الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله والفقر

خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)

2023 / 7 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قصة الله والفقر أو أسعد الوراق
نشر صدقي إسماعيل (1924-1972) روايته القصيرة (الله والفقر) عام 1970 أي قبل موته بعامين، برعاية اتحاد الكتاب العرب في سوريا. تحولت القصة إلى مسلسل مرتين، كانت الأولى في عام 1975 والثانية عام 2010.
ولد صدقي إسماعيل في لواء إسكندورن وبعد الإستيلاء عليها من قبل تركيا هاجر مع الكثيرين إلى داخل سوريا ودرس في جامعة دمشق، وتخرج بالفلسفة. كنب القصة القصيرة والرواية وحتى التنظير السياسي. درّس في جامعة حلب ودمشق وتتلمذ على يد زكي الأرسوزي الذي هاجر أيضاً من لواء لسكندرون. أما عن القصة فهي تروي حكاية رجل فقير مقطوع من شجرة مسكين ومنتوف إلى حد الفاقة. وهي تبدأ بعبارة " منذ عشرات السنيين لم يعرف حي الجبل رجلاً مظلوماً مثل أسعد الوراق، فقد سجنته الحكومة ثلاث مرات في أقل من عام ولم يكن له ذنب". وهذه العبارة هي المفتاح التي وجهت القصة ولخصت شخصية البطل. أما عن حياته الخاصة أو الإجتماعية فقد وردت في صفحة 15 " كان يعيش وحيداً منعزلاً عن حياة المجتمع ، فقد مات أبوه عام ولادته ( وهذا يتناقض مع قصة المسلسل 1975) ولم يبق له أخوة في سنوات الصقيع الفاجعة وماتت أمه قبل أن يبلغ السابعة عشر". ومن خلال هذه الكلمات نعرف أن أسعد هذا عاش يتيماً بلا معيل. وعندما كبر لم يجد أمامه إلا مصلحة العتالة فعمل عتالاً أو حمالاً على حماره يتقاضى من أهل الحي أجراً زهيداً. أما سجنه الأول فقد كان بسبب ربط حماره بأحد أعمدة أو قضبان البلدية حيث ورد في صفحة 17: " كان أسعد يربط حماره في ساحة صغيرة عند مدخل الأزقة، تمتد منه طريق عريضة أدركتها حضارة الأسفلت ذات يوم". وهنا نعرف أن الأسفلت أتى مع مجيء الإنتداب الفرنسي أي بدأ عصر التحديث بما في ذلك المياه والكهرباء. وعندما شاهده الشرطي يخالف الأنظمة المتبعة جره من يده، حيث أعترض أسعد واستغرب هذا الظلم، فورد في سرد الكاتب:" أجابه الحارس في غضب صارم ينسجم مع شاربه العريض، وهما من تقاليد الحراسة مع تقطيب وجهه المخدد" ص19. ويتابع السرد شارحاً كيفية السير بأسعد إلى السجن: " وسار به إلى المخفر دون ضوضاء وحرصاً منه على إحضار كل عناصر الجريمة، أخذ الحمار أيضاً" ص 20. وتوسع الكاتب في شرح شخصيته أسعد في صفحة 24 حيث قال بأنه لايمتلك سرعة الخاطر أو البديهة فيصفه بشخصية أقرب إلى الجدب من خلال حركاته البطيئة وردود أفعال التي لاتتناسب مع ما يتوجب. أما زوجة أسعد فقد وصفها الكاتب في30 : " خرجت فتاة نحيلة ذات شعر اصهب ووجه صارم يبرز فيه أنف دقيق طويل كأنه صيحة احتجاج أمام الجميع". ويتطور السرد في القصة حيث يتزوج أسعد فتاة غير التي خطب وتتشاجر معه لأتفه الأسباب، فقد وصلت الأمور بينهما إلى تهديدها بسيخ الحديد الملتهب ، وجراء ذلك تصبح خرساء. أما المرة الثانية التي دخل فيها السجن فكانت عندما أتهم بقتل شخص. هناك شخصية أخرى في القصة هي صاحب المطحنة الذي تعلم أسعد منه الخمرة ، وهو الذي ارتكب الجريمة واتهموا أسعد. أما المرة الثالثة فهي بسبب زوجته الخرسة. تنقلب حياته بعد زواجه، خاصة حركة تهديد الزوجة بسيخ الحديد حد فاصل إذ أنه أخذ يتحرر من خوفه وخجله وتردده. وعندما طلب أهل زوجته العيش معهم رفضت وفضلت أن تبقى في بيت زوجها.
يصف الكاتب مزاج البطل عندما دخل السجن، حيث ورد في السرد: "حين كان أسعد في السجن طرأت على مزاجه تغيرات عميقة لابد من الاشارة إليها، لقد اكتشف أنه وحيداً ومعزولاً في هذا العالم".ص71
لم يكن أحد في الحي يعرف تاريخ عائلة أسعد، فقد فشت أحدى العجائز بأن أمه قد جنت قبل أن تموت وكانت تشحد، مما زاد الشكوك عند أهل الحي أن أسعد قد ورث الجنون من أمه أو تلبّسه الشيطان. عندما نفته الحكومة إلى الريف مرت عليه شتاء وصفها الكاتب: " كان الشتاء قاسياً صعباً في المدينة والريف، فلم تتوقف الأمطار والثلوج إلا أسابيع قليلة تتحرك فيها الرياح في صقيع يجمد الأوصال" ص81. عندما حاول أن يرى أبنه ورجع إلى القرية خائباً، وقع في السرد :" فرجع إلى القرية وفي صدره هموم كالجبال" ص88.
أما الشخصية التي أثرت بحياة أسعد بعمق هو الثائر الذي التقاه عن طريق الصدفة وتعلم منه أن يكون شجاعاً مرة وللأبد، فقد عاش طوال حياته في الذل والهوان والخوف. ساعده أن يتحرر من عقده وصمم أن يكون إنساناً مفيداً فحمل بندقيته وانتهى كثائريحارب الدرك: " اسند أسعد فوهة البندقية على ذقنه وسقط جثة هامدة، فنادت زوجته باسمه وبني مكان الكوخ ضريح صغيرطلي بالكلس" ص113.
هذه الرواية القصيرة تنتمي في غالبيتها إلى الواقعية الرومنسية التي تتعاطف مع الفقراء والمهمشين، لكن النهاية تنتمي إلى الواقعية الإشتراكية إذ أن البطل يتحرر من خوفه ويتطور وعيه ليصبح ثائراً، وهذا أشبه بمدرسة مكسيم غوركي، خاصة رواية الأم.
وفي النهاية لايمكن أن تقرأ هذه الرواية إلا وتحبها وتتعاطف مع بطلها.
أخيرا أرى أنه ليس هناك علاقة في العنوان بين الله والفقر.
المسلسل عام 1975:
قام بإخراج المسلسل علاء الدين كوكش أما الممثلين فهم كوكبة قديرة من الفنانين السوريين حيث قام بدور أسعد الوراق الفنان هاني الروماني ومنيرة منى واصف وصاحب المطحنة عدنان بركات. واستمر المسلسل سبع حلقات، كان عندما يعرض على التلفزيون السوري يفرغ الشارع من البشر فالجميع صغاراً وكباراً ينتظر الساعة الثامنة مساء حتى يشاهد المسلسل.
تموز -1 -2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رواية جميلة ومسلسل رائع
زاهد سلام ( 2023 / 7 / 2 - 02:59 )
أتذكرت هذا المسلسل الذي عرض عام 1975
الشكر للكاتب الذي ذكرنا به


2 - إقتراح
موفق حدادين ( 2023 / 7 / 2 - 22:05 )
المهندس خليل الشيخة المحترم
بعد التحية
تقول في نهاية مقالتك: أخيرا أرى أنه ليس هناك علاقة في العنوان بين الله
والفقر
دعني أقترح أن مؤلف القصة يتساءل بشكل غير مباشر، أين الله الذي لا يساعد المسكين بطل القصة
موفق حدادين
عمان
.


3 - -الأستاذ مومفق حدادين
خليل الشيخة ( 2023 / 7 / 5 - 02:19 )
تحية للأستاذ موفق:
كلامك صحيح على سبب عنوان الرواية، أظن أن الكاتب وضع عنوان فج لهذه الرواية الجميلة. وأنا لا أتبنى مقولة العلاقة بين الله والفقر لأن الفقر هو نشاط بشري أولاً. ربما السبب في تغير أسم المسلسل لأسعد الوراق هو فجاجة العنوان. والكاتب لايؤمن بوجود الله على أية حال لأنه كان علماني متطرف هو ومعلمه الأرسوزي وهذا ليس كلامي بل هو كلام سامي الجندي أحد تلاميذ الأرسوزي وأحد مؤسسين الحزب
تحياتي لك وشكراً على مرورك
خليل الشيخة

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تنكّل بشبان فلسطينيين في بلدة بالقد


.. مشاهد نشرها الجيش الإسرائيلي خلال الاستعداد لعملية برية في ج




.. الجيش الإسرائيلي: فرقة الجليل 91 بدأت عملية برية محدودة ومحد


.. للمرة الثانية.. إسرائيل تعلن بدء عملية برية جنوب لبنان




.. خبير عسكري مصري يكشف خطة إسرائيل لتدمير حزب الله