الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 30 يونيو .. نظرة على الأفق الأوسع .

أحمد فاروق عباس

2023 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ربما طغت مشاغل ومشاكل الحياة بالنسبة للمصريين عن الاهتمام بالتغييرات الكبرى التى حدثت في مصر منذ عشر سنوات ..
ولكن مشاغل ومشاكل الحياة لن تتوقف ، وهى موجودة طالما بقى الإنسان ، ولكن اللحظات الكبرى في حياة الامم والشعوب دائما أولى بالتذكرة والاهتمام ، والعودة إليها مرة ومرات للدراسة والاعتبار ..
وهى فى النهاية جزء من الذاكرة الجماعية للأمم تستدعيها فى وعيها ، وتضعها أمام أجيال جديدة لم تشهدها حتى يظل للامم ذاكرتها ووعيها وتاريخها ، ولا يعبث بهم أى عابث .
ويوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وما بعده من تلك الأيام الخالدة ..
ومعناه الأكبر ليس التخلص من رئيس أو حكم معين ، فالرؤساء يأتون ويذهبون ، ولكنه هو اليوم الذى أوقف مشروعا هائلا لرسم خرائط المنطقة بصورة لا تقل مأساوية عن تقسيمها منذ مائة عام على يد الثنائي البريطانى الفرنسي مارك سايكس وجورج بيكو ..
جاءت الولايات المتحدة إلى الشرق مع بداية الألفية ومعها مشروعها الهائل لتغيير الشرق الأوسط ، وكنس نظم الحكم فيه واستبدالها بنظم تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى وفى القلب منه حركة الإخوان المسلمين ..
كان دوافع الولايات المتحدة لذلك الاتى :
١ - أن الصراع العالمى انحصر الآن في الولايات المتحدة والغرب من جانب ، والصين وروسيا وحلفاؤهما من جانب آخر ، ولما كان التنافس الاقتصادى غير مأمون الجانب بعد الصعود المذهل للصين واستعادة روسيا عافيتها بعد سنوات يلتسين الكئيبة ، فإن الصراع لابد أن يجد منافذ أخرى غير الاقتصاد ..
هل استخدام السلاح والحرب ممكن ؟!
طبعا مستحيل ، فالدول الثلاث مسلحة نوويا حتى أسنانها ، وأى خطأ في حسابات أى طرف معناه نهاية الدول الثلاث فورا ومعهم باقى البشرية ..
٢ - هنا تفتق ذهن المفكرين والمخططين الاستراتيجيين على ضفتى الأطلنطي على إدارة الصراع مع روسيا والصين بوسائل أخرى .. منها :
أ - الحرب الإعلامية لإقناع شعوب الدولتين بأنهما يعيشان في ظل نظم حكم مستبدة وظالمة ، لعل الشعوب تنتفض وتدخل بالتالى البلدين في دوامات لانهائية من الفوضى ، سيعمل الغرب على تغذيتها باستمرار من وراء ستار ..
ب - وكان من ضمن الوسائل محاولة تغذية نعرات الانفصال فى الدولتين ، سواء بنداء القوميات أو نداء الدين ..
ومن هنا طلب أهل التبت فى الصين الانفصال عن الدولة المركزية في الصين ، وطلب أهل الشيشان الانفصال عن الدولة المركزية في روسيا ..
ج - وكان من ضمن الوسائل خلق حزام من الدول المعادية حول الدولتين ، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين في حالة الصين ، وتركيا وأوكرانيا وكازاخستان فى حالة روسيا ، وإذا حدث أن كان فى أوكرانيا أو كازاخستان أو غيرهما نظم صديقة لروسيا تكفلت تقنية الثورات الملونة بطرد أصدقاء روسيا والمجئ بأصدقاء أمريكا ..
كما حدث فى جورجيا وأوكرانيا وصربيا وغيرهم ..
٣ - كانت الوسيلة الأهم والأكبر لإدارة الصراع مع روسيا والصين من وجهة نظر المخططين والمفكرين الاستراتيجيين - أمثال صامويل هنتنجتون وبرنارد لويس ووليام كريستول ومفكرى مراكز الأبحاث الكبرى في الغرب ذات الصلة الوثيقة بمراكز صنع القرار - والذين يرسمون استراتيجيات الصراع في الغرب هو إيصال تيارات الإسلام السياسى إلى الحكم بعموم الشرق الأوسط ..
ومن وجهة نظرهم يحقق ذلك الاتى :
أ - أن نظم الحكم القديمة تجاوزها الزمن ، ولم يعد لديها ما تقدمه ، واغلبها قائم بفضل قوة السلطة وليس باقتناع الناس ورضاهم ، لذا فإن قدرتهم على خدمة الخطط الأمريكية الجديدة محدودة ..
ب - أنه لابد من إيصال قادم جديد لم يختبر أو يجرب بعد ، خاصة وأن ذلك القادم الجديد قائم على اعمدة دينية ، والدين في هذه المنطقة من العالم هو لب الحياة وغايتها ، وحوله تدور كل نشاطات الحياة الأخرى ..
ج - أنه حتى يبين خواء القادم الجديد وعجزه يمكن استغلال جموحه ولاعقلانيته فى خطط الغرب الجديدة للمنطقة والعالم ..
وهنا جاءت الحقبة التركية فى العالم العربي ، وهنا أيضا جاءت لحظة الإخوان المسلمين وباقى تيارات الإسلام السياسى التى انتظروها طويلا طويلا ..
فتركيا عضو قديم في حلف الأطلنطي وهى مطلعة بحكم موقعها ذلك على خططه الجديدة ، ووافقت على تنفيذ نصيبها منها ..
وجرى الأمر كالأتى :
١ - إيصال تيار الإسلام السياسى التركى إلى السلطة ، مع ضمان حياد الجيش التركى وسكوته ..
٢ - مساعدة تركيا اقتصاديا لخلق نموذج يغرى الاخرين باتباعه ، وهنا تدفقت أموال الغرب على تركيا بلهفة غريبة !!
وطبقا لتقارير الانكتاد ، فبينما لم تصل الاستثمارات الأجنبية المباشرة الى تركيا فى التسعينات إلى مليار دولار سنويا وصلت فى سنة واحدة مثل ٢٠٠٦ - وبعد إيصال تيار الإسلام السياسى التركى إلى السلطة - إلى أكثر من ١٠ مليار دولار !!
وفتحت أسواق الغرب كله ( الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ) أمام السلع والمنتجات التركية ، وزادت أرقام السياحة المتجهة إلى تركيا زيادة كبيرة ..
وقدمت تركيا الى عالم عربي يعيش صعوبات اقتصادية من كل نوع باعتبارها النموذج الكامل للنجاح الاقتصادى ..
وقُدم الحكم الجديد فى تركيا باعتباره النموذج الكامل لمن يريد التقدم ، والوجه الجديد لدمج الإسلام بالحداثة ..
وتعلقت الجماهير العربية بالفعل بالوافد الجديد ، ووجدت فيها الشفاء من كل امراضها ..
وتقدم الإخوان المسلمين باعتبارهم وكلاء القادم الجديد السائرين على دربه في العالم العربي ..
وكان كل شئ جاهزا ..
وجاءت سنة ٢٠١١ وتكفلت بإنجاز المطلوب :
طرد نظم الحكم القديمة التى تجاوزها الزمن من السلطة ..
وإفساح المجال للقادم الجديد للتقدم والوصول إلى السلطة ..
وفى ظرف غمضة عين وجد الإخوان المسلمين أنفسهم يحكمون مصر وتونس وليبيا والمغرب ، وعلى وشك أن يحكموا سوريا واليمن ، وفى فترة ليست بعيدة جدا ربما استطاعوا الوصول إلى قدس اقداس الغرب وهو منطقة الخليج العربية الغنية بالبترول ..
كان المشروع الأصلى وكما تصوره مخططوه يسير بشكل ممتاز ..
لم يتوقف أحد ويسأل كيف لثورات تدعى الديموقراطية وتطلبها أن يصل إلى السلطة عبرها نظم حكم دينية لا تؤمن فى قرارة نفسها بالديموقراطية أو نسبية الحقيقة ؟!!
لم يتوقف أحد ويسأل كيف لثورات تدعى الديموقراطية وتطلبها أن يظهر في ظلها تنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة فى سوريا ، وحازمون وأنصار بيت المقدس في مصر ..
وكيف يكون عنوان الحقبة كلها - سلطة ومعارضة - تنظيمات دينية متطرفة ينزع أغلبها إلى الإرهاب والعنف ؟!
وكيف - في ظل تلك الديموقراطية المفترضة - تم تهميش كل التيارات المدنية العادية من ليبرالية ويسارية وقومية ..
لكن اتضح انه لم يكن المطلوب ايجاد بديل مدنى عاقل يستطيع التعامل بحكمة مع تلال المشاكل ..
بل كان المطلوب ايجاد بديل مشاغب ، لا يمتلك عقلا بقدر ما يمتلك حنجرة وصوتا عاليا ووجها متجهما ورأى يريد فرضه على الناس بالقوة ..
فى ظل كل هذه الظروف الرهيبة جاءت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ فى مصر ..
عندما تقدم عشرات الملايين من المصريين ووراءهم جيشهم الوطنى يحتمون به ويحتمى بهم يقولون بصوت واحد مسموع لهذا المشروع شديد الجموح والغرابة .. كفى !
وكان نتيجة ذلك اليوم الخالد أن تغيرت خرائط المنطقة من جديد ، واهتزت قوائم مشروع هائل استلزم من واضعيه جهدا ومالا بلا حساب ..
بعد كل ذلك ..
هل تُركت مصر - والحكم الجديد فيها - فى حالهم يلملمون جراحهم ويبنون بلدهم بهدوء ؟!
لم يحدث ذلك بالطبع ..
وكانت مصر وثورتها الجديدة على موعد مع اختبارات لا تقل قسوة وضراوة من كل ما سبق ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟