الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد الثقافي ......... رؤيتي له

ابراهيم خليل العلاف

2023 / 6 / 22
الادب والفن


ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ازعم ، ومنذ بضعة عقود ، انني امارس النقد الثقافي في كتاباتي عن الظواهر والمؤسسات والرموز الثقافية . واحيانا يقول البعض انت مؤرخ وبعيد عن الادب ، وليس من حقك ان تقترب منه ، واقول أنني لست اديبا بالمفهوم الحرفي للكلمة ؛ لكني امارس الكتابة في الفكر والثقافة والتعليم والفن التشكيلي والرواية والقصة والنقد من خلال رؤيتي لما ساد في ساحة الغرب الثقافية وعرف ب(النقد الثقافي Cultural criticism ) الذي افهمه انا على أن ما اقوم به من نشاط فكري يجعل من الثقافة إطارا لما اكتبه عن هذا المؤلف ، أو ذاك الكتاب او حتى عن هذه الظاهرة أو التجمع الادبي او الفني أو المؤسسة التعليمية ودورها في مجالي الثقافة والسياسة .
وقد ذهبتُ بعيدا في هذا ؛ فأصدرت كتابي ( تاريخ العراق الثقافي المعاصر) ، وطبع في دار ابن الاثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل سنة 2009 ، وفيه تحدثت عن رموز ، ومؤسسات ، وجمعيات ، واتحادات ، وحركات ، ومدارس ثقافية عراقية ، عملت في ساحة الثقافة العراقية على مدى مائة سنة ومنذ اوائل القرن العشرين .
كما الفت كتابي ( قريبا من الادب ..بعيدا عن التاريخ) وطبع في دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع في الموصل 2019 وكتابي الآخر (صفحات في الفكر والثقافة والتاريخ ) وصدر عن دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع في الموصل 2019 .
ولكي أُقربْ الموضوع الى القارئ ؛ اقول انني اضع دائما ما اكتبه ضمن سياقاته الزمانية والمكانية ، والسبب انني اقول ان من الخطأ الكتابة عن شخصية او مؤسسة بدون وضعها في اطارها الزماني والمكاني أي في سياقاتها وانساقها الموضوعية ، والا تبدو وكأنها مُعلقة في الفضاء دونما أثر أو تأثير .
ويقينا ، انني لا اريد ان ادخل في تفاصيل ماهية النقد الثقافي ، وهل انه اكتشف من قبل فلان او فلان ، لكن اقول ان النقد الثقافي حالة فكرية ، وحاجة ضرورية تركز على فعل النص وتأثيراته ، اكثر مما تركز على جمالياته وحتى نفهم النص يجب ان لا نعزله عن ظروفه وكثيرا ما اقول انه حتى الصورة الفوتوغرافية اذا لم نذكر زمان التقاطها ومكان التقاطها تفقد قيمتها الفنية والتاريخية معا .
واسعى دوما ، وانا اكتب عن هذا الكتاب او تلك اللوحة او ذلك النص ان اؤطره بأنساقه الثقافية وبالتحولات التي تطرأ على هذه الانساق سلبا وايجابا وتأثيرات ذلك النص حدثا كان أو لوحة او صورة على المجتمع او المحيط واكرر دوما ان الابتعاد عن المجتمع يفقد الحدث او الشخص تأثيره ، وهكذا اهتم بالتحولات الفكرية والاجتماعية والثقافية للحدث او للرمز او للصورة وكثيرا ما يكون كل هذا متداخلا ومتشابكا بحيث يصعب علينا فهمه . وقد يكون من الواجب التذكير ان أي نهوض لا يمكن ان يكون بمعزل عن ما نسميه (التراكم الحضاري او التراكم المعرفي) ، وفي حالة تجاهل ذلك نكون محكومين ابدا بالعودة الى نقطة الصفر وحتى احيانا الى مرحلة ما تحت الصفر .
النقد الثقافي له تاريخ وليس من الحكمة تجاوز هذا التاريخ ومن اولويات هذا
التاريخ ان فينسنت ب . ليتش (V .B. Leitch)، هو اول من الف كتابا عن النقد الثقافي قبل عقدين من الزمن بعنوان ( النقد الثقافي ) ونشر بنصه الانكليزي (Cultural Criticism, Literary Theory Poststructuralism ) سنة 1992
ومن حسن الحظ ان الكتاب ترجم قبل سنة من الان ترجم في آب – اغسطس سنة 2022 ترجمه وقدم له الدكتور هشام زغلول( الاستاذ في قسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة القاهرة واطروحته للدكتوراه عن نقد النقد الثقافي) ونشره المجلس القومي للترجمة في القاهرة .
ان مما اريد تأكيده ان اول من بشر بالنقد الثقافي هو الناقد الامريكي فينسنت ي . ليتش(V .B Leitch) في كتابه المشار اليه اعلاه ، والكتاب ظهر قبل اكثر من عقدين باللغة الانكليزية ، وقد قرأه عدد من النقاد العرب وتأثروا به منذ اواخر السبعينات واوائل الثمانيات واولهم الدكتور عبد الله الغذامي الذي الف كتابه سنة 2000 بعنوان ( النّقد الثّقافيّ: قراءةٌ في الأنساق الثّقافيّة العربيّة ) ، وحسب كثيرون انه هو من اضرم الشرارة الاولى في بيدر النقدية العربية وبها انطلقت الدعوات المؤيدة والمناهضة لهذا اللون من النقد ( ففي عدد مجلة الاقلام حوار مع الدكتور عبد الله الغذامي حول النقد الثقافي (بغداد السنة 57 العدد الاول آذار –مارس 2022) .وفي الحقيقة كاتب هذه السطور لا يريد الدخول في التفاصيل لكن فقط اشير الى ان صدور ترجمة كتاب فنسنت ب ليتش مهمة ليطلع الجميع على حيثيات الدعوة الى النقد الثقافي ومتطلباته فالنقد الثقافي هو من يضع النص أي نص ضمن سياقاته التاريخية والاجتماعية وان ثمة مفاهيم اساسية ، كما يقول الاستاذ محمد عبد الباسط وهو اكاديمي مصري في عرضه لكتاب (النقد الثقافي) لفنسنت ب. ليتش ( مجلة العربي عدد فبراير شباط 2023) ، لابد من مراعاتها للإحاطة بمدرسة النقد الثقافي وهي الالتزام بمنظومة القيم والمبادئ العقلية التي تتحكم في سلوك الافراد والجماعات وفحص وتقييم ما هو سائد من معتقدات وممارسات ايجابية وسلبية وربط النص الادبي والفكري بالنص الاجتماعي والتناص أي فهم العلاقة بين النصين السابق واللاحق وهكذا فالنقد الثقافي يستبدل برمزية اللغة الانساق الاجتماعية والابعاد الايديولوجية والنقد الثقافي اولا وآخرا يعد اضافة للنقد واثراء له .
فقط اقول ان ما قدم على مستوى التبشير بالنقد الثقافي ، والايحاء بأنه شيء جديد ليس صحيحا فلدينا في التاريخ الثقافي محاولات كثيرة على صعيد الدراسات الثقافية ومنها ماقدمه مركز الدّراسات الثّقافيّة المعاصرة بجامعة برمنغهام Brimingham، وهذه الدراسات كما جاء في انسكلوبيديا ويكيبيديا الالكترونية ضمن مادة (نقد ثقافي) والرابط هو : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%82%D8%AF_%
ان هذه الدراسات تناولت في موضوعاتها وسائل الإعلام، والثّقافة الشّعبيّة، والثّقافات الدّنيا، والمسائل الأيديولوجية، والأدب، وعلم العلامات، والمسائل المرتبطة بالجنوسة، والحركات الاجتماعيّة، والحياة اليوميّة، وغير ذلك من الموضوعات ممّا يتعلّق بمخرجات الثّقافة، وتعمل الدّراسات الثّقافيّة على " تحليل الثّقافة، واستخراج الأنظمة الثّقافيّة المتوفّرة من مصادرها، وفهمها، والبحث في الممارسات الثّقافيّة وعلاقتها بالسّلطة " مما يثبت ان النقد الثقافي نشاط فكري ليس الا . ويمكن ان نذكر ما قدمه الدكتور ادورد سعيد في دراسته للاستشراق على انه محاولة جادة في النقد الثقافي . وعلى المستوى العربي لابد كما قلنا ان نشير الى ما قدمه النّاقد السّعوديّ الدكتور عبد الله الغذامي وما قدمه النّاقد البحرينيّ نادر كاظم في كتابه الموسوم (تمثيلات الآخر- صورة السّود في المتخيّل العربيّ الوسيط) وما قدمه الناقد الفلسطيني الدكتور عزّ الدّين مناصرة في كتابه الموسوم (النّقد الثّقافيّ المقارن منظورٌ جدليٌّ تفكيكيٌّ) وما قدمه الناقد الاردني الدكتور يوسف عليمات في عدد من مؤلّفاته ومنها كتابه الموسوم (ثقافة النّسق تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم) وما قدمه النّاقد الأردنيّ الاستاذ عبد القادر الرّباعي في عددٍ من كتبه منها كتابُه (جماليّات الخطاب في النّقد الثّقافيّ رؤيةٌ جدليّةٌ جديدة ) .
وهكذا فالنقد الثقافي لايزال يحبو في ساحتنا الثقافية وثمة تردد في الاعلان عن انه مدرسة او نظرية في النقد واضحة المعالم وهو يتطور مع وجود معارضة قوية من عدد من النقاد والشعراء وفي مقدمتهم الشاعر ادونيس الذي قال حينما سئل عن النقد الثقافي :" لم يعجبني ، لأنني لم ار فيه الا منهجا يفهم الشعر بعقلية مؤسسية ويرى ان الثقافة في جانبها الشعري الخلاق مجرد مجموعة من الكتب والجمعيات والاحزاب والايديولوجيات ...الخ " .
واهم من هذا كله ان الدكتور عبد الله الغذامي نفسه وهو من حمل اللواء في التبشير بالنقد الثقافي يميز بين حقل (النقد الثقافي) كنظرية وبين (الدراسات الثقافية) كفعل ثقافي ويقول ان الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الكبير علم في حقل الدراسات الثقافية ولطنه لم يخطُ نحو طرح نظرية او منهجية تحسب له في مجال التنظير للنقد الثقافي .
*22-6-2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان بانكسي يفاجىء جمهور فرقة موسيقية بإلقاء قارب مطاطي عل


.. كاظم الساهر: الجمهور المصرى راق وحفلى كان بمثابة -عرس




.. العراق. أيام التراث الموصلي مهرجان لنشر تقاليد وثقافة الموصل


.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا




.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض