الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غَدَّا الْعِيدْ وَنْذَبْحُو عِيشَا وَسْعِيدْ

عبد الله خطوري

2023 / 6 / 28
الادب والفن


ولع المغاربة بآقتناء أضحية العيد الكبير (١) بلغ حد الهوس.الأمر ليس وليدَ يومٍ حاضرٍ أو ليلةِ أمسِ وإنما هي أمزجة مترسخة في تاريخ سلوك المغاربة أبعدتهم للأسف عن ما يقصدونه من عبادة متوخاة كغاية من هذه السنة المؤكدة الى مجرد عادااات إشراطية يدفع في سبيلها المغربي الغالي والنفيس من أجل إدخال بهيمة من أنعام تملأ العين أمام ملأ لا شغل له إلا التطفل، فتحول الأمر من قربان له حرمته الطقوسية في الموروث الاعتقادي للجماعة إلى وسيلة لإثبات رجولة متوهمة (٢) وآستعراض لقدرات ذكورة تخشى جريرة إخصاء فحولة أمام أنثى لا ترحم، تلك التي ما إن يغيب بعْلها (٣) عن المعادلة لظرف ما (وفاة، طلاق، إخلال بمسؤولية القوامة، سجن، غياب قاهر ... ) حتى تجد نفسها مضطرة تُحاول ما أمكنها لعب دور "الفحل" الغائب أو المُغَيَّب أمام العيال وأهل الجوار، وإذا لم تستطع تكتفي، بما راموا إقناع طفولتنا به فيما سبق أن قرأناه في سلسلة كتاب الابتدائي المدرسي ( اقرأ ) لصاحبه (أحمد بوكماخ) ( أُذَكِّرُ في هذا السياق بنص "ديك العيد" الذي يَتذكره مخضرمو سبعينيات القرن الماضي من المغاربة دون شك ) .. لَعَلي أفهم آلآن بعضا من دلالات ما كنا نهزج به في صغرنا من كلمات ترانيم العيد الكبير من قبيل : ( غَدَّا الْعيدْ ونْذَبْحُو عِيشَا وسْعِيدْ ) .. فِعْلًا، ما إن تمر صبيحة العيد وينتهي الاحتفال ويغدو الاستعراض مجرد آستعراض لا جدوى منه حتى لا يبقى من كل ذلك ( الاستعراض/الشاااو ) غير شواء بأدخنة مَرَارَةِ عيشةٍ مفجوعة وشقاء مضاعف للمسمى (سْعيدْ) مجبر ليغطي تكاليف ما أهرقه من قوى قروض تقرط الظهر والبطن في سبيل فنطازيا قرط حوايا بهيمة الأنعام .. دون بارود سيشتعل في معركة حياة يلعب مرغما لُعَب عاشوراء ( بالمناسبة يُترك ذيل ذبيحة القربان حتى عاشوراء كأنه ينبس في وجوه المستعرضين "هذا ما تبقى لكم" .. ) لا يخلو الأمر في بعض مناحيه من أن يجعلنا أمام لعبة غولف مضحكة، وسائلها مترعة بالهشاشة، أو بصيغة مركزة أكثر نحن إزاء ما يعرف عند الأمازيغ بلعبة ( تاكوهات / تاكورت / ومنه : تاشورت بوراينية الأطلس المتوسط) (٣) .. هناك عصا وكرة و متنافسون، وحفرة في الانتظار؛ ولا بد لاجتماع هذه الوسائل من لاعب ماهر قوي بعضلات تستطيع التحكم في الكرة تمسك بزمام الأمور تضرب بقوة في الوقت المناسب في المكان المناسب بالطريقة المطلوبة تذبح ولا تلين تحسم أمر العملية لا تتردد لا تتعاطف، بشطارة الفطنين تتقن لعب الاستعراض أمام الجمهور الصغير والكبير ( جمهور يسكن دواخل الذكر الذي يتقمص دور الفحولة أمام الأنثى والأولاد والعائلة والمجتمع ... ) كي تكتمل الصورة في أبعادها الكلية : الرجل هو للي يشري عيدو ويقد به (٤) .. والفحل في نهاية الأمر وأوله لا يقبل إلا بما يشبه فحولته في تأدية مناسك قرابين الفحول ( كبش فحل مليح أقرن قوي لا عيوب فيه... ) .. إنها لعبة آستعراض جماعية فردية تخفي بالتباسٍ مُفْجِعٍ ما تواضعت عليه نفوس الأنام أكثر مما تظهر وتعلن .. ولابد أن يبلغ الطقس ذروته في هذا السياق بسكب الدماء في الأسطح والباحات والساحات وأزقة الدروب وشرفات شقق الإسمنت المسلح ...
أرى الأمر من الناحية الإنتربولوجية إعادة إنتاج لنمط عيش ذَكَر فحل الكهف الذي آعتاد الخروج من مغارته في عصور الصخور والحجر يشط في الفلوات ضاربا المسافات ليعود بهِمة المنتصرين بيَدٍ يحمل رمحه وبأخرى يجر دريئة بَذَل ما أيما جهد ليقدمها لأم العيال تترقب وإياهم أوبته بباب المغارة القديمة .. اختفت المغارة وحلت محلها الشقة الحالية والمنزل والفيلا والعمارة المُعقدة بطوابق ضيقة وفسيحة، والمنزل البسيط في بلدة من البلدات وخيمة الرحل وخربة القصدير والمسكن المشترك وهلم جرا من تجليات الكهوف الأزمنة المعاصرة ...
يروي ( التادلي ابن الزيات ) في مؤلفه ( التشوف الى رجال التصوف ) ألفه عام ( 617 هـ/ 1220 م )واختص فيه بذكر مناقب كرامات الأولياء الصالحين في المغرب إلى حدود عهد الموحدين، يسرد فيما يسرد قصة تلخص مدى تكلف المغاربة لشراء كبش العيد، ودور الأنثى في ذلك وما قد يترتب عن عدم الاقتناء من خلافات أسرية.يحكى أن زوجة أبو عبد الله التاودي أعطت زوجها ما أنتجته من خلال عملها في غزْل النسيج في منزلها من أجل شراء أضحية وقالت لزوجها : "بِعْهُ و اشترِ لنا بثمنه أضحية و لا تعطها أحداً " .. فباع الغزل و اشترى كبشا و أمر الحمّال أن يحمله إلى داره، فلقي في طريقه امرأة و زوجها يتنازعان.فسأل عن نزاعهما، فقيل له : طلبت منه زوجته أن يشتري لها أضحية. فقال لها : " ليس عندي ما أشتريها به " .. فدفع لهما أبو عبد الله التاودي كبشه الذي اشتراه و أتى داره، فقالت له امرأته : " أين الكبش الذي اشتريته لنا ؟" .. فقال لها : " تركته يعلف لنا "، ثم خرج من الدار.فقال له رجل : "عسى أن تذهب معي إلى منزلي "، فذهب معه و أدخله إلى أكباش له.و قال له : " عيّنتُ لك منها كبشا لأضحيتك "، فقال له أبو عبد الله : هو هذا، و أشار إلى واحد منها، فقال له الرجل : " هو الذي عينته لك." (٤)
الأمر تجاوز طقس تصريف العنف الثاوي في النفس الإنسانية اتجاه أخيه الانسان الى مخلوقات أخر سخرت لهذا الانسان لمثل هذا الغرض وغيره ( سورة الأنعام ) ، وتجاوز مرحلة الانتقال من القربان البشري الى القربان الحيواني الى عودة انتكاسية في تاريخ الإنسان المغربي لتقديم قرابين آدمية، والا كيف نفهم القاء الناس أنفسهم الى جرف مهاوي التهلكة من أجل تجسيد هذا القداس أهو فعلا حرص على العبادة، أهو إصرار على اصدعْ بما تومر .. لقد غدت الظاهرة معطى نفسيا ذاتيا جماعيا لا فرق فيها بين المغاربة كلهم الذين يخضعون لقوة العادات والأعراف الاجتماعية وأنماط العيش والسلوكات وردود الفعل اتجاه ما درجوا على تسميته ب ( العواااااشر ) (٥) التي لا تنتهي ما كيتسلاوش، وقلة هم من يُعَشر أي يخرج حق المفقرين في ماله اذا بلغ النصاب .. وفين هذا للي كيعشر .. وكل عواااشر بطقوس وكل طقوس بتوابل وكل توابل بأثمنة تعلو تنحدر حسب حجم مناسبة هذه العواشر، وكل أثمنة بتضحيات جسيمة تصل أحيانا الى بيع الأثاث والممتلكات وآمتهان ذل الكدية الخائب؛ علما أن مناسبة الأضحية سُنة دينية مؤكدة لا تصل الى مرتبة فرض عين كما هي مع الزكاة والصلاة التي أحق أن يولى لهما أهميتهما في التعاملات الاجتماعية، فكيف نفهم تهرب الكثيرين من مسؤولياتهم الاجتماعية والدينية والأخلاقية في تأدية حق الخالق والمخلوقين ولهاثهم الريائي نحو إظهار فحولتهم المتوهمة بآقتناء فحل العيد الكبير ... الحديث هنا ذو شجون ومقاربة شمولية معمقة من زوايا متنوعة نفسية وأخلاقية وقيمية واجتماعية ودينية وحضارية ووو ... من شأنها أن تجعلنا نحس نفهم ما يقع حولنا من تشنجات وتشظيات وسوء فهم ومغالطات نساهم بإدراك أو غيره في تعميق كلومه التي تؤثر سلبا على معيش الأفراد والجماعات بقليل أو كثير .. هذا أكيد ... وكل مناسبة ونحن وإياكم أكثر إدراكا لما يمور في مجتمعاتنا من إشكالات وقضايا .. عيد سعيد ..

☆احالات:
١_العيد الكبير : عبارة يطلقها المغاربة على عيد الأضحى، بينما يسمون عيد الفطر بالعيد الصغير
٢_الرجولة مفهوم ملتبس في التمثل الجماعي للمغاربة، فغالبا ما يتشدق باللفظة يقصد بها فحولة الذكورة كمعطى بيولوجي ثم تأتي بعد ذلك المعطيات القيمية الأخلاقية لتتم مهمة هذا الإطلاق ...
٣_ بَعْلُها : (من طرافة المنطوق أنه بنقطة واحدة على عين الكلمة ينقلب الاسم رأسا على عقب " بعْل/ بغْل " !! )
٤_ابن الزيات، التشوف إلى رجال التصوف، تحقيق أحمد التوفيق، الطبعة الثانية 1997، ص 274-275.
الكتاب يمثل رصيدا تاريخيا مهما يشتمل إلى جانب التراجم والأخبار، على مادة تاريخية، تخص الجانب الاجتماعي والفكري والسياسي من تاريخ المغرب وقتئذ...و يوسف بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمان التادلي، المعروف بابن الزيات، كان شيخا وفقيها وقاضيا وأديبا على عادة علماء ذاك العصر توفي بركراكة سنة 627هـ وقيل سنة 628هـ.
٣_تاكوهات:أو تاقورا صيغة مكونة من (تاق..بمعنى الضربة و ؤرا بمعنى العصى المعوج في المقدمة,وتاقورا هي لعبة قديمة جدا بكرة مصنوعة من الجلد بل هي قطعة صغيرة تصنع من الخشب فهي لعبة خطيرة وتضرب بالعصى المقوس في المقدمة..هي لعبة خطيرة لايلعبها إلا الشجعان ونظرا لكونها مصنوعة من الخشب فإنها خطيرة لكن الشخص إذا أصابته إصابة بليغة فإنه لايحق له أن يحتج لأن المعتقد الشعبي المتفق عليه يفرض على المصاب أن لايحتج وهكذا يقول المثل الشعبي في هذه اللعبة:تاقورا تكا لمقادير يانت نيت ءيران. أي أن هذه اللعبة هي مصيبة ولعنة لمن يريد أن يدخل إلى ميدانها.) بين معقوفين كلام الباحث المغربي الحسن أعبا...
٤_الرجل هو للي يشري عيدو ويقد به : لا يعتبر الرجل رجلا بمعنى الحقيقي حتى يقدر على اقتناء ذبيحته ويقدمها بنفسه قربانا
٥_العواشر : تقترن عند المغاربة بالأيام المقدسة، واللفظة تشير الى ما يجب على المومن فعله من إخراج الزكاة عند بلوغ النصاب، ومنه فعل ( عَشَّرَ ) أي أخرج ( العْشُورْ ) أي الزكاة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا