الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هاجس الموت في قصيدة -أيها الموت خذني..ولا تسَل عني- للأديبة التونسية القديرة د-سعيدة الفرشيشي.

محمد المحسن
كاتب

2023 / 6 / 25
الادب والفن


تصدير :
الموت لا يوجع الموتى..لكنه يوجع الأحياء


تعد موضوعة الموت إحدى موضوعات الأدب العربي عامة،والشعر خاصة،إذ إن مفهوم الموت أخذ بالإتساع،وفقا للمفاهيم الجديدة التي تبناها المعاصرون،وأخذت التراكيب الشعرية الجديدة تعج بهذه المفاهيم ،فتحمل أشكالا مختلفة للدلالة عليه،فالحديث عن الموت،يخرج الإنسان من دائرة الواقع إلى دائرة الخيال،إذ تتفتح أمامه مدارك مختلفة توصله في النهاية إلى وحدة العلاقة بين الحياة والموت.
قضية الموت في قصيدة الأديبة التونسية المتميزة د-سعيدة الفرشيشي صرخة في دياجير زمن مفروش بالرحيل لما تمثله من نقطة تحوّل دراماتيكية في مسار الإنسانية،ولم يكن حديثها عن الموت حديث الفيلسوف أو الزاهد،وإنما كان جناحا من أجنحة الشاعرة المدركة لحقائق الأشياء وجوهرها.
وهنا أقول : إن الرغبة في الموت كحل،هي نزوع للخلاص من مأساة عميقة يعاني منها الإنسان في زمن موبوء ومتخم بالمواجع،كما أنها (الموت) نوع من الإيمان الذي يأمل في النهاية بداية جديدة،وخروجا من عالم الشرور والآثام إلى عالم الفضيلة الذي يتعجّل الرحيل إليه،والشاعرة ترى أن الموت هو الوسيلة الوحيدة التي تنتشلها من وباء الكون وأحيانا من وجع يهجع خلف الشغاف (وفاة والدها رحمه الله) لذلك كانت تصرخ : خذني أيها الموت.. ولاتسَل عني.
ولكن..
الخروج إلى الشطآن الضوئية مسؤولية الإنسان الذي يدرك أن الموت ليس نهاية الحياة،بل هو بداية لها،خلود أبدي فيها،ولو كان الموت هو النهاية،هو الخاتمة التي ليس من بعدها هدف،لما كان هناك أي معنى للإقدام،للفداء،للتضحية،لتخطي المطبات،للعطاء الذي يبذل النفس رخيصة في سبيل استمرار الحياة،في سبيل أن تظل تلك الشعلة وضاءة وهاجة كقصيدة د-سعيدة الفرشيشي المثقَلة بالأسى والوجع.
ختاما أنا على يقين بأن الشاعرة/أديبتنا الفذة د-سعيدة -التي ذاع صيتها تونسيا وعربيا في مجال الإبداع الأدبي والشعري،مدركة في أعماقها أنها قادرة على أن تصمد في وجه الموت وتتحدى قبضته الرهيبة-حتى ولئن نادته في لحظة إحباط-وذلك بفكرها الخلاق..وعزيمتها الفذة..
وإليكم يا سيداتي القارئات وسادتي القراء هذه القصيدة الموغلة في دهاليز الموت،رغم إشعاعها الإبداعي الذي لا تخطئ العين نورها ولمعانها :
تاخذني حيرتي
فٱغرق في ذكرياتي
ٱضيع بين مرارة الفراق
وكثرة ٱحزاني
فيا موت
فيا موت خذني .خذني
فما ٱشفاني
بعد ٱن دمرتني
وبعثرت ٱوراقي
وٱخذت مني ٱبي
دون تقبيل
ولا عناق
فهزني إليه
فالحياة لم تعد لي
حلوة المذاق

سعيد ة طاهر الفرشيشي



الموت لا يوجع الموتى لكنه يوجع الأحياء..ويولد الشاعر كنبي منبوذ ويموت كملك خائب،وما بين الولادة والموت تظل سيرة روحه المسكونة بالتحليق كلما أثقلتها الهموم شهقت إلى أعلى..
ومن هنا أقول:
ارتبطَ النظرُ إلى قضيةِ الحياةِ والموتِ عندَ الشعراءِ المعاصرين بتجارب عاشها هؤلاء،فتركت أثرها الدفين في دواخلهم،واتخذوها جسرا عبَّرُوا عَبْرَهُ عَنْ هَمِّهِم الفردي والجمعي في الآن نفسه.
لقد نحت هذه التجارب أحيانا منحى الفلسفة العبثية في قراءتها للواقع،إذ رامَت تفكيكه،وتحويله إلى ثنائيات تتصارع ليتنامى الفعل الشعري ويبلغ عنفوانه،ولا تخرج هذه الثنائيات عموما عن تيمات الشقاء والسعادة والألم والأمل وغيرها.
إن قراءة الفلسفة العبثية للموتِ،ورؤيتها الأنطولوجية له،أسهمت في انتشاله من دِلالات الفناء والنهاية إلى دلالات أخرى منفتحة على الانبعاث والانعتاق.لقد رأت فيه الخلاصَ في ظل حياة كلها آلام ومآسٍ لا تنتهي.
ولعل برزخاً واحدا ظل عصيا على العقل يطل كل حين شاهراً معول احتطابه أمام قصب أعمارنا،لم نعرف عنه سوى ما يأخذه منا دون اكتناه لعالمه الآخر،دون ملمح أو إشارة،إذ ليس للغائب عودة والحديث عن كنهه ما هو إلا محض افتراض مشغولين بوجع الهزيمة قبالته أو فانتازيا المواجهة.
والشعر مملكة تتلمس ذاتها بتعدد من يفجر طاقة صمتها بالإيماء حينا وبالبوح حينا،واللغة أم تجد كينونتها بالتعدد مثل وطن ثرنا لأجله،تخسر شيئا من وميضها عندما يغادرها عزيز على قلوبنا فتفقد ثغرا مضيئا وتذوي.
ليس للقصيدة إلا أب واحد أو أن كل شاعر هو أب لقصيدته التي تأخذ ملامحها من ذاته،وتحيا من مشيمة روحه ورؤيته.مثلما ستحيا هذه القصيدة-الموجعة-من روح أديبتنا الفذة د-سعيدة الفرشيشي.
قبعتي..سيدتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكرين شوت | الذكاء الاصطناعي يهدد التراث الموسيقي في مصر


.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ




.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-