الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحديث الأخير مع ناظم (2- 3 )

رضي السماك

2023 / 7 / 1
الادب والفن


لا تملك وأنت تتابع قراءة كتاب " الحديث الأخير مع ناظم" لفيرا تولياكوفا حكمت، الزوجة الأخيرة الروسية الشابة لشاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، والذي كتبته على سجيتها الفطرية المفرطة، بأكبر قدر من الشفافية دون أية محاذير.. نقول: لا تملك سوى التعاطف معها؛ لما يتسم به حديثها من طيبة وسجايا إنسانية كبيرة ، فلا يخالجنك أي شك في صدق ما سردته من وقائع، سواء تجاه مشاعرها وأفكارها، أو أزاء زوجها حكمت، أم نحو استبداد السلطة السياسية .والقصة التي نحن بصددها شديدة الغرابة، لا بل هي أغرب من قصص الخيال، إذخفق قلب حكمت نحو فيرا منذ لقائهما الأول في شقته عندما زارته بمعية زميلتها في العمل فالنتينا برومبيرغ بغرض مساعدتهما في إخراج فيلم لأطفال ألبانيا؛ بافتراض أحد زملائهما في الأستوديو بأن حكمت ملم بمجتمع وعادات هذا البلد من خلال ما يعرفه من تاريخ تركيا التي احتلته. وزارهما بعدئذ مرات في مقر عملهما بالأستوديو لهذا الغرض، لكن كثرت زياراته المفتعلة بعدئذ عشرات المرات، إذ هام الرجل بها هياماً جنونياً مُذهلاً- بكل معنى الكلمة- وأخذ يلاحقها في كل مكان يعلم هي متواجدة فيه، بطريقة أسوأ من مسلكيات المراهقين، حتى صارحها بحُبه المهووس لها، هذا على الرغم من تعدد الحواجز التي تمنع هذا الحُب أو الزواج منها: فهو أولاً يكبرها بثلاثين عاماً، هي في أوائل العشرينيات وهو في منتصف الخمسينيات أو أكثر، وهو ثانياً رجل عليل جداً بمرض القلب والشرايين، لايكاد يمر شهر دون أن يكون طريح سرير المستشفى، حتى أنه علِم بأنه لن يعيش أكثر من إحدى عشر عاماً، وقد عاش أقل من ذلك بسنوات. ومنذ بدء العلاقة يبينهما صارحها بكل هذه الاُمور، وثالثة الأثافي هي متزوجة من شاب كان زميلا لها في دراستها السينمائية ويكبرها بعام واحد، وأنجبا ابنة صغيرة ويعيشان في عش حياة زوجية مستقرة وسعيدة. والأكثر من هذا وذاك لطالما عرّضها أثناء علاقته العاطفية ثم الزواجية لاحقاً لمواقف محرجة لا عد لها، سواء في مقر العمل أم في أماكن عامة متعددة، وكان يكفي واحداً منها لترفض أية فتاة غيرها رفضاً قاطعاً الزواج من شاب عادي ، فما بالك برجل مثله بتلك الحواجز الثلاثة المستحيلة، وهو أيضاً ذو تجارب زواجية فاشلة مع أربع نساء، ناهيك عن مغامراته النسائية الأخرى، وكل هذه الأمور علِمت بها منه.
وفي اللقاء الأول وعند خروجهما من شقته وصفها مخاطباً بالتركية صديقه ومترجمه الأذربيجاني أكبر باباييف ، بأن صدرها مسطّح، وشعرها مُجعّد كالخروف،وفهمت ما قاله لأنها ملمة قليلاً باللغة التترية( من فروع اللغة التركية) من خلال إقامتها في تتارستان لبضع سنوات،حين هجّر ستالين عائلتها إليها بينما كانت طفلة، فاحمّر وجهها بشدة، وأدرك ذلك واعترفت له بما فهمت. أما في الأماكن العامة فقد عرّضها لمواقف شديدة الإحراج لها تبدىٰ من خلالها ناظم حكمت لا كاتباً مسرحياً، بل أشبه بالممثل المحترف على خشبة المسرح لا على مسرح أرض الواقع، نذكر منها: ضبطها وهي تتأمل نفسها واقفة أمام مرآة منزله الريفي في "بيريديلكنو" أثناء زيارة له لمنزله هناك مع بعض زملائها، ولم تعجبه لأمر ما، فشد شعرها بقوة إلى الوراء ما أوجع مؤخرة رأسها. وهذا ما فعله بالضبط بطريقة أخرى صديقه الشاعر التشيلي بابلونيرودا بحقها أثناء زيارتهما له في غرفته بفندق "ناسيونال" حيث لم تعجبه المشابك المثبتة في شعرها فشده بقوة قائلا: لا تفعلي هذا ورمى المشابك على الأرض! وهي تصرخ من شدةالألم، فيما حكمت يضحك! و في رحلة هروبهما من موسكو -غداة زواجهما-مدينة نائية، وقف في ممر العربات بصرخ بأعلى صوته" زوجتي تريد شاياً" ، وهو ما فعله في موقف آخر في حافلة حيث صرخ بأعلى صوته موجهاً صرخته للركاب: "… لا يمكنكم أن تتخيلوا كم أحب هذه الفتاة". وعند حضورهما إحدى المسرحيات، وفيما هي تتابع العرض، صدّ عن مشاهدة المسرحية، وأستدار نحوها وأخذ يطيل النظر إليها، وكأنه على حد تعبيرها يتأمل منظراً طبيعياً، ولما حاولت تثنيه عن ذلك طلب منها أن ينصرفا إلى الخارج بحجة تفاهة المسرحية. وذات يوم عندما استبطأ عودتها من العمل جن جنونه وسأل عنها عند واحدة من جيرانهم وهو في قمة غضبه ووصفها ب" العاهرة"، لكنها عرفت لاحقاً- لضعفه في اللغة الروسية- كان يقصد ب " المتسكعة". وفي إحدى إجازاتها مع زميلاتها على الشاطئ وهن بملابس البحر فُوجيئ الجميع بمجيئه المباغت، رغم خطورة الشمس على صحته!
لكن رغم كل تلك الحواجز والمواقف قاتل منذ البداية بضراوة منقطعة النظير؟ ومارس أشكالاً متعددة من الضغوط الهائلة الشديدة عليها للظفر بها،وكان أشدها عند ما حذّرها مرات عديدة بأنها ستتسبب في موته إن لم توافق عليه، وظلت تحاول اقناعه باستحالة ما يطلبه حتى خارت كل قواها وألقت بكل أسلحتها مستسلمة، سيما وأنها شديدة الإعجاب بشخصيته، فأرغمها على الطلاق من زوجها، لكنها في النهاية وجدت نفسها تبادله الحُب القصير الذي لم يدم لموته سوى سبع سنوات! وآثرت ألا تتزوج من بعده طول حياتها. وعلى الرغم من كل تلك المواقف الصعبة والآلام التي تحملتها معه بصمود تُحسد عليه، لم تغفل خصاله الإنسانية التي اُعجبت بها أيما إعجاب، ومنها مواقفه الجريئة ضد استبداد السلطة السياسية التي استضافته في موسكو كمنفى له، سواءً بحق مواطنيها العاديين، أم بحق الأدباء والفنانين المضطهدين ،و هو الشاعر والأديب الكبيرالذي يعرف أحق المعرفة مستوى نتاجاتهم الإبداعية بمنظور الأديب بسعة أفقه الأدبي النقدي، لا بالمنظور السياسي الضيق لقادة الحزب في تقييم إبداعاتهم!
وأخيراً ثمة ملاحظات لنا على ترجمة النص سنحاول احتهادها غدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب