأ الى هذه الآلية التي يستنبطها لإدارة الحكم ؟ . ما هي الفوائد التي يجنيها من هذا الاّ منطق والفعل اللاعقلاني ، وألاّ أخلاقي ؟ .
4 ) الاختفاء القسري استراتيجية للرعب والترهيب .
سياسة الاختفاء القسري ، استراتيجية للرعب ، والترهيب ، والتخويف ، والتهريب ، تستمد قوتها ومغزاها ، من فضاء الغموض والابهام الذي يصاحبها ، والدلالات الرمزية التي تؤثث المشهد " الكفكاوي " Franz Kafka ، حيث ان مصير المختفي قسريا يبقى مجهولا ومزاجيا ، وهوية المسؤولين نكرة ، والفضاء امتدادا هلاميا ، والحراس حجاجا ( الحاج ) .
وهذه الاستراتيجية ، وبالنظر الى الرعب غير التقليدي الذي تتضمنه ، من شأنها رد أية ممارسة احتجاجية شرعية ، او غير شرعية . فهي دعوة عامة ومفتوحة ، للاندماج التلقائي في التراتبيات القائمة ، والانخراط في نسق مغلق محكوم بالاستثنائي ، والمقدس ، وثيمنات الرعية والراعي ، أي النظام العام المسطر سلفا . فما الذي يجعل المخزن البوليسي ، مكرها على تقديم تبريرات ، او ملابسات اعتقال هذا الشخص او ذاك . لماذا يتحمل عبئ محاكمات سياسية ؟ . لماذا يتعين تحويل اشخاص عاديين او بارزين ، شهداء قضية ، وبالتالي تعبئة طاقات احتياطية أخرى ، ضمن جينيا لوجيا الاحتجاج ، بل اكثر من ذلك . لماذا تحمل الادانات الدولية مع ما يستتبعها من احراج للحلفاء والأصدقاء في الغرب ، وامكانية تجميد ، او الغاء بنود المساعدات ، والدعم السياسي ؟ .
ومادامت سياسة الاختفاء القسري تكفل كل هذه الأشياء ، فهي ممارسة في غاية المهارة ، والاتقان السريعة ، ولا تتطلب الكثير من الجهد ، لا محاضر بوليسية ، ولا محاكمات سياسية ، وأهميتها تكمن في كونها لا تترك أي اثر ، وتثير الاعتقاد لدا الاخرين ، ببراءة السلطة السياسية من الجريمة . انها وسيلة دراماتيكية وجبانة لهزم الخصوم ، وعلى شاكلتها يشتغل ( مدير ) البوليس السياسي بشكل بليد واكثر رداءة من سابقيه .
وتأسيسا على ذلك ، يمكن القول ، ان سياسة الاختفاء القسري ، تشكل اعلى درجات العنف الممارس ، ليس على الضحايا فقط ، ولكن على العائلات ، المجتمع ، والإنسانية جمعاء . فهي تضرب البنية المجتمعية أساسا ، لتقضي على كافة التلاحمات ( لحمة ) الطبيعية ، الترابية ، والسياسية . كما انها تحوِّل المجتمع الى ركام من الافراد والطبقات ، بدون اهداف مجالية مرسومة ، وبلا ثوابت ، وهي كذاك ، التفاف على القانون ، والقيم الأخلاقية الأكثر اساسية . ان اللجوء الى ممارسة الاختفاء القسري ، يعني بشكل صارخ وفاضح ، اعتراف بانعدام المشروعية ، او على الأقل تآكلها ، بل يشرعن صفات الدولة المخزنية البوليسية ، بدولة الغاب من دون قانون ، تسودها الوحوش المكشرة لأنيابها الصدئة ، ولا تتقن غير فن الهمج . ومنطق الدولة الحقيقية ، في زمن هؤلاء الاوغاد يغيب ، ليعوضه الإرهاب ، والترهيب الفكري والمعنوي وحتى الجسدي .
ترتبط السرية والاختفاء القسري بشكل طبيعي و " منطقي " ، ويتم ضمان السرية من خلال العديد من الآليات والميكانزمات ، فضاء أولا ، يمثل عالما مغلقا ، مليئا بالرموز ، واحداث على شاكلة ميليشيات عسكرية ، منظمة في اطار خلايا ، ومرتبطة فيما بينها من خلال مكتب مركزي ، حالة " المكتب 1 ، و المكتب 2 ، و المكتب الثالث 3 " Les points fixe التي شهدت القتل من اجل القتل ، وليس الاغتيالات ، ومرخص لها باختطاف الأشخاص ، ووضعهم في فضاءات تشتغل من خلال منظومات رمزية . ففي هذه المعتقلات ، سيتم احتجاز مجموعة من المدنيين ، على رأسهم " الاخوان بوريكات " ، حسين المانوزي ، مولاي علي فخيم ، ومجموعة من الجنود الذين شاركوا في انقلابات الجيش ، وعلى راسهم اخ الكولنيل محمد عبابو اخ Le lieutenant colonel محمد عبابو ، عقا سائق عبابو ، محمد علي فخيم .... الخ .. حيث تم اعدامهم من دون محاكمة ، في نفس المعتقل بحضور الجنرال احمد الدليمي ، مولاي احمد العلوي ، ادريس البصري ، العميد بن منصور ... وهي نفسها المراكز التي شهدت اعدام الفرنسيين الأربعة الذين شاركوا في عميلة اختطاف وتصفية المهدي بن بركة ، ومن بينهم ( باليس ، دوباي ، لوني ...) .. اعدمهم الجنرال الحمد الدليمي حتى يغلقوا بالمرة ملف المهدي بن بركة ..
في هذا المجال ، تعتبر السرية عنصرا أساسيا ، لا تطال فقط فعل الاختفاء القسري ، ولكن كذلك الفاعل الذي تتراجع شخصيته ، لتفسح المجال لرمز اخر يضيف العديد من الرهبة والاحساس بالفراغ الإنساني " الحاج " ، كلمة لا معنى لها الا في المخيلة الدينية ، الامر الذي يعد إصرارا على تدمير كل شيء في الضحية . انه الامعان في الانتقام " . فكل شهادات الضحايا تشير الى الانتقام ، " انتم هنا لا لتعيشوا ولكن لتموتوا " .
وتعمل عمليات الاختفاء القسري في نظر المخزن البوليسي ، على المحافظة على مظاهر دولة ( القانون ) ، مع ما يترتب عنها من دعم خارجي ، ومصداقية على المستوى السياسي والاقتصادي ، كما انها توفر الكثير من " المحاسن " كالاعتقالات بدون ادلة ، التصفيات خارج المساطر القضائية .. وتشير بعض الدراسات التي تم اجراءها في أمريكا اللاتينية ، وفي افريقيا من قبل مثقفين وسياسيين وحقوقيين فرنسيين ، ان الأنظمة الدكتاتورية القوية ، والمتمرسة ، لا تلجأ في الغالب الى آليات الاختفاء القسري ، لأنها راكمت الميكانيزمات الضرورية ، التي تكفل لها الخضوع ، وبالتالي فهذه الآلية هي بالأساس نتاج دكتاتوريات غير مضمونة في استمراريتها او ديمومتها ، و نعتقد من خلال ارتسامتنا الأولية ، ان سياسة الاختفاء القسري في المغرب ، مغرب الحسن الثاني ، ومغرب محمد السادس تندرج في هذا الاطار .
5 ) التعيينات المستهدفة بالاختفاء القسري .
-- ما دام المخزن البوليسي له تصوره ومشروعه المجتمعي ، نخبه ، مريديه ...
-- وما دامت الديمقراطية فريدة ، والاجماع فريضة وواجب ديني ، والاختلاف جريمة ، والمنطق والعقل واحد ، والحقيقة واحدة ، والتاريخ استثنائي لا يحتمل الفظائع او تعدد التأويلات ، فان الاخر ، أي آخر يمكن ان يكون ضحية للاختفاء القسري . ومع ذلك هل يمكن القول ان سياسة الاختفاء القسري شملت كافة الشرائح العمرية المسنين ، والعجزة ، وحتى الأطفال حالة ( عائلة الجنرال محمد افقير ) التي رماها الحسن الثاني من دون محاكمة لعشرين سنة كاختطاف قسري .. لكن نرى ان الفئة الأكثر استهدافا ،هي الشباب ، والثوريون والمثقفون ، وذلك بالنظر الى ارتباطه النظري والايديولوجي ، بالنقاشات السياسية التي همت الموقف من قضية الصحراء الغربية ، والمشاريع المجتمعية التي استهدفت إرساء المؤسسات في المغرب ،على بنيات ديمقراطية وحداثية ، تقطع مع الخطاب التقليداني الطقوسي . وضمن هذا الاطار يمكن ان ندرج مناضلي حركة الى الامام ، ولنخدم الشعب ، و23 مارس ، وبعض مناضلي اليسار التقليدي ( الجناح اليساري داخل الاتحاد ) ، كما ضمت مجموعة 26 الماركسية ، دون نسيان الشباب الصحراوي واغلبهم جامعيون ..
وبالنسبة لحالات الاختفاء القسري في " قلعة مگونة " ، يظهر ان بعض العائلات تم اعتقالها بكامل افرادها ، وبما فيها الأطفال الصغار ، الجد والجدة ، الاخوال والاعمام .. وتتنوع الخاصيات السوسيو مهنية للمختفين ، حيث نجد التاجر ، والمتقاعد ، والجندي ، والطالب ، والعاطل ، والراعي ، وبعض الحرفيين الصغار ، والمستخدمين ، وموظفي الدولة . وبشكل عام ، يمكن القول ان كافة الفئات السوسيو مهنية لمجتمع الصحراء ، وجدت لها مكانا في المعتقل الرهيب " قلعة مگونة " .
اما بالنسبة لمعتقل مركز قوات التدخل السريع " السيمي " في العيون ، فيمكن التمييز بين فئتين من ضحايا الاختطاف القسري . الفئة الأولى وظلت قابعة في هذ المكان الرهيب والقذر ، منذ سنة 1987 والى 1991 تاريخ التوقيع على اتفاق 1991 الذي حول جبهة البوليساريو الى سبات طويل ، واغلبهم طبعا شباب تلقى تعليمه في المعاهد والثانويات الاسبانية ، كما شكل هذا المركز محطة أولية قبل الترحيل الى " قلعة مگونة " او " إگدز " .
اما الفئة الثانية فقد كانت تقضي أحيانا شهورا واسابيع ، وبعد ذلك يطلق سراحها ، وهم في الغالب من طلبة الاعداديات والثانويات ، وبعض رجالات التعليم . والجدير بالذكر هنا ، ان هذا المعتقل لا زال عمليا حتى بعد موت الحسن الثاني ، وذلك حسب شهادات بعض الحقوقيين الذين تعرضوا للتعذيب بداخله ، مما يشكل دليلا اخرا على اسطورة خطاب حقوق الانسان التي انتكست عمّا كان عليه الوضع الحقوقي زمن الحسن الثاني ، وزمن محمد السادس الذي برع في التشبه بالحسن الثاني ، من حيث الديمقراطية وحقوق الانسان ، بعد تعرية شعارات الملك الديمقراطي ، الملك الانسان ، ملك الفقراء ، النهج الجديد لممارسة السلطة .. الخ .
بالإضافة الى هذه العينات التي عانت من ظاهرة الاختفاء القسري ، نجد الجنود ، وضباط الصف ، والضباط في معتقل تزمامارت الرهيب .. وبشكل عام يمكن القول انه من الصعب وضع تنميط ، او مقاربة نموذجية للفئات المستهدفة بالاختفاء القسري في المغرب ، حيث طال الاختطاف والاختفاء القسري كل الفئات السوسيو-ثقافية .
والجذير بالذكر ان ظاهرة الاختفاء القسري ، شملت افرادا ، واحيانا مجموعات من افريقيا السوداء ، وبعض المحسوبين على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهم من جنسيات مختلفة من لبنان ، تونس ، فلسطين ، فرنسا ، ليبيا ،وسورية .. الخ .
6 ) الاختفاء القسري بالأرقام ، اية حصيلة ؟
كم هي الحصيلة الفعلية لظاهرة الاختفاء القسري بالمغرب ؟ . اعتقد انه من الصعب الإجابة على هذا السؤال الاشكالي بالنسبة لكافة الأطراف ، بما فيها المخزن البوليسي نفسه ، حيث انه في ظل المسار الدراماتيكي الذي شهده المغرب خلال العقود السابقة ، وشيوع الاستثناء في اعلى صوره ، والشطط في استعمال السلطة ، وغياب سلطة القانون ، والحصار المضروب على المنظمات الوطنية غير الحكومية ، الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، الجمعيات الصحراوية لحقوق الانسان ك " كوديسا " ، وتكميم الصحافة ، حيث صحفيون في سجون الملك بمحاضر بوليسية انتقاما للخط في التحرير ، وتواطئ ( النخبة ) السياسية ممثلة في قيادات الأحزاب والنقابات التي أضحت عاقرا وتكلسا ، بالإضافة الى خوف عائلات ضحايا الاختفاء القسري من الانتقام ... الخ ، كل هذا كان يحول دون تسريب المعلومات خصوصا في الأماكن النائية ( تم قتل المناضل الحقوقي حسن الطاهري ) ، والبوليس السياسي عجز في تحديد الجناة المجرمين ، رغم انه يدعي السبق في الكشف عن خلايا تحضر لأعمال إجرامية في كل دقيقة وثانية ههه .. وبشكل عام يمكن القول ، ان الخاصيات الذاتية والموضوعية لظاهرة الاختفاء القسري ، والاكراهات التي تلازمها ، تجعل من الصعب إعطاء حصيلة فعلية وجازمة لعدد الضحايا ، الا في حالة توفر الإرادة السياسية للمخزن البوليسي ، وتوفير الإمكانيات الضرورية للبحث ، والتقصي ، والاستعانة بالخبرة العلمية في مجال البحث ، بواسطة الحمض النووي . ولكن قبل هذا وذاك ، ان يترجم المخزن البوليسي ، خطابات الديمقراطية ، والحداثة ، وحقوق الانسان ، الى خيار استراتيجي يراكم المكتسبات في كافة المجالات ، ولا يكتفي بمراكمة الخطابات التي فقدت مصداقيتها . فبدون هذا الشرط الضروري والحاسم ، يغدو تحديد حصيلة نهائية لظاهرة الاختفاء القسري ، او اللاإرادي نوع من الوهم .. ( اكثر من 500 صحراوي تم الاجهاز عليهم ، وتم دفنهم في مقابر جماعية وبأمكنة متفرقة )
7 ) متلازمات الغياب / الاختطاف / القسري في المغرب ، وعند غيره .
في اغلب الشهادات التي تلقتها المنظمات الوطنية غير الحكومية ، نلمس حالة التشابه والتماثل بينها بشكل كبير. ويمكن اختزالها في الاتي : رجال يقتحمون فضاء العائلة ، في مكان ما ، عمارة او منزل مستقل ، في البادية او المدينة ، ليلا او نهارا ، في الغالب بلباس مدني ، واحيانا نادرة بزي رسمي مميز ، بدون تفويض قانوني او اداري بالاعتقال ، وحتى بدون الكشف عن هويتهم ، اقتادوا بعض افراد العائلة ، قد يكون الاب او الام ، او هما معاً ، او احد الأبناء او العائلة كلها ، واحيانا يتغير الفضاء ليصبح إما مجالا للعمل ، او الدراسة ، اعداديات ، ثانويات او جامعات ، او في مكان عام شارع ، درب ، حيّ ، سينما ، مسرح ... الخ .
والملاحظ انه على الرغم من اختلاف المنظومات الثقافية والتاريخية ، والشروط الاقتصادية والاجتماعية ، والبنيات السياسية للدول ، فان الشهادات تأخذ بعدا عالميا لا يعادلها او يماثلها ، الاّ عالمية المعناة الناتجة عن الاختفاء او الاختطاف القسري .
بعد نهاية المرحلة الأولى من الاختطاف ، يبدأ مسلسل البحث عن الضحية في مرافق المخزن البوليسي الإدارية ، والصحية ، بإدارات البوليس العام الذي كان يغطي على البوليس السياسي ، السجون ، المستشفيات .. الخ . لكن الإجابة تكون دائمة كالصاعقة ، أي الانكار وتهديد العائلات ، واحيانا اعتقالها ، فيضاعف الاختفاء او الاختطاف القسري المعاناة ، سواء بالنسبة للضحايا الذين يتعرضون لكافة اشكال التعذيب المادي والمعنوي ، او العائلات التي تحاول على الأقل في البداية ، كتمان خبر الاختفاء او الاختطاف القسري ، حيث ان التحرك المكشوف يمكن ان يعرضهم لانتقام الجهاز السلطوي ، وانتقام البوليس العام ، وهما الجهازان الذين يستقبلون عائلة الضحايا للاستفسار عوض البوليس السياسي الخارج عن القانون .. وهنا يجب انتظار حتى الاغتيالات بطرق مختلفة لإخفاء معالم الجريمة .
ان هذه الأسئلة وغيرها ، تطرح في الغالب في ظل شروط مادية ومعنوية صعبة ، خصوصا اذا كان الضحية هو المعيل الوحيد للعائلة . ففي ظل هذه الوضعية المسكونة بعدم اليقين ، وكثافة الرمزي ، تصبح العائلة عاجزة عن إرساء استراتيجية للتكيف مع هذه المستجدات . واذا كان الضحية هو الاب ، فان الام وهي في الغالب ربة بيت ، أمية ، تحاول إيجاد عمل لسد الفراغ المادي ، الاّ انها في الغالب تجد كافة الأبواب موصدة ، حيث ان المشغلين يخشون ان يطالهم غضب السلطة المخزنية . وتعاني العائلة من تراجع التضامنات الأولية ، وتنامي مقاطعة اجتماعية لها ، حيث ان تقنية الرعب والترهيب التي يمثلها الاختفاء او الاختطاف القسري ، تستهدف أساسا ترهيب وترعيب المجتمع . انها آلية للتنشئة الاجتماعية المعكوسة او السلبية . وبناء عليه تعاني عائلات الضحايا من التهميش الاجتماعي والاقصاء الاقتصادي ، الامر الذي يعجل بانفجارها ، ويلتحق الأبناء بأقاربهم المباشرين ( الجد او الجدة ، الاخوال او الاعمام ، او بالمراكز الخيرية ) .
وبالنظر الى غياب معطيات او دراسات علمية دقيقة في المغرب ، حول مسار ومصير أطفال المختفين قسريا ، يمكن الاستئناس بدراسة في الارجنتين ، وطالت 203 طفل سنهم يقل عن 12 سنة ، واظهرت من خلال الفحص السيكولوجي ، و النفسي ، والجسدي ، ان 78 في المائة يعانون الانطواء على الذات ، والانحصارات السيكولوجية ، و70 في المائة من الكآبة والخوف المكثف ، او المعمم ، وفقدان الوزن ، والانزعاج من أصوات معينة ( صفارات سيارات البوليس والاسعاف والازياء الرسمية ) ، تراجع في التحصيل الدراسي ، وفي الغالب الانقطاع عن الدراسة ، تضاعف الإحساس بالتبعية للأخرين ، خصوصا البالغين ( الام على سبيل المثال ) ، كما ان ايقاعات المد والجزر ، اليأس والامل التي تصاحب مسلسل الاختفاء القسري ، تؤدي الى استنفاد الاحتياطي العاطفي ، الامر الذي يحُول بشكل تصاعدي دون التطور المعنوي المتوازن للطفل ، كما تم الكشف عن مجموعة من الاعراض ( عدم الاهتمام او الإهمال ، الصعوبة في التركيز ، الانحصارات العاطفية ، الصعود في كبح العدوانية ، عدم الإحساس بالأمن ، استبطان الدولة كوحدة تهديدية ) .
وامام افلاس الجهاز القضائي ، وعدم استقلاليته ، وسريان الإفلات من العقاب ، يتمنى الأطفال ان يقتصوا لأقاربهم بأنفسهم .
وتتناقض الإشارات / التفسيرات التي يتلقاها الطفل ، سواء من العائلة ، الجيران ، المدرسة .. عن سبب اختفاء الاب ، او الام ، وتتأرجح ما بين ادانة الجهاز الدولتي ، او على النقيض اعطاؤه صورة نموذجية ومثالية ، الامر الذي يعمل على تكثيف حالة الغموض ، وغياب الثوابت الأساسية لتفسير الاختفاء او الاختطاف القسري . وتنزع عائلات الضحايا في الغالب الى الانعزال والتهميش ، وذلك حماية للطفل من الإشارات والتفسيرات التي يمكن ان يتلقاها، حيث تمنعه من تكوين صداقات ، وتكثر من النصائح حول عدم الخوض في موضوعات معينة ، الامر الذي يضاعف من خوفه وارهابه ، ويساهم بشكل كبير في انطواء الطفل على نفسه ، وانحصاره العاطفي والتواصلي ..
في عالم الاختفاءات والاختطافات القسرية التي تجري خارج القانون ، لا وجود ليقينيات كل شيء محتمل / افتراضي ، عالم مسكون بالأسرار ، بالمجهول ، والغموض . كل شيء يحتمل الحقيقة والخطأ ، المجتمع ، السلطة ، الوطن ، المعتقدات ، الاّ شيء واحد اوحد ، فظاعة الجريمة المرتكبة ، ونذالة ، وحقارة ، وخساسة الجلادين الموظفين كأرقام عند الجهاز البوليسي في جانبه ، او في فرعه السياسي ..
8 ) الاختفاء والاختطاف القسري والحقوق المنتهكة .
بخلاف الإبادة او التعذيب ، تم تجاهل الاختفاءات القسرية ، في الآليات القانونية المرتبطة بحقوق الانسان ، الى حدود 1992 ، تاريخ تبني الإعلان حول حماية الشخص من الاختفاءات القسرية . ومع ذلك يمكن الإشارة الى مجموعة من الحقوق المنتهكة من جراء الاختفاءات القسرية ، وعلى رأسها الحق في الحياة ، حيث ان المختفين يمكن ان يتم اعدامهم خارج المساطر القضائية ، او يتعرضون للموت من جراء الإهمال او التعذيب ، او بالنظر خلال علاجات ضرورية . كما يتم انتهاك الحق في الحرية وسلامة الشخص ، والحقوق التي ستتبعها كالحق في عدم التعرض للاعتقال بشكل تعسفي ، والحق في المحاكمة العادلة ، وحق كل شخص في الاعتراف له بالشخصية القانونية ، بالإضافة الى الحق في شروط اعتقال إنسانية ، والحق في عدم التعرض للتعذيب ، او لعقوبات قاسية ، او حاط من الكرامة . ان كافة هذه الحقوق تم التأكيد عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان المتبني من طرف النظام المخزني البوليسي .
ويشكل الاختفاء القسري انتهاكا للمقتضيات الواردة في العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب ، ومعاهدة جنيف 1949 ، والبروتوكولين الاضافيين 1977 .. وتنتهك الاختفاءات القسرية الآليات التالية المتبناة من طرف الأمم المتحدة ، المعاهدة ضد التعذيب والعقوبات القاسية والاّ إنسانية ، والحاطة من الكرامة ، ومجموعة المبادئ حول حماية كل شخص ضد جميع اشكال الاعتقال . وتنتهك أيضا الاختفاءات القسرية ، الحق في حياة عائلية مستقرة ، ومجموعة من الحقوق ذات الطبيعة الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ( المستوى المعيشي ، تربية الأطفال في ظروف ملائمة ) . كما تشكل خرقا سافرا لميثاق الأمم المتحدة ، الذي يعد رابطة قانونية ملزمة أخلاقيا وسياسيا لكافة الدول التي تبنته .
لقد كانت شهادة القبطان الرّايْس عن اهوال وبشاعة تزمامارت Tazmamart ، لحظة تعادل في زخمها وعنفوانها لحظة ( استقلال المغرب ) ، لأنها كانت نسخا ونفيا لكل الخطابات ، والاستفتاءات ، والانتخابات ، والبرلمانات ،والكتابات الدستورية المشرعنة ، ولكل المهرجانات ، وللأحزاب السياسية ومؤتمراتها ، وقادتها ، وللنقابية بشتى اصنافها لسبب بسيط ، هو ان الرعب ، والترهيب ، والتعذيب ، والتجويع ، والجريمة والرذالة والحقارة والخساسة ... الخ ، لا يمكن ان تتعايش او تتساكن مع هذا العالم الجميل : دولة القانون .. ان الاختفاء القسري كان هزيمة لشعب وامة ، لأنها لم تدق الخزان عاليا ، واعتقد ان هناك فرصة للانتصار على جبننا ، وهي التشبث بمعرفة الحقيقة كاملة غير منقوصة ولا ناقصة ، وعدم الإفلات من العقاب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعتراف بلاده بالدولة الفلس


.. الجزائر ستقدم مشروع قرار صارم لوقف -القتل في رفح-




.. مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب رفع العلم الفلسطيني خلال


.. واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل




.. ذا غارديان.. رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة السابقة