الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تهبط أسعار اللحوم ؟

أحمد فاروق عباس

2023 / 6 / 27
الادارة و الاقتصاد


هل تفيد تسعيرة اللحوم في الوقت الحاضر ؟
قبل أن نعالج هذا الموضوع الذى أصبح الشغل الشاغل لطبقات الشعب المختلفة ، وخصوصا الطبقات الفقيرة التى أصبح من المتعذر عليها شراء اللحوم بسبب إرتفاع أسعارها بشكل جنونى لم يسبق له مثيل ، يجب علينا أن نتحرى حقيقة إرتفاع هذه الأسعار وهل لها من علاج ..
فمنذ أواخر ديسمبر وأسعار اللحوم في إرتفاع مستمر حتى بلغت هذا الأسبوع داخل السلخانة كالأتى :
١١٢٠ قرشا للقنطار من اللحم البقرى الصغير .
١٤٠٠ قرشا للقنطار من اللحم الضأن .
١٢٠٠ قرشا من اللحم الجاموسى الصغير ( البتلو ) .
وكان يوزع في سلخانات المدن قبل الحرب - أى قبل الحرب العالمية الثانية - عدا المواشى البلدية الحيوانات الواردة من السودان ورومانيا وبرقة ( ليبيا ) والشام ، خلاف ما كان يصل من الحيوانات الحجازية بالإضافة إلي المواشى القبرصية ، هذا بخلاف اللحوم التى كانت تباع في ثلاجات الموانئ والواردة من استراليا وكانت تباع أيضا في القاهرة ، وكان يصنع منها النوع الجيد من البسطرمة والسجق ..
اما اليوم فقد أنقطع الوارد من رومانيا والشام وبلاد العرب وقبرص ..
كيف تهبط أسعار اللحوم ؟
إذا نظرنا إلى الماضى وتمشينا مع نظرية العرض والطلب لوجدنا الحل في أيدينا ..
أقول لو عدنا لاستيراد المواشى من البلدان التى كنا نستورد منها ، وبذلنا الجهود مستخدمين كل الطرق في تسهيل عمليات الشحن عن طريق البر والبحر غير معتمدين الإعتماد كله على السكك الحديدية لأمكننا التغلب على هذا الغلاء ..
يتراوح ثمن الثور السودانى داخل السودان بين ٧ - ٩ جنيهات ، ويدفع عن كل ثور لحكومة السودان عند التصدير ٥ جنيهات ، فإذا أضفنا إلى هذا المبلغ جنيهين للشحن والغذاء لأمكن بيع الثور السودانى الممتاز داخل سلخانة مصر ب ١٦ جنيها مضافا إلى ذلك عمولة الحكومة إذا أرادت الربح من تلك العملية ..
التسعيرة .. هل تفيد ؟
مما سبق يتضح أن تاجر التجزئة - الجزار - لا يمكنه ان يبيع بالتسعيرة الجبرية التى نعرفها جميعا ، إذن يجب علينا ألا نعود باللائمة على الجزار ، بل يجب أن نلجأ أولا إلى معالجة الأمور بالاستيراد السريع ، وتسخير كل طرق المواصلات فى نقل اللحوم من البلاد التى ذكرناها ، حتى يتمكن الشعب من الحصول على قوته "
.....................................

قد يظن الإنسان أن هذا المقال يخص ظروف مصر الآن ، فى شهر يونيو عام ٢٠٢٣ ، ولكنه مقال منشور في صحيفة " المصرى " القريبة من حزب الوفد الحاكم وقتها ، وتاريخه ٢٠ فبراير ١٩٥٠ ..
إلى ماذا نخلص من ذلك ؟
١ - أن أزمة الغذاء فى مصر - ومن ضمنها اللحوم - أزمة قديمة ، وترجع إلى عشرات السنين ، وأزمة اللحوم عام ١٩٥٠ - وقد مر عليها ٧٣ سنة - لم تكن الأولى ، كما لم تكن الأخيرة ، فقد لحقتها أزمات أخرى كثيرة في الستينات والسبعينات والثمانينات ، وصولا إلى الأزمة الحالية ..
٢ - ان أزمة اللحوم والضيق الشديد فى المعيشة كان موجودا في العصر الملكى ، وذلك ردا على الدعاية الساذجة التى تصور مصر فى تلك الحقبة كدولة متقدمة ، عملتها تبلغ كذا وكذا ، وتتفوق على كيت وكيت من الدول ..
ولقد قدمت حكومة الوفد فى نفس تلك الأيام قانون مكافحة غلاء المعيشة ، وكان أهم بنوده زياده قروش معدودة في المرتبات والأجور ..
٣ - أن مصر أيامها كانت تستورد أيضا غذاءها ، وبالرغم من أن مصر كانت حتى ذلك الحين دولة زراعية فقط ، فلم يكن بها قطاع صناعى ولا قطاع خدمات الا بصورة صغيرة جدا ورمزية ، وبرغم كل ذلك كانت تستورد أغلب غذاءها ، سواء القمح أو الارز أو اللحوم ..
والأكثر غرابة أن سكان مصر وقتها كانوا ٢٠ مليون إنسان فقط !!!!
٤ - إن ما هو مذكور فى المقال كان يمثل نوعية الحلول التي يقدمها المتخصصون وقتها ، وهى حلول تقليدية وليس فيها عبقرية أو ذكاء خاص ، والمعنى أن مصر لم يكن بها فى ذلك الوقت عقليات فذة وحرمت منهم في العصور التالية ، ولا كان التعليم المصرى أيامها يخَّرج عباقرة حرمت من عبقريتهم مصر بعد زوال الملكية !!
٥ - أن التسعيرة الجبرية ليست حلا لمشكلة اللحوم - وليست حلا لمشكلة إرتفاع سعر أية سلعة - لا فى الماضى ولا فى الحاضر ، فالتسعيرة الجبرية ستؤدى تلقائيا إلى اختفاء السلع ، ثم ظهور سوق سوداء لها ، وهو بديل أصعب وأكثر تكلفة من إرتفاع ثمن السلعة ..
٦ - أن تلك كانت فترة الديموقراطية والحكم المدنى ، فلم يكن "انقلاب" ٢٣ يوليو قد جاء بعد ، ولا عرف المصريون جمال عبد الناصر ولا ديكتاتورته كما يقولون ..
وكان العسكر مازالوا في ثكناتهم ، ولم يذهبوا بعد إلى قصور الحكم ..
وهذا ليس نقاشا في أيهما أفضل : وجود رجل عسكرى أو رجل مدنى في حكم البلاد ، فهذا - فى رأيي - أمر ثانوى ، وهناك أمور أكثر أهمية منه بدرجة أكبر ، ولكن هو للتذكير بأن مشاكل مصر أعمق من نوعية الحكم فيها ، فهى مشاكل ترتبط بحجم الموارد المتاحة ، وطبيعة المنطقة التى تعيش فيها مصر ومطالب القوى الكبرى منها ، وطبيعة الصراعات فى العالم ومكانة الدول الصغيرة فى هذا العالم ..
ومن الحق أن يقال أن حكومة الوفد حاولت قدر جهدها ولم تساعدها الظروف ، وان من جاء بعد مصطفى النحاس حاول قدر جهده أيضا ، وأعطى ما يستطيعه بحكم ظروفه وعصره ..
٧ - إن مصر لم يكن بها عملة صعبة أيامها ، ولذلك لم تستطع استيراد حاجتها الضرورية سواء من المواد الغذائية ، أو السلع الوسيطة والمواد الخام لقطاعات الإنتاج ، أو السلع النهائية ..
وكان سبب ذلك هو حبس بريطانيا الأموال المصرية لديها وتجميدها وعدم الصرف منها لمصر إلا بمقدار من ٥ - ١٠ مليون جنيه استرليني سنويا !!
وهذه الأموال هى حصيلة ما استهلكته الجيوش البريطانية وحلفاؤها من المرافق العامة المصرية ( سكك حديدية ومستشفيات ومستلزمات ومبانى ومنشأت ) ومواد غذائية ( قمح وأرز وذرة وكافة المواد الغذائية ) بالإضافة إلى القطن والملبوسات .... إلخ وذلك خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ( ١٩٣٩ - ١٩٤٥ ) ..
وكانت بريطانيا طوال سنوات الحرب تعطى مصر صكوكا بقيمة هذه السلع والخدمات ، وفى نهاية سنوات الحرب بلغت تلك الاموال بالنسبة لمصر ٤٥٠ مليون جنيه استرليني ، ولم تكن مصر فقط من فعلت بريطانيا معها ذلك ، بل كان معها دول أخرى أبرزها العراق والهند ..
وفى حالة الهند بلغت أموالها المجمدة على الخزينة البريطانية ١٢٠٠ مليون جنيه استرليني ، وعانت الهند - كما عانت مصر - كثيرا وطويلا فى سبيل الإفراج عن "جزء" من هذه الأموال ..
مشكلة المصريين الكبيرة أنهم لا يقرأون تاريخهم ، لذا يأتى حكمهم في كثير من الأحيان متسرعا أو مبالغا فيه ، والأخطر من ذلك أن أى مغامر أو مهيج يمكن أن يلعب بعقولهم ومستقبلهم لمصالحه الخاصة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتفاع جديد فى أسعار الذهب.. وعيار 21 وصل 3130 جنيهًا.. أسوا


.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 6 يونيو 2024 في مصر




.. ارتفاع جديد في أسعار الذهب.. نشترى ولا نبيع؟


.. ارتفاع الذهب فى مصر 30 جنيها بسبب الصعود العالمى




.. الاقتصاد المقدسي أبرز ضحايا الاحتلال الإسرائيلي