الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالدّخان يمحو نفسه

ملاك أشرف
كاتبة ادبية

2023 / 6 / 20
الادب والفن


كلماتي لا تنتشر في هذا المكان المُفرغ من المحبّةِ
وإن تجاوزَ صوتي المُتهَدّج جغرافيته فإنه لا يتعدى
باب منزلي الصّغير الحزين
تترقرقُ الدّموع في عينيَّ كشرارةِ النّار
أو مثلما تساورني طفولتي
كي تسألَ عن الأُغنيات العتيقة،
وتتأكدَ من توسّدها الأشعار المُعتمة
من استمرار رنينها في ذهني الفاني
أو خلال الأصوات المنزليّة المُفزعة
حبستُ نفسي في روائع الماضيّ
لعلَّها تعود لأركضَ في حدائقها وأنتظر الحنان!
أتخلّصُ من الحقيقة الثّابتة أمامَ عينيَّ
حقيقة أن الآخرين يكرهونني
الموت هو ما يناسبني
ولن يحبَّني أحدٌ أو ينتظرَني غيره.

كلماتي بحاجةٍ إلى الخروج من حجرتِها
لكنها لا تصل إلى المدفأةِ في الغرفةِ المُجاورة
كطائرٍ صغيرٍ فقدَ قدرته وصوته المُنطلق
بعدَ إبعادهِ عن حجرهِ الجميل
وإذا وصلت الكلماتُ في يومٍ من الأيّام
فإن الحمقى يتجنبونها
كما تتجنبني الشّمسُ عندما تشرق على الجميع
يتطلّعُ صوتي إلى مَن يتعاطف معهُ!
أريدُ محو الأصوات النّشاز الأعلى منهُ
أمحوها من ذاكرتي، من البيت، من الحي
وتحديدًا من ضيق أَسرّتي.

رُبَّما سأرميها في البحار، في العواصف القادمة الهوجاء
في الغابات البريّة المُماثلة لها ورُبَّما في المُستنقعات
لا يهمّ كيف أنتزعها من أيَّامي
بل كيف أتخلّص من الآلام المُقدّسة الّتي تُسببها
حيث أسيرُ في المدن وأنا مُجرّدةٌ من آثارها
راغبةً أن أكونَ وحيدةً مُشردةً
بلا أصواتهم، بلا رنين الصّاعقات الغريبات
ولا أتعرف على ملامحَ منزلي بعدَ ذلكَ
مثل مَن يمشي، يمشي ويدخِّنُ
يدخِّن بحجمِ العشرين سنة، الرّاحلات من العُمرِ
هذهِ هي الطريقة الّتي يدخّن بها
لا أدري إلى متى يمكن أن تدومَ سيجارتهُ
لكن هذهِ هي الطّريقة التي سيدخّن بِها، أيّ بعددِ اغترابه
ثُمَّ بالدّخان يمحو نفسه.

من أنا؟
أنا لا شيء، رغوة البحر تمسحني عندما تضربني
على طرقاتٍ شاحبة هادئة
يمكن أن يقتلني انزلاقٌ خفيفٌ وأصبح سرابًا.
أقفُ على أرضٍ مُمتدّة نصفها أخضر ونصفها الآخر رمل
شَعريّ المُذهب النّاعم على كتفيَّ صامتٌ لا يتحرك
ورائي السّماء المُمزوجة، الّتي بدا أسفلها أصفرَ وأعلاها أزرق
مع شُجيراتٍ عاريّة بكماء، أعمدةٍ للإنارة خافتة
أتلفتها الشّموسُ والدّهور الرّتيبة
أرتدي بنطالًا حريريًا عريضًا وأسودَ
وبلوزة أرجوانيّة غامقة، يطوق عنقها وشاحٌ مُكْتَئِبٌ
تشبثت الأزهار الورديّة بهِ
تواسيني ريثما أتمكن من الجلوسِ باِبتسامةٍ غامضة
أنظرُ إلى اِمتزاج البحر بالاصفرار
قد أتريث أكثر وأُشاهد القمر المُكتمل ينزل على سطحِ الماء
مَن يدري ماذا يحدث في حياتي المُتيّبسة؟
لا أحدَ على الإطلاق
إذن دعوني أروض نفسي بالسّكوت والمُقاومة ولو قليلًا
لأكونَ كما الطّبيعة
لي أشياءٌ عميقة ورَحبة تختلطُ فيها أجزائي
أخشى على الورود القريبة أن يلمسها وشاحي
فتنزف
أو تندو لِتلمسني فابكي
ثُمَّ تنأى عنّي وتنساني، تنساني..

يُلازمني القلق، حذارِ من تكلّيمه
يصنعني كماهيتهِ كي أستبدلهُ بالوجوم
اعتادهُ تلقائيًّا واِلتقيه بينَ فينةٍ وثانية
هذا هو أقصى ما يطمحُ إليهِ
وأدنى ما أرنو لهُ هو الاستقرار، النّافر من معدن الطّموح الحثيث
أبيعُ نصفهُ عربونًا من أجلِ إقصاء الفزع!
ما زلتُ أدير ظهري للغسق
أنتظرُ اللّحظةَ الّتي أغتنم فيها الرّمال كفرصةٍ
لأجلسَ مُبتسمةً ويداي تلتقي بالوشاح
أقضي اللّيلَ أتلوّى وأتأمّل
كانَ لدي إحساسٌ حارق
لَمْ اندفع إلى الموتِ كُلّيًا، لَمْ أتبدّد نهائيًا
أيَّتُها الرّوحُ المنهوبة الهامدة
لن يدّعكِ القلقُ تحلمين
يا موسم الجفاف
لِمَّ تمنحني خريفًا كُلّما أردتُ ربيعًا؟
ولِمَّ تتأخر النّجوم الذّكية لِتسطعَ فوقي؟

قد أموت قريبًا مع أزهارٍ هشّة عالقة بوشاحي
لا تزال تطفو على صدري
لَمْ أمت حتّى هذهِ اللّحظة
ولَمْ تقل الزّهور الزنبقيّة: أُحبّكِ يا مليكتي المُحتَضرة.
فالأزهار لن تبقى أزهارًا كما الملاك المشوّه
الّذي لن يبقى ملاكًا في أبديتهِ الأخيرة،
أكثر ما يُهدد وجودي الحلم بالحُبّ
أكثر ما يُبهج العدم التّطبع بهِ
وحسبي أنني أبتَدِعُ من تعبي شِعرًا
كي أظنّهُ في لحظاتٍ شحيحة أُغنيةً
تتفوّه بالخلاص وتبتلع حتمًا المُناورات
كمَن يصنع ذاكرةً رطبةً لئلّا تستولي عليهِ الشّيخوخة
أو كمَن يفكرُ بصدقٍ مُضاعفٍ
كيلا "يضيع بريق خواتم الأزواج النّادرة"
ولأنّهُ لا يبدو أكثر وفاءً للون العزلة المُخاتِل
سوف يرتدي الصّباح مُتظاهرًا بالرّونق اللّازورديّ
"في حين نظره يركض أسرع منهُ"
ولا ينتبه إلى الخوف الّذي نبتَ من داخلهِ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا