الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوهرة في الاوحال احيانا

رياض ممدوح جمال

2023 / 7 / 1
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد
تأليف : رياض ممدوح جمال

الزمان : عام 1993
المكان : العراق والأردن

الشخصيات :
المحقق : رجل بملابس مدنية حسن الهندام في الاربعين من العمر.
المتهم : رجل في الثلاثين من العمر، وسيم ولكن متسخ وممزق الملابس من اثر
التعذيب.
امل : فتاة في الثلاثين من العمر. انيقة ومتوسطة الجمال.

المشهد الاول

المنظر : (غرفة تحقيق وتعذيب، متهم معصوب العينين ومقيد اليدين جالس على
كرسي، المحقق جالس امامه على كرسي وبينهما منضدة عليها بعض الاوراق والة
تسجيل، ومن السقف يتدلى مصباح انارة خافت يشكل بقعة ضوء على المتهم فقط،
ولا يظهر وجه المحقق).
المحقق : حسب اوراق التحقيق التي امامي، انك معترف بجريمتك يا صباح.
ولدينا شريط مسجل بصوتك، بتاريخ 2/4/1993وانت تعترف بذلك، اليس كذلك؟
المتهم : انا لم أنكر اي شيء. ولكن ما جرى ليس بإرادتي. ولا اعتقد اني
استحق المحاسبة والعقاب عليه.
المحقق : لست انت من يقرر ذلك، وان المحكمة هي صاحبة الحق بان تقرران
كنت مذنبا تستحق العقاب ام لا. وان القانون لن يحاسبك على حلمك او شتائمك، بل
يحاسبك على نيتك. ان كل من يشتم الرئيس او الحكومة هو مشروع للخيانة
والتآمر، وعليه يعاقب قبل ان يشرع بالتآمر.
المتهم : يا سيدي، انه مجرد حلم في منام، وليس حلم في الصحو. وليس من
المعقول أن يحاسب الإنسان على حلم شاهده أثناء نومه.
المحقق : صباح، انت صحفي ومثقف، ومن المؤكد انك اطلعت على شيء
من نظريات التحليل النفسي الحديث وتفسيره لأحلام المنام، على انها في الحقيقة
كانت احلام في العقل الواعي ثم نزلت الى العقل الباطن، والذي يظهر مخزونه في
احلام المنام. وفي النتيجة ان تلك الاحلام موجودة، او كانت موجودة في عقلك
الواعي.
المتهم : صحيح ذلك يا سيدي، ولكن ليس دائما، وليست هذه قاعدة ثابتة تنطبق
على جميع الاحلام.
المحقق : ولماذا لا يكون حلمك من تلك الاحلام التي هي خارج القاعدة؟
المتهم : لا يحكم القانون بالشبهات والنوايا.
المحقق : يترك ذلك لتقدير المحكمة لاحقا.
المتهم : انه خطئي أن تحدثت عن حلمي حتى وإن كان امام أخلص اصدقائي.
المحقق : أصدقاؤك!؟
المتهم : نعم فقد رويت حلمي لاثنين من اخلص اصدقائي فقط، ولا احد غيرهم.
ولا بد أن أحدهما دبر امر التسجيل.
(يسجل المحقق ملاحظة على ورقة أمامه على المنضدة)
المحقق : يبدوا انك لم تسمع شريط التسجيل بصوتك وانت تروي حلمك!
المتهم : كلا يا سيدي. ولكن حدثوني وسألوني في التحقيقات السابقة عنه.
المحقق : اذن سأجعلك تسمعه بنفسك.
(يضغط المحقق على زر تشغيل آلة التسجيل، وينطلق صوت المتهم متحدثا)
صوت المتهم : حلمت ليلة البارحة بأني قمت بحركة انقلابية ضد السلطة,
ونجحت، وتم تنصيبي رئيسا للبلاد. واني أقف على منصة للخطابة وجموع
الجماهير تحييني وتهتف باسمي وبحياتي. واني اكيل الشتائم للرئيس وللحكومة.
فما تفسير هذا الحلم، يا سعاد؟ انت تجيدين تفسير الاحلام.

(ينتهي الصوت وتتوقف آلة التسجيل، وتتغير ملامح وتقاسيم وجه المتهم)

المتهم : يا الهي، لا أصدق ما تسمع اذناي، اهي كلمات التي سمعتها ام رصاص
مصهور صب باذاني، يا الهي. سعاد، نعم سعاد. سعاد زوجتي. وكلامي هذا كان
معها، وكنا وحدنا في غرفة نومنا. وكانت اذن الة التسجيل ثالثنا!
(يسجل المحقق ملاحظة في ورقة امامه على المنضدة) ما هذه الامور التي تسير
من غريب الى اغرب! وما هذا العذاب والهم والذهول والعجب، كلها ألان تقيم في
راسي، أخشى أن أكون قد اصبت بالجنون. سعاد، يا نطفة الشيطان، يا غرزة
المخرز في القلب المتضخم والعين الكليلة. انتهت الفضيلة من هذا العالم ولم يبق
في كأس الحياة إلا الثمالة. اكاد الان اذوب دمعا ساخنا.
المحقق : ما ارى فيك الا كتلة من مأساة صادقة. وقد مال قلبي اليك حزنا. وان
صدق المك وليد نزاهتك، وازال شكوكي فيك.
المتهم : اعذرني فان قطرات البحر كلها لو تحولت الى كلمات لتعزيتي فلن
يكفي، يا سيدي. ان الافعى انتقامها رهيب.
المحقق : هل في الامر انتقام؟
المتهم : كنت أتوقع منها غرزة دبوس لا طعنة خنجر كهذه.
المحقق : وما دوافع هذه الطعنة؟
المتهم : منذ اكثر من شهرين ونحن على خلاف حول حاجتنا لبيع دارنا، والذي
هو في الحقيقة ملكي انا، وسبق ان سجلت ملكيته باسمها.
المحقق : وكيف تخطئ مثل هذا الخطأ؟
المتهم : النذالة لا تتـــــضح معـــــالمها إلا بعد التنفيذ. في حينها كنت جنديا في
الحرب، وكنت قد عزمت على الهرب فخشيت ان تصادر الحكومة الدار، فسجلت
عائديته اليها.
(يكتب المحقق ملاحظة في ورقة امامه)
ترفض الان بيعه، رغم حاجتي الماسة الى بيعه وشراء غيره في مدينتنا خارج
العاصمة لكي اكون قريبا من اهلي هناك، وكذلك لان عملي في الصحافة انتقل الى هناك.
المحقق : هل يصل الحال الى انها تتخلص منك بهذه الطريقة من اجل الدار؟
المتهم : انا ايضا استغرب ذلك، يا سيدي.
المحقق : هل وصل التفسخ العائلي والاجتماعي الى هذا الحد!
المتهم : انا بحكم عملي الصحفي اطلعت على الكثير مثل هذه في مجتمعنا ,
لكني لم اكن ان اتصور ان هذا التفسخ يصل بيتي.
المحقق : هل لديكم اولاد؟
المتهم : لديها ولد واحد من زوجها السابق.
المحقق : يبدو لي انك ضحية، وبي رغبة في مساعدتك.
المتهم : اكون شاكرا لك، ولن انسى فضلك هذا طول عمري. ولكن كيف ذلك
يا سيدي؟
المحقق : الان سنبدأ بأهم حديث في جلستنا هذه، واريد منك ان تفتح اذنيك وان
يكون عقلك الة تسجيل لكل كلمة سأقولها لك.
المتهم : ليت لي الآلاف الأذان لأصغي بها اليك، وانا طوع امرك.
المحقق : ان المادة القانونية المدونة في اوراقك التحقيقية والتي سيطبقونها عليك
هذا نصها ”الاهانة او التهجم على الرئيس او الحكومة، بشكل سافر وبقصد اثارة
الراي العام، عقوبتها الاعدام”. هذه الفقرة موجودة في القانون العراقي فأنا انصحك
بأن تتمسك بالقول : ”اني لم اقصد اي إثارة للرأي العام، لا ينطبق هذا القانون علي،
لان كلامي كله كان في غرفة النوم ومع زوجتي فقط. فأين الإثارة للرأي العام؟ ”
واياك ان تذكر انك قد اخبرت صديقيك بما شاهدته في الحلم والا سيتم اعتقالهما
بتهمة التستر عليك وعــدم اخبارهم للسلطات الامنـــية بما قلــته لهما. اياك ان
تذكر اطلاقا صديقيك، في اقوالك، والا ستجلب الكارثة لك ولهما ايضا. والموضوع
الآخر الذي عليك إخفاؤه وعدم ذكره ابدا، هو موضوع نيتك الهرب من الحرب.
فإن ذلك سيكون مؤشرا سلبيا عليك. وانتبه جيدا لهذه النقاط في الجلسات التحقيقية
القادمة. واياك ان تزل. وكن حذرا في كل كلمة تقولها مع المحققين الاخرين، أوفي
المحكمة. والنصيحة الاهم والاخيرة، هي ان يبقى ما قلته لك الان سرا لا تبوح به
إطلاقا، لأي شخص كان، (يبتسم) وخاصة زوجتك. وإذا التزمت بنصائحي، حتما
ستخرج براءة.
المتهم : سيدي الكريم، هل تسمح لي بأن ارفع القماشة عن عيني، لأراك ولو
للحظات.
المحقق : ولماذا هذا الطلب؟
المتهم : لأحفظ وجهك وابقى طول عمري مدين لك، ولعل في يوم ما استطيع
ان ارد جزءا من جميلك هذا.
المحقق : كلا، اللوائح الرسمية لا تسمح بذلك.
المتهم : وكيف سارد لك جميلك؟
المحقق : لم افعل الا ما املاه علي ضميري. ولابد ان نلتقي في يوم ما.
المتهم : سأبقى بانتظار ذلك اليوم الى اخر العمر.
المحقق : لقد تجاوزت الوقت المحدد للتحقيق معك. وعلي المغادرة الان .واطمان
وكن واثقا من براءتك. وسأتابع قضيتك الى الاخير. استودعك الله، والى اللقاء.
(ينهض المحقق ويلملم الاوراق من على المنضدة يأخذها ويخرج)

ستـــــــــــــــــار

المشهد الثاني

(يجلس صباح مع امل بكافتيريا في الاردن، بعد احتلال العراق)
صباح : هذا هو ماضيي، ومن حقك أن تعرفي كل شيء عنه، لنكمل البقية من
حياتنا معا. فانت خطيبتي الان وستكونين زوجتي.
امل : بل قل لنبدأ الحياة من جديد، يا حبيبي.
صباح : اي دوامة كنت فيها انا! لشدة عصف تلك الدوامة ولعمقها، احس انه
مضى عليها الاف السنين، وأصبحت شيئا من التاريخ. اطالع صفحات الماضي
كأني اطالع ملحمة أسطورية من العصور السحيقة في التاريخ. وفي نفس الوقت
تجري أحداثها في دمي وفي كل خلية من خلايا جسمي. كان جرحا كبيرا يصلح أن
يكون قبرا لي.
امل : من الافضل ان تتعود النظر لهذا الجرح وتبتسم. لكي نبني مستقبلنا
على ارض نظيفة خالية من انقاض الماضي.
صباح : معك حق. وانا احب فيك تفاؤلك. وهذا يمنحني الأمل، يا حبيبتي.
امل : اريدك ان تتحدث عن الماضي لا كمن يفتح الجرح بل كمن يتصفح
كتاب لأسطورة قديمة لا تخص الا اجدادنا من بعيد.
صباح : لك ما تريدين.
امل : (تضحك للمزاح) اذن حدثني بتفصيل اكثر عن النهاية المأساوية
لزوجتك السابقة.
صباح : (يضحك بقهقهة) هل ابتدأت غيرة النساء؟ وهل يهمك مصيرها؟
امل : ليست مسالة غيرة، بقدر ما احب ان اعرف كل شيء يخص حبيبي.
صباح : (يضحك) ان حواء تجيد دائما اخراج العسل من خلية النحل.
امل : (تمزح) ان ادم يجيد تحليل الماء الى عناصره الاولية.
صباح : حسنا يا حبيبتي، سأعيد وبتفاصيل اكثر عن قصتها. خائنة
كانت، وكجلد الافعى الأملس. علمت فيما بعد ان دموع امي شحيحة امام
أمام غزارة دموعها على، حين كنت معتقلا. ان الزمن كفيل بنشر ما تخفيه
الخديعة.
امل : كيف حدثت فاجعتها؟
صباح : احيانا يكون الزمن عادلا، فأذاقها من نفس كاس غدرها. بعد انفصلنا
بأكثر من خمس سنوات انضم، ابنها الذي اصبح شابا. إلى عصابة للسطو المسلح.
والقي القبض عليه وحكم بالإعدام. توسطت هي برجل تعهد لها بان ينقذ ابنها من
الاعدام مقابل مبلغ كبير، فاضطرت الى بيع الدار نفسه، واعطت المبلغ الى الرجل
الذي اتضح فيما بعد انه احتال عليها. ثم تم تنفيذ حكم الاعدام على ابنها .واصيبت
هي بجلطة وماتت.
امل : حقا ان نهايتها مأساوية جدا، رغم كل شيء.
صباح : انها شربت نفس كاس غدرها حد الثمالة.
(يبدو ارتباك على وجه امل وهي تنظر بنظرات خاطفة الى رجل جالس بعيدا خلف
صباح في نفس الصالة)
صباح : ماذا يا امل، اراك مرتبكة، ما الامر؟
امل : طوال فترة جلوسنا هنا انا وانت، هناك رجل خلفك وبمواجهتي، يكثر
النظر الينا بين لحظة واخرى. هل تعرفه؟
صباح : (يلتفت بشكل هادئ ليلمح الرجل) كلا لا اعرفه ابدا.
امل : لنتركه وشانه اذن.
صباح : يجب عليه هو ان يتركنا وشاننا.
امل : (باندهاش) لقد نهض ويتجه نحونا!
(يصل الرجل عند طاولة جلوس امل وصباح بكل ثقة)
الرجل : مرحبا أستاذ صباح.
صباح : (بتعجب) وتعرف اسمي ايضا!
الرجل : اعذروا لي تطفلي وازعاجكم.
صباح : لكني لا اعرفك، واجزم اني لم اراك من قبل.
الرجل : حقا لم تراني، ولكني رايتك وكلمتك وكلمتني. قبل اكثر من عشر سنوات
صباح : (ينهض مصدوما وهو ينظر بعيني الرجل)
نعم عرفتك الان من صوتك! في الشعبة الخامسة في الكاظمية، في عام 1993،
زنزانة 32 ؟
الرجل : (مبتسما) نعم. وقلت لك في حينها، سنلتقي في يوما ما.
(يهب صباح ويحتضن الرجل باكيا)

ســـــــــــــــــــــــــــــــــتار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية