الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلية تعويض المقاولين...في الميزان

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2023 / 6 / 28
دراسات وابحاث قانونية


اصدر وزارة التخطيط بموجب اعمامها ذي العدد (4/5/11652) في 26/4/2022 آلية لتعويض الشركات المقاولة والمقاولين المتعاقدين مع الوزارات والداوئر الرسمية لغرض تعويضهم بصورة ودية عن طريق الادارة دون اللجوء للقضاء عن الاضرار الناجمه عن خرق الحقوق الناشئة عن الالتزامات التعاقدية ، اوعن الاضرار التي تصيب المتعاقدين نتيجة لاستيلاء عصابات داعش على بعض المحافظات والازمة المالية التي ادت الى توقف المشاريع عام 2014 ، وبالرجوع الى هذه الالية يمكن ان نسجل الملاحظات الاتية :
1. نصت الآلية على تشكيل لجان فرعية دائمية في جهات التعاقد تحت مسمى ( لجنة النظر بطلبات التعويض للشركات المقاولة والمقاولين ) ، تتالف برئاسة موظف لاتقل درجته عن الدرجة الثانية من ذوي الخبرة والاختصاص واعضاء من الاختصاصات ( الهندسية والقانونية والمالية ) ولديهم خبرة لاتقل عن (10) سنوات ومقرر لاتقل درجته الوظيفية عن السادسة تتولى النظر في طلبات التعويض مع مراعاة ان يكون عدد اللجنة فردياً (وتريا) ليتسنى اصدار قراراتها بالاغلبية في حالة وجود عضو مخالف او متحفظ على القرار ، واغفلت الالية اضافة عضو من تشكيل التعاقدات في جهة التعاقد ، ولهذه اللجنة صلاحية الاطلاع ودراسة كافة الوثائق الخاصة بموضوع طلب التعويض ، ولها بيان رأي اي جهة او شخص له علاقه بالموضوع كدائرة المهندس المقيم ومدير حسابات المشروع وغير ذلك ، كما للجنة الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص في موضوع طلب التعويض من خلال تحقيق اجتماع وتنظيم محضر بذلك ان استوجب الامر ذلك ، الا ان عمل اللجنة يلاقي صعوبات عملية وفنية يمكن ان نوجزها بالاتي :
‌أ. الزمت الآلية ان يقوم المقاول بتقديم طلب التعويض تحرياً من قبل المقاول ذاته سواء كان فرداً او شركه او من خلال وكيلهما الى جهة التعاقد للمطالبة بالتعويض ولم تحدد بدقه ان كان المقصود بجهة التعاقد ( رئيس جهة التعاقد) ام ( تشكيلات العقود) في الوزارات او الجهات غير المرتبطه بوزارة ، مما يقتضي دقه تحديد جهة تقديم الطلب الخاص بالتعويض ، ونرى ان يقدم طلب التعويض الى رئيس جهة التعاقد لضمان علمه بوجود مثل هذا الطلب والذي بدوره يتولى احالتة رسمياً الى اللجنة الفرعية كون الوزير هو من سيصادق على محضر اللجنة الفرعية عند انجاز اعمالها ، حيث لوحظ من خلال التطبيق العملي ان هنالك طلبات تقدم للوزير واخرى لتشكيلات التعاقد في الوزارة واخرى للجهات الفنية في الوزارة .
‌ب. الزمن الآلية ان يكون طلب التعويض مشفوعاً باسباب طلب التعويض وجداول المواد والعمل التفصيلية واي مستندات ووثائق تعزز طلبه ، الا ان الغريب انها لم تلزم المقاول بتقديم او ذكر مبلغ تقديري للتعويض المطالب به لمعرفة مقداره ، وليستسنى للجنة الفرعية تقدير مبلغ التعويض في ضوء هذا المبلغ زيادة او نقصانا ، ولمعرفة مدى تناسب مبلغ التعويض المطالب به مع ماتجده اللجنة الفرعية مناسبا او ملائما للضرر في ضوء الوثائق والمستندات التي تحصل عليها اللجنة ، ولاسيما ان الآلية الزمت اللجنة الفرعية ان يتضمن محضرها تحليلاً للاسعار الواردة في طلب التعويض دون ان تلزم المقاول بتقديم مقدار مبلغ التعويض في طلبه ، وهذا تناقض يستوجب معالجته من قبل وزارة التخطيط ، وخصوصاً ان هنالك طلبات تعويض ترد من المقاولين دون ذكر مبالغ ويتمسك المقاول بالآلية كونه لم تلزمه بتقديم مبلغ التعويض لاغراض قبول طلبه من اللجنة الفرعية .

‌ج. الزمت الآلية اللجنة الفرعية انجاز اعمالها خلال مدة (60) يوم عمل تبدأ من تاريخ استلام الطلب ، على ان ترفع اللجنة الفرعية توصياتها بتقدير مبلغ التعويض او رد طلب التعويض الى ( رئيس جهة التعاقد ) حصراً لغرض المصادقة خلال مدة (10) ايام عمل تبدأ من تاريخ استلام الطلب ، دون ان تحدد الالية الاجراء الواجب الاتباع من اللجنة الفرعية في حال تاخر رئيس جهة التعاقد بالمصادقه ضمن هذه المدة ، اذ تعاني اللجان الفرعية في الوزارات بتأخر رئيس جهة التعاقد (الوزير) في مصادقة محضرها ضمن هذه المدة ، واحيانا تصل لفترات طويله ، مما يؤخر عمل اللجنة ويخرق المده المحددة للمصادقة دون اجراء مقابل وارد في الآلية .

‌د. لم تحدد الالية معايير مرجعية تستند اليها اللجان الفرعية في تقدير مبالغ التعويض للمقاولين ، وهذا خلل جسيم يحمل اللجان الفرعية مسؤولية تقدير التعويض دون معايير او اوزان نسبية مما يعرضها للمسؤولية القانونية لاحقاً في حال اخفاقها في تحديد التعويض المناسب ، كما ان غياب هذه المعايير والاوزان يعد منفذاً للفساد لان التقدير سيخضع لتقديرات اللجنة دون قيود او محددات ، في حين ان المنازعات التي تقام امام القضاء التي تتعلق بطلبات التعويض الناشئة عن الالتزامات التعاقدية ، يستند فيها القاضي لتقارير الخبرة القضائية في تقدير التعويض .

‌ه. اشارت آلية التعويض الى ان تحليل الاسعار لاغراض تحديد مقدار التعويض يجب ان يكون وفق الاسعار السائدة في السوق ، ولم تحدد ان كانت الاسعار المقصودة وقت حدوث الضرر ام وقت تقديم طلب التعويض ، اذ ان من المعروف عدم استقرار الاسعار بسبب عدم استقرار سعر صرف الدينار العراقي هذا من جانب ، ومن جانب اخر ماهو سعر الصرف المعتمد لتقدير اسعار الفقرات المطالب بالتعويض عنها وخصوصاً الفقرات الاستيرادية ، هل يعتمد سعر الصرف الرسمي ام سعر الصرف الموازي ، هذا كان ما يفترض ان تحدده الآلية بدقه.

2. نصت الآلية على تشكيل لجنة مركزية في وزارة التخطيط برئاسة مدير عام الدائرة القانونية وعضوية رؤساء بعض الدوائر العامة فيها تتولى دراسة طلبات التعويض المرسلة اليها مع الاستمارات المرفقة بالالية من جهات التعاقد لغرض دراستها ولنا على عمل ومهام اللجنة المركزية الملاحظات الاتية :
‌أ. للجنة المركزية طلب حضور رئيس واعضاء اللجان الفرعية لتعويض المقاولين المشكلة في جهات التعاقد لمناقشتها بتفاصيل طلب التعويض اذا كانت غير واضحة وبيان طريقة احتساب اللجنة الفرعية لطلب التعويض ، وهنا يحق لنا ان نتسائل كيف يمكن للجنة المركزية ان تطلب من اللجان الفرعية بيان طريقة احتساب التعويض ، ولم تحدد الالية اصلاً معايير او طريقة للاحتساب ، وهذا من شأنه ان يجعل طريقة الاحتساب خاضعة للاجتهادات والتقديرات الشخصية للجان الفرعية ، اضافة لصعوبة ابداء الراقابة والاعتراض على طريقة الاحتساب لعدم وجود طريقة شفافة للاحتساب يمكن من خلالها اخضاع عملية الاحتساب للرقابة والتقوييم .
‌ب. تقوم اللجنة المركزية بالاجراءات الخاصة بها خلال مدة (45) يوم عمل تبدأ من تاريخ استيفاء طلبات التعويض متطلباتها ، وهذا معناه ان قيام اللجنة المركزية باعادة المحاضر الى اللجان الفرعية لعدم استيفائها متطلبات طلب التعويض خارج المدة المحددة للجنة المركزية للنظر في هذه الطلبات ، وهذا من شأنة اطالة امد حسم طلبات التعويض ، وهذا الاجراء مخالف لهدف اصدار هذه الآلية المتمثل بتبسيط الاجراءات لغرض حصول المقاولين على التعويضات التي يستحقونها دون اللجوء الى القضاء .
‌ج. الزمت الالية ان تكون قرارات اللجنة المركزية في وزارة التخطيط ملزمة وواجبه التنفيذ من قبل جهات التعاقد المعنية ، واوجبت بتنظيم ملحق عقد مع الشركة بتعديل مبلغ العقد والمصادق عليه كتعويض وبعد اتخاذ الاجراءات اللازمة لاستحداث المكون اصولياً ، وهنا لابد من التنويه ان مقدار التعويض مستقل عن مبلغ العقد ويتعلق بالاضرار الناجمه عن اخلال جهة التعاقد بالتزامتها المالية بسبب توقف المشاريع لعدم توفر التخصيص المالي ، اما تنظيم ملحق العقد واضافته الى مبلغ العقد معناه تعديل للفقرة العقدية الخاصة بمبلغ العقد وتتولى وزارة التخطيط زيادة المبالغ المخصصة للعقد من خلال استحداث مكون لها ، فضلا عن ذلك ان التعويض يأتي احيانا لاخلال جهة التعاقد مع جهة ثالثة ليست طرف بالعقد كحالة تعويض المقاول عن استمراره بدفع عمولات ورسوم تمديد خطابات الضمان الى المصرف المصدر للخطاب خلافا للقرار (347) لسنة 2015 مثلاً ، وهنا يحق لنا ان نوجه سؤالا لوزارة التخطيط ايصح ان تنظم جهة التعاقد ملحقاً بالتعويض عن هذه الحالة.
3. نصت التعليمات على تشكيل لجنة مركزية في جهة التعاقد للنظر بالتظلمات والاعتراضات على توصيات اللجان الفرعية لتعويض المقاولين في جهات التعاقد من خلال تقديم الاعتراض الى رئيس جهة التعاقد خلال (10) ايام عمل تبدأ من تاريخ تبليغه رسميا بقرار اللجنة الفرعية برد طلب التعويض ، ولم تحدد الالية طريقه التبليغ في حال امتناع المقاولين عن الحضور لغرض التبلغ بقرار اللجان الفرعية ومعنى هذا بقاء مدة الاعتراض مفتوحة ، ويتولى رئيس جهة التعاقد احالة الاعتراض الى لجنة النظر بالاعتراضات التي تتولى اعادة دراسة الطلب والتوصية بالموافقة على التعويض او رد الاعتراض مجدداً خلال مدة (15) خمسة عشر يوم عمل ، على ان يصادق رئيس جهة التعاقد على التوصيات خلال مدة (15) يوم عمل ، وللمقاول ان يقدم تظلماً الى وزارة التخطيط عند عدم اتخاذ جهة التعاقد الاجراءات اللازمة او التأخر فيها ، ولم تبين الالية الاجراءات التي يمكن اتخاذها من قبل وزارة التخطيط في مثل هذه الحالة ، اما في حالة المصادقة على التوصيات فترسل تلقائيا بعد المصادقة الى اللجنة المركزية في وزارة التخطيط .
4. لوحظ ان حالات التعويض المنصوص عليها في الالية هي عبارة عن حالات واردة في الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسه المدنية والميكانيكية والكهربائية والكيمياوية ، وهي حالات تثار في الغالب في عقود المقاولات الانشائية ، ومن المعروف ان منازعات العقود الحكومية ( الادارية ) تخضع لاختصاص القضاء العادي الذي يتولى تقدير تحقق هذه الحالات من عدمها وتقدير مقدار التعويض المناسب لها من خلال تقارير الخبراء المنتدبون من قبل المحكمة لهذا الغرض وتعد تقارير الخبراء سببا للحكم استناداً لاحكام المادة (140/ اولاً) من قانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979، وبالتالي فأن هذه الالية تقحم الادارة في اختصاص القضاء ، وهذا يشكل خرق لاحكام المادة (87) من الدستور .
5. ان المدد المحددة بالالية لحسم طلبات التعويض طويلة وتخضع لاجراءات روتينية غير شفافة ، وهي تعد ذات كلفة تفوق من كلفة اللجوء للقضاء من حيث المدة ، اما من حيث الضمانات فأن اللجوء للقضاء يحقق ضمانات اكثر للمقاول المتضرر بسبب تعدد درجات التقاضي وما ويوفره ذلك من مزايا ، فضلا عن خضوعها لرقابة محكمة التمييز الاتحادية وهي اعلى سلطة قضائية ، فضلاً عن ذلك تكون قرارات القضاء باته تفصل بالنزاع ، في حين قرارات اللجنة المركزية في وزارة التخطيط تكون باته بالنسبة للادارة (جهات التعاقد) ، ولاتمنع من لجوء المقاول المتضرر الى القضاء وومارسة حق التقاضي .

لما تقدم نرى ان هذه الالية لاتحقق الغاية المرجوة من اصدارها وهي حسم النزاعات بين الادارة والمتعاقدين معها بطريقة ودية ، ولاسيما ان الكثير من الحالات الخاصة بطلب التعويض مصدرها سوء تطبيق القرار (347) لسنة 2015 من قبل جهات التعاقد ذاتها ، وان منح جهات التعاقد سلطة الخصم والحكم لايمكن ان يحقق هدف وزارة التخطيط بتسهيل الاجراءات وحل النزاعات بطريقة ودية مع هذا التنظيم غير المتكامل لالية تعويض المقاولين ...والله الموفق .
د.احمد طلال عبد الحميد البدري
بغداد 27/6/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة


.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين




.. بايدن: نحن لسنا دولة استبدادية ومع حق التظاهر السلمي وضد الف


.. جامعة أميركية تلغي كلمة لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة بضغو




.. ترمب يتهم الديمقرطيين بمحاولة السماح للمهاجرين لترجيح كفة با