الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهاجرن العرب إلى الغرب.. غيتوات مغلقة..أم شركاء في المجتمع؟

سالم جبران

2006 / 11 / 1
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


تصبح الهجرة من بلاد إلى أخرى ظاهرة عالمية واسعة، حتّى يصل عدد المهاجرين سنوياً إلى أكثر من خمسين مليون إنسان. وبطبيعة الحال، تكون الهجرة من البلاد الفقيرة المضروبة بالحروب وعدم الاستقرار والبطالة، إلى بلاد مزدهرة، بحاجة إلى أيدٍ عاملة. من هنا، فإن الأكثرية الساحقة من الهجرة السنوية هي من آسيا وأفريقيا إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
وقد شاهدنا على شاشات التلفزيون، أكثر من مرّة، قوافل الشبان الأفارقة وهم يخاطرون بحياتهم، في طريق التسلل،عبر المغرب، إلى إسبانيا وفيما بعد إلى أوروبا. وهناك حالات إنسانية موجعة حيث تقوم الدول الأوروبية بطرد مهاجرين "غير قانونيين" بالقوة. إلى أوطانهم الأصلية. وقد هاجر أكثر من مليون عراقي في عهد نظام صدّام والهجرة من العراق مستمرة الآن أيضاً في غياب الأمن والاستقرار.
ما نعتقده، منطقياً، أنه ما دامت مناطق واسعة في العالم مضروبة بالحروب الأهلية والعرقية وبالدكتاتورية الإرهابية الدموية، وبالبطالة، فإن الهجرة القانونية سوف تستمر، كما سوف تستمر الهجرة "غير القانونية".
نحن نعرف أن الهجرة من البلدان العربية إلى الأمريكيتين بدأت في القرن الثامن عشر واتسعت أكثر في القرن التاسع عشر، هرباً من الفقر والجوع وهرباً من البطش العثماني وأخْذ الشبان بالقوة إلى الخدمة في الجيش العثماني .
الإحصائيات الآن، تقول أن هناك أكثر من خمسة ملايين من أصل عربي في الولايات المتحدة، والهجرة العربية مستمرة طول الوقت إلى الولايات المتحدة. كذلك يزداد، باستمرار، العرب في كندا، وفي أستراليا. وفي كل دول أمريكا الجنوبية، هناك جاليات عربية، بعضها كبير ومؤثر في الحياة العامة، كما في تشيلي والبرازيل.
علينا أن نقول الحقيقة العلمية والاجتماعية والعملية، وهي إن عائلة تهاجر إلى دولة بعيدة تكون مستعدة أن تندمج مع الوقت، بالحياة العامة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للوطن الجديد. ومن الجيل الثاني والثالث، يتبنّى المهاجرون وأبناء المهاجرين اللغة المحلية والتقاليد العامة في الدولة التي وفدوا إليها.
قد يسأل سائل، هل يعني هذا أن العرب سوف "يذوبون" في المجتمع الأمريكي أو الكندي أوالأسترالي؟ ونحن نسأل هل ذاب المهاجرون البريطانيون والإرلنديون والفرنسيون والبلجيكيون في المجتمع الأمريكي أم لا؟ هل ذاب المهاجرون اليونانيون والعرب، من القرن التاسع عشر في أمريكا أم لا؟ هل ذاب المهاجرون المكسيكيون في الولايات المتحدة أم لا؟ أليست الأمة الأمريكية، كلها، مزيجاً من مهاجرين، من عشرات الدول تشاركوا في المجتمع الجديد، وقاموا ببنائه وتطويره؟
إن القانون الاجتماعي الحتمي، أن المهاجر إلى دولة ما يكون واعياً أنه سوف يندمج في هذا المجتمع، وليس بإمكانه أن يظل "جزيرة" معزولة عن محيطه. هناك أكثر من مليون إنسان لبناني يعيشون في الأمريكيتين، ربما ما زالوا يحبون وطنهم الأم لبنان، ولكنهم مندمجون عضوياً في المجتمعات التي يعيشون فيها.
نلاحظ، في العقد الأخير تطوراً مختلفاً. فمع اتساع الهجرة إلى الغرب من العالمين العربي والإسلامي، تسعى فئات من هذه الهجرة العربية والإسلامية لإقامة "غيتوات" معزولة. نلاحظ ذلك، بالنسبة للأتراك في ألمانيا، ونلاحظ ذلك بالنسبة للعرب والأفغان والباكستانيين في بريطانيا، ونلاحظ ذلك في فرنسا وإسبانيا والدنمارك وبلجيكا.
يقول باحثون اجتماعيون عرب إن " الهموم الأساسية للمهاجرين العرب في أوروبا هي "مشاغل اجتماعية وسكنية واقتصادية ومشاغل ضمان مستقبل أفضل للأولاد". إذا كان هذا صحيحاً. وهو صحيح، فهل الانغلاق والانعزال والتقوقع والكراهية للبيئة العامة في الدولة المضيقة، مفيد أم مُضِر؟ يساعد على التقدم أم يقف عقبة في طريق التقدم؟
إن أوروبا تعطي فسحة واسعة أمام المهاجرين، العرب وغير العرب، للمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم الدينية، انطلاقاً من الديمقراطية الإنسانية السائدة في أوروبا، انطلاقاً من احترام الآخر المختلف. كذلك هناك مساجد في أوروبا وهناك مدارس عربية وباكستانية في لندن مثلاً.
إن المحافظة على الهوية اللغوية والدينية شيء. والتعصب الديني والثقافي المعادي لأوروبا وللحضارة الأوروبية شيء آخر. ولعل أخطر ما في الأمر هو النشاط الهدام الذي تقوم به منظمات أصولية دينية متعصبة يصل بها الحقد إلى حد الكراهية للثقافة الوطنية المحلية والدين المحلي واللغة المحلية. وكل هذا يكون له مردود عكسي خطير، إذ تبدأ بالظهور مواقف عنصرية معادية للعرب والإسلام، معادية للجاليات الشرقية بشكل عام. ونلاحظ اليوم، بأسف وقلق، أن الأحزاب الفاشية والعنصرية المتطرفة في كل دول أوروبا تقوم بدعاية عنصرية وتكسب انتخابياً من خلال التحريض العنصري السافل ضد "المهاجرين". والمهاجرون ليسوا الذين قدموا في آخر عشر أو عشرين سنة فقط، بل كل السكان من أصل عربي وإسلامي وشرقي. هناك في فرنسا مواطنون من أصل عربي (جزائري وتونسي ومغربي بالأساس) ممن قدم أجدادهم إلى فرنسا قبل ثمانين سنة، ومع هذا يتعرضون للتحريض والرفض والمضايقات.
كلنا نذكر الضجة في أمريكا ضد المواطنين من أصل شرقي، عربي وإسلامي، خصوصاً بعد تفجيرات 11 سبتمبر.
موجات الهجرة، تاريخياً وموضوعياً، من المفروض أن تندمج بالبيئة الجديدة، إن لم يكن في الجيل الأول، ففي الجيل الثاني أو الثالث. ويجب أن ندرك الخطر المأساوي في تصريحات أصوليين إسلاميين عنصريين في أوروبا، ممن يقولون صراحة إن مصير أوروبا أن تصير "بلاداً إسلامية". لماذا نستغرب بعد هذا، إذا قامت أحزاب عنصرية أوروبية تطالب بطرد ما يسمى "الأجانب" أو "الغرباء" أو "العرب والمسلمين".
هل يمكننا أن نتصور حجم المأساة الإنسانية، إذا بدأت الدول الغربية بالمضايقة للجاليات العربية والإسلامية، وطردها من تلك البلاد ؟ إن المصلحة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والمستقبلية للجاليات العربية في الغرب هي في رفض الأصولية العنصرية، وفي البحث عن قواسم مشتركة مع تلك المجتمعات، للعيش والعمل والاندماج الاجتماعي في البيئة المحلية، وخلق قواسم مشتركة مع تلك المجتمعات . وخلق قواسم مشتركة، بين كل شرائح المجتمع.
إننا نقول، وبأعلى صوتنا، إن الأصولية المتطرفة، والإرهابية أحياناً، تُلحق ضرراً فادحاً بعشرات ملايين المهاجرين العرب في الغرب وعائلاتهم وأحفادهم. فكأنما الدور المدمِّر الذي تقوم به الأصوليات الدينية والاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي لا يكفي، ولذلك يصدِّرون عقليتهم المتطرفة والمغلقة والرجعية اجتماعياً، لعرقلة اندماج العرب والمسلمين المهاجرين في أوطانهم الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا