الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت بدون فاتحة

سلوى لإدريسي

2023 / 6 / 25
الادب والفن


تمددنا فوق تربة رطبة ، مليئة بالحصى ، لازلت اتذكر الألم الذي كان يعانيه جسدي وهي تنخر فيه مثل دودة التفاح ، كنا نلبس الأبيض كاننا شرنقاة أواخر الربيع ،حاولت الهمس الجثة التي كانت بجانبي لكن طرقات معلول حفار القبور حالت دون بلوغ هدفي، انا لا أستطيع رفع صوتي اكثر من هذا ،لأنني ذبحت من الوريد الى الوريد ، رأسي يتهلهل كلما مر أحد الرجال من أمامي ، بعضهم كان يركل رأسي بلا رحمة ، وأخيرا حان وقت قراءة القرآن ، أو ربما ترانيم مسيحية ، لا ادري ربما هذا طقس بوذي ...في هذا المكان لا فرق ،فهم غير متأكدون من هويتك ، بدات أردد معهم دعواتهم لنا ، لكنني بكيت وقتها ، كنت أريد سماع سورة الفاتحة ، لأرى ذاك العالم الذي حدثني عنه شيخي ، رأيت صاحب الصليب يضحك من بعيد كان آخر جثة في الصف الأول ، يقول بصوت مرتفع جاء الخلاص..يرددها بلا توقف ،فكان جزاؤه أن ألقوه في اكبر حفرة ،حتى إنقطع صوته المزعج...
مر وقت طويل ونحن هنا ،الشمس حارقة ،وتلك العقدة أعلى رأسي كأنها صخرة كبيرة ، تثقل أنفاسي ، إنه نفس شعوري وانا طفل احمل صينية الفطير فوق رأسي من بيتنا الى بيت شيخي ، كانت أمي تصنعه له خصيصا ، لم أذق طعمه أبدا ، هذا أكثر شيء ندمت عليه في حياتي ، ندمت لأنني لم آخد ولم قضمة من ذاك الفطير الشهي ..
ها انا ممدد هنا ،يملأ فمي طعم الدم المتخثر ، هو يأكل الفطير في حضن أمي ،وأنا أحارب أعداءه في بلاد تبعد عن وطني بآلاف الأميال ،هو يقرأ الفاتحة وأنا تغنى علي ترانيم الآب ...
لم تكن الحفرة الكبيرة قبر صاحب الخلاص ،لكنها كانت لنا جميعا ،لم أستوعب الأمر إلا حينما سمعت صوت الجرافة ،وهي تستعد لرمينا في نفس الحفرة..غروري لم يسمح لي أن أتقبل فكرة تواجدي مع أعداء الله ..لكن كيف ستأكل النار أجسادهم وأنا معهم ،كيف سيضرب على رؤوسهم بمطرقة من حديد دون أن تنفلت ضربة نحو رأسي ...
كنت أنتظر موعد الإحتفاء بي ،ونقلي الى قبر منفرد "روضة" لكن الوقت طال ..ولم يحضر أحد ،بدأت انزعج من ابتساماتهم ، وهدوئهم المريب..
هل كذب شيخي علي ،أم أن الزمن عندنا ليس كالزمن عندهم؟؟!..
روائح الجيفة ملأت القبر ،حتى التربة بدأت تنبث دودا بجميع الألوان ، الجميع بدأ يتحلل ، وأصبح أجسادنا كتلة واحدة منصهرة فيما بينها،قلب هذا مع كبد ذاك لحمي بدأ يتفتت ويندمج مع عضام صديقي صاحب الخلاص ، كأننا داخل طنجرة واحدة، لكن إلى متى ...
انقطع الكلام داخل الحفرة ، بدأنا نسمع فقط ضجيج الحياة فوقنا ،كلاب تنبح،رجل يتبول فوق القبر ، وطفل يقفز فوق رؤوسنا ويلهو...
نحن صامتون لأننا بدأنا نفهم بعضنا البعض لأول مرة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال