الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثية ..الجسد ..الزمن..الماء

كريم عرفان

2023 / 7 / 1
الادب والفن


دراسة نقدية للمجموعة القصصية ( خلف جدران الجسد ) للأديبة والقاصة دعاء عثمان .

بين أيدينا اليوم مجموعة قصصية متميزة بعنوان ( خلف جدران الجسد ) للأديبة والقاصة دعاء عثمان ..
وأعتقد اننا يجب أن نرى النص ونتناوله بالدراسة والتحليل من خلال منظور معين وهو الاهتمام بثالوث أو ثلاثية ..الجسد – الزمن – الماء
- ولكن في البداية يجب أن ننوه عن أمر في غاية الأهمية عند تناولنا فكرة "الجسد " في الإبداع النسائى بشكل عام أو في المجموعة القصصية ( خلف جدران ) الجسد بشكل خاص .
فالجسد وموضوعه لدى المرأة يتخد أشكالا عديدة وأبعادا مختلفة فهو ليس حكرا أو يقتصر على الجانب الأحادى الذى نراه في كثير من الإبداعات ..
فالجسد الانثوى له دلالات أعمق وأكثر ثراء ورحابة وذلك ما ينتصر له دائما الأدب النسائى ويقوم بالتركيز عليه ويحاول إظهاره بشتى الطرق ؛ فجسد المراة يحوى الكثير والكثير من الرموز والدلالات التي تتصل بالذات الانثوية وبعالمها الخاص أو بالطبيعة والكون والوجود ككل ..؛ فكما نردد مرارا وتكرارا فإن المراة هي كيان ينتمى إلى الطبيعة ويدور معها حيث دارت والمراة كائن دائم البحث عن ماهيته وعلاقته بالوجود والكون والطبيعة ورموزها وكائناتها .
فالجسد في الإبداع النسائى بوجه عام وفى ابداع دعاء عثمان بوجه خاص له محاور عديدة وتجليات مختلفة ويبعث لنا شفرات خاصة جدا ومختلفة جدا تشى عما بداخل الذات الانثوية من عمق وثراء وتشابك وبساطة وتعقيد ؛ وأيضا يبشر دائما بما يصل الأنثى أو الإنسان بشكل عام بالطبيعة الام التي انبثق عنها وتولد منها الكيان الأنثوى والإنسانى .

- ومن المستحب أن نبدأ رؤيتنا النقدية بشكل تقليدى فنبدأ من العنوان والإهداء والغلاف والكلمات الإفتتاحية ؛ ولكن عند تناولنا هذه المجموعة فإن هذا الامر يعد وجوبيا ؛ فقبل أن ندخل عالم دعاء عثمان الإبداعى يجب أن نقرأ تلك العناصر السابقة قراءة متأنية ..
- فإذا جئنا إلى العنوان : خلف جدارن الجسد ..
فسنجد أن الجسد له حضوره الطاغى وتنوعات شتى وتجليات مختلفة حتى أن النص قد احتفل واهتم بظاهرة التجسد كما في قصة " لحظة في حلم " واهتم أيضا بما يغلف الجسد الانثوى كما في قصة " الفستان الوردى " وأيضا اهتم بالجسد في بعض الحالات الخاصة كما في اللقطة الإنسانية التي تقطر شجنا "مخاض " ؛ بل إن النص قد وجد جمالا في الجسد الانثوى الخاص بجمالات في قصة "بين الجدران " على الرغم من عدم تناسقه ؛ كما نجد النص قد قام بتجزئة الجسد كما في قصة " ذراع وحيد " وقامت بإضفاء الحياة عليها وجعلها تتكلم ؛ يقول النص :-
" تفاجأت ذراع (وحيد ) بذراع أخيه وأنفاسها تتهدج من الجرى ؛ نظرت إحداهما إلى الأخرى تساءلت هل تتشاجران ؟ أم تتعانقان ؟ تنحنحت الشجرة ؛ خشيت ذراع (وحيد ) ان تطردهما معا فتراجعت عن مخاطبة ذراع (رامى ) ذي اللسان السليط فاعتبرتها الذراع الكبرى أن (وحيدا ) هو من ساعدها على الهرب ."
فالجسد هو محور هام في هذه المجموعة القصصية المتميزة..
ولكن العنوان يوحى بأمرين ..الأمر الأول وهو إرادة التحرر والخروج من هذا الجسد ومن الإطار الذى يرسمه ويضعه ؛ لذلك لا نتعجب إذا علمنا أن القصة الأولى في هذه المجموعة هي "لحظة في حلم " تصور فتاة قد حدث لها ما يعرف في الباراسيكولوجى بظاهرة الخروج من الجسد .
ولكن العنوان أتى بهذه الصيغة خلف جدران الجسد وليس خلف قضبان الجسد فالعنوان يعترف ويمنح الجسد صفة السكن والبيت فهو لا يكفر به أو ينكره مطلقا ..هوفقط يريد أن يتحرر قليلا .

- والجديد الذى أتى به النص هو "التجسد الزمنى" إذ جعل النص المراة تحل في الزمن ويحل فيها الزمن ؛ إذ حل فيها الزمن وجعلها" قطعة زمنية مختصرة " وصارت "لحظة " ؛ فالنص قد حول المراة أو الذات الانثوية إلى قطعة زمنية مختصرة .
كذلك أدخلت الكاتبة الجسد في قصة " لحظة في حلم " أدخلته عالم الحلم الذى يحوى أبعادا عجائبية وغرائبية وأشياء تنتمى إلى العبث واللامعقول ؛ وكانت النتيجة أن قلصت الجسد الانثوى ليصير لحظة زمنية ؛ كما أدخلته عالم الحكاية الخيالى حتى صار كعقلة الإصبع في قصة " وهل أبحث عنها " فيقول النص :
" وجدتهم يلتفون حولى ؛ وأنا في سريرهم يبتسمون لى ؛ أنا لا أعرف هل تقلص حجمى بسبب الخوف منهم أم تضخم حجمهم ؛ أبدو كعقلة الإصبع بينهم " ص34

ف "هي " أي "الأنثى " تريد التحرر والإنعتاق من الجسد ولو قليلا .
اهتمام النص الفائق بالجسد جعل الكاتبة تفتتح مجموعتها القصصية بهذه الكلمات الفلسفية :
" نحن نحيا داخل جسد كبير يحتوينا جميعا ؛ كلما تعمقنا في أغواره ..اتجهنا نحو أجسادنا الصغيرة "
إذن فالكون بمشتملاته ومحتوياته أضحى في نظر النص الأديبة جسدا يحتوينا جميعا ونعيش فيه ويملأ كل منا حيزا من فراغاته ؛ والكاتبة تدعونا إلى التعمق في أغواره وأعماقه واستكشاف باطنه ؛ لأنه كلما فعلنا ذك فسنجد أنفسنا نعلم حقيقتنا وحقيقة ذواتنا وحقيقة أجسادنا الصغيرة التنى تنتمى إلى الجسد الأكبر وهو الكون ..وهو مايذكرنا بقول الشاعر ..
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر


- نأتى إلى الغلاف وهو الترجمة الفنية البصرية للمجموعة القصصية وهى ترجمة فنية موفقة إذ تصور لنا وجها أنثويا آخذا في التلاشى ..ليحل محله أشجار خريفية ذابلة ترمز إلى خريف العمر وإلى زحف الشيخوخة وتلاشى ذلك الوجه الأنثوى الشاب وتقلص مساحته فقط ليترك جزءا من الوجه الأنثوى وبه انكسار وحزن باد على قسماته .
وهو هنا يمثل إطلالة هامة على عنصر آخر في المجموعة القصصية وهو الزمن والذى هو بطل رئيسى حتى أن القاصة قامت بتشخصيه في أكثر من موضع في النص منها مثلا قصة "لحظة في حلم " إذ تقول
" مر على الماضى كالطيف المارق في داخلى وخرج كما لو انه لم يدخل ؛ أراسله فيرد على مرات ويتجاهلنى غارقا في نوبات حزنه مرات أخرى .." فقد شخص النص الماضى وكذلك الليل والنهار ؛إذ يقول :
" ثم ذهب الليل لينام ؛ ووقت الليل ينظر إلى العالم بعيونه السوداء حزينا " ص18 .

- ثم نأتى إلى الكلمات التي على ظهر الغلاف والتي تعتبر بمثابة قطعة فنية مليئة بالرموز والألغاز ؛ لكن الأهم هي استخدام القاصة مفردة "لحظة " وإدخالها بين قوسين فهنا قام الزمن بإغراق الفتاة في بحره وجردها من ذاتيتها وصارت لحظة ..
الملفت هو أننا يمكن أن نطلق على الفتاة التي غرقت في بحر الزمن ذلك الإسم " لحظة " وحينها سيتم قراءة النص بشكل مختلف وسيتم تأويله بطريقة مغايرة ؛ لنقرأ الخاتمة إذ تقول :
" ظلت لحظة واقفة إلى أن صارت عجوزا .."
فمن الممكن أن تقرأ هكذا ظلت لحظة أي ظلت الفتاة للحظة ؛ أو أن الزمن قد جردها تماما من ماهيتها وألبسها رداءه وأسماها لحظة ..
كذلك وجدنا بعض الرموز السيكولوجية في النص والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمرأة والزمن وهو رمز " المرآة "وهو الرمز الأكثر شعبية وانتشارا في الوسط الإبداعى النسائى ؛ ففي قصة ( لحظة في حلم ) رأت فجأة الشخصية الرئيسية طفلة تصرخ في حلمها واكتشفت أن صورتها التي انعكست على المرآة ظلت حبيسة بها ؛ الأمر الذى يدل على حنين الشخصية الرئيسية إلى الطفولة وأنها تريد إبقاءها وأن يتوقف الزمن عند تلك المرحلة العمرية ..

- وهذا ما يفسر لنا الإهداء الذى أتى حاملا اسم الدكتور والعالم الفيزيائى الشهير د / أحمد زويل والحاصل على جائزة نوبل ؛ فزويل قد قام بتفتيت الزمن إلى وحدات أصغر فأصغر حتى قدم للعلم الحديث ما يعرف بالفيمتو ثانية ..
وقد جاءت الكاتبة على خطى زويل لتجعل الزمن يستغرق الأنثى ؛ فقامت في هذه المجموعة القصصية بتأسيس أدبى وفلسفى يستند على الأساس العلمى والفيزيائى الذى قدمه د/ زويل ..
فكما قام زويل بتفتيت الزمن قامت الكاتبة بتفتيت الكيان الأنثوى إلى وحدات أًصغرها هي " اللحظة " .

- أيضا سنجد الكاتبة قد احتفلت بعنصر شديد الأهمية وهوالماء فالإنسان تراب وماء؛ والعنصر المائى يعد العنصر الذى يشغل الحيز الأكبر من التركيب الجسدى للإنسان ؛ وهو ما يدعونا إلى التأمل في ما قلناه من قبل عن اهتمام المراة والادب النسائى عموما والقاصة دعاء عثمان بالطبيعة ورموزها وما تحتويه ؛ حتى أنها اهتمت بالماء اهتماما فائقا ..لننظر مثلا إلى القطعة الفنية الرائعة إذ تقول :
( تساقط قطرات الماء من كل صنابير الأرض ؛ تقفز واحدة تلو الأخرى ؛ تتكاثر ؛ تتزاحم ؛ تتواءم ؛ تتلاءم ؛ حبات بلورية تتكون ..تكبر ؛ يزداد حجمها تنمو تتزايد تسقط آخر قطرة منها يكتمل الكون ؛ مياه المحيطات ؛ البحار والأنهار ؛ البحيرات تتبخر تتصاعد تتجمع تتلاشى ؛ تختفى ..)

فهى تجعل من قطرات المياه أبطالا لقصتها ثم تربط بينها وبين الجسد البشرى إذ تقول :
" اختفت المياه من كل مكان على وجه الأرض لم يتبق منها إلا التي تسكن الأجساد .." ص21
ثم تعنون بعض الفصول بظاهرة مائية شهيرة وهى "التبخر" والتبخر له صلة قريبة جدا بالتلاشى والأفول وهو مصطلح نلمحه في النص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا