الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلل وتجاهل وعِبر

سعد الله مزرعاني

2023 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كشفت نتائج جلسة 14 حزيران الجاري، وهي المحاولة الرقم 12 لانتخاب رئيس للجمهورية، مجموعة حقائق واستنتاجات، وربما، أيضاً، مهمات لمن ينبغي أن يعتبر ويستفيد ويتدارك.

أولاً، بات من الأكيد أن أحداً لا يستطيع، من خلال التوازن الحالي، الذي أفرزته نتائج الانتخابات النيابية في أيار من العام الماضي، حسم مسألة انتخاب الرئيس بقواه الذاتية أو، حتى، باستقوائه بخارجٍ ما، قريب أو بعيد.
ثانياً، تأكّد أن القوى السياسية ذات المرجعيات الخارجية، تتصرف في علاقاتها مع تلك المرجعيات وفق قاعدة «ملكي أكثر من الملك». هامش الاستقلالية عند بعضها محدود جداً. أما عند الأكثرية، فهو معدوم تماماً! ففيما تشهد المناخات الإقليمية انفراجات واسعة، ويتراجع، نسبياً، تدخل واشنطن (وهي كانت الأكثر تدخلاً ونفوذاً وتخطيطاً)، فإن الانقسام والتأزم الداخليين ما زالا في ذروتهما. يحول ذلك دون اتخاذ مبادرات محلية، تساهم، ولو قليلاً، في احتواء الأزمة تمهيداً لبلورة تسويات بمساعدة الخارج عندما يصبح ذلك ممكناً!


ثالثاً، تقود الانتصارية المستشرية لدى أطراف عديدة متنافسة، لرفع المعنويات، أو لذر الأوهام، ليس فقط إلى ادعاء تحقيق انتصارات، بل أيضاً إلى عقد رهانات خادعة. لا شك أن المصالحات والمتغيرات الإقليمية التي حدثت أخيراً، قد أدخلت، وستدخل المزيد من العناصر الجديدة على توازنات المشهد السياسي في لبنان والمنطقة. انعكاساتها العامة ذات طابع إيجابي بالتأكيد. لكنها ليست واحدة بالنسبة إلى أطراف الصراع: طرفٌ تحرّر من بعض الضغط، وآخر خسر بعض الدعم من حيث الواقع والمنطق. علامات ذلك ماثلة بوضوح في الواقع السياسي اللبناني... يساهم ذلك، أيضاً، في استمرار المراوحة والتعقيد.
رابعاً، إن توازن القوى برلمانياً، لا يقود، تلقائياً، إلى توازن مشابه، على الصعيد الإعلامي والدعائي... ففريق «الممانعة» لا يزال في موقع دفاعي تحت تأثير الحملة الهجومية التي سُعِّرت ضده في الإعلام خصوصاً. كذلك تحت تأثير حضوره الأكبر في السلطة (أي في المسؤولية عن الأزمة)، ولو خرج من صفوفه «التيار الوطني الحر»، أو بسبب هذا الخروج الذي حصل في ذروة الهجوم على حليفه من قبل خصوم داخليين وأعداء خارجيين. لقد رهن التيار العوني مصير تفاهم «مار مخايل» (شباط 2006 ) بشرط استمرار «حزب الله» بدعمه الدائم في معركة الرئاسة الأولى. تمثّل الطابع الهجومي المشار إليه، في الدور المتزايد الذي لعبته «القوات اللبنانية» و«الكتائب» في تحديد هدف الانتخاب وهو إسقاط «مرشح حزب الله» تمهيداً لنزع سلاحه. وهو الهدف نفسه الذي حددته واشنطن (ويسعى من أجله، بكل الوسائل، العدو الإسرائيلي) كسبب للأزمة اللبنانية ولمعالجتها المزعومة!


خامساً، «حماية ظهر المقاومة» كما حدَّد «حزب الله»، وعبر مرشح حليف، سيحمي أيضاً ظهر الثنائي «أمل» و«حزب الله»، وحلفائهما، أي فريق وازن في السلطة، (خصوصاً الرئيس نبيه بري منذ «الطائف» حتى اليوم). سيقود ذلك إلى استبعاد المحاسبة ومعها أي انعطاف جدي في مسار الأزمة العامة وما تفرضه في شقها الاقتصادي خصوصاً، من مقاربات وتغييرات انعطافية وعلاقات في الداخل (بوقف النهب واللصوصية والتحاصص الطائفي... وفي الخارج، بإقامة علاقات وتوجهات جديدة ممنوعة حتى الآن).
سادساً، من جهتها، قوى المعارضة التي كانت في السلطة وفي صلب المحاصصة، وكذلك من دَخَل المجلس بفعل الانتفاضة وبذريعة التغيير، «تقاطعت» على دعم مرشح «صندوق النقد الدولي» وابنه المطيع والبار الذي لم يسلِّف بلده أي موقف وأي قرش، من موقعه مسؤولاً عن الشرق الأوسط وأفريقيا (في الصندوق)، وثمناً أو دعماً لوصوله إلى سدة الرئاسة! الصندوق نفسه كشَّف عن أنيابه مشاركاً في الحصار على لبنان وفي تغذية أزمته، متواقحاً ومتسائلاً، أخيراً، عن الـ«جدوى السياسية» لأي دعم أو قرض للبنان! هذا فضلاً عن شروطه العرقوبية المعروفة والموجّهة ضد مبدأ «دولة الرعاية الاجتماعية». لقد كان صوت «القوات» ضد «السلاح» هو الأعلى بين «المتقاطعين»، وهو صوت يستحضر حقبة علاقة خطيرة سابقة مع العدو الصهيوني، ويكرر استعداداً لمغامرة جديدة (على حساب وحدة لبنان، وربما وجوده) في كنف المشروع الأميركي الصهيوني في لبنان والمنطقة.


سابعاً، طرفا الصراع، تبنيا «عفوياً» أولوية واحدة، ولو بشكل متعاكس: الدفاع عن المقاومة أو الهجوم عليها. من مفاعيل ذلك تجاهل تام (ضمني أو علني ومريب)، للأزمة الاقتصادية. ذلك يعني دفع هذه الأزمة إلى مزيد من الاستعصاء والأذى والكوارث، وإلى مزيد من الاستغلال رغم ما قد يحصل من تسويات مبتورة وبسببها.
ثامناً، إذا كان الطرف المتبني للنهج الأميركي قادراً على تقديم وعود ملغّمة بثمن السعي لإدارة فتنة مدمّرة وبالغة الخطورة ضد المقاومة في حال نجح المرشح الأميركي، فإن أقصى ما قد يراهن عليه الفريق الآخر، من خلال تركيبته وتحالفاته، سيراوح، ووفق التجربة الماضية، هو الحصول، كما في السابق، على بضعة مليارات إلى البلد، ما يتيح امتصاص جزء من الأزمة وتلبية جشع الفاسدين واللصوص المتربصين. الواقع أن بعض ما حصل من تبدلات، في المواقف والتوازنات، لم يلغِ الصراع، بل أدخله في مسار آخر كما تشير دعوات الفدرلة والتقسيم والفتن. كذلك على المستوى الخارجي، يؤشر الموقف الأميركي والأوروبي، إلى استمرار مشروع التفتيت في المنطقة: أداة للإنهاك وسبيلاً للهيمنة. لقد تعامل الاتحاد الأوروبي، مثلاً، بوقاحة غير مسبوقة مع وفد الجامعة العربية بسبب عودة سوريا إليها وهو يسعى بفجور إلى استخدام النازحين السوريين أداة مشروع مشبوه: لا جدال في ذلك!
الطرف المعني هنا بالحوار والسجال، أكثر من سواه، هو طرف «الممانعة». إنه يطرح في لبنان أولوية صحيحة وضرورية (حماية المقاومة). لكنها غير كافية أو غير وحيدة. الوضع الاقتصادي أصبح أولوية هو الآخر. لطالما شكا مشروع «الممانعة»، في صيغه القديمة والجديدة، في لبنان والمنطقة، من فجوات وليس فقط من مجرد ثغرات؛ في الحقول الاقتصادية، وفي مسائل تداول السلطة أو المحافظة عليها بغير الوسائل الديمقراطية: الوراثة، العسكرة، القمع، العصبيات...وهو بذلك قد وفّر فرصاً ثمينة للاستغلال والضغوط الخارجية. ثمّ لتبرير التنازلات أو التهاون والوهن في الدفاع عن الثوابت والمصالح الوطنية والقومية التحررية. ذلك يملي أن تتجذّر المواجهة بالبعد الاقتصادي عبر مشروع تحرري أشمل: لتحرير الأوطان واستعادة الحقوق والسيادة والأرض من جهة، وللتخلص من التبعية والعلاقات التي فرضتها أو نجمت عنها، من جهة ثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل