الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتذار عن جرائم الماضي تبيض لصفحة المستقبل

آدم الحسن

2023 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


سيكون من المفيد لو أن شعوب العالم هي مَنْ تقرر البحث في ماضي دولها و إمبراطورياتها و تكشف عن كل الجرائم البشعة التي ارتكبتها في تاريخها خلال عدوانها على شعوب و امم اخرى من اجل استعمارها و سرقة ثرواتها .
قد تجد معظم الشعوب في تاريخها صفحات سوداء ناتجة عن ظلم و اضطهاد شعوب اخرى , صفحات تحتوي على ذنوب لا تمحى إلا من خلال الاعتذار التاريخي عن تلك المراحل .
لتنمية ثقافة الاعتذار التاريخي لابد من تحقيق امرين اساسيين :
الأمر الأول : عدم تحميل الجيل الحالي ذنوب الأجيال السابقة , و عدم فرض أي غرامات أو تعويضات عن ما مضى من ظلم و سرقات أو سلب لحقوق شعوب أو افراد , إذ ليس من المقبول تحميل ابناء الحاضر تبعات جرائم و ذنوب ابناء الماضي .
الأمر الثاني : اشاعة ثقافة التسامح , فالغاية من المراجعة التاريخية و الاعتذار عن جرائم الماضي هي ليست لتنمية الأحقاد بل لغسل صفحات الماضي من العار و الذنوب كي يساهم ذلك بعدم تكرار مثل هذه الجرائم بحق الإنسانية في المستقبل مع تكريم معنوي للضحايا .
السؤال المهم هو الى أي عمق في التاريخ يجب أن يمتد هذا الاعتذار ...؟
من غير المعقول شمول احداث حصلت قبل الاف السنين أو حتى قبل مئات السنين للمحاكمة و نطالب بالاعتذار عنها من الجيل الحالي .
من الأحداث التاريخية الواجب تناولها :
اولا : الاستعمار الاستيطاني و ابادة السكان الأصليين و تأسيس دول حديثة على انقاض تلك المأساة الإنسانية , منها ما حصل في امريكا و استراليا من ابادة للسكان الأصليين حيث كانت تلك الإبادة هي الأبشع في التاريخ الإنساني , على أن تشمل الإدانة التي تتطلب الاعتذار كل الدول و الإمبراطوريات التي ساهمت في تلك الجرائم التاريخية .
ثانيا : الحملات الاستعمارية واسعة النطاق التي شنتها معظم الدول الأوربية للقارة الأفريقية و التي رافقتها كل اشكال القتل و التنكيل بالروح الإنسانية من اجل سرقة الثروات الطبيعية لهذه القارة .
ثالثا : كل الحملات الاستعمارية التي تركت اثرا كبيرا و واضحا في الزمن الحالي على شعوب و امم بكاملها , حملات استعمارية تم فيها تفعيل كل وسائل القتل و النهب و الإذلال 0 من ابرز تلك الحملات الاستعمارية :
الاحتلال الياباني للصين و لدول في شرق اسيا , الاحتلال البريطاني للهند , حرب الأفيون الذي شنته بريطانيا ضد الصين من اجل اخضاعها و سرقة ثرواتها و اذلالها .
رابعا : الإبادات الجماعية التي لازالت اثارها و انعكاساتها السياسية موجودة في عصرنا الحالي و منها الإبادة التي قامت بها الإمبراطورية العثمانية للأرمن .
خامسا : جرائم النازية و الفاشية في القرن الماضي و تناول اسباب ظهورها .
من المؤكد أن كشف اسباب ظهور الحركة النازية الأولى سيساهم في منع صعود النازية الجديدة التي ظهرت بداياتها في أوكرانيا .
تحت انظار العالم الغربي رفعت النازية الجديدة في اوكرانيا شعارات تمجد النازية الأولى و رفعت صور بانديرا احد القادة التاريخيين للنازية الأولى في أوكرانيا , إن هذا السكوت المريب من جانب الغرب للحركة النازية الجديدة سببه " الغاية تبرر الوسيلة " , الغاية هي إضعاف روسيا بأي ثمن و النازية الجديدة هي الوسيلة .
إن اخطر جوانب السياسة الجديدة لقادة الهيمنة الأمريكية و تابعتها بريطانيا هو استخدام النازية الجديدة كوسيلة لتأجيج حقد قومي بين الروس و الأوكرانيين , انه نهج خطير ستمتد شروره لعموم اوربا فهنالك احقاد تحت الرماد بين البولونيين و الأوكرانيين و بين الهنغاريين و اقوام اخرى و هكذا .
في الفترة الأخيرة و على اثر الحرب في اوكرانيا حصلت فعاليات عديدة للنازية الجديدة و لداعميها , هذه الفعاليات عبرت عن انحطاط جديد للإنسانية و ستكون خطيرة اذا ما استمرت و تصاعدت , و نماذج لهذه الفعاليات :
** هدم نصب تذكاري للشاعر الكسندر بوشكين في أوكرانيا .
** منع تدريس ادب الروائي الكبير دوستويفسكي في احدى الجامعات الإيطالية , لكن بعد الضغط من قبل اعداء النازية و الفاشية تراجعت الجامعة الإيطالية عن قرارها و اعادت تدريس ادب دوستويفسكي .
** قام معرض لندن الوطني بتغيير اسم لوحة " الراقصات الروسيات " الى " الراقصات الأوكرانيات " رغم أن الفنان الروسي الذي رسم اللوحة قد توفي في القرن الماضي و لا يحق لأي احد تغيير اسم اللوحة , لكن العقلية النازية تسمح لنفسها فعل أي شيء يخدم أهدافها .
** اقحام الرياضة في وحل السياسة , الرياضة من الفعاليات الإنسانية التي يفترض بها البقاء خارج الصراعات السياسية , لكن الغاية النازية هي التي بررت استخدام الرياضة كوسيلة للضغط السياسي .
من المؤسف أنه في عصرنا الحالي لازال هنالك دول تفتخر بماضيها الاستعماري و من ابرز هذه الدول بريطانيا حيث لازال ملوكها و منهم الملك الحالي تشارلز الثالث قد توج ملكا على بريطانيا العظمى بتاج مرصع بالجواهر المسروقة من افريقيا و الصولجان الذي حمله عند تتويجه فيه اكبر ماسة عالميا اسمها " نجمة أفريقيا " مسروقة من جنوب افريقيا سنة ١٩٠٥ .
يفتخر الملك تشارلز الثالث كما افتخر قبله ملوك و ملكات بريطانيا أنهم كانوا أسياد العالم و كانوا يسرقون منه ما يشاؤون , كيف يمكن اقناع هذا الملك بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا العظمى ...؟ّ!
الذي يرفض الاعتذار عن جرائم دولته عبر التاريخ لا يحق له أن يكون من الأوصياء على حقوق الإنسان في زمننا الحاضر , من الغريب هو أن الكثير من المدافعين عن حقوق الأنسان في ايامنا هذه هم من الذين يتجنبون الحديث عن جرائم دولهم ليس عبر التاريخ فحسب بل حتى عن تلك الجرائم التي لم يمضي عليها سوى بضعة سنين قليلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة