الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين بوتين وبريغوجين، الديكتاتورية نظام فاشل

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2023 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ربما كان مالك مجموعة فاجنر شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، يمَّني النفس أن مجرد زحفه السلس باتجاه العاصمة الروسية، موسكو، كافٍ لإيقاظ العاطفة في نفوس قاطنيها لكي ينزلوا إلى الشوارع ويستقبلوه استقبال الأبطال الفاتحين، على خلفية انتصاراته ودعايته المشهودة من ساحة القتال داخل الأراضي الأوكرانية. كان مجرد نزولهم إلى الشارع كافٍ بحد ذاته للإطاحة بنظام الحكم في ثاني أقوى دولة في العالم خلال بضع ساعات أو أيام معدودة، في سيناريو مماثل لما حدث بالفعل في الماضي القريب مع النظام السوفيتي. لكن، لسبب أو لآخر، لم ينزل أهالي موسكو، ولم يسقط النظام. مع ذلك، قد فضح هذا التمرد المُجهض مدى هشاشة النظام الروسي الحاكم بعدما كاد يتداعى من تلقاء نفسه من الداخل ودون مقاومة تُذكر، مثلما فعل سلفه.

ما كان بريغوجين يتوقع أنه بمجرد أن يدخل العاصمة محمياً بقواته ومحاطاً بتصفيق وتهليل الجماهير العريضة سيتلاشى رئيس البلاد، فلاديمير بوتين، أو الحكومة أو مؤسسات الدولة من جيش وأجهزة أمنية وبرلمان وقضاء وخلافه. روسيا دولة حقيقية، وقوية، لا يمكن أبداً أن تتبخر وتزول بين عشية وضحاها. وهي دولة مؤسسات حقيقية، ذات مراكز قانونية مؤصلة ومستقرة ومحمية. وهنا يكمن الفارق بين الدولة واللا-دولة، أو هذه التي تفتقر مؤسساتها بشتى أنواعها إلى المركز القانوني المؤصل والمستقر والمحمي، مثل العديد من الدول الفاشلة حول العالم. لكن روسيا، رغم كونها دولة مؤسسات قانونية حقيقية، هي في الوقت نفسه دولة استبداد في السياسة والاقتصاد والمجتمع وكافة أوجه معيشتها. روسيا دولة مؤسسات مثل أي دولة في أوروبا الغربية أو أمريكا الشمالية. لكن يظل هناك اختلاف جوهري يفصل بين المؤسسات الروسية ونظيراتها الأوروبية والأمريكية، أو حتى اليابانية والتركية والكورية الجنوبية.

في روسيا، الرجال الأقوياء، مثل بوتين وبريغوجين، هم إلى حد كبير من يؤصلون ويقررون ويحمون المراكز القانونية لمؤسسات الدولة. في النظم الديمقراطية "القانون" هو من يؤطر المناصب ويؤصلها ويملي كيفية شغلها وممارستها ومغادرتها، في استقلالية وحيدة كاملة عن شاغليها الحاضرين أو الطامعين في شغلها مستقبلاً. في النظم الديكتاتورية، التي ربما تجسد روسيا خير مثال لها في الوقت الحاضر، "القوة" تحتل "القانون"، تسخره لأغراضها وتجعله يُفَّصل المناصب على مقاسها. وهي التي تؤصل له وتقرره وتحميه، وتخدم كحاضنته وأبيه الروحي على الدوام.

في كل الدول، لا يوجد من هو أقوى من قوة السلاح. الديمقراطيات تبني سداً منيعاً تسميه "القانون" يفصل بين قوة السلاح (أو المال أو الجاه أو النفوذ أو أي قوة خام أخرى) وبين تبوء مناصب الخدمة العامة في الدولة، من الرئيس إلى الغفير. ولكي يؤدي القانون هذه الوظيفة الأساسية، لابد أن يكون محايداً ومستقلاً عن أي شكل من أشكال القوة. لهذا تنتهج الديمقراطيات حول العالم من الوسائل والتدابير والموازين والضوابط والكوابح والحريات والحقوق والضمانات الدستورية وخلافه ما يضمن الحد الأدنى الضروري من الحياد والاستقلال لقوانينها المنظمة لكافة أوجه الحياة هناك، من الحكم إلى الترفيه حتى حقوق المثليين.

في روسيا هذا السد مفقود، والطريق ممهد وواسع ومفتوح دون عراقيل أو ضوابط وكوابح أو موازين أو حريات أو ضمانات أو حقوق مواطنة من "القوة" إلى "القانون"، فيما يشبه طريق صاحب القوة المتمردة يفغيني بريغوجين السريع والمفتوح دون مقاومة تذكر من مدينة روستوف الجنوبية حتى ضواحي موسكو، التي لو قُدِّر له مجرد الدخول إليها لكان النظام الروسي كله في عداد المفقودين. ما كان سيتجه إلى القصر الجمهوري ويلقي ببوتين من نافذته ويتربع فوق كرسييه كما كان يفعل الأقوياء المنتصرون في القياصرة السِمان خلال الأزمنة القديمة. كان، كما فعل بوتين وأمثاله، سيدعي حماية الشرعية والدولة الروسية ومؤسساتها من الفاسدين والمتخاذلين والخونة، وحماية بوتين والنظام نفسه من أعدائه، مثل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال فاليري غيراسيموف. لكنه في واقع الأمر وحقيقته، بفضل دخوله الظافر إلى العاصمة، سيصبح صاحب القوة والأمر والنهي الفعلي الذي- كما فعل بوتين نفسه- سيحتل القانون لكي يمتطيه ويصل فوق ظهره مع أقرب انتخابات شكلية ومصطنعة إلى سدة الكرملين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يطلب من سكان أحياء إضافية شرق رفح إخلاءها ر


.. في سابقة إسرائيلية.. رسالة تحذير من رئيس الأركان لنتنياهو| #




.. مجلس الأمة الكويتي.. لماذا حلّه أمير البلاد وماذا تعني هذه ا


.. قيس سعيد يا?مر بمحاسبة من غطى العلم التونسي بخرقة من القماش




.. وصف بالأقوى منذ عقدين.. الشفق القطبي يزين سماء عدة دول أوروب