الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 30 يونيو 2013 .. ذكريات شخصية .

أحمد فاروق عباس

2023 / 6 / 30
سيرة ذاتية


أنهيت إمتحانات الفصل الدراسي الثاني في الكلية فى أوائل يونيو ٢٠١٣ ..
كنت يومها لى عامين أعمل مدرسا بقسم الاقتصاد بكلية التجارة .. جامعة الأزهر ..
بعد انتهاء الامتحانات كنت على موعد مع السفر لقضاء أجازة الصيف فى مدينتنا .. مدينة نجع حمادي ..
وهى مدينة تقع إلى جنوب القاهرة ، وتبعد عنها أكثر من ٥٠٠ كيلو متر ، حيث أن أهلى - والدى ووالدتى وأهل زوجتى - يعيشون هناك ، وحيث اننى الابن الوحيد لوالدىَّ فلا يمكننى الابتعاد الطويل عنهم ..
كان معنى ذلك اننى لن أتمكن من المشاركة في فعاليات يوم ٣٠ يونيو المنتظر فى القاهرة .. عاصمة البلاد ومركز الحوادث الكبرى فيها ..
.. كان ذلك شبيها إلى حد ما بما حدث معى أثناء ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ قبلها بسنتين ..
فقد شاركت في ٢٥ يناير من أول يوم فيها ، وكنت ضمن أوائل من دخلوا ميدان التحرير ظهر ذلك اليوم مع التجمعات الآتية من عند دار القضاء العالى ..
كان يوم الخميس ٢٧ يناير ٢٠١١ هو نهاية امتحانات الفصل الدراسي الأول فى ذلك العام ، والغى معرض الكتاب الذى كان يجبرنى على البقاء يومين أو ثلاثة بعد الامتحانات ..
وكنت حاجزا قبلها بأيام - أنا وزوجتي - في القطار المتجه إلى الصعيد فى التاسعة مساء يوم الجمعة ٢٨ يناير ٢٠١١ ..
فى ظهر ذلك اليوم - وبعد صلاة الجمعة - كنت قد شاركت في المظاهرات التى خرجت من كافة أنحاء مدينة نصر متجهه إلى وسط القاهرة ..
ومشيت من مقر منزلى بجوار نادى السكة - أمام مبنى وزارة المالية - مع تلك التجمعات الحاشدة حتى ميدان العباسية ثم غمرة ، حتى وصلنا إلى ميدان رمسيس بعد تعب ..
كانت مظاهرات أخرى جاءت من أماكن متفرقة قد وصلت قبلنا إلى رمسيس ، ورأينا بأعيننا اشتباكها مع قوات الأمن في قسم شرطة الأزبكية ..
كان الرصاص ينهمر من حولنا من كل جانب ..
وتفرقت الحشود ، ورجعت إلى منزلى ..
( اختار بعض المتظاهرين العنف طريقا ، فعرفنا فيما بعد أن محكمة القضاء الإداري في شارع الجلاء قد أحرقت ، وأن قسم شرطة الأزبكية نفسه أصيب بأضرار كبيرة ) .
أخذت انا وزوجتى تاكسى ينقلنا إلى محطة القطارات في رمسيس ، كانت قوات الجيش قد نزلت إلى الشوارع لتأمينها بعد حوادث الساعات الماضية الدامية ..
وتم إيقاف سيارتنا أكثر من مرة للسؤال ..
ثم وصلنا إلى محطة القطارات ، وقبل ركوبنا القطار المتجه إلى الصعيد - وفى الجانب الآخر من المحطة - رأيت النيران فى بعض المبانى المطلة على شارع شبرا ، واطارات السيارات المحترقة ..
واصابتنى غصة مما رأيت ، فقد كان ذلك ثانى مشهد اشاهده ارانى أن الثورة التى كنا ننتظرها لم تعد سلمية كما كنا ننتظر ونتمنى ..
عندما وصلنا إلى الصعيد كانت مدينتنا هادئة ، وفوجئت - واستغربت - أن الرأى العام فيها لم يكن متحمسا لما يجرى فى القاهرة ، كان بعض الناس مازال متعاطفا إلى حد ما مع الرجل العجوز المسن على رأس السلطة وقتها - الرئيس مبارك - وأنه لا يستحق هذا الجزاء ، بينما كان الجزء الأكبر خائفا على البلاد من مصير مجهول ..
وبالتالى - وكما هو معروف - لم يشارك الصعيد كله تقريبا بصورة جدية في ثورة ٢٥ يناير ..
شاركت في بعض الفاعليات البسيطة والمحدودة في المدينة التى نظمت فى بعض الأيام ، وباستثناء ذلك كنا نتابع الحوادث مثل غيرنا حتى يوم التنحى في ١١ فبراير ٢٠١١ ..
.......................

نرجع إلى يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ..
رجعت الى نجع حمادي يوم ٦ أو ٧ يونيو ، كانت المدينة تعيش حالة شبه ثورية ، وبسرعة تعرفت على بعض المهتمين بالعمل العام والسياسى في المدينة ، مثل بعض قيادات حزب الكرامة وبعض الناصريين وبعض أعضاء حزب الدستور وحزب الوفد ... وغيرهم .
كانت الاجتماعات لتنظيم الانشطة المرتقبة تتم مرة فى مقر دار الخدمات النقابية فى الجزء القديم من المدينة أو فى مقر حزب الكرامة ..
وقد بدأت الفاعليات - وقفات وتوزيع منشورات ومظاهرات - قبل يوم ٣٠ يونيو بأربعة أو خمسة أيام ..
وفى أحد الأيام وأثناء خروجنا من دار الخدمات النقابية كان الرئيس الأسبق محمد مرسى يخطب خطابه الشهير يوم ٢٦ يونيو تقريبا ، فجلسنا على إحدى المقاهى نستمع إلى الخطاب لعل فيه جديدا ، وكان استغرابنا كاملا من منطق الخطاب ولهجته ..
كان معى في كل تلك الخطوات صديقى المقرب الدكتور - الطبيب - حسانى عبد الوارث ..
قبل يوم ٣٠ يونيو بيومين أو ثلاثة كنت اشترى شيئا من الأستاذ جورج ، وهو شاب صاحب مكتبة مجاور لمنزلى ، وقادنا الحديث إلى المظاهرات المتوقعة خلال يومين ، فقال لي :
- أننا خائفون جدا منهم .. أى من الإخوان .
فقلت له :
- كتر خيركم .. إذا كنا نحن - المسلمون - خائفون منهم ومن تطرفهم وارهابهم ، فما بالكم انتم !!
وكان مقدرا جدا وممتنا لدور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ..
وسألته :
- هل ستشارك في مظاهرات الأحد القادم ٣٠ يونيو ؟
فقال لي :
- لا لن نشارك .. فموقفنا ملتبس وحرج ، والمدينة ليست كبيرة .. وربما يظن أحد أن المسيحيين على رأس تلك المظاهرات ..
وتفهمت موقفه وقدرته ..
... وجاء يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
والحر وشمس الصيف فى الصعيد - لمن لا يعرفها - قاتلة ، ومع ذلك خرج عشرات الآلاف من بيوتهم للمشاركة فى ذلك اليوم ..
كان أغلب الناس قد وضع توقيعه على استمارات تمرد ، ثم خرجوا في اليوم المحدد ليقولوا للإخوان ومرشدهم ومندوبهم فى قصر الرئاسة ... كفى .
كانت الشوارع الرئيسية فى المدينة - وخاصة شارع ٣٠ مارس وشارع ٩ ، ١٠ يونيو - مليئة بالناس ..
.. وبالمناسبة ، فشارع ٣٠ مارس وشارع ٩ ، ١٠ يونيو فى مدينتنا تمت تسميتها بتلك الأسماء عام ١٩٦٨ .. ولذلك قصة ..
فشارع ٣٠ مارس سمى على إسم بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ الذى ألقاه في ذلك اليوم الرئيس جمال عبد الناصر بعد مظاهرات الطلاب في فبراير من ذلك العام ..
وشارع ٩ ، ١٠ يونيو هو ذكرى خروج جماهير الشعب المصري رافضة للهزيمة في ٥ يونيو ١٩٦٧ ومطالبة عبد الناصر بالبقاء ورد آثار العدوان ..
ومازال إسم شارع ٣٠ مارس على حاله ، بينما تم تغيير شارع ٩ ، ١٠ يونيو عام ٢٠٠٨ إلى شارع حسنى مبارك ..
وهما - مع شارع ١٥ مايو الموازى لهما - الشوارع الثلاث الرئيسية فى المدينة ، والتى تخترق المدينة طوليا من اولها إلى آخرها ..
استمرت المظاهرات صاخبة في المدينة أيام ٣٠ يونيو ويومى ١ ، ٢ يوليو ..
وفى يوم ٣ يوليو - وهو اليوم الذى حددته القوات المسلحة لنهاية إنذار ال ٤٨ ساعة لحل الأزمة - كانت حشود الناس أكبر واضخم من الأيام الماضية ..
وكان الأمر بالنسبة لي غريبا جدا ..
فكيف لمدينة تبعد عن العاصمة مئات الأميال ، ولا يوجد بها صحافة أو وسائل إعلام تغطى أحداثها وتنقل صوتها الى محيطها الأوسع أن تخرج كلها ، وهى تعرف أن رسالتها ربما لا تصل وأن صوتها ربما لا يُسمع ..
وربما لن يسمع أحد بما حدث فيها إلا ما يحكيه أبناءها لمعارفهم أو أصدقائهم خارجها ..
وكان الصعيد يوم الأحد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مختلفا تماما عن الصعيد يوم الثلاثاء ٢٥ يناير ٢٠١١ ..
فبينما كانت مشاركته في ٢٥ يناير غير موجودة - أو فى أحسن الأحوال باهتة - كانت مشاركته في ٣٠ يونيو قوية وصاخبة ..
وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك الحدث الكبير - ويوم ٢٦ يوليو - كانت الحشود أكبر حتى من كل ما سبق .. وهو اليوم الذى طلب فيه الفريق أول عبد الفتاح السيسي من المصريين الخروج ردا على من يقول أن ما حدث انقلابا عسكريا ، ولكى يعطونه تفويضا وأمرا بالتعامل مع الإرهاب والعنف المحتمل والمتوقع من الإخوان وحلفاءهم من التيارات الأخرى ..
وفى كثير من الأحيان كنت اتصل بأحد زملائي في الكلية الموجودين فى القاهرة ، كان بعضهم في التحرير وكان بعضهم الآخر عند الاتحادية ، وكان كلامهم أن الحشود غير مسبوقة في تاريخ مصر ..
وربما يظن البعض أن الازهريين والأزهر اخوانى أو سلفى الهوى .. وهو قول غير صحيح ..
نعم للإخوان والسلفيين وجودهم القوى فى الأزهر .. ولكن مثله في ذلك مثل باقى مؤسسات الدولة المصرية ، التى أثرت فيها عقود من الدعاية والنشاط من تلك التيارات ، وبعضه تحت سمع الدولة وبصرها ..
وفى الأزهر - لمن لا يعرف - وجود لكل تيارات الحياة السياسية والثقافية المصرية ، وأتذكر أنه عام ٢٠١٢ وجدت شبابا من طلاب الجامعة ينتمون إلى حركة ٦ أبريل ، وكان آخرون ينتمون إلى الوفد وبعضهم من أنصار الدكتور البرادعي أو حمدين صباحى ..
وان لزم الإعتراف أن الكثرة العددية تنتمى إلى الإخوان والسلفيين وباقى تيارات الإسلام السياسى بالطبع ..
.................
كانت تلك مجموعة من الذكريات تذكرتها مع مرور عقد كامل من الزمن - عشر سنوات - على ما حدث في مصر فى تلك الأيام الخالدة ..
كنت - ومازلت - فخورا بمشاركتى فى ثورة ٢٥ يناير وثورة ٣٠ يونيو ..
وكثيرا ما تلح على ذهنى لافتة وجدتها معلقة على خيام منصوبة أمام قصر الاتحادية بعد الإعلان الدستورى الغريب لمرسى فى أواخر نوفمبر ٢٠١٢ ، والذى فجر موجة احتجاجات هائلة في أنحاء البلاد ، وكانت البروفة الأصغر لما سيتم بعدها بسبعة أشهر ..
كانت اللافتة تقول ما معناه :
أن شباب ٢٥ يناير كما أنهوا حكم حسنى مبارك سوف ينهون حكم جماعة الإخوان المسلمين ..
وسيدفنونها - بعد ٨٠ سنة من عمرها - فى مثواها الأخير ، كما فعلوا من قبل مع الحزب الوطني ..
وهو ما تحقق فعلا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص