الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان يقتفي خُطى اليمن ويلج عرس الدَّم !

منذر علي

2023 / 7 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إنَّ الخلل في بلدان كاليمن والسودان وغيرهما، يكمن في طبيعة النخب الحاكمة، وتخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية، وضعف الدولة، والتدخلات الخارجية، وليس فقط في الشعوب المقموعة والمعطوبة بالجهل، التي هي ضحية الضحايا. التخلف الاجتماعي والسياسي و التنافر والانقسامات الداخلية والصراعات القبلية والطائفية والجهوية، تضعف المناعة الوطنية وتسهل اختراق القُوَى الخارجية التوسيعية للبلاد.
وبشكل تفصيلي، يمكننا القول إنَّ ما يجمع هذه البلدان المتفجرة بالصراعات الاجتماعية والعرقية والثقافية والسياسية، هو ضعف الدولة المركزية، وغياب المؤسسات القانونية التي تضبط الصراعات الاجتماعية والسياسية، وتبعية النخب الداخلية للقوى الخارجية التي تتدخل بصفاقة في شؤون اليمن والسودان وغيرهما من البلدان.
فالسياسي في هذه البلدان يمكنه أنْ يَدعِّي التزامه بالأممية ثم يتبني القبلية ويعتمد على قبيلته، ويمكنه أن يتحمس للوحدة ثم سرعان ما يتحمس للانفصال، ويمكنه أن يتحدث عن ضرورة التعايش بين السنة والشيعة، ثم يتمسك بالطائفية، ويمكنه أنْ يتحدث عن السيادة الوطنية، ثم ينتقل مع عائلته إلى دولة أخرى وتستضيفه الأجهزة الأمنية هناك، ويسلمها مفاتيح البيت، ويمكنه أنْ يلهج بالثورة والوطنية، ثم يتنكر للهوية الوطنية، ويلفق هُوِيَّة جديدة تفضي بالشعب إلى الهاوية، ويمكنه أن يفتي بضرورة التمسك بالتسامح ثم يفتي بالقتل، ويمكنه أنْ يتحدث عن الحب ثم يبث الكراهيَة، كما جرى ويجري في اليمن.
و السياسي كذلك، يمكنه أنْ يطلق على بلده، بأريحيِّة كبيرة ودون خجل، “جمهورية وديمقراطية" كما جرى في السودان، ثم يسلب المضمون الديمقراطي للدولة ويقتل الديمقراطيين، ويمكنه أنْ ينعت نفسه علنًا بأنَّه إمام المسلمين، ثم ينقل يهود الفلاشا سرًا إلى إمام اليهود في فلسطين المحتلة، ويمكنه أنْ يؤكد على أهمية وحدة الوطن ثم يقوض الوحدة الوطنية، بتطبيق الشريعة الإسلامية بطريقة خرقاء، في الأجزاء المسيحية والوثنية من البلاد. ويمكنه أن بقول بأنَّ انفصال السودان إلى دولتين شقيقتين "متجاورتين ومتحابتين" هو المخرج من الصراعات الداخلية والأزمات القائمة، فيقيم دولتين متشابكتين ومتحاربتين، وتغرق كل دولة في الصراعات الداخلية وتتعفن، و يجد نفسه أشد بؤسًا مما كان عليه حاله قبل الانفصال. ويمكنه أنْ يتحدث عن الحرية والانفتاح والديمقراطية، ثم يجلد الفتيات اللواتي يلبسن السراويل ويتجولنَ في شوارع الخُرْطُوم أو يسرنَ على شارع النيل و"يشربن القهوة بمزاج مع السكر"، كما تقول الأغنية السودانية الشهيرة. ويمكنه أنْ يرسل جزءًا من جيشه إلى اليمن لتحريره من المجوس و حماية مكة المكرمة. ويمكنه أنْ يتحدث عن التطور والرفاهية، ثم ينهب الشعب ويسرق ثروته، ويعمم الفقر، في القارة السودانية الغنية، فيلجأ الحاكم، بعد ذلك، إلى قطع أيادي الفقراء منعًا واستباقًا للسرقة.
وهكذا تمر الأيام ثقيلة كجثث الموتى، وينتفض الشعب السوداني، ويأتي حاكم آخر أكثر مكرًا، ويتظاهر بمساندة الشعب، ويقبل تشكيل حكومة توافق وطني، ذات طبيعة انتقالية، برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، ثم ما يلبث أنْ ينقلب على الحكومة التوافقية، ويزيح المدنيين من السلطة، ويزعم أنه عمل ذلك من أجل الحفاظ على الدولة. ويتحدث الحاكم الجديد عن مكر العدو الصهيوني، ويحذر الزول السوداني الطيب من العدو في النهار، ولكنه يلتقي بالعدو الصهيوني في منتصف الليل ويقيم معه علاقات وثيقة، تحت ذريعة فك الحصار على الشعب السوداني، واستدرار المساعدات الغربية والأمريكية وتشجيع الاستثمار والنهوض بحياة الشعب السوداني. ويتحدث الحاكم عن دولة النظام والقانون، ثم يخرق النظام والقانون، ويحكم قبضته على السلطة كما عمل أسلافه، ثم يسعى لإزاحة الشركاء العسكريين، فينفجر الصراع بينهم، كما جرى قبل بضعة أشهر الخُرْطُوم بين الفريق حميدتي والفريق البرهان واتباعهما العميان.
في الأخير، يجب التنويه إلى أنَّ الصراعات الداخلية المنفلتة في اليمن ليست معزولة عن القُوَى الإقليمية التوسعية، مثل إيران والسعودية والإمارات، التي تسعى، لاعتبارات جيوسياسية، لأضعاف اليمن والسيطرة عليه. كما أنَّ الصراعات التي انفجرت في منتصف أبريل من العام الجاري في السودان، ليست معزولة عن نشاط القُوَى الإقليمية، ولا سيما الإمارات ومصر وأثيوبيا وتشاد وغيرها، فضلًا عن الدولة الصهيونية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لتفتيت القارة السودانية. ولكن مجمل هذه العوامل الخارجية السلبية، سواء ما يخص اليمن أو السودان، لا تعفي القُوَى الداخلية في هذين البلدين من المسؤولية.
هذه هي، باختصار، حكاية قُوَى التخلف في المجتمعات المتخلفة والقوى الخارجية التوسعية. والحل، كما نرى، يكمن في تعزيز التضامن الوطني وبناء الدولة الديمقراطية العادلة والقوية والمزدهرة، المحصنة من الأخطار الداخلية والخارجية.
تُرى هل يقتفي اليمن خُطى السودان، كما أقتفى السودان خطى اليمن، وهل سينفجر اليمن من الداخل ويتمزق ويدخل في معارك أشد هولًا في المستقبل القريب، ولا سيَّما بعد المؤشرات على التصالح بين أنصار الله والسعودية، التي أععقبت التصالح السعودي الإيراني، وهل نتعلم من تَجارب الشعوب ونخرج من عرس الدَّم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات