الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نستعيد أمل خضير

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)

2023 / 7 / 3
الادب والفن


لو تسنى لسليمة مراد أن تستمع إلى آخر أغانيها بصوت أمل خضير، فأي دموع ستسفح على الأغاني عندما ترفض أن تموت؟
لقد غنت أمل “يا يمة ثاري هواي” آخر ما لحّن عميد الغناء العراقي عباس جميل لسليمة مراد قبل أشهر من رحيلها، ودخلت أمل مع الأغنية التاريخ الموسيقي العراقي.
لم تكن تلك الأغنية وحدها فاصلة في تجربة أمل خضير التي تعيش اليوم الجحود والخيبة الاجتماعية وهي في هذا العمر، لكن عزاءها أنها وضعت الماسة الأثمن في قلادة الغناء العراقي. ولم تغب عن الذاكرة.
لماذا أعود إلى أمل خضير اليوم؟ لأن ببساطة، ومع عشرات التغطيات والحوارات التلفزيونية المستمرة معها، تغيب الأسئلة الحقيقية.
لست معنيا هنا بالجحود الاجتماعي بقدر اهتمامي بالنقد الفني الغائب بشكل كلي عن تجربة لامعة في الغناء العراقي، فما ينشر ويعرض على الشاشات، سطحي إلى حد الجهل ومكرر أكثر من الملل نفسه. بينما هناك ما يفيض ولعٌ ينتظره التاريخ وهو يترقب الدراسات النقدية العميقة لتجربة هذه الفنانة التي أرخت بصوتها لعقود من العشق والبوح.
عندما كانت الأغنية العراقية تندفع بغير إرادتها نحو الرداءة، كنت أحاول استعادة ذلك المجد بالتحريض الصحفي لجيل من المطربين كي لا يتركوا أغاني الناس عرضة للاختطاف والتشويه، فاتصلت بأمل خضير في بداية تسعينات القرن الماضي علني أحرضها على الجديد، قالت ستكون أول من يعرف بأغنيتي الجديدة، بينما دفعتني المغالاة الصحافية كي أسألها “هل ستكون بقيمة أغنية من الشباك مثلا؟”.
ضحكت أمل على الطرف الآخر من الهاتف، بوجع “المغنون وحدهم من يضحك بوجع” وردت “كيف لي يا كرم أن أعيد التاريخ الذي تحلم به”.
تلك الأغنية التي كتبها داود الغنّام وصاغ لحنها الموسيقار الراحل محمد جوادي أموري، واحدة من حزمة أغاني توج بها صوت أمل خضير، وصنع حكاية غنائية يجتمع عليها العشاق عندما تترقب الحبيبة من خلف الشباك عيون القادم إليها.
كان ذلك آخر حوار لي مع أمل، وبعد أكثر من ثلاثين عاما أجد أغانيها تربت على ذاكرتي كلما استفزني الحنين للبلاد القريبة البعيدة، من دون أن أقرأ ما يجعل من تلك الأغاني بمثابة درس نقدي لمن يحتفي بالتعبيرية الموسيقية.
لماذا يزداد النقد الموسيقي تراجعا، بينما أمل خضير قدمت ما يجعلها درسا مثاليا وهي تختصر الموسيقى العراقية المعاصرة على مدى قرن كامل!
لماذا؟ لأنها تعبّر بأغانيها عن خلاصة تجربة جيل الخمسينات وما قبله ومن ثم أجيال الستينات والسبعينات وحتى جيل الثمانينات من الملحنين العراقيين.
أغاني زكية جورج وسليمة مراد وبدرية أنور وألحان الموسيقار صالح الكويتي، بقيت حية بصوت أمل، كما هي ألحان عميد الغناء العراقي عباس جميل وأحمد الخليل ويحيى حمدي ورضا علي ومحمد نوشي ومحمد عبدالمحسن، ومن ثم محسن فرحان ومحمد جواد أموري حتى ذياب خليل وعلي سرحان وسرور ماجد.
ذلك يعني أن أغاني أمل تغطي حقبة مئة عام في الغناء العراقي، وهي في ذلك تركت الكثير مما هو مرغوب فيه للنقد الموسيقي، مع ذلك بقي متأخرا أكثر مما ألحق ضررا بالذائقة السمعية.
أداء أمل أذهل ملحني أغانيها بدرجة جعلت الموسيقار الشهيد محمد عبدالمحسن، وهو يستمع إلى أغنية “سلّم” بصوت أمل، يعترف بأنها أفضل منه في أدائها! فماذا عن “أحاول أنسى حبك” ثم “فدوة” ليحيى حمدي و”أتوبه من المحبة” لعباس جميل و”على الميعاد” لرضا علي و”هب الهوى” لمحمد نوشي.
بينما تجربة أموري مع صوت أمل ستبقى تحرض الرؤى والتحليلات النقدية، فهي تعبر بشكل باهر عن طبيعة الأغنية العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية