الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميشال وِلبِك - كيفَ تَشكلَ موقفُ أشهر الروائيين الفرنسين المعاصرين منَ الإسلام والمُسلمين

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2023 / 6 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


تعتبرُ رواية (استسلام - Soumission) لأشهر الروائيين الفرنسيين المعاصرين ميشال وِلبِك (Michel Houellebecq)، والتي صدرت سنة 2015 (عن منشورات فلاماريون) رواية سياسية خيالية، تخوض في المستقبل القريب لفرنسا خصوصا والغرب عموما. ولقد عرفت الرواية نجاحا كبيرا حيث بيعت منها 450 ألف نسخة بعد شهر فقط من صدورها.
تتناول هذه الرواية انتخاب زعيم حزب سياسي إسلامي فرنسي رئيسا للجمهورية الفرنسية. تم ذلك بسبب مواجهة فرنسا لتهديد يتمثل في قُرب اندلاع حرب أهلية في البلاد. لكن وصول زعيم حزب "الأخوّة الإسلامية" للرئاسة، محمد بن عباس، بمساندة الأحزاب الفرنسية التقليدية لمواجهة اليمين المتطرف، جنب فرنسا الحرب الأهلية، فساد السلم وانخفض معدل البطالة، وتمت خوصصة الجامعيات وأسلمتها، وصار اعتناق الإسلام شرطا للتدريس في الجامعات، وأبيح تعدد الزوجات، ومُنِع عمل النساء، وفُرض عليهن اللباس المحتشم.
عبر ميشال ولبك في هذه الرواية عن موقف نمطي سائد عن الدين الإسلامي مقدما الإسلام السلفي على أنه هو الإسلام، ذلك الدين الذي اغتنى عبر التاريخ بتياراته ومذاهبه ومدارسه الفقهية. كما جعل من هذا الدين خطرا على الغرب والحريات. لكن الطابع الروائي لموقفه من الإسلام خفف من حدة هذا الموقف، كما أن تحديده لسنة 2022 موعدا لفوز حزب إسلامي فرنسي بالانتخابات الرئاسية جعل الأمر مسليا فقط.
لكن الموقف الصريح والحاد من المسلمين والإسلام هو الذي سيعبر عنه في العدد الخاص من مجلة (الجبهة الشعبية – Front Populaire)، الصادر في نونبر 2022، هذه المجلة التي يشرف على إدارتها ميشال أونفراي (Michel Onfray). تضمن هذا العدد الخاص حوارا مطولا (أكثر من 40 صفحة) بين ميشال ولبك وميشال أونفراي تحت عنوان: (ولبك/أونفراي: اللقاء – فليستجبْ لك الله يا ميشال). تطرقا في هذا الحوار الشيق - والذي اتضح من خلاله أن أفكار الأديب ولبك أكثر قربا من الفلسفة من أفكار أونفراي الملقب بالفيلسوف – لعدة مواضيع ومن بينها الإسلام والمسلمين في الغرب.
يؤكد ميشال ولبك أنه ليس ملحدا وإنما هو لا أدري أصيل، وأنه يتبنى الفكرة القائلة بوجود خطة وراء وجود الكون، مما يعني وجود واضع لتك الخطة، وأنه ليس بوسعه، بسبب تطور الفيزياء الفلكية، الحسم النهائي في مسألة وجود الخالق، وينتقد فكرة أوجست كونت القائلة بضرورة الخروج من المرحلة الميتافيزيقية وولوج المرحلة الوضعية حيث يسود العلم من خلال تحسين مستوى البروليتاريين في الرياضيات والفلك، مؤكدا أن المرحلة الميتافيزيقية ضرورية للناس. ويؤكد في نفس الموضوع أن أكبر خطأ ارتكبه الاستعمار الغربي هو ما قام به لفرض "الأنوار" و"حقوق الإنسان" على شعوب العالم غير الغربية، والأسوأ اليوم هو أنه لازال مستمرا في ارتكاب نفس الخطأ من خلال محاولاته فرض "العلمانية" التي لم يعد الغربيون أنفسهم يؤمنون بها. ويؤكد أنه لا يمكن القضاء على عقيدة قوية إلا بعقيدة قوية مثلها، أي أنه لا يمكن القضاء على دين إلا بدين آخر. وأنه من السذاجة الاعتقاد أن العلمانية كعقيدة ضعيفة بإمكانها القضاء على أي دين كيفما كان.
ويعلق على روايته (استسلام) بالقول "إنها استباق معتدل لما سيأتي"، وأنه "أخطأ التقدير بما أنه لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية الإسلامية المعتدلة بفرنسا سنة 2022".
لكن موقفه من الإسلام والمسلمين الذي أثار نقاشا حادا واعتراضا ونقدا، والذي سيتراجع عنه في كتابه الأخير (بضعة أشهر من حياتي – Quelques mois dans ma vie, Flammarion 2023)، هو الذي عبر عنه في حواره مع ميشال أونفراي في العدد الخاص من مجلة (الجبهة الشعبية) حيث قال: "في حالة ما إذا تحكم الإسلاميون في جميع الإرهابيين، فسيواجهون بالمقاومة، وتحدث عمليات تفجير وقتل جماعي في المساجد وفي المقاهي التي يرتادها المسلمون، وستندلع حرب أهلية بين الفرنسيين والمسلمين (...) فالفرنسيون "الأصليون" لا يرغبون في استيعاب المسلمين، وإنما يأملون في أن يتوقف المسلمون عن سرقتهم والاعتداء عليهم، أي أن يحترموا القوانين والناس، أو أن يرحلوا من فرنسا".
أقر ميشال ولبك في كتابه الأخير (بضعة أشهر من حياتي، 2023) أن "أكثر الأحداث الخاصة به انتشارا هو حواره مع ميشال أونفراي الذي عبّر فيه عن موقفه من الإسلام والمسلمين". وأن "رواية استسلام لا تعبر عن كراهية الإسلام"، وأن ما قاله عن الإسلام في الحوار المذكور "غامض، متسرع، وجدّ تقريبي، أي أنه، في آخر المطاف، خاطئ بل وغبي". وأضاف أن كلامه فُهم منه "أن كل المسلمين لصوص". وقال كنتيجة لما سبق: "أتأسفُ بكل صدق وأعتذر من جميع المسلمين". وتنكر لما قاله في الحوار واقترح نصا بديلا يعبر عن موقفه بعد التأمل والتدقيق: "أعتقد أن أمنية جزء كبير من الفرنسيين "الأصليين" ليست هي تحقق استيعاب المسلمين، فأحداث الحجاب وثوب السباحة النسائي والمأكولات الحلال لا تهمهم في شيء إذا لم يتمثلوا المسلمين كتهديد لهم، فبمجرد ما يفكر هؤلاء الفرنسيون "الأصليون"، يدركون أن الممارسة الدينية الدؤوبة لا تتلاءم مع الانحراف (...) إنهم يعرفون من خلال التجارب اليومية أن الأحياء التي يقطن فيها عدد كبير من المسلمين هي الأحياء التي يكثر فيها المنحرفون. لذلك يبدو لي أننا لا نواجه مشكلا دينيا وإنما نواجه بكل بساطة مشكل الانحراف (...) فالمشكل ليس هو الإسلام وإنما هو الانحراف، لذلك فالكلمة الأخيرة ستكون للعدالة".
كما أنه أعاد صياغة فكرته السابقة بخصوص إمكانية الهجوم المسلح على المساجد والمقاهي وإمكانية اندلاع حرب أهلية بين الفرنسيين والمسلمين حيث صارت على الشكل التالي: "في حالة ما إذا خضعت مناطق بكاملها للمراقبة الإسلامية، فسيؤدي ذلك إلى مقاومتها، وسوف تحدث عمليات تفجير وقتل جماعي في المساجد والمقاهي التي يرتادها المسلمون (...) وكل ذلك يدعو إلى الاعتقاد بإمكانية اندلاع حرب أهلية في الوقت الحالي".
إن المقارنة بين كيفية تشكل مواقف الروائي ميشال وِلبِك من الإسلام تدريجيا (ووجود احتمال وشك يَضمنان التعديل)، وكيفية تَبني ميشال أونفراي لموقفه القطعي من الإسلام (بناء على رواية آيات قرآنية وأحاديث تنسب للنبي وترديد أفكار نمطية عن الناسخ والمنسوخ وعن ما جاء في سيرة ابن هشام) تؤدي إلى القول أن هذا الأخير مجرد ذاكرة تستحضر مواقف فلاسفة سابقين تضاف إليها آراء منتشرة هنا وهناك، خلافا لميشال ولبك الذي يبني مواقفه متقدما ومتراجعا، مستفزا ومعتذرا في عملية تأخذ واقع المشكل المفكر فيه، المعقد والغني، بعين الاعتبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز