الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شوفالييه- فيلم يعيد تأطير التميز العنصري في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2023 / 7 / 3
الادب والفن


لعبت الفنون دائمًا دورًا مهمًا في إبراز تاريخ وثقافة المنحدرين من أصل أفريقي ، والسينما واحدة من الفنون التي وثقه حياة الكثير من الادباء والفنانين من ذوي الأصول الأفريقية . فقد ساهم المنحدرون من أصول أفريقية في جميع أشكال الفن الموسيقي المعاصر ولعبوا أدوارًا مهمة وتركوا إنطباعات مهمة .
هل سمعت عن "بلاك موزارت"؟ ، إنه جوزيف بولون شوفالييه دي سان جورج ولد (25 ديسمبر 1745-10 يونيو 1799) أول ملحن كلاسيكي معروف من أصل أفريقي . قام بتأليف العديد من االمقطوعات الموسيقي وكونشيرتو الكمان بالإضافة إلى عروض الأوبرا . وُلد شوفالييه دي سان جورج في مستعمرة غوادلوب الفرنسية آنذاك ، وهو ابن جورج دو بولون سان جورج ، مزارع ثري وأمه امرأة أفريقية سنغالية مستعبدة تدعى نانون . في سن السابعة نُقله أبوه إلى فرنسا ، وفي سن الثالثة عشر تلقى تعليمه وتلقى دروسًا في الموسيقى . جوزيف بولون المعروف أيضًا باسم "لو موزارت نوار" أو "موتسارت الأسود" أول رجل أسود يقود أهم فرق الأوركسترا في فرنسا . لم يكن شوفالييه دي سان جورج محصنًا من العنصرية ، عندما تم ترشيحه كمدير موسيقى للأوبرا باريس في عام 1776 تم رفض هذا الترشيح رغم موهبته وأستحقاقه ، بعد أحتجاج من من قبل مغنيات الأوبرا في ذلك الوقت اللواتي قدمنّ التماسًا إلى الملكة يعلنّنٌ فيه أن "شرفهم وضميرهم الرقيق لا يسمح لهم أبدًا بالخضوع لأوامر المولاتو"، (اي الخلاسي ) . على الرغم من هذه الاعتراضات والعقبات التي صادفته ، لكنه أجتهد وأصبح أحد أكبر النجوم في فرنسا في القرن الثامن عشر في الفترة التي قضاها في الأوبرا قبل الثورة الفرنسية .
فيلم "شوفالييه " يروي السيرة الذاتية للملحن وعازف الكمان دي سان جورج . يدور الفيلم حول حياة شوفالييه دي سان جورج (كلفن هاريسون جونيور) ، وهو موسيقي وملحن أسود فقد عمله إلى حد كبير بسبب ويلات فرنسا ما بعد الثورة . الفيلم من إخراج "ستيفن ويليامز " . أفتتاح الفيلم في مشهد مثير للإعجاب حيث يقوم بتمثيل الموسيقي فولفغانغ أماديوس موزارت (الذي يلعبه جوزيف بروين) وهو يؤدي أمام حشد من الأرستقراطيين العاشقين للموسيقى الكلاسيكية أجمل المعزوفات ، قبل أن يخرج شوفالييه من بين الجمهور لتحديه في مبارزة الكمان (القصة من خيال الكاتب). لأن حقيقة الأمر شوفالييه و بعد أن منحته الملكة ماري أنطوانيت هذا اللقب الفخري لم يعزف أبدا مع موزارت ، على الرغم من أنهم سكنوا بعد سنوات نفس المنزل في باريس. ناهيك عن أن موزارت كان أصغر من جوزيف بأكثر من 10 سنوات وكان عمره 9 سنوات في ذلك الوقت . بالرغم من ذالك ، وجد علماء الموسيقى أوجه تشابه مذهلة في مقطع لموزارت مع مقطع مهم آخر في عمل موسيقي باريسي تم تأليفه عام 1777 . بالأضافة الى ذلك، التأثيرالواضح على موزارت من هذا الموسيقي الباريسي ، الذي كان اسمه شوفالييه دي سان جورج أحد أعظم الموسيقيين في أوروبا في القرن الثامن عشر ، وكان أول موسيقي غربي كلاسيكي ملون في التاريخ .
كانت العبودية لا تزال منتشرة في أوروبا ولم يتم الاعتراف بحقوق الملونين . لكن شوفالييه دي سان جورج كان أستثناء ، لأنه كان مؤلفاً موسيقياً بارعاً يحظى بتقدير كبير في فرنسا . فيلم " شوفالييه " ليست دراما الفترة الوحيدة التي تركز على شخص ملون ، سبق وأن قدم فيلم وثائقي عن سيرة حياة هذه الفنان في عام 2003 وكان بعنوان " موزارت الأسود ". يستعيد شوفالييه حياة غير عادية من الغموض التاريخي ويعتبرها جديرة بالسيرة الذاتية . وهذا يعني الاعتراف بالواقع القاسي للعنصرية . يبدأ المخرج بسرد قصة حياة الموسيقى من خلال الفلاش باك ويعود الى طفولة الموسيقى حين أرسله والده الأبيض إلى مدرسة خاصة في باريس حيث يمكنه التفوق في المبارزة والكمان . قبل أن يترك الطفل هناك ، ينظر جورج إلى وجه إبنه ويخبره " قبل كل شيء ، يجب أن يكون ممتازا، لا أحد يستطيع أن يهدم فرنسيا ممتازا" . على الرغم من التحيز العنصري الصارخ في ذلك الوقت ، التحق دي سان جورج بمدرسة خاصة في باريس وبرع في العزف الكمان والتأليف والمبارزة . ومع ذلك واجه سنوات من التنمر في المدرسة . في وقت لاحق نرى دي سان جورج كشخص بالغ يشق طريقه إلى المجتمع الفرنسي ويكافح دائما من أجل الاندماج والقبول ، ويواجه حتما العنصرية والتعصب في كل مكان يذهب إليه . صديقه الوحيد هو فيليب (أليكس فيتزالان) الذي ينتقد النظام الملكي ويثبت لاحقا أنه مفتاح رحلة جورج تحت راية الثورة الفرنسية .
أصبح جورج شوفالييه محبوبًا للعديد من النساء في صالونات المجتمع الباريسي . امرأتان فقط لهما أدوارا أساسية في تشكيل حياة شوفالييه . الاولى والدته السنغالية نانون (رونكي أديكولويجو) التي تصل فجأة إلى فرنسا للعيش معه في شقته الباريسية الفاخرة . والثانية أمرأة يبدأ معها قصة حب غير مشروعة ماري جوزفين (سمارة ويفينغ) المتزوجة الماركيز العنصري ذو العقلية العسكرية (مارتون كسوكاس) . تبدو الرومانسية محفوفة بالمخاطر والتي تمنحه بعض اللحظات من الفرح بالإضافة إلى الألم والمأساة حين يقتل ولده من ماري جوزفين بعد ولادته مباشرة . عندما تم لم شمله مع والدته الحرة الآن ، فوجئت بهواجسه المادية على الرغم من أنها تظهر ضعف دي سان جورج وحذرته من أنه مجرد سائح في عالم البيض ، في البداية كانت علاقته متوترة مع والدته ، وهو أمر واقعي لأبتعادهما عن بعض وكذالك التناقض في مكانهما في العالم . هناك لحظة معبرة للغاية في الفصل الثاني ، حيث تعزف نانون ترنيمة لإبنها الذي اعتادت أن تغنيها له عندما كان طفلا ، وتقترح عليه إيجاد طريقة لاستخدامها في أوبراه . في المقابل ، الوحيد الذي يتواصل دي سان جورج ويتفاعل معه عندما كان طفلا هو والده (الذي يختفي تماما بعد ذلك كشخصية من الفيلم) . في حين أن علاقة الموسيقي شفالييه بوالدته تلعب دورا غريبا في وقت متأخر من احداث القصة . هناك جوانب بارزة أخرى من حياة شفالييه تشعر بأنها منسية بشكل غريب طوال الوقت . في النهاية يفقد شفالييه كل شيء من خلال سلسلة من التجاوزات العنصرية الوقحة. بعد أن خذلته الملكة ماري أنطوانيت ، وتخلت عنه بعد أن كانت علاقته بها وثيقة حين حرمته من منصب أوبرا باريس ، لا يسع شوفالييه دي سان جورج إلا أن يأسف ، ويرد على الملكة : "ذات لحظة كنت رجلا فرنسيا ، لكنني الآن مجرد زنجي".
يحاول الأصدقاء إشراكه في السياسة ، وليس لديه أي اهتمام في وقتها ، لكنه يقف في صف الثوار حين تلسعه نيران التعصب والعنصرية . نتابع شوفالييه كشخص مبدع وفنان يشق طريقه في المجتمع الفرنسي ويكافح دائما من أجل الاندماج والقبول ، لكنه حتماّ يواجه العنصرية والتعصب في كل مكان يذهب إليه. بدلا من ذلك ، يستخدم مكانه في المجتمع لمحاربة الظلم في عصره وإحداث فرق في مسألة حقوق الأنسان . إنها خاتمة مبهرة بشكل مناسب تجسد النضال ضد التميز العنصري وألتفاف الجماهير معه .
لا تقدم قصة سان دي جورج شيفاليه جزءًا مهمًا من تاريخ العالم الأفريقي فحسب ، بل إنها أيضًا مصدر إلهام للفنانين الطموحين . أفضل مبارز في فرنسا ، عازف كمان رائع ، مدرس موسيقى للملكة ماري أنطوانيت ، كولونيل في الجيش الجمهوري أثناء الثورة الفرنسية وقدم عدة عروض أوبرالية ، و 15 كونشيرتو كمان وسيمفونيات . فيلم" شيفالييه " الذي لعب دوره ( كلفن هاريسون جونيور) وقدم كاتب السيناريو ستيفاني روبنسون والمخرج ستيفن ويليامز قصته الآن إلى الشاشة من أجل التعريف بعبقرية موسيقية مخفية عن التاريخ. تم حظر أعمال دي سان جورج شوفاليية وطمس إبداعه الموسيقي وحفظه من كتب التاريخ . تناول الفيلم على الكثير القضايا والمواضيع ، لم يستكشف الرجل وقدراته فقط ، بل كشف حياته الشخصية والمواقف تجاه العرق في ذلك الوقت ، والمناخ السياسي في تلك الفترة . يأخذنا المخرج ويليامز الى داخل دور الأوبرا وقاعات السلطة ويغوص في عالم شخصية تاريخية مستعرضا إنجازاتها الرائعة للغاية بسبب العقبات التي واجهتها كابن لأب أبيض وأم سوداء . في نهاية المطاف ، عرض ويليامز وكاتب السيناريو ستيفاني روبنسون أحداث الفيلم كنقطة إنعطاف في الثورة الفرنسية . يستغرق شوفالييه بعض الوقت للتصالح مع كونه عالقا بين ثقافتين ، ولكن عندما يحتدم الصدام مع التميز العنصري لا يسعك إلا الوقوف والهتاف له .
الطفل غير الشرعي للمزارع الفرنسي جورج دي بولونيا سان جورج والمرأة السنغالية المستعبدة نانون (رونكي أديكولويجو) ، يتم إلقاء جوزيف الشاب في مدرسة داخلية باريسية من قبل والده في السابعة حيث يتحمل العنصرية المستمرة ، في سن 15 هزم أفضل مبارز في فرنسا وأصبح (فارسا) من قبل ماري أنطوانيت (لوسي بوينتون) ، كان جورج مفضلا في البلاط واحتفلت به الطبقة الأرستقراطية الفرنسية لبراعته الموسيقية ، ومع ذلك فإن نجاحه يضيف اليه المزيد من الأعداء الذين يوحدون قواهم لمنعه من أن يصبح مايسترو لدار الأوبرا في باريس ، على الرغم من موهبته ، لكن الخوف من رد فعل عنصري أجبر الملكة ماري أنطوانيت (لوسي بوينتون) من تعيين شوفالييه مديرا ثورة تختمر في الخلفية ، لأولئك الذين يقاتلون من أجل الحرية والتحرر من الطبقة الحاكمة والملكية لأوبرا باريس ، وذهبت الوظيفة بدلا من ذلك إلى غلوك (هنري لويد هيوز) ، لا يزال المجتمع يجد طرقا لتذكيره باستمرار بوضعه المتدني على الرغم من صداقته مع ماري أنطوانيت ، بينما يمر جورج شفالييه بصراعاته الشخصية ، هناك. في البداية ، لم يرغب أبدا في التشابك مع عالم السياسة . لكنه أدرك أنه إذا عاش معزولا عما يدور حوله فلن يكون حرا أبدا. وربما يمكنه النضال من أجل المساواة وحياة أفضل . قصة الملحن الموهوب الذي تجاهلته الأجيال القادمة بسبب لون بشرته لها صدى واضح في عصر إنهاء الاستعمار . يبدو أن الوقت مناسب بالتأكيد لإعادة اكتشاف شوفالييه - وهو لقب فخري يكشف عن مدى إرتقاء وصعود نجم شوفالييه في ظل قانون نوير العنصري الصريح في فرنسا ، وهو قانون السود" سيئ السمعة، (مجموعة من القواعد لكيفية معاملة فرنسا للعبيد السود في مستعمراتها ).
في الختام :" شفولييه" فيلم مقنع عن التميز العنصري الذي يعود تاريخه حتى إلى ما قبل الثورة الفرنسية ، لكن الموضوع الأكثر خيبة وحزن في الفيلم ، أن الموهبة وحدها غير كافية في الأنتصار والتفوق على العنصرية آنذاك وحتى في زمننا الحالي ، ولا تزال العنصرية عاملا لا يمكن نكرانها أو الهروب منها . بأعتقادي أن المخرج ويليامز أنصف الموسيقى شوفالييه بشكل عام ، وقادنا إلى البحث عن عمله الذي محوه التاريخ وأعادة الأعتبار وتقديره. بعد طمس وتدمير تاريخه ومنجزه الابداعي من قبل العنصري والمتغطرس نابليون الذي أمر بتدمير أعماله بعد أن أعاد العبودية في عام 1799 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب