الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*سردية واقعية: مُسعِف النّحل !

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2023 / 6 / 29
الادب والفن


*كتب:لخضر خلفاوي*
***

"ضعيف البصر مثلي ما كان له أن يُبصرَ هذه النحلة الطَنّانة Bourdon terrestre / Bumblebees ..
-لو لا أن رآها قلبي و أنا خارج من البيت باحثا عن أُكسيجين متجدد بعدما لوّثته مخاضات حياتية لئيمة .. أفكاري المتلاطمة و المتضاربة دون انقطاع على مدار الساعة و لوْ أنّ أمر الساعة -يبدو- للموجوعين مثلي ليس بقريب و تعب القلب المُخضرم نخرَ كلّ المفاهيم و المعتقدات في أغوار النفس! ..
-النّحلة ثقفتها -أظنّ ذلك- أنها كانت تواجه السكرات الأخيرة، أو كانت تُصارع كرب كسر الجناح ؛ آه لو أخبركم كم هو فتّاك و ذَبّاح أن يُكسرَ جناحك .. فكلّما كُسر جناح أحدهم ، لا أدري أنْي أرى دائما مخيال وريده ينزف بغزارة !.. قلتُ في خلدي بكل غرور الكاتب الفاشل أو الكاتب المُساء فهمهُ .. صدقا لا أدري محلّي من ( الأعراب): كل ما أعرفه أنّ الخضر أعرف و أولى بمكارب خلق الله.. صديقي اللئيم الجميل، البليغ في سردياته العميد "تاج السّر" الذي كان يصطاد اليرقات حضرني اللحظة أو استحضرته النّحلة في عقلي، و ها أنا في موقف بائس/بطولي واهم ككل مرة.. لو أُخبركم أنّ عقلي أصيب بتخمة الوهم!..
***
-باستثناء( العنكبوتيات و شبكاتها و الحِرْبات و الأفاعي ) أحاول دوما فِطريا إسعاف سائبات النّمل و الرُّحّل من النحل الطّافشات أو المتمرّدات عن أسرابها و قُطعانها ، كذلك برّي يفعل ما يشاء و لم يستثنِ حتى الثعالب و القطط و العصافير و القنافذ التي تحجّ إليّ في مواسمها الخاصة بها و تتّصل بمحيط (بيتي التعيس وسط المروج) المترامية على لمح البصر فيَ بلاد الشّمال !).. كنتُ أجبر بعض كسورها أو أغنيها من جوع و عطش.. !..
-كنتُ هذا الصباح منشغلٌ على شكل يدحض كلّ جدل بوضع ( النّحلة) المُحرج التي تستند إلى تلك العُشبات الخضراء و تتوكّأُ عليها ربّما تستعيد عافيتها و تنجح مُحاولاتها في التّحليق و الطيران و الانطلاق لانعتاق كبير جديد نحو سماوات و آفاق؛ الله وحده هو الذي سيوحي إليها أيّ الوجهات يجب اتِّخاذها!.
-أنفقت من وقتي في محاولة إسعاف النحلة أكثر من ربع ساعة ثم تركتها بكل يأسي و حسرتي ، كوني على التّماس من عوالم الغيب أعرف بكل مفاهيمي الدنيوية و الوضعية أنه لا نجاة لمن كُسرَ جناحه .. تركتها تتلوّّى على سرير العشب لم تفقد الأمل أبدًا في محاولة القفز نحو العُلى ، رُبّما خُضرة عشبي أو الله قد أوحيا لها الأمل ! صدقا لا أثق في (الأمل) كونه شرّ و غواية لا بُدّ منه ، يُلهِمنا و يُلهينا حتى نقضى على غفلة من أمر انتظار تحققه !..غروري دائما من يقولي لي مُغرِّراً أنتَ الإنسان الوحيد بصدقه و وفائه المرضي من يجعل الأساطير واقعا ملموسا، ما خاب مَنْ -آمَلَ مُنتظراً- أساطيرك!. و ما انفضّ من حولك إلا المثبطين و المستأخرين!.
-كنتُ أسألُ نفسي متقدما نحو الموقف الجماعي للحافلات الحضرية ما سرّ و علاقة اجتياح شخص ( أمير تاج السّر) للحظتي هذه !؟ كنت أحفر في عتامة السؤال في خلدي علّني أجدُ تفسيرا لحضور ( يرقات) الكاتب السوداني العربي .. المعضلات الذهنية المزمنة التي أصابت ذهني و رأسي جعلتني أعجز عن إيجاد تفسير يليق بجنون و غرابة رجل مثلي ! قلت في نفسي و أنا امتطي عربتي الجماعية ، سأكتفي بمنطق اليرقة ، أليست اليرقات هي أصول لا جدالية ل النّحل !؟.
-هدّأت روع سؤالي بهكذا تبرير فسخرت من نفسي كالمجنون تماما و أنا اتخذ مقعدا في مركبتي قائلا : الحمد لله أنّ النحلة الطَنّانة ذكّرتي بكاتب و أديب عربي متمكّن من قفا و صدر الإبداع السردي .. و الحمد لله أنني لم ( أنقط) النحلة بضرب فكر جنوني فتحيلني ( النّخلة) إلى ( تولستوي، أو سيرغييفتش بوشكين، أو دوستويفسكي ) و أجدني أخوض في ثيمة لا تعني ثقافتي و لا هويتي … فأنا الذي كنتُ أحب هذا العِرق الأدبي ، صرتُ لا أحب التطرق إليه؛ لا لكونه لا يرقى إلى ذوقي بل اضطررت وقف ولائي لبعض روائع الأدب الروسي العالمي .. فقد نفّرني من هذه المدرسة جيل جديد من ( ببغاءات و أشباه الكتاب العرب )، الذين وضعوا بكل ثقل ( الاستجداءات الكتابية و التملّقات السردية و الانتحالات الباطلة و التزلّفات الروائية ) في حشر و ذكر هؤلاء في كل كل صغيرة و كل كبيرة من الكبائر الكتابية و في كل ( ضرطة إبداعية) قصد شدّ الانتباه على كونهم كتاب مثقفون و قرأوا للأدب العالمي و وجب على غيرهم احترام كتاباتهم ! هؤلاء المُعقًدون من الثقافة العربية و من الأدب العربي و من الهوية الشاملة عربيا هم الذين جعلوني أتوقف عن الاستشهاد بروائع هؤلاء الروس ! و كأنّ الأدب العربي لم ينجب عمالقة في كل الأزمنة جديرون بالحديث عنهم و الاستشهاد بهم في المنجزات السردية القصصية و الروائية و الشعرية و فرضها في عوالم أجنبية بدلا من حدوث العكس منذ أكثر من خمسين عام في تكريس عقدة الآخر و ثقافة الآخر!.

—-*)كاتب، مترجم، مفكر ، شاعر، تشكيلي، مصوّر فوتوغرافي ، إعلامي و مدير نشر-تحرير صحيفة ( الفيصل)-باريس.
باريس الكُبرى جنوبا (هذا الصباح )
-29 جوان 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل