الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفنة (النخبوي)

رياض قاسم حسن العلي

2023 / 6 / 23
الادب والفن


والحديث عن النخبوية والشعبوية يأخذنا إلى ذلك الطريق الترابي المتعب الذي يربط بين المدن والقرى العراقية فيما مضي حيث كانت سيارات النيرن ودك النجف وباصات الخشب تنقل الإنسان والحيوان معا بينما ثمة مخلوقات أخرى كانت تجتاز هذه الشوارع بسيارات فارهة وحديثة- نسبة لزمانها- وقبل ذلك الزمان كان من يملك حصان هو في الدرجة الفاخرة بينما من يملك حمار هو في الدرجة السياحية أما من كان يملك قدميه فقط فهذا هو الشعبوي بامتياز.
لكن تلك السيارة الفارهة وذلك الحصان القوي لا يعني أن من يركبهما هو نخبويا وان من يمتلك قدميه فقط هو ليس كذلك.
في البدء لا بد أن نفهم معنى النخبوي أو مفهوم النخبة بشكل عام حيث يعرف معجم لاروس النخبة بكونها مجموعة أشخاص يحظون داخل مجتمع ما بمكانة بارزة ناجمة عن خصال ذات قيمة على المستوى الاجتماعي لذا وفق هذا التعريف فإن الأديب أو الفنان يمكن أن يكون نخبويا لكن ليس بالطريقة التي يمارسها المتصنعون الذين سأركز حديثي عنهم وليس عن النخبوي الحقيقي الذي هو في الحقيقة شعبوي مبطن، كيف هذا؟
فمن النادر جدا أن تجد نخبويا متصنعا يأكل البا چه في أزقة الكاظمية أو يدخن الناركيلة في مقاهي العشار البسيطة ولذلك أوجد النخبويون المزيفون مقاهي خاصة بهم كمقهى رضا علوان الذي يكاد أن يكون غيتو خاص بهم وكذلك مقهى الشابندر في بعض الأحيان أو قهوة وكتاب في غالب الوقت.
ويعمد النخبوي المزيف إلى الاستماع إلى موسيقى بيتهوفن وموتزارت وشوبان وغناء بافاروتي وبوتشيلي وكالاس دون أن يفهمها أو يستوعبها ويبتعد عن مواويل رياض أحمد وسعدي الحلي وسلمان المنكوب.
ويعتقد النخبويون أنهم الأعرف بكل شيء ولأتحدث عن الأدباء والفنانين بالتحديد، فقبل سنوات كتبت في صفحتي الفيسبوكية المتواضعة أن على الأديب أن يعرض نصه على بائع الخضار والعامل في المقهى وسائق التكسي فإن فهموه كان بها وإن لم يفهموه فعليه أن يمزق الورقة ويعطيها إلى بائع حب الشمس كي يغلفه بها وبالصدفة عرفت أن ناقدا من البصرة أخذ منشوري هذا ودبج به مقالة له في إحدى جلسات الأدباء وهذا شيء أفرحني جدا ولكن أحد المعلقين ممن ينتمون إلى طبقة النخبة اعترض على قولي وهذا من حقه بالتأكيد لكن اعتراضه كان بأن الأدب كله نخبوي فلايحق لسائق التكسي او بائع المخضر او العامل البسيط ان يتذوق هذا الادب.
والنخبوي المزيف هو الذي يطعم كلامه بمصطلحات وأسماء هي نخبوية فعلا مثل البنيوية والتفكيكية ودريدا وبليخانوف وباختين والشكلانية وهكذا، وهذه الأسماء والمصطلحات هي أصلا متاحة أمام البحث الأكاديمي وليس للحديث في مقهى المعقدين أو الفورسيزن وهذا الأخير هو مقهى شعبي في أزقة محلة ألبچأرى وسط العاشر ، وبمناسبة الحديث عن الشعار فإن الأدباء البصريين لديهم مقهيان الأول هو مقهى شعبي عتيق لكنهم اختاروا قسما خاصا به يكون لهم وحدهم من دون الناس وحينما يكون التكتل موجودا يلجأ قسم منهم إلى مقهى الفور سيزن الذي يوحي اسمه بأنه مقهى عصري في حين أنه لا يقل شعبية عن الأول ولكن أحسن منه من ناحية الأثاث.
والنخبوي المزيف لا يكتفي بتلك المصطلحات بل حتى في حياته الفيسبوكية يريد أن يكون نخبويا فهو حينما يعلق على منشور وفاة يكتب (لروحه السلام والطمأنينة) ولا يقول متميز بل ( مائز ) ولا يقول مبروك بل (مبارك) وربما يكون ما يقولونه صحيحا لغويا لكن أليس إن الشائع هو صحيح أيضا، أليس اللغة هي ما يتداوله الناس لا كما وردت في المعاجم التي هي أصلا أخذ كتابها مفرداتهم من كلام الناس.
وزي النخبوي المزيف وشكله يختلف فهو عادة يترك شعره يطول إذا كان لديه شعر وأحيانا لحيته خاصة للرسامين ويرتدي قبعة تشبه قبعة حميد المختار ويدخن كثيرا ولا بد من حقيبة جلدية يضع فيها كتبا وأشياء لا اعرفها ولابد أن يبدو ساهم مفكر صافنا حتى لو لم يكن يفكر بشيء فالصفة سمة لازمة للنخبوي.
لذا فإن النخبوي المزيف يحاول تقليد أصحاب الإبداع الحقيقي من خلال استنساخ سلوكياتهم ونمط حياتهم وهو لا يملك أي محتوى أو أن محتواه لا يرقى إلى ذلك المحتوى المؤثر في الناس.
فعلي الوردي مثلا هو نخبوي بامتياز ولكنه في نفس الوقت كان لا يستنكف من الجلوس مع البسطاء وفي المقاهي الشعبية.
النخبوي المزيف يريد أن يقدم نفسه على أنه النموذج الثقافي الذي يجب أن يحتذى به وان ماعداه ما هو إلا ثقافة شعبوية سطحية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية


.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!




.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع