الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول -حرب الجنرالات- في السودان

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2023 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


اندلعت في السودان يوم السبت المصادف 15 – 4 – 2023 ، معارك عنيفة بين ما يسمى بقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال ( محمد حمدان دقلو ) الملقب بـ ـ حميدتي ـ و الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان ، مما تسبب، وحتى كتابة هذه الأسطر، بقتل أكثر من ألفي شخص عدى عن آلاف الجرحى ونزوح حوالي ثلاثة ملايين شخص داخل السودان وخارجه ، ووفقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة فأن 25 مليون شخص بحاجة للمساعدة في بلد يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة ويعد من أكثر دول العالم فقرا. هذه المعارك لم تأتي على سبيل الصدفةً ، بل كانت متوقعة منذ زمن كونها الرصاصة الأخيرة بيد قوى الثورة المضادة صوب قلب الحراك الجماهيري الواسع المطالب بحكومة مدنية وابعاد العسكر عن السلطة .
لم تتوقف هذه القوى، و منذ الإطاحة بحكم البشير في نيسان / ابريل 2019 ، عن محاولة الالتفاف على هذا الحراك المدني واخماده بشتى الطرق، بدأ من التفاوض وإصدار وثائق التفاهمات بقصد المماطلة، كما حصل مع قوى الحرية والتغيير، مرورا بمجزرة الخرطوم ضد المتظاهرين في 3/حزيران / يونيو 2019 من قبل ميليشيات الجنجويد ( قوات الدعم السريع ) أمام مبنى القيادة العسكرية في الخرطوم، وصولا الى الانقلاب الأخير ضد السلطة المدنية من قبل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في أكتوبر / تشرين الأول 2021 .
كان البرهان ، خلال احدى مراحل حرب الإبادة في دارفور، قائدا للقوات البرية في السودان حين كانت ميليشيات الجنجويد بقيادة حميدتي وبالتنسيق مع قيادة الجيش ترتكب تلك المجازر، وكان الرجلان في صدر المسؤولية حين ساهمت قواتهم في حرب اليمن الى جانب القوات السعودية والاماراتية ضمن ما يسمى بـ "التحالف العربي " منذ عام 2015 ، ثم تقاسما فيما بعد السلطة السيادية بعد الانقلاب على البشير كرئيس لمجلس السيادة ونائب للرئيس ،وبعد أن خاضت قواتهما كل تلك المعارك وتقاسما النفوذ معا، وبعد محاولاتهما العديدة لإجهاض هذا الحراك بكل السبل، لم تبق لديهم وسيلة لأخمداه والقضاء عليه سوى اعلان الحرب فيما بينهما ووضع الجماهير في السودان أمام خيارين ، فأما حكمه بالقوة أو حرقه بالنيران!
هكذا نشهد ما آل اليه السيرالتنازلي لما كا يُعرف بـ " الربيع العربي " على يد قوى الثورة المضادة ، كما حصل في كل من تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، الجزائر،البحرين،العراق و كوردستان العراق ،الأردن،المغرب، عمان،لبنان،السعودية ،ها هو الدور يأتي على السودان الذي يتميز عن بقية تلك البلدان بتأثير أوضاعه على دول جوار السودان حيث هشاشة نظمها السياسية والاقتصادية والأجتماعية.
التدخلات الإقليمية والدولية في السودان لم تأت الآن، بل ومنذ استقلاله عام 1956 ، فحكم العسكر في ظل أيديولوجيا الإسلام السياسي كان السمة الأبرز لحكومات وحكام هذا البلد منذ ذلك الحين. يتميز السودان بتنوعه العرقي الكبير وهشاشة مؤسساته وثرواته الاقتصادية الهائلة، يتمتع كذلك بموقع جيو سياسي مهمم ، فبالإضافة الى موقعه الستراتيجي على البحر الأحمر مما يجعله عرضةً لأطماع الدول الإقليمية والقوى الدولية ، يُشكل بيئة خصبة لتحقيق مصالح جيوسياسية لاطراف خارجية ومنها السيطرة على منطقة القرن الأفريقي بموانئه وسواحله وهو ما يضمن لها السيطرة على طرق الملاحة الدولية .احدى الوسائل التي تلجأ اليها بعض من هذه الأطراف هي الدفع بهذه الحرب باتجاه دعم تحالف الأخوان المسلمين المتمثل بجنرالات الجيش السابقين ومنهم ( أنس عمر ) وعدد من القادة الإسلاميين المتطرفين ومنهم الإسلامي المخضرم ( محمد الجزولي ) وذلك أملا في إعادة الحياة الى التنظيمات الإسلامية الإرهابية على شاكلة " داعش وطالبان " وغيرهما ونقلهم من ساحات أخرى الى الساحة السودانية حيث تُفتح الأبواب للتدخلات العسكرية للقوى الدولية بحجة القضاء على الأرهاب . جدير بالذكرهناك أنباء تتحدث عن قيام ( حميدتي ) مؤخرا باعتقال آلاف الإسلاميين ومنهم هذين الشخصين وذلك لإظهار وجه آخر له ولقواته التي تُعيث في الأرض فسادا!!.
ونظرا لهذا الموقع الستراتيجي المهم أصبح السودان بقعة للتوتر محرومة من الأمن والاستقرار منذ استقلاله عن بريطانيا حيث سُفكت فيه الدماء ونُهبت ثرواته وتحولت حياة السودانيين الى جحيم لا يطاق، فهناك الجوع والفقر والتهميش الممنهج والمستمر. واليوم يعاني أكثر من سبعة ملايين من الأطفال وستة عشر مليون مواطن من أصل خمس وأربعين مليونا من الجوع في بلد يزهر بكل هذه الخيرات والقادر على تأمين الغذاء ليس لسكانه فحسب، بل وانما لعشرات الدول المحيطة به . " سلة الغذاء العربي "هكذا كانت تسمى السودان نظرا لوفرة الأراضي الزراعية ووجود ثروات طبيعية هائلة ، فالذهب ،على سبيل المثال، الذي يقدر انتاجه السنوي بحوالي 90 طنا ( عام 2019 ) ما يعادل خمسة مليارات من الدولارات يتم نهبها من قبل عناصر السلطة الحاكمة ولا يصل الا لقليل منها الى خزينة الدولة .
لذا، وبالعودة الى كل هذه الحقائق المذكورة سابقا، لايمكن تقزيم هذا الوضع واختصاره في نطاق صراع بين جنرالين والتعامل معه كانقلاب ضمن سلسلة الانقلابات التي رافقت هذا البلد منذ استقلاله ، بل بالعكس هو صراع إقليمي ودولي في محيط " عربي / افريقي / دولي " مليء بصراعات النفوذ والمصالح الاقتصداية والسياسية وسط أطماع هذه الدول في ثروات هذا البلد الهائلة.
نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن مآلات هذه الحرب ونتائجها في حالة انتصار أية جهة من هاتين الجهتين أو إيقاف الحرب بينهما والعودة الى التفاوض ، الا أن الأكيد هو ان الخاسر الأكبر هي الجماهير في السودان التي ذاقت الأمرين معا على يد هذه الزمر. ولا يخفى علينا بان احدى عوامل وصول السودان الى هذه الأوضاع المأساوية يعود الى الكثيرمن نقاط الضعف التي رافقت هذا الحراك الجماهيري وابرزها الافتقار الى نهج ثوري اشتراكي وقيادة ثورية ثابتة على المباديء ترسم خطاً فاصلاً بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة من دون اية مساومة. ومع كل ذلك فأن إرادة الجماهير وتدخلها المباشر هما الأمل المنشود والوحيد من أجل إيقاف هذه المذابح بشكل نهائي و اعادة مسار هذا الحراك الى طريقه الثوري بغية تأمين حياة أفضل لهذه الجماهير .
19 / 6 / 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -