الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في انتصار الأحزاب على العراق

نصير عواد

2023 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الغالب على الاحزاب السياسيّة التي تتشكّل على عجالة اثناء الازمات انها تستثمر في الفوضى لإيجاد موضع قدم لها بين القوى الاخرى، وتحاول اختصار الزمن لتدوين بداياتها بمفردات القوة والغلبة والانتصار. ففي العراق، ومع دخول المحتل الأمريكي، انتشرت بشكل مقلق احزاب وتيارات وعناوين دأبت على تصوير كل معاركها وخلافتها على انها انتصارات؛ انتصار على الديكتاتورية، انتصار على المعارضين في المناطق الغربية، انتصار على "داعش" انتصارات حققتها هذه الأحزاب ضد بعضها اثناء تزاحمها على النفوذ والسلطة، انتصارات لا ملامح لها لإخراج المحتل الأمريكي من البلد.. والملفت اننا لم نلمس أثر مكاسب هذه الانتصارات على العراق والعراقيّين، حتى اننا لم نرَ أي احتفالات وطنية بها. ونظن سبب ذلك ليس فقط طبيعة الانتصارات التي تشبه الهزائم في بعض تفاصيلها المأساوية، ولكن النظام الطائفيّ الملتحف بالقبائل والعوائل الدينيّة جعل الانتصارات شخصيّة وحزبيّة، وليست شعبيّة ووطنيّة، الأمر الذي أبقى ظاهرة "الانتصار" هي القاعدة بين الأحزاب العقائديّة، دور القادة فيها أطلاق الشعارات وتوزيع الأموال على أسر الضحايّا.
الشعب العراقيّ عانى ويلات الحروب والحصار وظلم الديكتاتور طوال عقود أربع، ظهرت بين صفوفه بعد الاحتلال شرائح اجتماعيّة-سياسيّة غاضبة لا تريد الشعور بإحساس الهزيمة مرة أخرى، شرائح تريد ان تبرأ من ذلّها وذنوبها، وتريد صنع انتصاراتها بأي ثمن، وعلى أيّا كان، حتى لو كان على أبناء جلدتها. هذا الغضب الشعبيّ تناغم مع هوى الأحزاب العراقيّة التي جاءت بعربة الاحتلال بعدما عانت هي الأخرى من ظلم الديكتاتور، أحزاب مهووسة بفكرة الثأر السياسيّ وبحكاية ان الدم لا يغسله إلاّ الدم، وهي وصفة ناجحة ومجربة من أيام "الزير سالم" للإبقاء على جذوة الحقد مشتعلة في النفوس. الأمر الذي أنتج نسخة مشوهة للتعددية الحزبية، انشغل فيها ضحايا الديكتاتور بالبحث عن انتصارات تملأ الفراغ وترسخ وجودهم في شارع محتدم، حتى لو تطلب ذلك الكذب واستدعاء التاريخ واستلاف حوادث النصر التي حققها الاجداد قبل قرون، فليس من الممكن الهيمنة على الشارع ومنافسة الأحزاب الأخرى على السلطة والنفوذ دون انتصارات حقيقية او وهمية.
لا أحد يستطيع التقليل من دور العراقيّين وما قدموه من تضحيات وبطولات في مواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" وإنقاذ المناطق الغربية من افكاره الجهنمية، ولكن هل أدى الانتصار على الارهاب إلى تجفيف منابعه الفكريّة وتحييد حاضنته الاجتماعيّة عبر تنفيذ سياسات عادلة تصنع الأمل وتقلّل منسوب الخوف والغضب في تلك المناطق، ام جرى فقط استثماره سياسيّا وإعلاميّا وانتخابيّا؟ لأن الحديث عن الانتصار بعد هدم المدن وسحق المدنيّين وتهجيرهم هو وهم سياسي قصير المدى، ففي الحسابات الاستراتيجيّة البعيدة ستكون هذه هزيمة وليس انتصارا، وأن نار الاحقاد ستبقى تحت رماد المعاناة، وستظهر أجيال تطالب بحقوقها في أول فرصة. ففي الفصل الثاني من قصة الانتصار على "داعش" تكمن حقيقة انه حفل بالكثير من مظالم القتل والتهجير والتغييب، وانه وسّع من مساحة الفكر الطائفيّ بالعراق، وانه حصّن المليشيّات المسلّحة بمكاسب قانونيّة وماديّة قد تشكل خطرا على الدولة في قادم الأعوام. فهذه المليشيّات التي قاتلت الإرهاب باتت أكثر قوة، صارت تملك الحكومة وتريد في ذات الوقت التغلب عليها، تريد سلاحها أقوى وكلمتها أعلى وحضورها أبهى. في الحقيقة ما زالت قلّة في الوسط السياسيّ الإسلاموي ترى في فكرة التغلب على ما تملك خطر مستقبليّ، ولكن صوت السلاح ما زال هو الأعلى والمهيمن.
لا يمكننا الزعم بأن انتصار الأحزاب على بلدها ظاهرة عراقيّة محض ففي لبنان فشلت القوى السياسيّة للمرة الثانية عشر في انتخاب رئيسا للحكومة بعد ان كُسر نصاب الجلسة وخرج الجميع، الفائزون والخاسرون، على شاشات التلفزة للحديث عن انتصارهم في افشال جلسة البرلمان، بل حتى الذين لم يصوتوا لأي من المرشحيّن عدوا ذلك نصرا سياسيّا لهم. سوريا كذلك بلد منكوب، خربته الحروب الأهلية وبات أكثر من نصف سكانه بالمهجر، في حين ان حزب الحكومة وأحزاب المعارضة يتغنون بانتصاراتهم. وهكذا يمكننا الحديث عن ليبيا والسودان واليمن السعيد الذي لجأت احزابه السياسيّة لتبادل الاسرى فيما بينها، كل حزب فيهم يعده انتصارا له. وفي العودة لعراق الأزمات فإنه لا توجد علائم انتصار حقيقي ومكتمل يغطي كامل جغرافية الوطن، ففي الحروب الاهليّة والطائفيّة لا يوجد منتصر، وان مواجهة المحتل من دون قوى وطنية حقيقية لن تصل نهاياتها المرجوة، ولكن يمكننا القول ان الأحزاب السياسيّة العراقيّة، وبالذات التي لها أذرع مسلّحة، هي التي انتصرت على بلدها وشعبها وغنمت ما استطاعت من خيراته، وهي ما زالت منهمكة بتجنيد المسلحين ونشر الفكر المنحرف لإدامة هذا الانتصار، ولا يهمها فشل مشاريعها او انكشاف اكاذيبها ففي النهاية هي وجهة نظر في إدارة الدولة قد تصيب وقد تخطئ. وفي هذا المناخ العكر لا غرابة في ان نسمع للسياسيّ العراقيّ رأيا امام شاشات التلفزة هو غيره في البرلمان وهو غيره في هيئته الحزبيّة وهو غيره بين أفراد عائلته. فهو بتلونه واكاذيبه لا يريد إخفاء الحقائق التي باتت معروفة بالشارع، كذلك لا يحمي نفسه من خلالها فهو محمي بسلاح المليشيّات، ولكنه يفعل ذلك لسد النقص المتآكل في رصيده السياسيّ بعد عقدين من خطاب القوة والفشل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24