الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة الغرب والعقل العراقي الكسيح؟/3

عبدالامير الركابي

2023 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ليست الاكراهية الغربية الاستعمارية مجرد ممارسة هيمنه ضمن اشتراطات مؤاتيه بصورة استثنائية للطرف الذي يمارسها، ففي هذا الموضع من المعمورة على وجه التعيين ترتكب بالاحرى جرائم ضد المعرفه، قد تكون لاسابق لها، بالاخص اذا وضعنا بالاعتبار عند القياس مايفترض ان الغرب قد بلغه اليوم من رفعه وصعود شامل، مقارنه باي من فترات التاريخ الاسبق، ماياخذنا للاستدلال على كون مانتعرض له هو حالة استثناء، اسهمت بقوة وبقدر هائل في تغييب حقيقة تاريخيه ومجتمعية اساسية، لابل الحقيقة الوجودية، كما هي مكنونة ومضمرة في هذا الموضع بالذات.
فكاننا وضعنا امام ضرورة مبهمه، تجعلنا امام مشهد مليء بالغرابه، طرفه المفترض انه هو الموضوع، بلا نطقية، في حال عدم قدرة على الحضور، والطرف الاخر المتغلب المفترض به النطق بالنيابه، ادنى من ان يقارب معطيات وكينونه الواقع الذي وجد بازائه، لدرجه انه قد اضطر للانقلاب على ذاته، ففي عام 32 حين وضع قانون التسوية بهدف تعيير ملكية الارض في الريف العراقي المشاعي تاريخيا، كان الغرب ساعتها يتراجع ليصبح "اقطاعيا" معنيا بتصنيع الاقطاع، الذي يفترض به ان يكون نقيضه الطبقي البرجوازي الالي.
من جهة اخرى، يمكن احتساب نوع ردود الافعال على مايواجهه وواجهه الاحتلال وطريقة نظره للاحداث ومعالجتها، من قبيل على سبيل المثال ثورة حزيران ،1920 والتنقل بين خيارالانسحاب الذي كان الانكليز قد قرروه، ومااستقروا عليه من اقترح "الحكومة من اهل البلاد" كواجهة للنفوذ البريطاني(1)، وكل هذا السياق متناقض مع مايفترض انه الخلفية التي تقف خلف الغرب ومشروعه، ففكرة اقامه دوله خارج النصاب الاجتماعي، ومن دون تعرف على التشكلية التاريخيه الفعلية ومسارها، واين تقف حاليا، لاتلتقي باي شكل مع مفهوم الكيانيه القومية الوطنيه التي من المفترض ان الغرب هو حامل رايتها، بما هي تشكلية تاريخيه.
ولاتوجد في المقاربة البريطانيه ايه محاولة تفسر ثورة العشرين، على الاقل لاجل اتباع الاسلوب الملائم للتعامل معها، وكثورة لاارضوية فان المحتل البريطاني ماكان يدرك ماهي، وماهو صنفها، ولا محركاتها، بالاخص من بينها كون قوات الاحتلال قد قدر لها الدخول للعراق صعدا من اقصى الجنوب، الى العاصمة المنهارة بغداد خلال ثلاث سنوات، في فعل هو من اخطر مايكون قد حدث على مدى تاريخ هذا المكان من العالم، فالارض التي جرى اختراقها صعودا، هي منطقة الامان التاريخي في بلد مهدد كينونه ووجودا، وبالتلازم مع وجوده بالانصبابات السلالية من شرقه وغربه وشماله، حيث الجبال الجرداء والصحاري النازله نحو ارض الخصب، ماعدا المنطقة الجنوبيه، تلك التي لم يحدث ان عرفت اطلاقا غزوا او هجوما فعالا برانيا، على مدى تاريخها، ماجعلها بالاحرى منطقة التبلور والانبعاث التاريخي، بمعنى ان ماحدث عام 1920 هو ردة فعل وجودية لاارضوية، وان تكن غير ناطقة، ماكانت لتحدث على الاغلب، لو ان الانكليز دخلوا العراق من جهة سوريا او ايران، مباشرة باتجاه بغداد، وازاحوا العثمانيين الاتراك كما كان يفعل المتعاقبون احتلالا منذ هولاكو.
بذات الوقت، كان العقل العراقي غائب وغير قادر على الفعل بحكم اشتراطات اللحظة التاريخيه، وشكل الانبعاثية الحالية الثالثة، وماقد فرضته سياقات انبثاقها من شكل ازدواجية غير مسبوقة، تمثلت في "برانيه عليا بغدادية"، و "استبدالية سفلى" لاارضوية، ففي الاعلى حيث العاصمة الامبراطورية المنهارة سادت حالة من البرانيه، تتعاقب عليها اشكال السلالات والحكومات، بلا اية ردة فعل او اعتراض ذاتي، في حين تميزت الحالة التشكلية الصعودية السفلى بفعل "الاستبدال" ابان تعذر النطقية، فيوم الحت الضرورة وصار متعينا تبلور الحضور اللاارضوي في ارض سومر في القرن السادس عشر، وقبل ان يتجسد "اتحاد قبائل المنتفك" ذهبت القبائل الثلاث : الاجود، وحميد، وبني مالك، جنوبا الى صفوان لتستجلب جهة " قبلية" تلعب دور الزعامه الشكلية، بين قبائل تكوينها لايسمح بتغلب احدها على الاخر بحكم الطبيعة والكينونه البنيوية، فاذا ما جاء "ال شبيب" القبيله التغلبيه، والتي تنتمي لنمط اخر من البنيه القبلية غير المشاعية اللاارضوية العراقية، وصاروا قادة للاتحاد، فلقد ظهرت وقتها حالة استبدال اولي موافقه لاشتراطات اللحظة والحال الاعلى، البراني قاعدته والقوة الفعلية المتحكمه بوجوده غير ظاهرة، لكنها هي الفعالة مقارنه بال شبيب وتوهمهم احراز موقع القيادة، حتى من دون تغلب فعلي حدثي يعتد به.
تحكم ارض مابين النهرين اليوم ومع الدورة الثالثة ابتداء من القرن السادس عشر،وستظل فاعله اذن ثنائية "البرانيه" و"الاستبدال" الاصطراعية، السابقة على النطقية، والمفضية اليها، حيث ويومها فقط، يظهر العراق وقد اخذت بالاكتمال عناصر تشكليته النهائية بصيغتها الكتابيه المطابقة للاارضوية كينونه وبنية، لتتغير كمحطات نوعيه تجلي الاستبدال المقابل، بناء على نوع البرانيه وبالاخص مع تحولها الى البرانيه الغربية الالية الاستعمارية ونموذجيتها، فماسبق من تواليات احتلالية لعاصمة الدورة الثانيه المنهارة، كانت بلا مشروع، وتنتمي بنية وتفكرا الى الطور اليدوي واشكال حكوماته، فكانت الاستبدالية تقابله بالوسائل المتناسبة مع طبيعته قبليا ابتداء، ومن ثم انتظاريا نجفيا، استدعته الضرورة ضمن الرد على ميل ال شبيب بعد ثورة 1787 الثلاثية، لتجسيد التغلبية والسعي لحيازة السلطة في بغداد وولاياتها، وهي اشكال من الرد عائدة لاشتراطات ماقبل الانقلاب الالي الغربي الحديث، عندما انقلبت الحال وقتها، واختلفت نوعيا حضورا برانيا، وشروط مواجهه استبدالية.
وحيث كانت الفبركة الكيانيه وافتراضية "العراق الواحد" المحكوم من بغداد "العاصمة" البرانيه، تكرس عالميا وبحسب الغلبة النموذجية الغربية ابان طور "صناعة الامم"، يوم كان مثل هذا الميل متلائما مع شروط الهيمنه الغربيه عالميا، لم تكن الاليات التشكلية العراقية قد توقفت عن الحضور والعمل، واستمرت مع تغير الاشتراطات اشكال الاستبدال، ومقابل الدولة المفبركة المشكله برانيا من قبل الانكليز، تبلورت في ارض المنتفك وعاصمتها مرة اخرى، ظاهرة الدولة المضادة ممثلة بماعرف ب "الحركة الوطنيه العراقية" بصيغتها الايديلوجيه الحزبيه، مع تاسيس الحزبين الشيوعي اولا واساسا، والبعث اكبر واهم حزبين اثرا في المسار الاصطراعي وحققا الجانب الاهم من عملية الاجهاز على الحضور الغربي بوسائله وصيغه المفهومية والنموذجية، محورة بحسب مقتضيات اللاارضوية، استبدالا بلا حضور ولا نطقية.
ويمثل تاريخ الحزبين ومسالة تاسيسهما، ظاهرة من ابرز الظواهر "الحديثة" غير الملحوظة، والمهملة الدالة على الكساح العقلي العراقي من ناحية، ووضع الغرب عموما وكيفيات تعامله مع ظاهرة الازدواج الرافدينيه وتجلياتها، وهذان الحزبان يبدان برانيان، اي الى الشمال، و حيث بغداد التي صارت على مستوى التغير المرافق للحضور الغربي، ملتحقة بما عرف ب " النهضة العربية" المصرية الشامية الزائفه، تستقي منها مفاهيم الحداثة والوطنيه/ القومية، لتسقط دائما في العجز كما حال شيوعية حسين الرحال الاولى العشرينيه، او مابعدها، وهو ماقد ارخه "فهد" مؤسس الحزب الشيوعي الجنوبي، ليفصح من دون وعي عن فعالية الاستبدال اللاارضوي ايديلوجيا بكراسه الاهم" حزب شيوعي لااشتراكية ديمقراطية"، مستعيرا بالايديلوجيا نموذجية البلا شفة والمناشفة الروس، وهو مالم يعرفه تاسيس اي حزب شيوعي في المنطقة او خارجها على مستوى العالم الثالث، وليس المنطقة العربية وحسب، وتمتد التفارقات لهذه الجهه، فالحزب الشيوعي اللاارضوي عادة ماينتهي قادته بالقتل والاعدام كما الحال مع فهد وسلام عادل، بينما يعيش قادته الارضويون البرانيون مثل عزيز محمد وثلته، الى القرن، والشيء ذاته مع بعض الاختلافات يسري على حزب البعث، المؤسس في الناصرية على يد فؤاد الركابي، مقارنه بالتحور الحزبي السلطوي، الذي عمد الى اغتيال المؤسس الاول وهو في السجن، مع انه خرج من دائرة البعث الى الحركة الناصرية ويسارها.
وبالاجمال فان ذكر هذه الظواهر يجري هنا على عجالة، فقط للتنبيه الى مدى وحجم ماهو غائب عن الاعقال من تاريخ العراق الحديث، بظل تكريس الاسقاطية الكيانيه الاوربية وفبركتها المجتمعية الاحادية، ليس هذا وحسب، فالامر لم يتوقف لهذه الجهه عند التاسيس، بل يذهب لكي يتحول الى تعاقبية متوافقه مع مسارات الاصطراعية، مع الحضور الغربي مثل انتهاء ظاهرة الحزب الشيوعي اللاارضوي منذ الستينات، وعودة هيمنه الشيوعية البرانيه( شيوعية الافندية) ابتداء من عام 1964 مع سطو عزيز محمد على قيادة الحزب، مستفيدا من عملية التصفية الجسدية الشامله التي لحقت بالحزب بصيغته اللاارضوية في 8 شباط 1963 والانقلاب الذي اجهز به حزب البعث المحور برانييا، على الحزب الشيوعي اللاارضوي.
وماتجدر ملاحظته لهذه الجهه، وهو مظهر ومعطى تاريخي مغفل من بين اجمالي ماهو خارج الاعقال، ماقد عرفه مجال اللاارضوية من تحويرية استبدالية حداثية على حساب التعبير الاسبق، المتشكل ضمن اشتراطات البرانيه اليدوية، على انقاض القبلية منذ القرن الثامن عشر، وتجلى في ظاهرة "دولة اللادولة المدينيه النجفية"، مااستدعى لهذه الجهه بروز ظاهرتين شهيرتين، اولاهما اضطرار مرجعية النجف للالتحاق بالاطار الاعلى وجبهتها البرانيه، باصدار الفتوى القائلة "الشيوعية كفر والحاد"، وبروز ظاهرة الاحزاب الدينيه مع الخمسينات، تحت طائلة ضغط وقوة حضور الشيوعيه، وهو ماكان يجب ان يستثير الكثير من التوقف، لو كان العقل في حينه حيا وحاضرا، تفسيرا لمعنى حضور وغلبة حزب وعقيدة يفترض انها " علمانيه"، في واقع "ايماني" لدرجه الغلبة والسبق في الفعالية.(2)
ـ يتبع ـ الشيوعية اللاارضوية وشيوعيه بريمر/ ملحق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حدثت" في نهاية 1919 ونهاية 1921، احداث جسيمه في العراق كادت تؤدي الى هزيمه محقق لقوات الاحتلال البريطاني، فلقد قامت الثورة في نهاية حزيران 1920، واشتعلت نيرانها في الفرات الاوسط، وسرعان ماانتشرت الى منطقة الغراف والعمارة وديالى وبقية انحاء العراق، ولقد تكبد البريطانيون خسائر كبيرة مما اضطرهم الى الشروع بالانسحاب كليا من العراق. وبالفعل اعد الكولونيل ولسن مشروعا مفصلا بالانسحاب العسكري من العراق، لكن السلطات البريطانيه في لندن رات انه مازالت هناك فرصة لتدارك الهزيمه الكلية، فاستدعت السير برسي كوكيس، واطلعته على الموضوع، فاشار الى ان هناك املا "خمسين بالمائة" بالنجاح في انقاذ النفوذ البريطاني في العراق ، ولكن بشرط تشكيل حكومة عراقية تستعمل كواتجهه للحكم البريطاني في العراق"/ ابراهيم علاوي / البترول العراقي والتحرر الوطني/ دار الطليعة/ بيروت/ ص 56/ نقلا عن كتابي ولسن " الولاء " و" تعارض الولاء" ، وكذلك رسالة جرترود بيل حيث تحتوي فصل كتب من قبل برسي كوكس يشير بوضوح الى هذه القضية/ راجع الهامش ذات الصفحه.
(1) سيّر الحزب الشيوعي يوم 1 ايار1959 مظاهرة من مليون ونصف المليون عراقي في بلد لم يتجاوز سكانه السبعة ملايين، يهتفون:"حزب شيوعي بالحكم مطلب عظيمي"، ومن مظاهر التغلب الشيوعي جنوبا ان تحولت المواكب و"الردات" الحسينه اثناء مواكب محرم وصفر، الى اشعار شيوعيه مبطنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة