الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر التونسي الكبير د. طاهر مشي..في حوار مدهش..

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


انبهر باللغة،ففتحت له العربية المجال واسعا ليبحر ببراعة واقتدار في عالم مفعم بالإبداع . وكان حصيلة هذا التميّز أن كتب نصوصا بجمالية فنية وأسلوبية ذات بصمة مميزة،كنتاج لخبرة وتعمق واهتمام بالجوانب الفنية للغة ولحالات التمظهر فيها وإلماما بالقوالب والأنواع. فــالشاعر التونسي السامق د.طاهر مشي،يتعامل مع الأدب والثقافة كشغف وحاجة روحية، فنجده يكتب في نصوصه النثرية عن عوالم الخصب،الأنوثة،الكينونة،الوجود،الاكتمال، الفراغات النفسية والمادية وكذا الوطن العربي في ظل دياجير تقض مضاجع حملة الأقلام ومعتنقي الحرف.وهو يسعى للبحث في هذه القضايا.
الشاعر د.طاهر مشي شاعر ذو لونِ مميز،جمع بين حروف كلماته قطوفاً من الرومانسية والرقة والحلم والدفء والجرأة،استطاع عبر قصائده الموغلة في الجرأة والرومانسية التعبير عن وجع الإنسان في زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة بمقدرة فريدة دون أن يهمل-كما أسلفت-القضايا الوطنية المنتصرة للإنسان والإنسانية.
في كل مرة كنت أظن أني أربكه أو أسيّجه بأسئلة عصيّة، فيخرج منتصرًا بأناقة لغته من شقوق سرية يعرف أبوابها وحده فقط، وكأنه يُضاعف اختراق متخيّله بفاعلية متوهجة بحنين لا يضل طريقه نحو الينابيع ارتواءً للمجهول واللايقين، وخصوبة ضد المحو والنسيان المكثف. لا هدنة مع الحوار عندما تكون الأسئلة فِخَاخًا والأجوبة مكائد.
هو حوار في اللغة وبها مع شاعر خبر أهوال المخاطرة في جُب القصيدة،متشردًا بأناقة هنا وهناك في فلوات المعنى،صَاحَبَ فتنة اللغة الشعرية منذ عقود منتشيًا بالكلمة العميقة، منقبًا، جوالاً، منعزلاً،مندهشًا،منفجرًا،هادئًا،وديعًا،صاخبًا،ضاجًّا بالحياة،مشاكسًا،مستسلمًا لنداء الشعر وأقاصيه الرحبة والرحيبة المتيمة بسؤال المحبة والإنصات والتواضع.
حوار يتجسس بعمق على المناطق الخفية للشاعر، لا يُقدم أسئلة بقدر ما يثير أسئلة في الوجود والكتابة والشعر واللغة مبتهجًا بعينٍ لاقطةٍ في تجذير سؤال الإبداع بما هو دخول طري، ندي، طازج،عذب،نيئ،في المجهول واللايقين واللامفكر فيه،حيث البحث عن مواطن الجمال في خرائط المتخيل قضية أساسية يستعذبها أفق جمالية التلقي ويستلذها.
ملزم أنت باستثمار غني وذكي وعميق للأسئلة استعدادًا لِمَكْرِ الأجوبة،وخِبرتها في ترويض الألغام المدسوسة في خيمة اللغة. المُحَاوِرُ يشحذ ذخيرته باستمرار للحرب القادمة،والمُحَاوَرُ يسترد أنفاسه كاملة تحسبًا لهجوم مبكر على مواقعه الآمنة دائمًا،بين الكرّ والفرّ تؤسس لغة الحوار خصوبتها غير عابئة بحروب تدور هنا،أوهناك،في غفلة من دهشة حلمها بتجديد علائقها بالوجود والذات والكون،وكأنها المنذورة لاستقطاب حدس الاستشراف المشرق بابتهاج المعنى العاري، النقي، الدافئ كحضن امرأة لا تأتي في الموعد المحدد لاستكمال ألق أنوثتها.
هكذا،يصبح الحوار سيرة حياة شاعر. إنصات ومكابدة حقيقية لنداء القصيدة في ديمومة ولادتها المتجددة، وهي الراغبة بشهوة عنيفة في توريط العين، قبل القلب،في سفر يستحبّ بعناية دقيقة منفى اللغة اختيارًا واندهاشًا،لا إصرارًا وإكراهًا.
هي مقدمة لا تريد توجيهًا مسبقًا للقراءة بقدر ما هي تحريض العين لقراءة الكتاب بضوء القلب، فالقلب دليل الإنسان بقوة بصره وبصيرته في ارتياد المجهول، واكتشاف الألغاز والأسرار، وهو حوار له غبطة التجسس على مغارة آهلة بالعجائب والغرائب، ومتعة التلصص على كهف تأوي إليه الجميلات خوفًا من حزم ودهاء شهريار.
حين سألته عن بدايته مع الشعر وما هي أهم المؤثرات التي أثرت في تكوين اتجاهاته الأدبية؟
أجابني بهدوئه المعتاد : ”كيف كانت بدايتي مع الشعر؟ الوردة لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع العطر،والشمس لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع الضوء، والجسد لا يعرف كيف بدأت علاقته مع الروح، وأنا لا أعرف كيف بدأت علاقتي مع الشعر ولا أستطيع تفسير نوعها أو تحديد ماهيتها أو إعطاء فلسفة ما لها لأن الشعر ينبع من الروح ليصوغ العالم موضوعيا.. ولعل ّأجمل القصائد هي تلك التي سبر فيها الشاعر أغوار ذاته فجاءت صورة لما يعتمل في أعماقه من مشاهد التمزق والتشظي..
لاشك أننا متأثرون بالعديد من الكتاب الحداثيين بشكل واعٍ أو غير واعٍ،أستطيع القول أني في المرحلة الجامعية كنت أقرأ للكاتب السوري “أدونيس″، ثم قرأت بعضا من الأدب الروسي واللاتيني،كنت أقرأ في النقد أكثر من الأدب،وغالباً في القواعد التي تقوم عليها الفنون،أما الآن ومنذ مدة ليست بقصيرة لم أعد أقرأ قراءة منظمة واعية،صرت أغوص في الداخل وأستمتع،ومراتٍ كثيرة أتوجع..والوجع صورة-كما أسلفت-لتشظيات الروح..وتأوهات الجسد..”
*د. طاهر مشي،إنسان وشاعر تونسي،أية مقارنة ؟
-لا مقارنة بين ما يسكن في القلب، وبين تونسيتي،وما أبوح به لهذا العالم المتخَم بالتناقضات..الكتابة التي تسكنني بدون إذن ولا جواز سفر ولا تأشيرة أريدها تحدي من أجل قوة لا تقهرها الظروف..للوطن قلب يسع الكون،وللكتابة فكر يحمل ثقل هذا الكون،وكلاهما تضحيات كبيرة ووجهة واحدة للنجاح .-"
*أنا -كناقد-مع القائلين بأن قصيدة النثر” امتدادٌ طبيعيٌّ لتطور الشعر،خاصةً بعد شعر السبعينيات،الذي انحرف به أصحابه عن الشعر العمودي،وأنهم أوجدوا حلقةً جديدةً من تطور الشعر العربي،ولكن هناك شبه مؤامرة على عدم الاعتراف بقصيدة النثر كحلقة شرعية من حلقات تطور الشعر العربي؟!
-“هذا غير صحيح..قصيدة النثر الجيدة فرضت نفسها حتى لو لم تنل ذلك الاعتراف،لكن المبالغة في تقليد الصراعات والابتعاد عن لغة الشعر وموسيقاه الداخلية أو الخارجية هي التي نفرت الناس منها،فالشعر وتده الأساسي الموسيقى واللغة الشديدة التوتر والحساسية والتكثيف فلما انمحت ملامح الشعر أصبح النتاج لغة سردية لا فرق بينه وبين القصة القصيرة أو الخاطرة أو لغة المقال وأحيانا لغة الصحافة العادية،لذا كان من البديهي أن يذهب الناس وينصرفوا عن الشعر ويتقلص جمهوره،إن المبالغة في الخروج على كل الثوابت،وإلغاء الحدود بين كل الأجناس حتى الشعر الذي له خصوصيته الدقيقة،هو ما جعل معظم كتاب قصيدة النثر في وضع حرج،فالادعاء لا يقدم فنا خالدا، مما صرف الناس عن الاعتراف بما يكتبونه. لكن لا شك أنه توجد قصيدة نثر جميلة بل وعلى درجة عالية من الشاعرية.”
* نلاحظ في العديد من قصائدك تجسيد للفكرة عبر تكرار صورها وما يحفز ذلك هو انقسامها الى مشجرات عنقودية،واعتمادها على نظام الفقرة..هل هذه دعوة للقارئ إلى أن ينزاح هو الآخر عن اللغة الشعرية المألوفة بطريق بناء حوار جاد مع لغة القصيدة الحداثية وعليه أيضاً أن يضع معارفه القديمة إزاء النص الجديد موضع تعديل،ليحدث التفاعل ويحدث القبول الجمالي للخطاب؟
-“نعم تجسدت الفكرة عبر تكرار صور متعددة خاصة تلك الفكرة التي تلحّ عليّ وتكمن في أعماق الذات وهي بالفعل دعوة للقارئ لبناء حوار جاد مع لغة القصيدة المتشظية التي تطمح لتأسيس خطاب جمالي جديد منبثق من قناعتي ورؤيتي الجمالية لتطور النص الشعري الخاص بي والذي يحمل بصمة الذات الشاعرة وخصوصيتها..”
*إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟
-“ما يحزنني هو أنني ولدت في زمن يأكل المشاعر بالشوكة والسكين ويتفنن في اغتيال كل الأشياء الجميلة ،زمنٌ لا يمهلنا كي نكبر،ولا يترك لنا نقطة من العطر آخر الحلم.ولكنني رغم ذلك أعلن أنني لن أستسلم أبدا له،ولن أترك له شرف الانتصار علي وعلى القصيدة،لن أدعه يحولني إلى علبة صفيح،ولا إلى دمية من خشب ولا إلى سيجارة كوبية ،ولن اسمح له أن يأكلني ولا أن يأكل أحلامي ولا أن يجعلني بلا إحساس. ربما قد أنهزم في معركة،وربما قد أنزف حتى الموت،ولكن كل جرح ما هو إلا مطلع قصيدة وكل نزيف ما هو إلى رغبة في الكتابة..”
*بسؤال مغاير أقول : هل يعتقد الشاعر د-طاهر مشي أن أهمية الشعر والشعراء تلاشت عما كانت عليه في السابق اي في العصور الماضية..ولماذا؟
-“يبدو لي أنها تلاشت وبشكل محزن،رغم وجود أقلية تناضل في هذا المجال،أماالسبب برأيي المتواضع،هو انحلال أخلاق حملة الأقلام،أعتذر،لكنها الحقيقة،ضاع المبدعون الحقيقيون وسط ثلة من سماسرة الحرف..هبط مستوى الكلام الى أسوأ رتبة،صار شعراً تجارياً،كما أفلام التفاهة والميوعة تماماً،وحين صار الشعر بيد أناس يتاجرون به،ومن يشترون اسماً لن يخلد إلا نفاقا.لكن يظل في الأخير الشعر النابع من الذات مخترقا لسجوف الرداءة..”
*ما هو رأيك بالنقد الآن،وهل واكب مسيرة الشعر التي نشهد فوراناً لها منذ سنوات قليلة؟
-“ما يثير الحزن حقا هذا التراجع والنكوص الذي يعرفه النقد الأدبي في جامعاتنا وأوساطنا الأدبية،فالمشهد اليوم يبدو فقيرا لغياب مدارس نقدية عربية حقيقية،في المقابل يمكننا الاستشهاد بالتجريدية الأوروبية والسريالية والبنيوية والتفكيكية وغير ذلك،أما التراث العربي القديم فإنه مليء بالشواهد التي ما زلنا نستنزف قواعدها،لقد أصبحت المناهج القديمة مستهلكة تكرر نفسها دون أن نجد نقدا حقيقيا للنصوص الشعرية مما شجع-كما أشرت-على انتشار الرداءة والإسفاف والشعر الهابط،ومن ثم كان على النقاد(وأنت واحد منهم-قالها بإبتسامة عذبة) أن يقوموا بأدوارهم وأن يصطفوا جنبا إلى جنب مع الأدباء والشعراء لأن الشعوب المغلوبة في وطننا العربي تعول عليهم في قراءة الواقع ونقد مساراته،وهنا يبدو دور الجامعات المتخصصة في دمج الأدب المعاصر بالعمل الأكاديمي وتفعيل دور النوادي الأدبية والمؤسسات الثقافية المعنية لأن التغيير لا يحدث إلا بشكل جماعي..”
*لو لم يعد بإمكانك الكتابة والرسم بالكلمات..وحتمت عليك الظروف ذلك..فما الذي تفعله؟
-“الكتابة سحر روحاني يتملكنا في أي لحظة،والمبدع كالسمكة لو تخلى عن بحر الإبداع سيموت..ربما هذه الظروف التي تريد أن تحتم علي بعدم الكتابة،بل ستزيد فيّ الحنين أكثر للإبداع..كل حالات الوجع والفرح والحزن والتفاؤل في الحياة تمنحنا الإبداع أكثر، الأديب الذي لا تزعزعه الظروف سواءً كانت حزينة أم سعيدة،لا يمكنه أن يكون مبدعاَ..”
*قلت عنك ذات يوم أنك،تلتقط في رماد الروح وجع المسافات حنينا لأزمة الحب حيث تشتعل فوانيسها ” ماتعليقك ؟
-“ما تبقى من اشتعال الذات في خريف عربي أتى على الأخضر واليابس..ما تبقى من رماد فينا حرقته التحولات الفكرية والذهنية التي طرأت على أفكار العرب،من أجل الهروب إلى الهاوية أو الانتحار، فكلاهما مرٌ،رماد الروح هو فعلا وجع المسافات القليلة البعيدة،كالسراب نحو الأمل والحب،كي يعيد الرماد استنساخ نفسه كشعلة من نور،وفوانيس الدروب المكللة بالانتصار”
*كيف تتشكّل القصيدة لديك.انفعال،عزلة،انكسار،أم لحظات صفاء؟
-“النصّ يتشكّل من مجموع هذا وذاك،بمعنى أنّ حالة الكتابة تكون تتويجا لإرهاصات تقدّمت عليها بصمتٍ بالغٍ، وترقُّبٍ مصحوبٍ بارتفاع تأمُّليّ. ما يهمُّني هو اللذّة التي تنتجُ عن هذا الكلّ، باتصالي مع عمق ذاتي والبُعد الإنساني اللذين تنصهرُ بهما الأشياء والأسماء والأفعال…الخ.
وهذا يعني أنّ-القول الشعري-لا يتشكّل لديَّ إلاّ بوصفه استجابةً جماليةً بالغة التعقيد لعاملين متداخلين:لحظة الحياة ولحظة الشهادة عليها.ضغط اللحظة الواقعية،كونها الباعث الأول على القول،وضغط اللحظة الشعرية،بما تشتمل عليه من مكوناتٍ ذاتيةٍ وثقافيةٍ وفنية.في اللحظة الثانية تتجلّى فاعلية التشكيل الشعريّ حين يتلقّف اللحظة الواقعية،أو لحظة الانفعال بالحياة التي لا تزال مادةً خاماً،ليلقي بها في مصهره الداخليّ،ويعرّضها لانكساراتٍ عديدةٍ،وتحولاتٍ جمّة،حتى يخلصها من شوائب اللحظة ومن تلقائيتها الساذجة،أو غبار اندفاعها الأول المتعجل.ويظل النص الشعري في تشكله ملتقى كلّ رفيفٍ روحيّ أو لغـويٍ : اللذةُ وشحنةُ العذاب،الذاتُ والعالم،حركةُ الحياة ونضحُ المخيلة.”
*من وجهة نظركم،كشاعر،كيف يكون الشعر،وما هي وظيفته،وما هو مفهومك الخاص للحداثة بعيداً عن تنظيرات الأخرين؟
-“من وجهة نظري،لا يخضع لوظيفة بعينها، وقد اختلف الفلاسفة في هذا الأمر من أرسطو وغيره من المفكرين والفلاسفة الكبار،هذه مسألة يضع لها معايير كل حسب رأيه ورؤيته ومعايشته للحياة وتقلباتها،أما أن نضع وظائف معينة فأعتقد أن هذا ليس منطقيا، الشعر أيضا حالة يعيشها الشاعر وهذه الحالة ربما تستمر أشهر حتى تتمخض عنها قصيدة بعد مخاض طويل، بمعنى آخر القصيدة ليست متاحة في أي وقت، القصيدة كما قلت سابقا هي التي تقتحم الشاعر وليس الشاعر،هكذا أنا أتعامل مع قصيدتي وهكذا أفهم القصيدة وأدعها تتسلل إليّ وأفرد لها مساحة كبيرة من التأمل كي تستريح في داخلي مغلفة ببطانة المعنى والفكر الثقافة كي تخرج إلى القارىء بكامل أناقتها وفضاءاتها الشاسعة.أما الحداثة،فهي خلخلة السائد في الراهن الشعري العربي،من خلال الاكتشافات اللغوية وبناء العلاقات بين المفردات وصياغتها بقوالب شعرية جديدة بشكل جمالي آخاذ، وهذا بالطبع لا يعني أن نتخذ من الحداثة الغموض المنغلق،بهذا الشكل أو هذا المعنى افهم الحداثة،وكذلك أن لا نكون منغلقين في قوالب جاهزة متعارف عليها سابقا في النص الشعري،علينا أن نفهم ماضينا وآصالتنا بلغة حداثية تواكب التطور،لغة عصرية فيها الكثير من المغامرة الجمالية”
*كيف تنظر إلى خريطة الشعر العربي اليوم؟ ومَن من الشعراء جذب اهتمامك وشعرت عبر أعماله بنكهة التجديد والأصالة والعمق؟
-“خريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها،فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية،وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة،من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري..وغيرهم.”
*حين تنادي : ”طاهر مشي” أيكون في النّداء معان قويّة كتلك التي قالها الفلاسفة عن شعر هولدرلين؟
-“لأنني لازلت أجهل-طاهر مشي-لم يحدثْ أن فعلتها.ولكنني دائماً ما أقرأهُ بوضوحٍ على البياض،ذاهباً به نحوَ اعترافاتٍ أعمق،كي يتسنى لي قراءتهُ بشكلٍ أوضح.حينَ أعرفهُ تماماً،وقتها سوف أفعل،وأخبرك ما إذا كانت معانٍ قويّة كائنة في ندائي عليه،أم لا،دون تشبيهٍ بأيّ آخرْ.”
*من المحو نكتشف مجهول الكتابة،وعمق المخاطرة مع ضيافة القصيدة،من الذي يكون ضيفًا على الآخر القصيدة أم الشاعر؟أم كلاهما في ضيافة متعة تفتك بتكهنات عرّافة؟
-هيَ مَن تأْتِي لِتحلَّ ضيفةً على الشَّاعرِ،وعليهِ أَن يكونَ حاضرًا وجاهزًا لها،لأَنَّها لا تحبُّ أَن تحضرَ دونَ أَن يكونَ شاعرُها في استقبالها،وعليهِ أَن يحسنَ اسْتقبالَها،ويُتقِنَ ضيافتَها كي تقبلَ المكوثَ.بعدَ هذَا،يتماهيانِ معًا في حالةٍ منَ اللاَّشعورِ/ واللاَّوعي،حتى يَصِلا إِلى سؤالِ الشَّاعرِ (وليم بتلر ييتس) المُدهشِ/ المُذهلِ : "كيفَ نعرِفُ الرَّقصَ منَ الرَّاقصِ؟!"
*هل القصيدة قلعة الشاعر الدائمة يحتمي فيها وبها من عواصف الحزن والاغتراب والشجن، أم نافذة يطل منها على أشيائه السرية والحميمة؟
-هيَ هكذا عندَ شعراءَ،وهكذا عندَ شعراءَ آخرينَ، لكنَّها في كلا الحالتينِ ليستْ قلعةً،بل هي جَغرافيا إِنسانيَّةٌ بكلِّ شسَاعاتِها وفضاءاتِها. أَنا أَقربُ كثيرًا في قصيدتي من ذَاتي بما تُشرِقهُ الحواسُّ آناءَ الكتابةِ، فالقصيدةُ التي تنبعُ من قرارِ الذَّاتِ وتخطُّها الحواسُّ،هي الأَصدقُ، خصوصًا إِذا كانت حمولتُها الجماليَّةُ في أَقصَى حالاتِها.
*هل كتب-د .طاهر مشي- قصيدته المشتهاة؟
-“القصيدة المشتهاة هي التي تسكننا ولا تفارقنا مدى الحياة ،في كل مرة نكتبها نقول لا ليست هي ، ونبقى نبحث عنها بين طيات أفكارنا وذاكرتنا حتى ولو عشناها..
القصيدة ” المشتهاة “هي نداء الروح العميقة التي لا تأججه إلا الكتابة ،فهي تمنحنا الحياة للبقاء على ناصية الفرح،كلما ضاقت بنا سبل الدنيا ،نبحث عنها بين طيات الحروف،ربما كتبتها .. لكنني أبقى أبحث عنها حتى لا أضيع بوصلة الفرح في حروفي ..”
*كلمة تحبّ توجيهها إلى القرّاء
-أشكر القرّاء على تحملهم عناء قراءة أجوبتي التي هي غيض من فيض ممّا في النفس من آراء وهواجس ومشاعر لا يمكن التعبير عنها في هذه الحواريّة التي أجراها الناقد محمد المحسن..فلكم وله جزيل الشّكر وجميله.
*الشّاعر الفذ د-طاهر مشي،لك كلّ الشّكر على هذا اللقاء القيّم الماتع..نتمنّى لك كلّ التوفيق.
ودمتَ لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بلا مساعدات خارجية ودون وقود.. هل مازالت المعابر مغلقة؟


.. تصعيد جديد بين حزب الله وإسرائيل وغالانت يحذر من -صيف ساخن-




.. المرصد السوري: غارات إسرائيلية استهدفت مقرا لحركة النجباء ال


.. تواصل مفاوضات التوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة في العاصمة المص




.. لماذا علقت أمريكا إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل؟