الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشراقات الحب والجمال..في قصيدة الشاعر التونسي القدير طاهر مشي:- هذا الهوى..يطربني-*

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 3
الادب والفن


مقدمة :
لقصيدة الشعرية؛ كتلة لاشعورية من ذات الشاعر،تحمل في تركيبتها البنيوية،والفكرية،صورة طبق الأصل عن الحراك الشعوري لحظة الكتابة.
أي أنها عملية تثبيت لواقع اللاشعور لحظة الكتابة،مثل الصورة الفوتوغرافية بالضبط.
وهي عالم حافل بالدلالات،غني بالأفكار والإيحاءات والرموز.
الهيكل الأساسي للقصيدة هو الفكرة المركزية،التي ترتكز عليها منظومة معقدة من الأفكار الثانوية،التي تعطيها الصورة النهائية.
وعلى عكس ما يتوقع القارئ،فإن الفكرة المركزية للقصيدة،ليست أكثر قيمة من الأفكار الغزيرة التي تدور في فلكها،إذا قصدنا الإبحار في عوالم الشاعر والغوص في عمق ذاته واكتشاف أسرار الدلالات التي بنى عليها هذا المنتج الفكري المعقد.
فتفكيك النص يحتاج إلى نظرة ثاقبة،ورؤية تحليلية عميقة التصور بعيدة الأفق،وهذا ما لا نجده في فكرة القصيدة المركزية،التي يتحكم فيها الشاعر،ويخرجها لنا بالشكل الذي يريد لنا أن نتصوره.بل وجدناه في الإبداعات الشعرية للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.
من المعلوم أنَّ الحبَ كحالة إنسانية سامية،وما يكتنفه من لواعج العشق وصور الجمال، شكل على مدى العصور حافزاً قوياً لإثارة إبداع الشعراء،فضلاً عن مساهمة إبداعية المنجز الشعري بفاعليةٍ في تميز بعض الشعراء عن نظرائهم. ولا ريب أنَّ إبداعَ الشاعر يرتكز بشكلٍ أساس على الموهبة المقترنة بتنوع مصادر المعرفة التي يوظفها هذا الشاعر أو ذاك لرغبةٍ جامحة في التعبير عما يشعر به،أو قد يوجه بوصلتها نحو بلوغ المجد والإحساس بالتميز حيناً ما،مع العرض أنَّ الشعورَ الخفي الذي يؤرق الشاعر،ويرغب البوح به قصد إيصاله إلى المتلقي،يبقى على الدوام رهين ما يمتلكه من أدواتِ البناء الشعري التي بوسعها ترجمة ما بداخله من رؤى،وما يطرق في ذهنه من هواجس..
أسوق هذه المقدمة الموجزة بعد ما أطلعت على -قصيدة :" هذا الهوى..يطربني" للشاعر التونسي القدير طاهر مشي والذي يُعَدّ -في تقديري -من أفضل الشعراء العرب-
وعلى الرغم من اختلاف معايير المشارب والأذواق، الاّ أنَّ ما أثار انتباهي بدايةً بخصوص -القصيدة (هذا الهوى..يطربني) موضوع "هذه القراءة المتعجلة"هو ما تجسد بأمر-واحد ووحيد-،يتمثّل في الانتقائية في اختيار العنوان الذي ضمنه كلمة -هوى-،وهذه المفردة كما هو معروف في معاجم اللغة العربية تستمد خاصيتها المؤثرة في المتلقي مما تحمله في طياتها من معانٍ ترقى بالرؤيا الجمالية،وتستفز بما تحمله من بهاء ذائقته الجمالية،فالهوى:العفيف المتَّسم بطابع مثاليّ صِرْف.
وهنا أقول:لقد تمثل-الشاعر القدير طاهر مشي- المواءمــة والتكييــف ما بين الشعر والفن؛ لأجل الوصــول إلــى صياغــةٍ ذات قيمة أدبية وفنية معبرة،إذ أطل علينا في -قصيدته المدهشة هذه -بما يعتمل في ذاته من مشاعر وخيالٍ جامح بعد أنْ عودنا على الاندهاش بلوحاته الفنية التي يتجسّد فيها الشعر في أبهى تجلياته.
وحتى-لا أطيل على القارئ الكريم-الإستمتاع بهذه القصيدة الراقية أعيد القول-:
إنَّ القراءةَ المتأنية المتأملة لجل قصائد-د-طاهر مشي-تقود إلى الاحساس بتميز الشاعر -طاهر-فيما يكتبه وذلك يتجلى بأسلوبه السهل الممتنع،إذ يتصف أسلوبه في تركيب أبياته الشعرية بسلاسة المفردات ووضوح معانيها،وصدق عاطفتها،ما يجعل قصائده أكثر إثارة للمتلقي واقرب إلى نفسه وخلجات وجدانه.
ومن وحي القراءةَ المذكورة آنفاً،ندرك أيضاً تميز شاعرية-طاهر مشي-بلغةٍ شعرية عذبة عزّزت بنية القصيدة وساهمت في المحافظة عليها بفضل امتلاكه إمكانيات شعرية غير محدودة،والتي ساهمت في تدعيم منجزه الشعري الواعد بما أفضت إليه من شعرٍ رقيق،إذ اتسم شعره بقوة التأثير وصدق العاطفة،إلى جانب إجادته التفنن في نسج الصورة الشعرية.
ختاما أدعو-القارئ الكريم-للرقص معي على ايقاع القصيدة الموسومة بالحب والمشاعر المتدفقة والهادرة :
هذا الهوى..يطربني
يا من هوى الذكرى متى ذكراك؟
فالليل قد ناحت به نجواك
والهمس بالأسحار يغمرني
والنبض في الشريان كالأفلاك
خوفي من الأشواق تهجرني
يا روعة الخلاق ما أبهاك
فالحرف يسحرني لما الخجل
يسعى ونبضي ما عساه رجاك
ضني أنا والليل يلحفني
رحال أسعى في مدى أقصاك
حتى أبوح الحب من وصبي
أمشي على جمر الهوى لأراك
من بهجتي قد بحت موعظة
نذرا بها الأشواق في دنياك
فأتت على زرعي تداعبه
في نبرة المشتاق ... ما أقساك
تمضي بنا الذكرى بلا سبب
يا نتفة في القلب ذا سكناك
عشت الهوى نغما ليطربني
يا صحوة المشتاق ما أضناك
جثمت على جرحي فذا عتب
والنبض في تيه كذا إنهاك
فسكبت دمعي في هوى وَجوى
وسكنتها الأحلام كي ألقاك
هذا الهوى تمضي به الافلاك
يا من سبى قلبي بلا إدراك
طاهر مشي
تعقيب :
إن أكثر ما يغري القارئ،ويوقفه مليا أمام نص شعري،ويحرضه على المضي قدما في قراءته مرة تلو الأخرى؛هي الصورة الانطباعية الأولى للنص،فكلما زادت دهشته واتسعت مجالات التخيل،كلما زاد شغفه باكتشاف عوالمه والغوص فيها.
وهذا بالضبط ما جعلني أتوقف مليا أمام قصيدة ” هذا الهوى..يطربني" للشاعر المبدع د-طاهر مشي.
وهي قصيدة تستحوذ على القارئ،بصورها المدهشة،وإيحاءاتها الذكية،وأسلوبها السلس، وبنيانها المرصوص.
وهنا أضيف : يعتمد الشاعر في معظم نصوصه على التراكيب البلاغية المقتضبة،بأقصى طاقة إيحائية ممكنة،لتثبيت دعائم فكرته،وعرض فلسفته،وإقناع القارئ بجدواها العملية في الحياة، فهي فلسفة تجريبية،نابعة من معاناة واقعية،وتجربة ذاتية،استهلكت منه مجهودا شخصيا، واستنزفت من وقته.
وعلى هذا،تنطلق الشرارة الأولى من القصيدة،بأقصى قوتها الإشعاعية،كلمح البرق الذي يتقدم سيلا من وابل المطر الغزير..
يا من هوى الذكرى متى ذكراك؟
فالليل قد ناحت به نجواك
والهمس بالأسحار يغمرني
والنبض في الشريان كالأفلاك
تقسم القصيدة،أفقيا،إلى ثلاث أقسام رئيسية هي : المقدمة والعرض والخاتمة.
كما أنها تقسم،عاموديا،إلى ثلاث أقسام هي:
أنا الشاعر وأنثى القصيدة والموضوع.
وكلما تمايزت هذه الأقسام،عاموديا،وأفقيا،كلما حققت القصيدة هدفها،وعبرت عن الشاعر، وشدت من رباط ذاته،بالذات الجمعية،واتسعت بالتالي مجالات الرؤيا أمام القارئ.
وهذا مايميز نصوص الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي بشكل عام،وهذا النص الرائع بشكل خاص.
ختاما أقول : النص رائع،ويغري بالمزيد من القراءة،والتفكيك،ولكن سأكتفي بالقراءة الانطباعية.
وأشكر الشاعرالمبدع،على هذا الجمال الأخاذ،في تقديم الشعر بصورة بديعة،وأعتذر عن التقصير بحق النص،فهو يحتاج إلى وقفة أطول وقراءة أعمق.
كل الأمنيات بدوام التألق والنجاح.

*ملحوظة : لا أتناول كتابات المبدعين بأنامل الرحمة،إنما وجدت نفسي منجذبا-قسر الإرادة-لإبداعات الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.
وعليه التزمت بإقتفاء أثره الإبداعي ومعالجته-دون مجاملة أومحاباة-من خلال مقاربات نقدية قد يستفيد منها المتلقي،ويحتاجها كمرجع في المدى المنظور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا


.. كل الزوايا - د. محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة يتحدث




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -شقو- في العرض الخاص بالفيلم..


.. أون سيت - هل ممكن نشوف إيمي معاك في فيلم رومانسي؟ .. شوف حسن




.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام