الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحزاب سياسية بنكهة دينية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


يعرف قاموس لو روبير الفرنسي الحزب بأنه : تنظيم سياسي يقوم أعضاؤه بعمل مشترك لإيصال شخص واحد، أو مجموعة أشخاص، إلى السلطة وإبقائهم فيها بهدف نصرة عقيدة معينة . وتعرف موسوعة لاروس الحزب : مجموعة أشخاص تعارض مجموعة أخرى بالآراء والمصالح . وتعرف موسوعة ويكيبيديا الحزب : منظمة تنسق بين المرشحين للمنافسة في انتخابات بلد معين. يتبنى أعضاء الحزب غالبًا أفكارًا متشابهة حول السياسة، ويمكن للأحزاب أن تروج لأهداف أيديولوجية أو سياسية محددة . ومفهوم الأحزاب ليس مفهوما حديثا كما قد يعتقد البعض , بل تعود جذوره إلى الحضارات القديمة بصورة أو بأخرى , وإن لم تكن بصورتها الحالية شكلا وتنظيما التي تعود نشأتها إلى القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية , إنتشرت بعدها في معظم بلدان العالم , إذ يندر أن تجد بلدا لا توجد فيه أحزاب سياسية في السر أو العلن .
سنتناول بهذه المقالة الأحزاب السياسية ذات النكهة الدينية بعامة ,وفي البدان الإسلامية بخاصة. تنتشر الأحزاب الدينية الآن في ( 80 ) دولة أوروبية وآسيوية وإفريقية ولاتينية مختلفة. تختلف هذه الأحزاب في درجة قوتها السياسية ومساهمتها في الحياة السياسية ونظام الحكم من دولة لأخرى . ترتكز الفلسفة الديمقراطية المسيحية على المحافظة على الأخلاق والقيم المسيحية، والأخذ ببعض الأسس في النظرية الليبرالية، وبعض الأسس الاشتراكية، وتُصَنَّف الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا ضمن أحزاب يمين الوسط، عكس نظيرتها في أمريكا اللاتينية التي تُصنّف ضمن يسار الوسط، كما أن الأحزاب المسيحية في أوروبا تختلف عن الأحزاب المحافظة اليمينية الأنجلو – سكسونية، حيث تستمد الأولى محافظتها في السياسات الاجتماعية، المتعلقة بالزواج والإجهاض، وغيرها من المبادئ الدينية المسيحية، في حين لا تستمد الثانية محافظتها من تلك المبادئ بالضرورة .
تسعى هذه الأحزاب إلى تعزيز القيم المسيحية في الحياة العامة بحسب برامجها ، وهي وإن قد إتخذت من الديانة المسيحية تسمية لها , إلاّ أن ذلك لم يمنعها من قبول تشريعاتٍ، تناقض قيمها المسيحية، بدعوى احترامها للديمقراطية وسيادة القانون، كقبولها مثلًا مفاهيم أخرى للحياة الزوجية، تخالف المفهوم المسيحي للزواج مثل زواج المثليين . تنتشر الأحزاب الدينية في معظم الدول الأوربية , ففي فرنسا هناك حزب الحركة الجمهورية الشعبية , وفي ألمانيا الحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي , وفي إيطاليا الحزب الديموقراطي المسيحي . وفي بلجيكا الحزب المسيحي الديمقراطي الفلمنكي , وهناك أحزاب دينية صغيرة في معظم البلدان الأوربية الأخرى .يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة برنستون الأمريكية، جان فيرنر مولر، إن الأحزاب الديموقراطية المسيحية التي نشأت أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا لم تكن بالأساس حركات ديموقراطية. بل قامت للدفاع عن المصالح الكاثوليكية ضد النفوذ المتزايد للدولة القومية الليبرالية والعلمانية، وتدخلها في نشاطين أساسين للكنيسة هما التعليم والأسرة .
وفي البلدان العربية بدأت حركات وتجمعات الإسلام السياسي في أعقاب إنهيار الخلافة الإسلامية وتفكك ولاياتها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى , وإستيلاء بريطانيا وفرنسا وروسيا على ممتلكاتها وتقاسم ولاياتها , بعد أن كانت الدولة العثمانية تتسيد العالم بوصفها قوة عظمى . تشير دراسة صادرة عن مركز الدراسات الدولية والإقليمية، "أن الإسلام السياسي، من حيث النشأة، كان رد فعل على التحدي الذي مثله الاستعمار الأجنبي للدول الإسلامية. فبعد أن تمكنت الدول الاستعمارية من السيطرة على مقاليد الحكم السياسي والمؤسسة الدينية أحيانا، نشأت حركات إسلامية ككيانات منظمة تسعى إلى استعادة الاستقلال الديني والسياسي للدولة". وتعد حركة الإخوان المسلمين أبرز حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي التي تسعى لإقامة دولة إسلامية عربية . أسسها حسن البنا في مصر في 22 مارس عام 1928م كجماعة من المسلمين تعمل علي استعادة الخلافة والقيام بأدوارها في المجتمع وإعادة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية، والجهاد من أجل تحرير الأمة من كل سلطان أجنبي. وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول الأخرى، وصلت الآن إلى أكثر من ( 85 )دولة تضم كل الدول العربية ودولاً أخرى إسلامية وغير إسلامية .
ولا تقتصر الأحزاب السياسية ذات النكهة الدينية على المسلمين العرب فقط , فهناك أحزاب سياسية ذات نكهات دينية وطائفية مختلفة في لبنان ومصر والعراق ومعظم الدول العربية .
كانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أول ثورة ناجحة أدّت إلى حكم الإسلام السياسي والأصولية في المنطقة..وبنجاح الثورة الإسلامية , إنتعشت آمال حركات أحزاب الإسلام السياسي وأصبحت أكثر طموحا لتولي زمام السلطة السياسية في أكثر من بلد عربي وإسلامي , وبخاصة في العراق بدعم وتشجيع من الحكومة الإيرانية , الأمر الذي أدى بنهاية المطاف إلى حرب ضروس بين العراق وإيران إمتدت أكثر من ثمان سنوات , كبدت البلدين خسائر بشرية ومادية كبيرة جدا .
برزت حركات إسلامية في أكثر من بلد عربي وإسلامي , منها جبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحزب التنمية والعدالة في تركيا، وحركة النهضة في تونس، وحركة مجتمع السلم في الجزائر. كما برزت تنظيمات وجماعات تكفيرية تنتهج العنف والإرهاب للإطاحة بنظم بلدانها الحاكمة لبناء "الدولة الإسلامية المنشودة" , أبرزها جماعة الهجرة والتكفير ,وتنظيم الجهاد،والجماعة الإسلامية في مصر, والجيش الإسلامي للإنقاذ , والجماعة الإسلامية المسلحة ,وتنظيم القاعدة أو قاعدة الجهاد وهو تنظيم سلفي جهادي متعدد الجنسيات، تأسس خلال الجهاد الأفغاني في الفترة بين آب عام 1988 وأواخر 1989 / أوائل 1990، يدعو إلى الجهاد الدولي. وقد إنتشر التنظيم في اليمن وأفغانستان و سوريا والصومال والعراق .
حل تنظيم ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف شعبيا بتنظيم داعش محل تنظيم القاعدة في العراق , حيث تمكن التنظيم من الإستيلاء على ثلث الأراضي العراقية عام 2014 , معلنا تأسيس دولة "الخلافة الإسلامية " بزعامة خليفتها الزائف المدعو أبو بكر البغدادي , متخذا من مدينة الموصل عاصمة لخلافته . وقد كشف هذا التنظيم الإرهابي عن وجهه الكالح بإرتكابه أبشع الجرائم الإنسانية التي يندى لها الجبين . وما كان يتم القضاء عليه لولا تضافر الجهود الوطنية بفعل فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنتها المرجعية الشيعية العليا في النجف وقوات التحالف الدولي .
وفي أعقاب الإحتاجات الشعبية التي عرفت حينها بالربيع العربي التي نجم عنه فوضى عارمة شملت أقطار عربية عديدة, مثل مصر حيث أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك , وليبيا التي أنهت حكم العقيد معمر القذافي , وتونس التي أنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي, واليمن التي أنهت حكم العقيد علي عبد الله صالح , ولكنها فشلت في البحرين بسبب التدخل العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي العربي , وسورية بسبب التدخل العسكري الروسي والدعم الآيراني للنظام السوري . تسيدت أحزاب الإسلام السياسي المشهد السياسي في هذه الدول بدعم أمريكي أوربي لفترة وجيزة لم تستمر طويلا , إذ سرعان ما نشبت صراعات حادة في صفوفها , أدت إلى صراعات دامية هددت وحدة بلدانها ,وما زال البعض منها يئن تحت وطأتها حتى يومنا هذا كما هو الحال في ليبيا واليمن والصومال بالدرجة الأساس وتونس بدرجة أقل , ناهيك عما حل بسورية من دمار هائل من قبل عصابات داعش الإرهابية التي تتاجر بالدين الإسلامي . لعل مصر كانت الإستثناء الوحيد في هذا السيناريو حيث فاز محمد مرسي في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في مصر في أعقاب الإطاحة بحكم الرئيس المصري حسني مبارك , حيث أصبح مرشحها محمد مرسي أول رئيس لمصر يتسلم السلطة من خلال الانتخابات، لكن بعد مرور عام، وفي أعقاب مظاهرات واضطرابات حاشدة، تمت الإطاحة به من قبل الجيش ووضعه قيد الإقامة الجبرية. ثم تم إعادة حظر الجماعة في مصر وتم إعلانها كمنظمة إرهابية .
لا تؤمن حركات الإسلام السياسي بالنظام الديمقراطي , بل تعتمد نظام الشورى من الناحية النظرية في الأقل . ونظام الشورى يعتمد على الإستئناس برأي نخبة من قيادات هذه الحركات والموالين لها . ولا تعتمد هذه الأحزاب نظام التداول الديمقراطي للسلطة عبر صناديق الإقتراع , بل إنها تعتمد في أحسن الأحوال نظام البيعة لقياداتها عندما تقتضي الضرورة ذلك . وربما تعززت هذه القناعة لديها أكثر بعد إقصاء من فاز منها في الأنتخابات من زمام السلطة ,كما حصل في الجزائر بإقصاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائزة في الإنتخابات الجزائرية عام 1992 وإقصاء الرئيس محمود مرسي أمين عام حركة الإخوان المسلمين الفائز بمنصب رئيس الجمهورية المصرية عام 2012, وكذلك قيام الحكومة التونسية الحالية ,إقصاء حركة النهضة التونسية ذات التوجهات الإسلامية من المشهد السياسي التونسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا