الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطلبوا الشرعية ولو في الصين!

حمادة جبر
(Hamada Jaber)

2023 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


مع إعلان الرئيس الصيني شي جينبينغ عن مبادرة "الحزام والطريق" في بداية فترته الأولى عام 2013، كانت الصين قد أنهت سياستها القائمة على "الصبر الاستراتيجي وإخفاء القوة والقدرات" التي تبنتها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وكانت هذه السياسة قد تعززت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي دون منافس. كذلك شكلت التكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي استخدمتها الولايات المتحدة في قيادتها لحرب تحرير الكويت عام 1990، صدمة للعالم بما فيها الصين، التي أدركت ضرورة تجنب المواجهة والعمل بصمت على التنمية الاقتصادية وتحديث جيشها بالاستثمار في التكنولوجيا. منذ ذلك الوقت (2013)، كثر الحديث عن الصين الصاعدة كقوة عظمى وطموحها لتغيير النظام العالمي بانهاء حالة أحادية القطب الأمريكية. بعد أن حققت الصين تنمية اقتصادية متتالية لعقود وصفت بالمعجزة، أخرجت من خلالها مئات الملايين من الصينيين من حالة الفقر، وعززت من قدراتها العسكرية بتحديث جيشها واستثمارها في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية مثل الأمن السيبراني الذي يعتبر اليوم من أهم مجالات وعناصر توازن القوى، قلّصت الصين من خلال ذلك الفجوة بين قوتها الاقتصادية والعسكرية مقابل الولايات المتحدة الأمريكية.
ما يهمنا في هذا المقال هو زيارة رئيس السلطة الفلسطينية الأسبوع الماضي للصين في زيارة رسمية استمرت لمدة ثلاثة أيام. وقد سبق ورافق تلك الزيارة حملة إعلامية لتسويق الزيارة على أنها إنجاز دبلوماسي غير مسبوق وبتوقيت احترافي. فمثلاً تم تلقف واقتباس وتكرار الوصف الصيني لأهمية الزيارة بأنها الأولى لزعيم عربي خلال هذا العام!! لتسويق هذا الوصف على أن العلاقات الصينية-الفلسطينية بحكمة وحنكة القيادة، أهم من أي علاقات صينية-عربية أخرى!! هذا النوع من الحملات الإعلامية يتكرر في كل مناسبة مهما كانت صغيرة أو شكلية ليتم تسويقها على أنها إنجاز للقيادة. كل ذلك لتعويض الشرعية الشعبية المفقودة واستبدالها بشرعية مستمدة من المجتمع الدولي خاصة منذ الانقسام عام 2007، وتعطيل عمل المجلس التشريعي وصولاً لحله غير الدستوري أواخر العام 2018، ومنع إجراء انتخابات عامة جديدة. إن استبدال الشرعية الشعبية بشرعية دولية، شرعية زائفة وتضر بمصالح الشعب الفلسطيني وقضيته وتجعل من القيادة عرضة للاستغلال. تجدر الإشارة إلى أن نتائج أحدث استطلاع للرأي العام الفلسطيني الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خلال الشهر الحالي أظهرت ازدياداً في نسبة الفلسطينيين الذين يطالبون باستقالة "الرئيس" عباس من منصبه لتصل إلى 80%. عباس الذي انتخب عام 2005 في ثاني وآخر انتخابات رئاسية للسلطة الفلسطينية منذ انشائها عام 1994.
صحيح أن الصين قوة عظمى باتت تزاحم وتتحدى النفوذ والهيمنة الأمريكية على مستوى العالم. وقد بدى واضحاً أيضاً أن الصين تولي منطقة الشرق الأوسط أهمية بالغة لتنفيذ مبادرتها الاقتصادية الاستراتيجية "الحزام والطريق"، فبدون منطقتنا لا يمكن أن تنجح الصين في مبادرتها. كذلك تسعى الصين لاستغلال الانسحاب الأمريكي من المنطقة ببناء شراكات استرتيجية مع دول نفطية لتأمين إمدادات الطاقة لاقتصادها وصناعتها العملاقة. برز حضور الصين المتعاظم في المنطقة من خلال رعايتها لاتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران في شهر آذار/مارس الماضي. كذلك طرحت الصين خلال العقد الأخير في أكثر من مناسبة "مبادرات" لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وعبرت عن رغبتها واستعدادها للوساطة. لكن تلك المبادرات كانت عامة وفضفاضة ولا تنم عن جدية في حل الصراع، بل تنم عن أن الصين تريد تأكيد دورها العالمي من خلال استخدام قضايا ذات طابع دولي مثل القضية الفلسطينية. أيضاً، يهم الصين إظهار تضامنها مع الفلسطينيين وقضيتهم لاستمالة دول ومجموعات إسلامية في آسيا مثل اندونيسيا وماليزيا.
من جهة أخرى، لن تقبل إسرائيل استبدال حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية بالصين كوسيط في عملية السلام. ليس لأن الصين لن تكون منحازة لإسرائيل كما الولايات المتحدة، بل لأن إسرائيل ما زالت ترى في تحالفاتها الغربية الأمريكية فرصاً أكبر. مع ذلك، استطاعت إسرائيل أن تبني علاقة متينة مع الصين خاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة والاستثمارت الاقتصادية وبتبادل تجاري وصل لأكثر من 20 مليار دولار العام الماضي مقابل تبادل تجاري بحوالي 150 مليون دولار مع السلطة الفلسطينية. ولولا التدخل الأمريكي للحد من تطور العلاقات الإسرائيلية-الصينية كما فعلت عندما أنذرت إسرائيل بتداعيات الاستثمارات الصينية في ميناء حيفا وبعض التكنولوجيا المتقدمة في مجال الدفاع، لكانت العلاقات الصينية-الإسرائيلية في وضع أفضل. فالصين كما أي دولة تبحث عن مصالحها، ولكن الصين ترسل رسائل متناقضة بخصوص موقفها من الصراع وحل الدولتين، فبينما تؤكد على موقفها الداعم للحقوق الفلسطينية وضرورة الاحتكام لقرارات الشرعية الدولية وقيام دولة فلسطينية، تنم معظم التصريحات الصينية الرسمية على أن إسرائيل "دولة يهودية". كذلك تقوم الصين بضخ استثمارات في شركات إسرائيلية تعمل في أراضي الضفة الغربية مثل شركة "أهافا" التي تعمل في غور الأردن والبحر الميت.
لا شك أنه يجب علينا العمل على تطوير وتعزيز علاقاتنا الدولية خاصة مع دول عظمى مثل الصين. ولكننا نخدع أنفسنا إذا اعتقدنا أن أحداُ من المجتمع الدولي أو حتى الدول العربية، سيساعدنا أكثر مما نساعد أنفسنا. فمثلاً، يبدو أن الإدعاء الإسرائيلي بعدم وجود شريك فلسطيني بسبب الانقسام، يبدو منطقياُ ويلقى آذاناً صاغية من المجتمع الدولي. لذلك، بدلاً من البحث عن شرعية زائفة شرقاً وغرباً تعرض مصالح الشعب الفلسطيني للاستخدام والابتزاز، على القيادة، قبل أي شيء، أن تلتفت إلى الداخل أولاً، والعمل على تقوية المجتمع بإنهاء الانقسام وإجراء انتخابات عامة قبل فوات الأوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟