الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هكذا تورد الإبل يا سيد بوغدانوف!

ضيا اسكندر

2023 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


بعد يومين من المباحثات (20 – 21 حزيران الجاري)، انتهى الاجتماع الدولي العشرون حول سوريا في العاصمة الكازاخية أستانا، دون التوصل إلى صيغة للتقارب والتطبيع بين النظامين السوري والتركي كما كان يأمل الراعيان الروسي والإيراني، أو تلوح أي بوادر للحل السياسي للأزمة السورية في الأفق.
وقد تمخّض الاجتماع عن بيان لا يختلف في مضمونه عمّا سبقه من بيانات صدرت في ختام الاجتماعات التسعة عشر الماضية، من ناحية التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي السورية وسيادتها وما إلى ذلك.. لدرجة أنه يذكّرنا بالانتخابات النيابية السورية والطرفة التي ترافق كل عملية اقتراع؛ من أن نتائج الانتخابات يمكن معرفتها بسهولة حتى قبل إجرائها.

ولعل أكثر ما لفت الانتباه في هذه الجولة، التصريحات التي أطلقها مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قبل الاجتماع بساعات، والتي وصف فيها الإدارة الذاتية بأنها "مشروع انفصالي"، وأن الولايات المتحدة تمنع الحوار بينها وبين النظام السوري. معتبراً أن واشنطن "تدعم عدداً من المنظمات الكردية التي تقيم ضمن الإدارة الذاتية، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق، كونه ينتهك وحدة الأراضي السورية وسلامتها".

الإدارة الذاتية التي نأت بنفسها عن الخوض في هكذا ترّهات، قالت في معرض ردّها على هذه التصريحات أنها "تتمتع بكامل الاستقلالية في قرارها الوطني السوري، وأنها ليست رهان قرار أحد، وترفض زجّها في ملفات وقضايا خلافية وصراعات بين قوى دولية إقليمية، ولديها مشروع وطني سوري تؤمن به". مؤكدةً "استعدادها التام للحوار مع أي طرف بما يخدم سوريا ومصلحتها".

الحقيقة، إن وصف الإدارة الذاتية بـ «الانفصالية» ليس جديداً في تصريحات عدد من المسؤولين الروس ـــ وفي مقدمتهم لافروف ولافرنتييف ـــ الذين ما انفكّوا يكيلون الاتهامات المجافية للصواب بحقها. وها هو بوغدانوف ينضم إلى جوقة المتهمِين. متجاهلين جميعهم المبادرة التي أعلنتها الإدارة الذاتية في 18 نيسان لحل الأزمة السورية ووضع حدٍّ لمعاناة السوريين. والتي أكدت فيها على وحدة الأراضي السورية، وتوزيع الثروات والموارد الاقتصادية بشكل عادل بين كل المناطق السورية عبر الحوار والتفاوض، ودعوة الجميع للمشاركة والإسهام في المبادرة دون إقصاء لأيّ قوة سياسية، كبيرة كانت أم صغيرة.. وغيرها من البنود المدرجة في المبادرة والتي تشير بوضوح إلى خطابها الوطني الصادق. إلا أنه تم تجاهلها وعدم الاكتراث بها، سواء من قبل حكومة دمشق أو من قبل الدول "الضامنة".

والمفارقة المؤسفة في تصريحات المسؤولين الروس هو الكيل بمكيالين التي لطالما وصفت بها خصومها. والتي سنتطرّق إليها لاحقاً.

قد يكون لدينا بعض الملاحظات على أداء الإدارة الذاتية، ولكن لا يمكن لأيّ منصف أن ينسى دورها في محاربة مرتزقة داعش وجبهة النصرة ومن في حكمهما. وتقديمها أكثر من 11 ألف شهيد وما يزيد عن ضعفي هذا العدد من جرحى ومعوقين ومفقودين.. حتى قضت على مرتزقة داعش، وساهمت في حماية - ليس المنطقة التي تديرها وحسب - من خطر الإرهاب، بل وحتى باقي المناطق السورية ودول الجوار. كما لا يمكن إنكار وتجاهل دورها في سدّ الفراغ الكبير بإدارتها لما يقرب من ثلث المساحة السورية التي يعيش أكثر من 5 ملايين نسمة في ظلها، بعد أن غادرتها حكومة دمشق.
هذا كله لا يراه بوغدانوف وأمثاله

أما تركيا التي احتلت أربعة أضعاف ما احتلته "إسرائيل" من الأراضي السورية، وتقوم بعملية تغيير ديمغرافي واسعة النطاق في المناطق التي احتلتها، مستخدمةً أساليب الاستعمار القديم ذاتها بأبشع صوره؛ من سياسة التتريك الممنهجة وإجبار المواطنين على استخدام الليرة التركية في التعامل التجاري، ورفع العلم التركي على المباني والمؤسسات، واعتماد المنهاج التعليمي التركي في المدارس، وتغيير أسماء المدن والبلدات والقرى، وسرقة الآثار وقطع الأشجار ودعم أشدّ التنظيمات الإرهابية (هيئة تحرير الشام وأخواتها) والقيام بممارسات وحشية يندى لها جبين الإنسانية ..

ناهيك عن مماطلات أردوغان في تنفيذ اتفاقات سوتشي وأنقرة فيما يتعلق بإدلب، وفصل التنظيمات المسلحة (المعتدلة) عن تلك الإرهابية وغيرها من الاتفاقات المتعلقة بالخط (M4) وفتح طريق حلب اللاذقية.. واستمرار عدوانه على كامل الشمال السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية، واستهدافاته اليومية واغتيالاته لشخصيات وطنية عسكرية ومدنية، ليس آخرها اغتيال الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو يسرى درويش، ونائبة الرئاسة المشتركة للمجلس، ليمان شويش، وعضو المجلس فرات توما، في الهجوم التركي الذي استهدف طريق قامشلو- تربه سبيه، يوم الثلاثاء 20 حزيران الجاري.

كل ما سبق ذكره، لم نسمع أي انتقاد له يوماً، من المسؤولين الروس ولا للممارسات الإجرامية المخالفة للقوانين والأعراف الدولية ولأبسط حقوق الإنسان.

إن ألف باء حل الأزمة السورية استناداً إلى القرار الأممي (2254) يقتضي الحوار مع أكبر قوة سياسية في البلاد ممثلةً بالإدارة الذاتية، وما تملكه من وزن عسكري واقتصادي وديمغرافي.. والتي لطالما دعت إلى الحوار للوصول إلى تفاهمات حول جميع النقاط الخلافية، وتحقيق حلم السوريين بمختلف مكوناتهم.

ويعلم القاصي والداني أن الإدارة الذاتية كانت مستبعدة طوال الأزمة من أي نشاط تفاوضي متعلق بحلّ الأزمة السورية؛ من تاريخ صدور القرار الأممي رقم (2254) عام 2015 مروراً بلقاءات دول الترويكا (روسيا وإيران وتركيا) الكثيرة في أستانا وسوتشي وتشكيل اللجنة الدستورية.. وحتى تاريخه.

وهذا الاستبعاد غير المبرر لم يصبّ يوماً في مصلحة حل الأزمة السورية بأي شكل من الأشكال.

فهل ستضغط روسيا وإيران على حكومة دمشق لنشهد لقاءً بين ممثلي الإدارة الذاتية وممثلين عن حكومة دمشق، مع عدم استبعاد أيّ قوة سياسية معارضة في البلاد تؤمن فعلاً بالحل السياسي، ليبدأ الحوار والتفاوض للخلاص من هذه الأزمة التي طالت كثيراً، ولينعم أبناء الوطن ببداية النهاية لآلامه ومعاناته، ونضمن عدم تكرار الأزمة مستقبلاً، وصولاً إلى سوريا جديدة؛ علمانية وديمقراطية ولا مركزية وعادلة وقوية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة