الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


‎مشروع قانون الموازنة المالية في العراق لسنة 2023 و انعكاساتها على حياة المضطهدين !

صابر محمد

2023 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مشروع قانون الموازنة المالية في العراق لسنة 2023 و انعكاساتها على حياة المضطهدين !

أولًا : الدوافع الاقتصادية

لنرى ماهو الدافع الاقتصادي والسياسي لوضع قانون موازنة لثلاث سنوات في العراق ؟ وهل إن الاحتكارات الامبريالية و صندوق النقد الدولي و المستثمرين في الشركات المتعددة الجنسيات من ضمنها دول الجوار و السعودية و تركيا وإيران لها ضلع و مساهمة و مصلحة مشتركة مع الحكام البرجوازيين في العراق على حصولهم لضمانات قانونية بحيث يستوجب على الحكومة العراقية ان تسن قوانينها الخاصة بخصوص الميزانية و حصة الاستثمارات ؟
وحتى لا تحجب عن انظارنا شجرة واحدة من رؤية الغابة كلها علينا النظر اليها من الخارج ومن فوق حتى نرى الغابة بكاملها .
ونعني هذه التشكيلة السياسية وهذه المنظومة الاقتصادية والسياسية بكاملها ولهذا السبب لا ندخل في تفاصيل المواد القانونية وخصوصا المادة 13 و 14 التي يتنازع عليها الطرفان الحاكمان في اقليم كردستان و الحكومة المركزية في بغداد , بخصوص حصة الاقليم من أموال صادرات النفط و طريقة تصديرها و واردات الجمارك الحدودية والرواتب ، وانما نبحث عن الأسس والجذور الأساسية لقرارات هذا النظام القائم على المحاصصة القومية والطائفية والدينية في العراق .
لا شك فيه بإن تأريخ العراق ماضيًا وحاضرًا كان ولا يزال تحت سيطرة السلطات والادارات العميلة للدول الكبرى الامبريالية و دول المنطقة .
ولكن بعد الاحتلال الامريكي للعراق 2003 انتشرت الفوضى الاقتصادية والسياسية والامنية و الفساد الإداري والمالي وزادت من وسعتها أكثر بكثير مما كان عليه سابقًا ، ولقد شكل الأمريكان حينها حكومة وإدارة تتماشى مع سياساتها الاقتصادية والسياسية كنظام المحاصصة الطائفية والقومية والدينية والذي يستجيب لمتطلبات الليبرالية الجديدة و سياسة السوق الرأسمالية المعاصرة وأصبحت موارد العراق وميزانيته و خيراته بيد طغمة سياسية عميلة نهبت أمول العراق و انتشر الفساد و أصبح نظام الخصخصة من الأمور الأساسية في هذا المجتمع ، وازدادت نسبة البطالة والارهاب و عدم الأمان و اصبح ما يقرب من %35 من مجموع الشعب العراقي يعيش تحت خط الفقر وساءت الخدمات الصحية والتعليمية وانخفضت النفقات العامة بشكل عام لهذه الخدمات .
وفيما يتعلق بموازنة الميزانية العراقية فلقد وافق مجلس الوزراء أخيرًا في شهر اذار الماضي على موازنة الميزانية لسنة 2023 و صرحت بانه هناك عجزًا ماليًا بمقدار 48.5 مليار دولار ، ولكن عملية المصادقة على هذه الميزانية قد تأخر و مر عليها عدة أشهر وبعد مخاض عسير تمت الموافقة عليها و ذلك بسبب الصراعات القائمة بين الإقليم وحكومة بغداد حول مواد قانون الموازنة .
وطالما ان أقتصاد العراق هو أقتصاد ريعي فان التخمينات الجارية حول صادرات النفط الخام في الموازنة ستبلغ 3.5 مليون برميل يوميًا معتبرًا أن 400 الف برميل منها سيصدر عن طريق اقليم كردستان .
وبحسب تصريحا مجلس الوزراء العراقي فان هذه الموازنة ستشمل سنوات 2023, 2024, 2025 , وان سعر برميل النفط الخام المقدر حاليًا ب 70 دولار أمريكي .
وفقًا لهذا فان التخمينات والتقديرات المتعلقة بايرادات النفط ستبلغ 90.9 مليار دولار ، والإيرادات الأخرى الغير نفطية ستبلغ حوالي 13.3 مليار دولار .
وبخصوص النفقات المقترحة قدرت ب 152.2 مليار دولار و حصة النفقات المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية 36.6 مليار دولار .
وبالتالي فأن هذه الخطة المالية المرسومة لثلاث سنوات هي بحد ذاتها ووفقًا لتوقع الخبراء الاقتصاديين ربما تكون مجازفة كبيرة بالوضع الاقتصادي والمالي لحياة الملايين من الشعب العراقي الفقير لإن هذه الموازنة قد أقرت وبنيت على أساس واردات النفط المقدرة ب %90.9 من مجموع واردات العراق وبالاعتماد على السعر الحالي للنفط وهو ( 70-$- ) وتثبيت سعر الصرف الدولار الأمريكي ب 1300 دينار عراقي للدولار الواحد وللسنوات القادمة الثلاث والتي هي بالتالي معرضة لتذبذبات السوق العالمية و الحرب الجارية بين روسيا واوكرانيا و الأزمات التي تعصف بالاقتصاد الرأسمالي والأوضاع العالمية بالنسبة للطاقة .
وان المجازفة في هذه الموازنة تكمن في مسالة ان هذه النفقات المقدرة (152.2 )مليار دولار هي قابلة للتغيير وفقا لتغيير أسعار النفط و في حال عدم تحقيق هذه المشاريع والخطط الاقتصادية و النفقات قد يؤدي بالتالي الى زيادة العجز المالي و مضاعفته خلال السنين القادمة وخصوصًا ان تمويل هذا العجز المالي سيتم تمويله من المبالغ المقترضة داخليا و خارجيا وبنسبة %66 والتي هي ستكون سببًا في زيادة المديونية و وسياسة الإرشاد المالي و سوء الكثير من الخدمات العامة و ارتفاع الضرائب و غلاء الأسعار و مزيد من البطالة و البؤس الاقتصادي والاجتماعي وتدهور الأوضاع بشكل عام اكثر مما هو كان سابقًا .
وكذلك فقد اضاف البرلمان العراقي بند بخصوص فقرة جديدة لتخصيص مبلغ 350 مليون دولار سنويًا و ذلك لمصاريف البرلمان ، واستحداث 500 الف وظيفة الى القطاع العام و بهذا سوف يكون عدد الموظفين في العراق او يتجاوز من 4,5 مليون وظيفة وهو بحد ذاته سيشكل عبئا ماليا كبيرًا على الاقتصاد العراقي لإن هذا القطاع الكبير من الموظفين و الذين يشكلون نسبة كبيرة من مجموع سكان العراق يعتبر بحد ذاته نوع من البطالة المقنعة .( **)
لقد نص القانون العراقي على مجموعة من البنود و الفقرات التي تسعى الى تشجيع الاستثمار لصالح الرأسماليين في العراق ولكن على حساب ومجهود ( قوة عمل ) الطبقة العاملة وبأقل الأجور و الرواتب و كذلك في ظل أسوء الظروف والشروط الحياتية و البيئية للعمل كما تعاني منها الطبقة العاملة في بلدان الخليج و شرق آسيا وغيرها من البلدان الفقيرة في العالم وما تعاني هذه الطبقة من إجحاف و إستعباد و ذلك من أجل تراكم رؤوس أموال الرأسماليين المستثمرين و زيادة أرباحهم ان كانوا عراقيين او أجانب ، ومنها : (***)
أمتلاك الأراضي والعقارات و التسهيلات بخصوص إستيراد مواد الخام واعفائهم من الرسومات الجمركية .
منح القروض والمساعدات المالية الأخرى ما بعد اتمام %25 من المشروع.
إعفاء العقارات المتعلقة بالمشاريع من كل الرسومات و الضرائب.
منح هذه المشاريع والمستثمرين العراقيين او الاجانب الطاقة الكهربائية و المائية و المستلزمات الأخرى و بأسعار رخيصة جدًا وفقًا لما يفرضه قانون الاستثمار العراقي .
ينص القانون الاستثماري في العراق على وجوب إعطاء تسهيلات في مسألة التأمين و توظيف الأيدي العاملة ان كانت عراقية ( محلية) او اجنبية ( خارجية ) .
وان قطاعات ومجالات الاستثمار في العراق متعددة و اولها و بشكل رئيسي هو قطاع النفط والغاز والذي يشكل اكثر من %90 من مجموع قطاع الاستثمارات الأخرى. و قطاع الزراعة والري و قطاع التعدين وخصوصا بالنسبة لليورانيوم و الفضة والذهب والنحاس والقصدير .
قطاع الإنشاءات والبناء يعتبر كذلك من القطاعات الأكثر وسعة بالنسبة للاستثمارات لان العراق بحاجة إلى ترميم البنية التحتية التي دمرتها الحرو…
وهناك الكثير من القطاعات الأخرى الخاصة بالأدوية ومواد التجميل و الصناعات الكيماوية و كذلك الغزل والنسيج …و الخ.
إن الموازنة المالية و قوانينها المتعلقة بهذه الميزانية الخاصة بثلاث سنوات و بعلم او ربما بتوجيه من الصندوق النقد الدولي IMF (*) فان الحكومة العراقية ستضطر لاحقًا إلى رفع الضرائب العامة على الطبقات الغفيرة من الجماهير و التقليل من الانفاق العام و كذلك الرواتب و تشجيع القطاع الخاص و ترسيخ قاعدة الليبرالية الجديدة للاقتصاد الراسمالي و دعم الطبقة الغنية و الرأسماليين و إعفائهما من معظم الضرائب او تقليلها وتحميل كاهل الشعب العراقي الشغيل والعامل ضخامة الضرائب المفروضة عليها وسوء الخدمات العامة الصحية و التعليمية و الرفاهية من جراء تخفيض الإنفاق العام و تطبيق المواد حول قانون الموازنة المالية و ضخامة هذه الميزانية و طبع المستندات والاوراق المالية سيعرض الاقتصاد العراقي إلى أزمة كبيرة و زيادة في نسبة العجز المالي لان القانون العراقي أعطت و منحت الفرصة الكاملة للمستثمرين على تداول الاسهم والسندات الورقية في الأسواق العراقية و الذي هو بالتالي سيزيد من نسبة التضخم وبالتالي ستضعف القوة الشرائية لمحدودي الدخل وخصوصا الطبقة العاملة .

ثانيا : الدوافع السياسية

لا شك فيه بإن تعظيم و ترويج هذه المشاكل الاقتصادية والادارية بين بغداد والاقليم على الصعيد الإعلامي والسياسي تحت ذريعة محاربة الفساد المالي و خلق صراعات جانبية و سطحية بين الحكام القوميين البرجوازيين الكرد و الحكام البرجوازيين العرب في حكومة بغداد وذلك وبتأثير من الدول الإمبريالية الغربية وعلى رأسهما إمريكا وفيما يتعلق بالسيطرة على موارد النفط والغاز والطاقة وذلك ما بعد اندلاع الحرب الروسية - الاوكرانية و تبعياتها العالمية .
ان هذين الادارتين والسلطتين السياسيتين القائمتان في بغداد والاقليم يشكلان قوة طائفية برجوازية واحدة وان قراراتهما وسياساتهما الاقتصادية و السياسية ليستا الا وسيلة لتضليل الجماهير العاملة ولزرع الفتنة والتفرقة العنصرية و القومية بين البروليتاريا العربية والكردية وغيرهما من القوميات و الأطياف الأخرى الذين يسكنون العراق و بهذا فأن كل ما يقررونه و بإسم الشعب العراقي او الكردي لايتعلق بمصالح هذه الشعوب و إنما بمصالح الطبقات الغنية و المستثمرة و دولهم الإمبريالية والكبرى و بهذا فهم يوحون من خلال هذه السياسة بإنهم هم الممثلين الشرعيين للشعب .
فالحكام القوميين الكرد بدورهم يتهربون من مسؤولياتهم الإدارية و الاقتصادية والمالية و ذلك من خلال ترويجهم لمسألة عدم صرف حصة الإقليم و الرواتب من قبل الحكومة المركزية ، وبهذا فإنهم ضمنًا يؤكدون للطبقات الشغيلة الكردية بإنهم ليسوا السبب الأساسي في تعاسة أوضاع الطبقات المضطهدة الكردية .
و في الطرف الثاني و المتعلق ببغداد فإنهم دومًا يؤكدون للجماهير على إن ميزانية العراق ومواردها تذهب هدرًا بسبب وجود حكام الإقليم وسياساتهم النفطية وهذه النقطة هي بلا شك حقيقية لن يستطيع احد نكرانها و لكنه حق يراد منه باطل ، ولكنهم يسعون الى تضليل الرائي العام للطبقات المضطهدة العربية في محافظات الوسط والجنوب ويتعمدون في إخفاء كل ذلك الفساد الإداري والمالي و الاجحاف و الفقر والبطالة والاوضاع المزرية في هذه المحافظات و فقدان وسوء الخدمات العامة فيها .
وبالرغم من ماهية السلطة الإدارية للإقليم كقوة برجوازية ساهمت وبشكل فعال في تشكيل الحكومة العراقية الحاليه فانه من الواضح بأن السلطات في الحكومة المركزية تتبع سياسة شوفينية مدعومة كذلك من دول الجوار بحيث لا تقبل بشركائها القوميين مثل الأكراد أن يكون لهم استقلالهم الذاتي ، ولهذا قامت الحكومة الاتحادية بسن قراراتها ضد السيادة القانونية وصلاحية البث في القوانين من قبل الإدارة الكردية و كذلك و اخيرا من خلال هذه القوانين الخاصة بالموازنة و المواد المتعلقة بهذا القانون تسعى الحكومة المركزية إلى بسط نفوذها الاداري والسياسي و الاقتصادي على جميع محافظات العراق ومنها المحافظات التابعة لاقليم كردستان بدون الاخذ بنظر الاعتبار مسالة الحقوق الديمقراطية و الثقافية للشعب الكردي في هذه المنطقة علما إن الإدارة القومية القائمة في الاقليم و التابعة للسياسة الامريكية والغربية و كذلك الحكومة المركزية في بغداد كلاهما خاضعان للامريكان والغرب و سياساتهم الليبرالية الجديدة .
وعندما نرى ميزانية العراق البالغة عشرات المليارات الدولارات من جهة و لكن نرى من جهة أخرى حياة الطبقات المضطهدة و الفقيرة من الشعب العراقي عربا وكردًا والذين يعانون من أسوأ الظروف المعاشية والحياتية والخدمية والذين يفتقرون إلى أبسط الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء والصحة والتعليم و التربية و الرفاهية الاجتماعية .
ان ترويج النعرات القومية الضيقة وكذلك النعرات الشوفينية بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية و المالية هي ليست إلا ذريعة لسرقة قوة عمل الطبقة العاملة وموارد العراق الهائلة و توظيفها لخدمة طبقة معينة من التجار والرأسماليين على حساب بؤس و تعاسة الطبقات المضطهدة وانتشار البطالة و البؤس بين الشباب و الشابات العراقيات .
ولهذا فان البروليتاريا العراقية بعربه وكرده و غيرها من القوميات و الطوائف الأخرى ليست لها اية ضلع في هذه الأزمات الاقتصادية والسياسية الموجودة بين هذين القطبين البرجوازيين بل انهم سيبقون المتضرر الأول والأخير في تحمل زيادة الضرائب والبؤس والفقر المدقع والذي سوف يزداد و بشكل طردي مع زيادة تراكم رؤوس الأموال في العراق ، وسيشاهد العراق موجة أخرى من الاعتراضات الجماهيرية وسوف تدخل انتفاضة تشرين في مرحلة أخرى أشد عنفًا مما شاهده سابقًا ، و لكن سوف سيبقى السؤال الرئيسي هنا وهو من هي القوى السياسية التي توجه مسار الاعتراضات والانتفاضات الجماهيرية القادمة لهذه الجماهير المليونية و المضطهدة ؟
و لهذا السبب فأن النضال السياسي و الفكري جنبًا إلى جانب النضالات الاقتصادية التي تقوم بها هذه الطبقة كسائر المضطهدين في المنطقة ستبقى من أوليات مهامها الأساسية و هو بلورة قوة ماركسية منظمة و سياسية محنكة بعيدة عن جميع الاتجاهات الإصلاحية لليسار الشعبوي و القومي و العمالي المنحاز للاشتراكية الديمقراطية العالمية ومنظمات المجتمع المدني والنقابيين الانتهازيين وذلك لكي تستطيع ان تنسق نضالات الجماهير البائسة و توجهها بحزم لا يلين لاسقاط هذه المنظومة الجائرة .

—————————————————-
(*) https://www.imf.org/…/pr23188-iraq-imf-staff-concludes
(**) https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/6/13/بـ-153-مليار-دولار-العراق-يشرّع-المواد
(***) https://www.customs.mof.gov.iq/index.php/ar/node/84








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح