الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 30

دلور ميقري

2023 / 6 / 21
الادب والفن


حينَ ذهبَ دارين ذات يوم إلى مقهى " الحجرة الحمراء "، وجدَ الجوّ هناك يضج بالجدل. لقد فرغَ العالمُ من إهتمامه بكأس العالم، ليفيقَ ذات صباح على خبر الغزو العراقي لدولة الكويت المُجاورة. كرد تركيا، المتواجدون يومئذٍ في ذلك المقهى، كانوا على عكس بقية أبناء جلدتهم؛ يرفضونَ التدخل الأمريكيّ في ذلك النزاع. بعضهم كانَ يصرخُ، مُروِّعاً الآخرين: " لو نشبت الحربُ، وورّط الأمريكان أوزال، حتماً سيقصفُ صدّام تركيا بالسلاح الكيماوي وربما الذري أيضاً! ".
آنذاك، كانَ دارين قد ترك الكُريدور بعدما حصلَ على شقّةٍ صغيرة في حي غوتسوندا، تبعُد بأقل من عشر دقائق مشياً على الأقدام عن فيلا والديّ جوليا. وكانَ الصيفُ قد بدأ بالانحسار سريعاً، ولن يتأخرَ الفصلُ التالي عن مدّ المدينة بموجاته الباردة. في أثناء ذلك، بقيَ الشابُ الملول يزور الفيلا، ليشتكي أحياناً من السلوك المنحرف للإبنة. مع علمه مسبقاً، ألا قدرة لأيّ منهما على التأثير على جوليا. عند ذلك كانَ دارين يقلبُ الصفحة، للخوض مع الأب في أحاديث السياسة. هذا الأخير، كان يعتقدُ أن عدم إيقاف صدّام في الكويت، سيعني تكرارَ التساهل مع هتلر إبان إبتلاعه للنمسا وتشيكوسلوفاكيا؛ ما أدى بالنهاية إلى نشوب الحرب الكونية. من ناحيتها، وكالعادة، دأبت السيّدة أولريكا على النأي بنفسها عن أمور السياسة. عند مناقشتها للضيف في مسائل الأدب، سألته: " ألم تطبع بعدُ مجموعتك الشعرية البكر؟ ". ردّ دارين في شيءٍ من الحَرَج: " إنها ما تفتأ تائهة في بيروت، تبحثُ عن ناشر يقبل المغامرة بطبع كتاب لمؤلّف مُبتدئ ". كانَ خجلاً، هوَ الذي يعتبرُ نفسه كاتباً مبتدئاً مع أنه يتجاوز سنّ الثلاثين. لكنه أضافَ، مُتحرراً قليلاً من ذلك الشعور: " مجموعتي الشعرية الثانية، تُصقل على مهل. كذلك، لديّ مسودّة رواية أقوم بمراجعتها ".
في مقابل ذلك، كانَ ما فتأ يغوصُ في القاع، نتيجة إستمرار علاقته بربيبة تاجر المخدرات. أضطردت مشاحنات دارين معها، وإن تباعدت فتراتُ اللقاء بينهما. سوءُ التفاهم، كانَ مردّه غالباً شعورُ الغيرة من ناحية دارين. الغريب، أنها كانت ما تنفكّ تزعمُ أنه حبيبها، وأنها مضطرة لنهج سلوكٍ مُعيّن بسبب حاجتها إلى البودرة. عندما كانت تفضي له بذلك التبرير، كانَ دارين يتذكّرُ وبسمة سخرية على فمه، أقوالَ زعماء المافيا ( في أفلام هوليوود بالطبع )، الذين يعوّلون على التغطية الأخلاقية على جرائمهم، بالقول: " إنها مُجرّدُ بيزنس! ".
في إحدى ليالي مُبتدأ الخريف، كانَ دارين ثمة في " ألكسيس "، يسيرُ مترنّحاً من السُكْر، وكذلك من القهر والهوان. كانَ من سوء الحال، أنه أخطأ الطريقَ المؤدي إلى الخارج، ليرى نفسه بالقرب من حلقة الروليت. ثم أمتدت يدٌ لتربت على كتفه من الخلف، وكانت يدَ ملّاك الأراضي: " نيازي كان هنا قبل قليل، يتفرج على الروليت. وهوَ مَن أخبرني أنك موجودٌ في الملهى "، قالها مُضيّقاً عينيه. التفتَ دارين إلى الموجودين عند الحلقة، ليجد أصدقاءَ ربيب البيض، فيما هذا الأخير ونيازي قد تبخّرا. أستطردَ نورو، متسائلاً: " أراك في مزاجٍ سيء، فهل تشاجرت مع صديقتك؟ "
" لا، إنني أنتظرها كي نذهب إلى شقتي "
" هل كنتَ حاضراً أثناء عرض الستربتيز؟ "
" كنتُ في البار "
" أنا كنتُ في فلوستريت، ثم جئتُ إلى هنا قبل قليل خصيصاً كي أراك "، قال نورو ذلك ثم أضاف غامزاً بعينه في خبث: "علمتُ أيضاً من نيازي، أنّ صديقتك كانت نجمة الستربتيز الليلة. وقال أنها تفوقت على أولائي الفنانات، اللواتي رقصنَ عاريات "
" نعم، وهيَ تفعلُ ذلك في كل ليلة ديسكو تقريباً "، ردّ دارين بنبرة مُنكسرة مع إبتسامة حزينة. شاءَ الآخرُ التخفيفَ عنه، بالقول: " وما هيَ المشكلة؟ إنها ليست زوجتك على أيّ حال؟ ". ثم تابعَ، مُغيّراً الموضوع: " وعلى ما يبدو، فإنّ فتياتنا صرنَ كالسويديات وربما أسوأ. نيازي، تكلّم معي كذلك عن بنات حيدر. فعلاوة على نسرين وعلاقتها المعروفة بابن أخيه، فإنّ الأخرى قد ضمنت لنفسها عشيقاً إيرانياً؛ بالرغم من أنها مخطوبة، كما تعلم. بل حتى الصغيرة، قد دبّرت صديقاً لنفسها! ". ثم اختتمَ في نبرة تهكّم، ضاحكاً بفتور: " يلوحُ أنّ صاحبنا الثعلبَ، هربَ بفروته لا يلوي على شيء "
" أتعني رمّو؟ بل قل أنه فقدَ تماماً الأملَ من إبنة السيّد حيدر، التي كانت تعبّرُ له باستمرار عن النفور والإشمئزاز "، علّقَ دارين. كانَ قد غدا الآنَ أكثر تعاسة من ذي قبل. فإنّ تأنيبَ الضمير، دهمه أيضاً على خلفية ما عدّه مسئوليته عن وضع ميديا على ألسنة النميمة.
وهذا ملّاكُ الأراضي، يُنبئه بخبر آخر: " أعتقدُ أن هذه ستكونُ آخر مرة نلتقي فيها، يا صديقي. عزمتُ أخيراً على العودة إلى البلد، حتى قبل حصولي على جواب من إدارة الهجرة "
" لقد انتظرتَ عامين تقريباً، أليسَ في وسعك الإنتظار بضعة أشهر أخرى؟ "
" أشقائي ثمة في البلد ضغطوا عليّ كثيراً، مثلما أنني طفحتُ بالديون "
" أظنُ أنها إمرأتك، من أمَرتْ بجلبك بالقوة من السويد "، قال دارين مُداعباً وقد أخذ على عاتقه هذه المرة مواساة صديقه. أطلقَ نورو ضحكة مقتضبة، وأجابَ: " هل تظنني، أيها الشامي، أحسبُ مثلك حساباً للمرأة! ". ما لبثا أن تعانقا بحرارة، وافترقا مع دموع بعيني كلّ منهما. على غير عادته، وربما بالنظر لحالته النفسية، ترك نورو الملهى مُبكراً نوعاً ما. فيما دارين بقيَ، وكانَ يأملُ أن يصطحبَ جوليا إلى شقته الجديدة كي تراها؛ كما سبقَ ووعدته أكثر من مرة.
وتخترقُ الموسيقى الهادئة رأسَهُ، المُثقل بالكحول والأسى، فيتساءل في نفسه: " أينَ تكون تلك العاهرة، مريدة المتعة والبودرة؟ ". لقد أضاعَ فيما مضى فرصةَ التخلّص منها حينَ أخبرته بقحّة، بل وبتعالٍ أيضاً، أنها ستقضي الليلة في فراش أحدهم. إنها قيّدته بأغلال الشهوة، وتعلمُ علمَ اليقين ألا فكاك منها بالنسبة لشخصٍ ضعيف الإرادة. والغيرة، كانت تأتي بعكس ما يُتوقّع منها؛ وإذا به يُهرع إلى معذّبته عندما تساوره الشكوكُ إزاءَ مسلكها. كان غريباً، فوق ذلك، أن تكون نبتة سامة في تربةٍ طيّبة. وبينما كانَ والداها يُرهقان رأسيهما بأمور السياسة والثقافة، كانتَ هيَ ذاتَ رأسٍ فارغ تقريباً لا يتأثّر إلا بالبودرة.
" أينَ أنتَ شاردٌ بأفكارك، يا حبيبي؟ "، أيقظه صوتها المُتسللُ إلى سمعه كالحيّة. وكانت عندئذٍ بالفعل شبيهة بذلك الحيوان الزاحف، الذي ينتصبُ بجزعه الأعلى ورأسه قبلَ أن يوجّه العضة القاتلة. أضافت ببعض التدلّه، كعادتها حينَ تمهّد لفعلٍ فاضح: " لن يكونَ في وسعي الذهاب معك إلى شقتك الليلة، وأنا آسفة على طول إنتظارك "
" تستطيعين، متى شئتِ، الذهابَ إلى الشقة "
" قد لا أفعلُ ذلك في أيّ وقت "
" ماذا تعنين بهذا الكلام؟ "
" وأنتَ بدَورك لن يكون بمقدورك الذهاب إلى شقتي بعد اليوم "
" تطلبين مني أن أهجركِ؟ "
" بل أنا من أهجرك، ونهائياً "
" أنتِ غير مُدركة لما تفوهينَ به، لأنك ثملة ومخدّرة "
" لا، أنا أعي تماماً ما أقوله "
" لِمَ إذاً دعوتني بحبيبكِ قبل دقيقة؟ "
" لأنك كنتَ حبيبي قبل دقيقة! "، قالتها وهيَ تطلقُ ضحكةً مُتهتّكة. أرادَ أن يقول شيئاً، وإذا بيدين تمتدان من الخلف للأمام، بين إبطيّ جوليا، ثم تتشابكان عند صدرها. على الأثر، لاحت السحنة الصفيقة لتاجر المخدرات: كانَ عباس، وليسَ غيره!
عباس، وكان ما زالَ واقفاً بطوله الفارع خلف جوليا، معتنقاً إياها، رمقَ جارَ الكُريدور السابق بنظرةٍ لطيفة: " مرحبا "، حياه بالعربية. بينما كانَ هذا الأخير مصعوقاً يكادُ لا يُصدق ما يراه، إلتفتت هيَ إلى مُستعبدها الجديد كي تقبّله في فمه. انتترَ دارين واقفاً، وهمّ بالاندفاع لمغادرة المكان الموبوء.
" عندك! "، أوقفته ربيبةُ تاجر المخدرات: " مفتاح شقتي، من فضلك ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في