الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاضرة: الأدب المقارن لغويا واصطلاحيا

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 6 / 30
الادب والفن


الأدب المقارن [comparative literature ] مصطلح حديث، يعبر عن علم من علوم الآداب الحديثة. وقد كثرت تعاريفه وتنوعت رؤى الباحثين والدارسين في مفهومه؛ ومن ثَمَّ تتضح ضرورة تجلية مفهومه. على النحو الآتي:
المصطلح لغةً:
ـــــــــــــــــــــ
وهذا المصطلح - كما تراه- تركيب أو تعبير وصفي، مكون من كلمتين هما: الأدب والمقارن. أما لفظة الأدب فقد تطور مفهومها بتطور الحياة العربية في الجاهلية حتى أيامنا هذه عبر العصور الأدبية المتعاقبة من معانٍ حسية إلى أخرى تربوية ثم تطورت الكلمة في العصر العباسي إلى معنى التعليم، والتثقيف، حيث الأخذ من علم وفن بطَرف. ثم انتهى المطاف بلفظة الأدب في منتصف العصر العباسي إلى عصرنا الحاضر أن صارت ذات مفهوم متخصص، هو: الإبداع اللغوي الفني الجميل المؤثر، المعبر عن المشاعر والأفكار، سواءً كان شعرًا أو نثرًا.
أما لفظة "المقارن" في اللغة فقد جاء في المعاجم:" قَرَنَ الشيء بالشيء، وقَرَنَ الشيء إلى الشيء، وقَرَنَ بين الشيئين قرنًا، وقِرانًا: أي جَمَعَ. أقرن فلانٌ : أي جمع بين شيئين أو عملين. قارنه مقارنةً ، وقِراناً: أي صاحبه واقترن به . وقارن بين القوم: أي سوَّى بينهم . وبين الزوجين قِراناً: أي جمع بينهما . والشيء بالشيء : أي وازنه به(محدثة). فظاهر أن مادة (قرن) تدور حول معنى الجمع والمصاحبة.
ويستعمل تعبير (مُقارِن)-بصيغة اسم الفاعل- في اللغتين:الألمانية والإنجليزية. أما في اللغة الفرنسية فيستعمله معظم الفرنسيين بصيغة –اسم المفعول- تعبير (مُقارَن).
ومن الملاحظ أن هذا التعبير قد شاع استعماله في اللغة العربية بكلتا الصيغتين[–اسم المفعول- تعبير (مُقارَن)، وصيغة اسم الفاعل(مُقارِن)؛ للدلالة على ذلك الفرع الدراسي المقصود هنا. ويبدو –كما يقول الدكتور السيد العراقي في كتابه( في الدب المقارن منهجًا وتطبيقًا)- أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف الأصل الذي ترجم عنه المصطلح؛ ولذلك ينبغي أن نلتمس لكل من الاستعمالين توجيهًا لغويا مقبولا يتناسب مع طبيعة اللغة العربية ومقوماتها. فتعبير (أدب مقارن) حينما يطلق للدلالة على هذا المنهج الدراسي تعبير مبتور حُذِف منه اسم لابد من تقديره ليتحقق المعنى المقصود.
إن تعبير (مُقارِن)-بصيغة اسم الفاعل- ينبغي أن يكون صفة لمحذوف يناسبه يكون فاعل المقارنة، كأن يكون المقصود مثلاً (تاريخُ الأدبِ المقارِنُ)، (علم الأدبِ المقارِنُ) (الدرسُ الأدبيُّ المقارِنُ). وتكون الصفة للدلالة على المنهج المتبع في التأريخ أو العلم أو الدراسة..
أما استخدام صيغة –اسم المفعول- تعبير (مُقارَن) فينبغي أن تكون لفظة المقارن صفة للأدب، لا لذلك اللفظ المحذوف، وذلك للإشارة على المنتج العلمي الذي وقعت فيه أو عليه المقارنة. وليس هذا المنتج (الأدب) هو المقصود فقط من هذا العلم بل هنا مفردات علمية أخرى مطلوبة سنعرفها في قادم الأطروحات...
سبب وصف الأدب بالمقارن وليس الموازن:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالتدبر للفظي المقارن والموازن في المعاجم العربية يتضح لنا أن :الموازنة لغويًّا تعني المقابلة بين شيئين للمفاضلة والترجيح بينهما والمقارنة لغويًّا تعني الجمع بين الشيئين والوصل بينهما فقط. وبالتالي فضل الباحثون استخدام لفظ المقارن للسببين الآتيين:
1- حتى نميز بين دراسة الآداب المتشابه كالمفاضلات التي تعقد بين أديبين في لغة واحدة وينتميان إلى جنس بشري واحد مثل أبي تمام والبحتري، وهذا يسمى بـ (الموازنة)، وبين دراسة الآداب المتشابهة في لغات عدة، كالمفاضلات التي تحدث بين أديبين عالميين في لغتين مختلفتين، وينتميان إلى جنسين بشريين مختلفين مثل شكسبير وشوقي، وهذا يسمى بـ (المقارن).
2- لفظ الموازنة لغويًّا فيه معنى المفاضلة والتقييم والترجيح، وهي غير مقصودة في الأدب المقارن، بل المقصود في الأدب المقارن العالمية المتشابهة وبيان ما فيها من تأثير وتأثر، وأما لفظ المقارنة ففيه -فقط- معنى الجمع والوصل. وهذا هو المراد، كما سيتضح في بيان المصطلح علميًّا.
الأدب المقارن اصطلاحًا:
للأدب المقارن مجموعة من التعاريف، منها:
تعريفات الغربيين للمصطلح:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كانت ألمانيا فتحت المجال لمنهج الدب العام أو الأدب العالمي فإن فرنسا تبنت الدعوة إلى منهج الأدب المقارن. ويُعدُّ مصطلح «الأدب المقارن» comparative literature مصطلحاً خلافيًّا؛ لأنه ضعيف الدلالة على المقصود منه. وقد نقده كثير من الباحثين ولكنهم في النهاية آثروا الاستمرار في استعماله نظراً لشيوعه. فمثلاً عدّه بول فان تييغم Paul Van Tieghem[] مصطلحًا غير دقيق, واقترح مصطلحات أخرى أقرب دلالة إلى موضوعه مثل: «تاريخ الأدب المقارن», و «التاريخ الأدبي المقارن», و «تاريخ المقارنة». واقترح ماريوس فرانسوا غويار M.F.Guyard مصطلحاً بديلاً هو «تاريخ العلاقات الأدبية الدولية». والملاحظ أن كلمة «تاريخ» هي المضافة في مختلف الاقتراحات البديلة, ذلك أن الأدب المقارن هو في الأصل تاريخ للعلاقات المتبادلة بين الآداب وللصلات والمشابهات المتجاوزة للحدود اللغوية والجغرافية, وفيما بعد أضيفت الحدود المعرفية.
ومن أهم تعاريف المصطلح غربيًّا:
-تعريف الناقد الفرنسي (فيلمان)عن الأدب المقارن الذي يعد أول من أطلق تعبير الأدب المقارن على هذا اللون من الدراسة في محاضراته بجامعة السوربون عام 1827م، ثم انتشرت وذاعت على الرغم من وجود اصطلاحات أخرى أكثر منه دقة وحكمة. ويعرفه بقوله: " إنه السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول". ويعد هذا التعريف قاصرًا؛ لأنه يُضيّق مفهوم الأدب المقارن وينال منه. وهو تعريف فيه حدة يوحي بأن قائله رومانسي، رافض لأداة للمحاكاة. وكلمة كل الدول بها غموض.وقصره على دراسة السرقات فيه تحجيم أو تضييق لمفهوم الأدب المقارن.
- تعريف (كروتشيه) الأدب المقارن بأنه " اسم جديد لنوع من الخبرة هي موضع التبجيل على مر العصور".
ويعد هذا التعريف مبهمًا خصوصًا في لفظتي (الخبرة ومر العصور)، وناقص لأنه لم يشر إلى عنصر التأثير والتأثر، وهو مادح للأدب المقارن. وذلك في قوله: (التبجيل)، كما يدل على أن صاحبه كلاسيكي أي مبجل للقديم. كما أنه تعريف غير سليم منطقيًّا؛ أولاً لأنه لم يحدد أن الأدب المقارن خاص بآداب مختلفة وبلغات مختلفة، ولم يذكر التأثير والتأثر، وثانيًا لأنه تعريف غير مُفهم لا يوصل المعني الاصطلاحي للأدب المقارن. و فيه غموض في لفظتي (الخبرة – على مر العصور) . ولعل أجمل ما فيه أنه مدح الأدب المقارن بلفظة التبجيل. وكأني بكروتشيه كلاسيكي يحب المحاكاة للأدب المقارن .
-يرى فان تيجم أن "غاية الأدب المقارن هي أساسًا دراسة الآداب المختلفة في علاقتها مع بعضها البعض"، بينما تعرف"أناساينيا ريفنياس"الأدب المقارن بأنه "علم حديث، يهتم بالبحث في المشكلات المتعلقة بالتأثيرات المتبادلة بين الآداب المختلفة.
- كما يرى "رينيه ويليك" أن الأدب المقارن هو الدراسة الأدبية المستقلة عن الحدود اللغوية العنصرية، ومن ثم يقرر ضرورة أن يدرس الأدب المقارن كله من منظور عالمي، ومن خلال الوعي بوحدة كل التجارب الأدبية والعمليات الخلاقة والسياسية.
تعريفات عربية للمصطلح:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال عدة تعاريف للأدب المقارن، هي:
الأدب المقارن هو: "دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها". ويمكن القول عن هذا التعريف بأنه تعريف جيد، لكنه لم يذكر عنصر التأثير والتأثر بين الآداب المختلفة.
ويقصد بالأدب القومي في هذا التعريف " أدب قوم بعينهم كُتب بلغة رسمية متداولة بين مجموعة من البشر". ويضاده الأدب الشعبي، الذي هو " أدب مجموعة من العامة، كتب بلهجتهم الخاصة التي لا يفهمها غيرهم".
وذكر الدكتور محمد غنيمي هلال تعريفًا آخر للأدب المقارن نصه: " العلم الذي يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، في حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر". وهذا التعريف سليم منطقيًّا وواضح تعبيريًّا يفهمه كل قارئ له.وهو الراجح. وقد ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال أن تسمية هذا العلم بالأدب المقارن تسمية ناقصة؛ إذ كان الأولى أن يُسمَّى (التاريخ المقارن للأدب) أو (تاريخ الأدب المقارن)، لأن هذا العلم يعتمد على المنهج التاريخي في بحوثه، ولكن شاعت هذه التسمية لإيجازها وسهولتها.
ويرى الدكتور عبدالحكيم حسان أن الأدب المقارن هو: دراسة علائق الوقائع التي وجدت بين منتجات أعاظم المؤلفين في كل دولة، والمنابع التي انتهلوا منها أو استوحوها أو تأثروا بها وهو يعنى أيضا بتلك التغييرات العجيبة أو التشويهات الأسيفة التي يحدثها الأفراد أو الشعوب في منتجات الأجانب خضوعا لظروف مختلفة وعوامل متباينة كالجهل والأوهام والأخيلة الخصبة، والقصص المتداولة، والمأثورات الموروثة.
و يذهب الدكتور عبد الحميد إبراهيم فيطرح تعريفاً جديداً للأدب المقارن يكون بالنسبة لتعريف الدكتور غنيمي هلال أقرب “للمعارضة”، فيقول: إن الأدب المقارن هو “توسيع مجال الموازنات الأدبية، لكي تنتقل من حدود اللغة القومية إلى الكشف عن العلاقات مع نصوص كتبت بلغات أخرى، و إثبات تلك العلاقات عن طريق النقد الأدبى من ناحية، و عن طريق البراهين العلمية من الناحية الأخرى”. و يختلف التعريف عما ذكره د. غنيمي هلال فقط في نقطة البدء، حيث يبدأ د. عبد الحميد إبراهيم من الأدب القومي (العربي)، و لكنه أيضاً يؤكد على التأثير و التأثر مثل الدكتور غنيمي هلال، لأنه يؤكد أن الأدب المقارن “ينطلق من نصوص أدبية، كتبت بلغة معينة، و خضعت لمقتضيات هذه اللغة البلاغية، ثم يبحث عن علاقتها من حيث التأثير و التأثر بنصوص أدبية كتبت في لغة مختلفة، و خضعت لمقتضيات هذه اللغة، و ذلك لكى يثبت أوجه التفرد عند هذا الأديب أو عند غيره”... إلى آخر هذه التعاريف التي تكثر كثرة تحتاج إلى تعليق نقدي مفصل يوازن بينها، ويوضح مدى التطور والتحول فيها، وأثر المدارس المختلفة في تذبذب هذا المصطلح!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??