الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمييز بين مستويات التحليل: حدود التنمية في الاقتصاد السعودي

محمد شعباني
باحث دكتوراه في الاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية

(Mohammad Shabani)

2023 / 6 / 27
الادارة و الاقتصاد


يتطلب تحليل اقتصاد بلد ما والسعي لفهم حدود وإمكانيات التنمية فيه، التمييز بين موقعه في الاقتصاد العالمي، وسياسات التنمية الداخلية، فإذا كان بلد ما متخصص في التجارة الدولية في تصدير النفط لا يعني أنه غير قادر على الخروج من هذا التقسيم هذا من طرف، ومن طرف ثاني، فإن رؤية التخصص الدولي (الذي يقاس هنا كنسبة من إجمالي تجارة الدولة الخارجية) يجب ألا يغفل عن حجم إنتاجها المحلي وصادراتها من القطاعات الأخرى. ألا يهمل حجم صادرته لجهة الأرقام المطلقة، وتنوع وجهتها.
وهذا هو الخطأ التحليلي الذي وقع فيه الكاتب ملاذ يوسف في مقالته المنشورة في ملحق رأس المال (جريدة الأخبار اللبنانية) بتاريخ 26 حزيران 2023. حيث عدمَ إمكانية تحقيق التنمية الاقتصادية وإحداث تغيير هيكلي في الاقتصاد السعودي من خلال التنويع الاقتصادي، وهو أحد الأهداف الرئيسية في أجندات رؤية 2023 السعودية، فبالنسبة ليوسف، فإن "الإرادة السعودية تابعة لإرادة ومشيئة النظام الإمبريالي العالمي"، وأن "للاقتصاد السعودي ارتباطاته الوثيقة بهذا النظام، وله وظيفته ومكان المحددين"، بالتالي ووفقاً لهذا التوصيف، يصبح وضع الاقتصاد السعودي، بوصفه اقتصاداً ريعياً، كقدر محتوم لا يمكن الخروج منه. أما عن الطريق للخروج من هذه الحالة وفقاً ليوسف، فهي تتطلب "بالضرورة قطيعة مع النظام العالمي الذي تقود الولايات المتحدة والتوجه شرقاً نحو الصين.." في الحقيقة إن ما غفل عنه الكاتب هو أن التجارة الخارجية للسعودية هي بالفعل تجارة متنوعة من حيث وجهتها، أما عن "التوجه شرقاً" فإن الاقتصاد السعودي ليس موجهةً بتجاه واحد (الغرب)، بل إن أكبر وجهة للصادرات السعودية هي الصين ذاتها التي يدعوا الكاتب للتوجه نحوها! حيث تتجاوز نسبة الصادرات السعودية إلى الصين 20٪ (تليها الولايات المتحدة بنسبة تقل عن 11% من اجمالي الصادرات السعودية) وعلى ذكر "التوجه شرقاً" فالهند تأتي بالمرتبة الرابعة بنسبة تقترب من 5% من اجمالي الصادرات السعودية. وهنا نلاحظ حجم التنويع في وجهة الصادرات السعودية. وحتى من ناحية الاستيراد فالسعودية غير معتمدة بالمطلق على الغرب، ولديها شركاء تجاريين متنوعين جدا من الصين إلى الولايات المتحدة. أما من حيث تنويع الصادرات نفسها فنسبة الصادرات السعودية من النفط الخام لا تتجاوز 2%، وهذا النسبة المنخفضة تأتي بفضل صناعات تكرير النفط السعودية التي تساهم في رفع نسبة ربحية الصادرات النفطية. من جهة ثانية نجد أن إجمالي الانتاج النفطي السعودي يعادل نحو 71% من السلع المنتجة في السعودية. كما أن الاقتصاد السعودي ليس اقتصاداً قائماً على النفط فقط، حيث تمتلك السعودية قاعدة اقتصادية معتبرة في قطاعي الصناعة والزراعة، إذ تصل قيمة القطاع الزراعي السعودي نحو 19 مليار دولار، وهذا الرقم يعادل ثلث قيمة الانتاج الزراعي المصري.
الخطأ التحليلي الثاني الذي وقع فيه الكاتب، هو الخلط بين السياسي والاقتصادي في حالة التبعية الاقتصادية، فمن الصحيح أن الاقتصاد السعودي هو عملياً تابع للمراكز الرأسمالية، إلا أن هذه التبعية ليست مرتبطة بالمطلقة بالخيارات السياسية الخارجية، بل هي مرتبطة بالبنية الاقتصادية السعودية، فحالة الاقتصاد الفينزويلي التي يطرحها الكاتب للاستدلال على أن توفر النفط لا يلزم بالضرورة أن يكون الاقتصاد ريعياً تابعاً للمراكز الرأسمالية "ولنأخذ مثالاً، فنزويلاً التي تتفوق على السعودية في امتلاك أكبر احتياطي من النفط..انها تعاني اقتصادياً من الحصار بسبب رفضها لأن تكون بلداً تابعاً للنظام الإمبريالي؛ أي ان تكون خاضعاً للاقتصاد العالمي المدولر أو تابعاً للنظام الإمبريالي العالمي" بلا شك فينزويلا بلد معاقب أمريكياً بسبب رفضه للتبعية السياسية لها، بل إن اميركا سعت مراراً لإحداث انقلاب سياسي ضد حكومة تشافيز وخلفه مادورو، إلا أن حالة العداء السياسي بين البلدين لا تلغي أن الاقتصاد الفينزويلي هو اقتصاد تابعاً للمنظومة الرأسمالية الاحتكارية المعولمة، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال الأرقام الآتية:
- نحو 25% من صادرات فينزويلا تذهب الى الولايات المتحدة (أكبر شريك تجاري تليها الصين بنسبة 17٪).
- أكثر من 85% من صادرات فينزويلا هي من النفط الخام.
- حجم انتاج النفط في فينزويلا يعادل نحو 97% من اجمالي انتاج البلاد، اي انها معتمدة بصورة شبه مطلقة على النفط.
في الخلاصة. إن التقارب أو الصراع السياسي لا يلغي حالة التبعية الاقتصادية، فالسعودية اقل تبعية وريعية من فينزويلا التي تعدها الولايات المتحدة عدوا لها وتفرض عليها عقوبات قاسية. كما أنه لا يمكن الحكم على تجربة الاقتصاد السعودي بالفشل، إذ لم تضح بعد المألات التي سيصل إليها الاقتصاد السعودي، فعلى الرغم من أنه قد أحرز تقدماً ملحوظاً على مؤشري التعقد والتنويع الاقتصادي، إلا أن مخاطر انزلاقه في الانفاق التبذيري على قطاع الخدمات (تحديداً الترفيه) أمر وارد، كما أن ذلك لا يلغي صحة ما جاء به يوسف، عن ضرورة فك الارتباط السعودي للتبعية الاقتصادية، والسعي لتحقيق تنمية اقتصادية أصيلة. أما من حيث الإمكانيات فالأمور مفتوحة على جميع السيناريوهات، فالاقتصاد السعودي يمتلك الإمكانية البشرية والمادية للنهوض باقتصاده نحو التنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 08 مايو 2024


.. الرئيس الصيني في ضيافة الإيليزيه.. وسط توترات جيوسياسية واق




.. البنك المركزى: ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لـ41 مليار دولار


.. سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه لعيار 21




.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا