الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بزوغ حركة عدم انحياز جديد

سعيد مضيه

2023 / 6 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


طموحات الخلاص من الهيمنة الامبريللية
فيجاي براشاد مؤرخ هندي ، مناضل لا يكل من أجل عالم جديد بلا هيمنة امبريالية؛ عرف الشيوعية منذ الصغر، يزف البشارة بأن حكومات دول الجنوب العالمي "لم تعد تقبل كحقائق كونية وجهات النظر ضيقة الأفق لبلدان الثالوث[ اميركا الشمالية ، الاتحاد الأوروبي، اليابان]. ، وتتولاها الرغبة العارمة لفرض مصالحها الإقليمية والوطنية... والآن تطرح دول الجنوب العالمي رؤيتها آن الأوان للعودة الى النبع – ميثاق الأمم المتحدة –وبناء نظام دولي ديمقرطي حقا. "

يشغل براشاد حاليا منصب مدير منظمة "تري كونتيننتال: مؤسسة الأبحاث الاجتماعية". آخر مؤلفاته : "النضال يجعلنا إنسانيين:التعلم من الحركات من أجل الاشتركية" ، ومع نوعام تشومسكي الف كتاب"الانسحاب :العراق ، ليبيا،افغانستان وهشاشة القوة الأميركية".
يكتب في أحدث مقالاته:

نمط جديد من التحدي في الجنوب العالمي ولّد الحيرة في عواصم الثالوث (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان)؛حيت يناضل المسئولون لتقديم الأجوبة على السؤال: لماذا لم تقبل حكومات دول الجنوب وجهة نظر الغرب بصدد الصدام في أكرانيا ، ولم يؤيدوا بالاجماع منظمة حلف شمال الأطلسي( الناتو) في الجهود المبذولة لإضعاف روسيا؟
لم يعد بالامكان الاعتماد على الحكومات التي انصاعت مدة طويلة لرغبات الثالوث ، مثل حكومة ناريندا مودي بالهند وحكومة رجب طيب اردوغان في تركيا ( رغم تسمم أنظمتها ).
منذ بداية الحرب في أكرانيا ووزير خارجية الهند ، جيشانكار، يرفض التنازل امام واشنطون في معمعة الدفاع عن موقف حكومته الرافض للاستجابة لضغوط واشنطون . وفي إبريل 2022 في مؤتمر صحفي مشترك في واشنطون مع وزير خارجية الولايات المتحدة ، انتوني بلينكين، طُلب من الوزير الهندي تفسير استمرار الهند شراء النفط من روسيا ، وجاء جوابه حادا :
ألاحظ ان مرجعيتك هي شراء النفط . فعلا نشتري بعض الطاقة الضرورية لضمان أمننا بالطاقة ؛ لكنني اشك ، بالنظر الى الأرقام ربما يكون مجموع مشترياتنا خلال شهر أقل من مشتريات أوروبا خلال فترة بعد الظهر من يوم واحد."
على كل حال ، لم ترتدع واشنطون من تعليقات كهذه من مواصلة بذل الجهود لكسب الهند بجانب أجندتها ؛ وفي 24 أيار الماضي أصدرت لجنة الاختيار بالكونغرس الأميركي حول الحزب الشيوعي الصيني بيانا حول السياسة بصدد تايوان أكدت أن " الولايات المتحدة يجب ان تعزز ترتيبات ناتو بلاص( ناتو زائد) كي تضم الهند."

هذا البيان صدر بعد فترة قصيرة من انعقاد قمة السبعة في هيروشيما باليابان، حيث التقى مودي ، رئيس وزراء الهند مع مختلف قادة المجموعة ، بمن فيهم بايدن ، وكذلك الرئيس الأكراني، زيلينسكي.
عكست استجابة الهند لبيان " ناتو بلاص" صدى مشاعرها السابقة حول شراء النفط الروسي.
ذكر جيشانكار في مؤتمر صحفي في 9 حزيران ،"ما زال أميركيون كثر يرون ان معاهدة الناتو ترن في رؤوسهم ؛ يبدو من المحتمل ان يكون ذلك هو النموذج ، او وجهة النظر الوحيدة التي يرون بها العالم ... وتلك ليست النموذج المواـي للهند".
الهند، كما قال، ليست معنية بان تكون جزءًا من ناتو بلاص؛ وترغب في الاحتفاظ بدرجة أكبر من المرونة الجغرسياسية." ومضى الى القول ،" أحد التحديات في عالم يتغير هو كيف كيف تحمل الناس على قبول تلك التغيرات والتكيف معها ".

يمكن الخروج باستنتاجين من بيانات جيشانكار : الأول ان حكومة الهند – التي لا تعارض الولايات المتحدة في مواد برنامجها او في المزاج السياسي- ليست معنية بالانجرار الى نظام كتلة تقودها الولايات المتحدة ( "بنية معاهدة الناتو " كما ذكر جيشانكار صراحة). وثانيا تقر حكومة الهند ، شأن العديد من حكومات دول الجنوب العالمي ، اننا نعيش في "عالم يتغير ، وان القوى العظمى التقليدية - خاصة الولايات المتحدة – عليها ان ’ تتكيف مع تلك التغيرات‘.
أشار بنك كريديت سويس ، في "نظرته للاستثمار لعام 2023"الى التشظيات العميقة والمتواصلة " التي افتُتٍحت في النظام العالمي – أسلوب آخر للاستناد الى ما دعاه جيشانكار " عالم يتغير".
يصف كريديت سويس بدقة :
" الغرب العالمي ( البلدان الغربية المتطورة وحلفاؤها) قد ابتعدت عن الشرق العالمي( روسيا والصين وحلفاؤهما) من حيث المصالح الاستراتيجية المحورية ، بينما الجنوب العالمي ( البرازيل ، روسيا ، الهند، الصين ومعظم الدول النامية) تنتظم كي تتبع مصالحها الخاصة".
تستحق الكلمات الأخيرة بالتقرير التكرار،"الجنوب العالمي ... ينتظم كي يتبع مصالحهالخاصة"
في أواسط أبريل (نيسان) أصدر وزير خارجية اليابان " كتابها الدبلوماسي الأزرق لعام 2023"، وفيه لاحظت اننا حاليا في " نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة".
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991،أكدت الولايات المتحدة سيادتها على النظام العالمي ، وأنشأت ، مع الثالوث التابع ، ما أسمته " نظاما دوليا قائما على القوانين".
هذا المشروع يتضعضع بعد ثلاثين عاما من قيادة الولايات المتحدة ، جزئيا بسبب ضعف داخلي لبلدان الثالوث( بما في ذلك إضعاف حصة الثالوث في الاقتصاد العالمي)، وجزئيا بسبب بروز " قاطرات تقود الجنوب" ( تقودها الصين لكن يضم البرازيل ، الهند ، اندونيسيا ، المكسيك ونيجيريا).
حساباتنا، المستندة الى معطيات صندوق النقد الدولي، تظهر لأول مرة منذ قرون تفوقا، هذا العام، لمجموع الدخل الوطني لدول الجنوب على مجموع الدخل الوطني لبلدان الشمال.
نجم عن بروز البلدان النامية – رغم التفاوت الاجتماعي الحاد بالداخل- موقف جديد بين الطبقات الوسطى لهذه البلدان انعكس في تزايد الثقة لدى حكوماتها: لم تعد تقبل وجهات النظر ضيقة الأفق لبلدان الثالوث حقائق كونية، وتتولاها الرغبة العارمة لفرض مصالحها الإقليمية والوطنية .
هذا التركيز من جديد بالذات على المصالح الإقليمية ضمن الجنوب العولمي هو الذي أنعش منظومة سيرورات إقليمية ، بمن فيها سيرورة دول أميركا اللاتينية والكاريبي ودول بريكس(برازيل – روسيا- الهند- الصين – جنوب إفريقيا).
في الأول من حزيران التقى وزراء الخارجية في كيب تاون بجنوب إفريقيا للإعداد لقمة الدول التي ستعقد في شهر آب القادم في جوهانسبيرغ. يحمل البيان المشترك الصادر عن اللقاء دلالة: مرتان جرى التحذير من الآثار السلبية ل "إجراءات الإكراه الاقتصادي ، مثل العقوبات ، المقاطعات، المنع، والإغلاقات"، تلك التي " اسفرت عن نتائج سلبية ، خاصة في البلدان النامية".

تمثل لغة البيان الشعور المشترك بين أغلبية دول الجنوب العالمي، من بوليفيا حتى سري لانكا؛ فهذه البلدان التي تشكل أغلبية أقطار المعمورة، قد أُتخِمت من دورة التقشف لخدمة الديون التي فرضها صندوق النقد الدولي ومن ابتزاز الثالوث؛ انها تشرع تأكيد جدول أعمالها الخاص في إطار السيادة .
ما يثير الاهتمام ان هذا الإنعاش لسياسات السيادة غير موجه من رؤية قومية ذاتية ، إنما من اممية غير منحازة.
بيان وزراء خارجية بريكس ينص على " تعزيز الرؤى الجماعية ودعم القانون الدولي بما في ذلك الأهداف والمبادئ المشرعنة في ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها حجر الزاوية الذي لا غنى عنه".( بالمصادفة روسيا والصين كلاهما عضوان في مجموعة أصدقاء في الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة؛ تضم المجموعة عشرين دولة).
والرؤية المضمنة هنا ان دول الثالوث بقيادة الولايات المتحدة قد فرضت على دول الجنوب من طرف واحد نظراتها الكونية الضيقة، القائمة على مصالح حلفائها ، وذلك تحت عباءة " نظام دولي قائم على القانون".
والآن تطرح دول الجنوب العالمي رؤيتها آن الأوان للعودة الى النبع – ميثاق الأمم المتحدة –وبناء نظام دولي ديمقرطي حقا.

يتزايد استعمال التعبير "عدم الانحياز" كمرجعية لهذا التوجه الجديد في السياسات الدولية ، ولهذا التعبير اصله في مؤتمرعدم الانحياز المنعقد في بلغراد (يوغوسلافيا) عام 1961 ، والذي انبنى على الأسس التي طرحها مؤتمر دول آسيا وإفريقيا المنعقد في باندونغ (اندونيسيا)عام 1955.

في تلك الأيام يرجع عدم الانحياز الى بلدان تقودها حركات متجذرة في مشروع العالم الثالث المناهض بعمق للامبريالية، ساعيا إرساء سيادة الدول حديثة الاستقلال واحفظ كرامة شعوبها.
تلك اللحظة لعدم الانحياز تم إجهاضها بواسطة ازمة الديون في ثمانينات القرن الماضي؛ والتي بدأت بإعلان المكسيك عجزها عن السداد عام 1982. وما يواجهنا الآن ليس العودة الى حركة عدم الانحياز القديمة؛ بل بزوغ مناخ سياسي جديد وكوكبة سياسية جديدة تتطلب الدراسة العانية.
في هذه الفترة بمقدورنا القول ان حركة عدم الانحياز الجديدة هذه موضع طلب الدول الكبرى في الجنوب العالمي ، تلك التي لم يعد يعنيها ان تظل خاضعة لأجندة الثالوث، لكنها لم تؤسس لها قاعدة صلبة.
كجزء من جهودنا لإدراك هذه الدينامية البازغة ، شاركت "تري كونتيننتال: مؤسسة من أجل الأبحاث الاجتماعية" منظمات اخرى : حملة لا للحرب الباردة، ألبا موفيمينتوس، عبر إفريقا اليوم، المركز الاستراتيجي الدولي (كوريا الجنوبية) ، ومؤتمرالشعوب العالمي في التوجه لعقد ندوة عبر الإنتر نت بعنوان " عدم الانحياز الجديد والحرب الباردة الجديدة".
كان المتحدثون بالندوة رونّي كاسريلز( وزير استخبارات سابق في جنوب إفريقيا)، سييم باغديلين( نائب رئيس حزب داي لينك في بوندستاغ ألمانيا)، ستيفاني ويذربي(مؤتمر الشعوب العالمي ) وسروجانا بوداباتي ( تري كونتيننتال : مؤسسة الأبحاث الاجتماعية).
( على النيت تقرير ’رسالة الشعب‘).
عام 1930 كتبت الشاعرة والصحفية الجامايكية ، اونا مارسون(1905-1965)" سوف يأتي زمن حيث السلطة المطلقة حتما للحب والأخوة" – قصيدة متفائلة عن المستقبل.
وكتبت "ان الشعوب في عالم الكولنيالية لا بد من أن تتكبد مشقة خوض معركة حازمة للحصول على حرياتها"؛ ونحن الأن لسنا بأي شكل في نهاية الكفاح، ومع ذلك لسنا في موضع الخضوع المطلق الذي كناه في ذروة سيطرة الثالوث، التي بدأت عام 1991، واستمرت حتى الآن . يجدر بنا العودة الى مارسون، الشاعرة والكاتبة، التي عرفت بكل تأكيد ان عالما أكثر عدالة سوف يجيء، حتى لو لم تبق على قيد الحياة كي تشهد عالم الحرية:
"ماذا يضير أن نكون طيورا في قفص تضرب صدورها بقضبان الحديد- حتى يسيل الدم، وبأغنيات تكسر القلب تمضي أرواحنا الى بارئها ؟
- هذه الكلمات بالذات سوف تبقى غنوة قوية ؛
- "سوف لن نكون من ضمن الورثة السعداء لهذا التراث العظيم- لكن علينا سوف تنهال كلمات امتنانهم ومدائحهم ، الأطفال الذين لم يولدوا بعد سوف يحصدون بفرح ما زرعناه بدموعنا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن|فيديوهات مرعبة! هل انتقلت البلاد إل


.. مصابون في قصف من مسيّرة إسرائيلية غرب رفح




.. سحب لقاح أسترازينكا من جميع أنحاء العالم.. والشركة تبرر: الأ


.. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: اجتياح رفح سيؤدي لنتائج كارثية




.. نائبة جمهورية تسعى للإطاحة برئيس -النواب الأميركي-.. وديمقرا