الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يكون هناك تغيير من دون وجود ثقافة التغيير

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


هل يمكن تغيير مجتمع او المجتمع ، من دون وجود ثقافة تغييرية ، او ثقافة للتغيير نسميها بثقافة التغيير .
وان كانت هذه الحقيقة من المسلمات الكونية ، فان التغيير ، وايّ تغيير، لا يمكن انتظاره في غياب ثقافة التغيير . فالطبقات التي تقود التغيير ، او المؤهلة للتغيير ، دائما هي الانتلجانسيا الحيوية الهادفة ، بمختلف تركيبتها الفكرية ، واختلافاتها الفلسفية ، والأيديولوجية .. فلم يسبق في التاريخ الإنساني ان سمعنا يوما ، او قرأنا ، ان الاميين يثورون ، وان الجياع ينتفضون ، لان اصل أي تغيير هو درجة امتلاك ناصية الثقافة ، في اطار الصراع الثقافي الذي لن يكون غير صراع أيديولوجي ، فلسفي ، وسياسي ، لبناء المجتمع الجديد ، والتأسيس للدولة الديمقراطية ، الفاعل الوحيد لتكريس دولة كل الحقوق الكونية ، المعترف بها امميا ، وكما هو مشاهد في الميثاق الاممي لحقوق الانسان .
وبالرجوع الى حركية التاريخ ، لنتساءل عن الطبقات التي قادت الثورات ، سنجد ان تلك الطبقات كانت مكونة من جمهور المثقفين على اختلاف إعتناقاتها الفلسفية والأيديولوجية ، ولم تكن تتكون من جمهور العوام المعرض للكثير من العناوين التحقيرية ، كالعوام ، والرعايا ، والرعاع ، والاوباش ، وشهداء كوميرة .... الخ .
فالثورة الفرنسية ، قامت بها البرجوازية الفرنسية ، المالكة للثقافة البرجوازية ، والثورة الروسية ، قام بها مثقفو الحزب الشيوعي ، والطبقات المتلاحمة مع الشيوعيين فكريا ونظريا ، والثورة في الصين قادها فكر الثقافة الصينية التي بلورها Mao Tsé Tong ، في الاعمال الخالدة التي صهرت الثقافة الصينية الخالصة بمطامح الفلاحين الذين وعدهم Mao بمستقبل زاهر ..
وانها نفس الحقيقة قادت الثورة ( الإسلامية ) الإيرانية بالاستناد على الفكر الديني في حلته السياسية التحريضية والثورية ..
وبالنسبة لكل هذه الثورات الإنسانية ، سنجد ان الأفكار النيرة للزعماء وللمنظرين ، قد نجحت في توظيف ومزج طبقات الشعب ، بالطبقات المثقفة متزعمة الثورة ..حيث كان الشعب المدرك لثقافة صنعها غيره ، ان ثورة ذاك الغير ، الذي لم يكن عضويا ضمن الشعب العامل ، هي في صالحه ، رغم طابعها الأيديولوجي او الثقافي السائد ، والمفروض بحكم التقاء المصالح بين الثوريين وبين المنظرين ، وبين عموم الشعب ، الذي جعله وضعه الاجتماعي يميل الى الثوار ، ضد أنظمة الحكم المتسلطة من طاغية ، واستبدادية ، ودكتاتورية ، وبوليسية ، تبذر ثروة الشعب تبذيرا ، في الملاهي والكماليات ، فيزيد هؤلاء ثراء في ثراء اكثر من فاحش ، وتزيد الشعوب في فقر اكثر من الفقر المدقع ..
لذا فان التعويل على التغيير ، ومن دون وجود ثقافة للتغيير ، سيكون مجرد أضغاث أحلام ، لن تفي بالمقصود من الثورة ، الذي هو الرقي والتنمية ، للشعوب المفقرة ، والمضطهدة ، والمقموعة ، والمستلبة الإرادة ..
تتجدد الحاجة الى البحث في المسألة الثقافية في بلادنا ، التي على رأسها نظام يعادي ويكره الثقافة والمثقفين ، لأنه بسبب أميته ومحدودية قدراته التي تنفخ فيها الطبائع البوليسية ، تعتبر أيّة ثقافة مسببة لصداع رأسه ( شْقيقة ) ، وفي الشروط الحالية التي تتميز – ضمن ما تتميز به عامة -- بعملية ترتيب البيت الواسعة التي يقوم بها النظام المخزني البوليسي ، سعيا منه الى تدعيم المتداعي من اركانه ، والتكيف مع التحولات التي شهدها ويشهدها العالم ، حيث تحتل المسألة الثقافية حيزا هاما في مجال اهتماماته الراهنة ..
وتبدو هذه الحاجة اكثر إلحاحاً ، في ظل التراجع والنكوص الكبيرين ، الذي يعيشهما ( اليسار ) بمختلف تلويناته وشكلياته ، والتي وصل الى الحضيض الذي ابانت عليه ، نتائج الاستحقاقات السياسية التي نظمها النظام ، وفرض شروطه من دون حاجة الى التشاور ، او التذكير ، او التحذير من الانقراض الكلي ، الملاحظ اليوم تنظيميا ، والملاحظ أيديولوجيا ، حيث التناقض الكبير بين الخطابات الجوفاء من جهة ، وبين الركوع والخضوع لإملاءات النظام ، الذي يشعر بنشوة الانتصار في الحرب ، بعد ان حسم المعارك التي دارت وبمسمياتها المختلفة ..
فما تعيشه اطراف ممن تبقى من هذا اليسار الباهت ، ليدعو الى الشفقة ، خاصة وانه اعطى للنظام شيكا على بياض ، عندما تخلى عن شروط المشاركة في الاستحقاقات منذ ستينات القرن الماضي ، كالتذرع بغياب الدستور الديمقراطي ، واشراف الحكم من خلال جهازه السلطوي على احتكار عملية البناء السياسي ، طبقا لما يريد ويخطط له النظام المخزني البوليسي ، الذي اذاب الجميع في طنجرته التي قد تنفجر ، اذا غاب الملك ، وهو انفجار قد يطرأ بغتة ، مما يجعل التحكم فيه ، يواجه بصعوبات ، قد تتضاعف سيرها نحو الهاوية الغير منتظرة نهايتها . هذا اذا توقف الانحدار والانفجار في حدود المطالب الخبزية . اما اذا اصبح رأس النظام والنظام مطلوبان ، فتلك قصاصة أخرى ، لا يستطيع النظام التعامل معها ، اذا تم النفخ فيها من خارج المغرب .. من قبل قوى تحن الى الاستعمار والى عهد الوصاية والتحجر ..
فاذا كان ( اليسار ) الرسمي يعيش البلبلة ، واضحى جسم بدون روح ، فان ( اليسار ) الاخر على يسار اليسار المخزني المهيكل ، انتهى الى النهاية التي هو فيها اليوم ، بسبب أخطاء لم يكن مسموحا بها ، لأنها عطلته عن انتاج مشروعه العام ، حول الدولة الديمقراطية . ومن الأخطاء التي سببت في نهاية هذا اليسار ، نذكر على سبيل الأمثلة ، وليس على سبيل الحصر :
-- الحلقية الفكرية والسياسية التي تنتهي وانتهت بالخنق الذاتي والتنظيمي والثقافي ، اذ بقي هذا اليسار خارج التغطية الشعبية والجماهيرية ، فتسببت غربته في بقاءه غريبا في وسط اجتماعي معروف بتكلس عقله ، وبالأمية والجهل الضاربين اطنابهما ، في وسط يميل الى المحافظة ، ويتشبث لوحده بالمظاهر المخزنية الملاحظة حتى في (افراحه) و ( احزانه ) وما اكثرها .
-- غياب حوار فكري بناء وجدي .
-- ضعف العمل لبلورة برنامج سياسي عقلاني .
-- ضيق الأفق فيما يخص العمل المشترك والموحد .
-- ثم الميل الى التشرذم ، وهو المرض الذي تسبب في نفوق ( اليسار ) الملكي ، وتفريخ اشكال كثيرة من اليسار ، يفرقها كل شيء ، ولا يجمعها أي شيء .
وان ما تعيشه اطراف واسعة من ( اليسار ) الملكي التقليدي ، ومن اليسار الجذري الذي على يسار اليسار الملكي ، من بلبلة فكرية واسعة ، تنعكس على نوعية ودرجة اهتمامه بالمسألة الثقافية ، حيث يتراوح الموقف منها عموما ، بين موقف قائم على الإهمال والتهميش ، انطلاقا من رؤية تضع المسألة الثقافية خارج اهتماماتها ، او في احسن الأحوال لا ترتبها ضمن ( أولوياتها ) ، او تعيد انتاج موقف جاهز ، يهتم بالمسألة بأدوات قديمة ومتجاوزة ، لا تأخذ بعين الاعتبار ما استجد على صعيد المسألة الثقافية ، وما استجد في الوضع الاقتصادي والسياسي عموما .
اذن الخلاصة ، هي ان أي بحث في المسألة الثقافية ، لا يمكن ان يكون خصبا ومجديا ، دون ربط المسألة بخلفيتها الاقتصادية والاجتماعية ، من حيث ان هذه المسألة ، مرتبطة بتكوينه ، وتاريخه ، وعلاقاته بمحيطه القريب والبعيد ، وبطبيعة النظام القائم او السلطة القائمة ، من حيث هي مؤسسة نافذة وقائمة ، لها آليات وضوابط وهياكل . ومن حيث هي سياسات نافذة ، وممارسات جارية . فالمشكلات المستعصية التي تواجهها الثقافة التي تروم التغيير ، هي في الجزء الأكبر منها ، تتعلق بالسلطة القائمة على القهر ، والطغيان والاستبداد ، والاضطهاد الثقافي والمجتمعي ، والتي تحتكر وسائل ترويج المنتجات الثقافية ، من وسائل اعلام ( صحافة مواقع الكترونية وتلفزة .. ) ودور للنشر . ومن مدرسة تجعلها في خدمتها ، بما تسنه من مناهج ، وتنفذه من خطط ، تحكم على أوسع الجماهير بالأمية والجهل ، وتقصيها من هذه المنتجات ، مما يجعل هذه الجماهير تلوذ بثقافة مخزنية بوليسية قروسطوية ، تجد فيها ضالتها ، أي تجد فيها أجوبة ( صحيحة ) ، على ما يطرحه عليها المجتمع والحياة .
وتعمل السلطة القائمة ، على ترويج ثقافة جامدة مبنية على الخرافة ، والغيب ، والتقاليد المرعية ، ثقافة أركاييكية ، تمزج في عجين هلامي ، بين التقليد ، وبين (الحداثة) العصرنة المشوهة والمعطوبة ، وهكذا .... ، تنهل من موروث تقليدي ، يشرعن الاستبداد والطغيان ، ويفرض قهرا الجبرية ، والضبطية ، والتحكمية ، ويقصي الاقصاء الكامل العقل والمنطق ، ويجعل من الطاعة لأولي الامر الطاغية المستبد ، والمفقر للشعب سيدة الفضائل . كما تنهل من ( حداثة ) عصرنة لزجة ، تقوم على ثقافة استهلاكية مشوهة ، تمجد التقنية الخالية من أي مدلول أيديولوجي ، وفي نفس الوقت تحتقر الانسان الفاعل ، وانسان التاريخ ..
طبعا سنجد ان هذه الثقافة الأركاييكية ، المبنية على الخرافة واللاّهوت في شقه العبودي / اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر / .. الذي يجب اطاعته ، حتى ولو كان شخصا فاسدا مهلكا للحرث وللنسل . فالطاعة واجبة ، بل هي فرض عين للحفاظ على الدولة اللاديمقراطية ، قائمة ... سنجد ان هذه الثقافة تقدم نفسها على أنها خالدة وأزلية ، غير مرتبطة لا بالمجتمع ولا بالتاريخ . وهي كثقافة مُدلّسة وجبرية ، سنجد انها تعادي التغيير الذي تعتبره شذوذا عن الحالة الطبيعية . انها ثقافة التبرير لا غير ، أي شرعنة وتبرير الوضع القائم ، والدولة القائمة عدوة الديمقراطية ، أي تضفي على الوضع القائم ، مسحة من قداسة زائفة ومغشوشة ..
ان وضعا ثقافيا من هذا القبيل ، يطرح على ثقافة المواجهة والتغيير ، تحديات كبيرة ، عليها ان تواجهها بالجرأة والمسؤولية اللازمة لتربح الغد ، وفي مقدمة هذه التحديات ، القدرة على رصد الجديد ، وتمييزه عن القديم الذي يتمظهر بأشكال جديدة ، وعدم الركون الى الأجوبة الجاهزة والبالية ، والجرأة على التقدم نحو هذا الجديد ، والكشف عنه ، واعلانه جهرا ، من دون ريبة ولا خوف .
ففي نظرنا كمحللين للإشكالية المنزلة ، والمفروضة على ضوء المعطيات المتوفرة ، نجزم الجزم القاطع ، بان مشروع ثقافة التغيير ، بما هو مشروع مضاد للوضع القائم ، يمكن ان يستشف ملامحه وأسسه ، من ملامح وأسس الوضع الثقافي القائم ، من حيث انه ينبني على نقضه . فثقافة التغيير تقوم على :
1 ) العقل : في ظل الشروط القائمة ، التي تتسم بانتعاش التيارات اللاعقلانية ، على خلفية الازمة ، وانسداد الآفاق في بلدان المركز الرأسمالي ، وفي بلدان الأطراف ، وانحسار المشروع الماركسي ، والقومي ، والوطني في العالم العربي وببلادنا ، تتفاقم ظاهرة النكوص والارتداد عن القيم المستندة على العقل ، والواثقة في قدراته ، بما هو آلة للكشف والتحليل ، واستخلاص النتائج . ففي هكذا شروط ، تبرز الحاجة ماسة الى رفع لواء العقل ، والاستناد عليه في تحليل المجتمع والتاريخ ، ضداً على الرؤى والنظريات اللاعقلانية ، التي هي أوسع من ان نحصرها في الديني منها ، وانْ كان هذا الأخير ذو حضور ملحوظ ، ودور وازن ، وله " شرعية " تاريخية تفتقدها النظرات الأخرى ، حيث تنتشر بشكل واسع هذه الرؤية المنغلقة ، التي ترى ان النص الديني قدم أجوبة تامة ونهائية ، للمشكلات التي طرحتها ، وتطرحها الحياة على الانسان في الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، وترى ان العقل قاصر ، او انه يقود الى الظلال عن الطريق المستقيم ، وبالتالي ينبغي التسليم بما نعتبره حقائق ازلية، دون تمحيص نقدي ، ولا اعمال للعقل فيها .
اما التيارات الأخرى ، وان كانت لا تقوم على الدين ، فهي ذات منحى لا عقلاني ، تنظر للإنسان ككائن تحكمه الغرائز ، وتسوقه الاهواء ، ويستسلم للعواطف الجامحة ، ويلعب اللاّوعي دورا أساسيا ، انْ لم يكن اشبه بالقدر في حياته . وهذه التيارات التي تنتشر كاللهيب في اوربة عصر الامبريالية ، تجد لها صدى واسعا في صفوف ( مثقفي ) دول المحيطات ، او دول الأطراف ، وليس بدول المحاور او المحور .
2 ) التاريخ : ليس التاريخ فيما ترى ثقافة التغيير ، تدفقا لا عقلانيا للأحداث يقف الانسان مشدوها امامها . انه سيرورة يحكمها منطق داخلي ، فهو ذو معقولية ومعنى ، وهو يتحرك بفعل البشر افرادا وجماعات . فالتاريخ بدأ بظهور الانسان على الأرض ، ويستمر مع هذا الانسان في صراعه ، من اجل غد افضل . هذا الصراع الذي خاضه الانسان منذ القدم ، ضد قوى متنوعة ، من نظم استبدادية ، وطغيانية ، وطبيعة متسلطة وغريبة . كما خاض هذا الصراع ضد الجهل ، مما مكنه من معرفة واسعة ، بددت العوالم المظلمة التي كانت تلوح امامه ، وفتحت له آفاقا واسعة ، واكسبته الثقة في النفس وفي المستقبل ، وحفزته على استكشاف عوالم مجهولة .
ان التاريخ هو تقدم واستمرار متواصل . ومستقبل الانسان ليس وراءه ، ولا يمكن استعادة الماضي ولا تكراره ، والتقدم سنة من سنن الكون . والبشرية تتقدم نحو الأفضل ، ونحو الغد الأكثر من افضل عبر منعرجات متنوعة .
ان الركود ليس الاّ عرضي ، فالزمان بأبعاده الثلاثة ، ماضي وحاضر ومستقبل ، فهو ليس دائرة مغلقة ومتكررة . ان الوجود التي تحكمه السيرورة ، يتفتق دائما على اشكال جديدة من الحياة ، أغنى وأخصب من سابقاتها . ولا يعني الإقرار بهذه الحقائق ، السقوط في التفاؤلية الساذجة ، او اليوتوبيا L’utopie ، كما لا يعني الركون الى انتظار حتمية مفترضة .
3 ) الديمقراطية : ان ثقافة التغيير معنية قبل غيرها بالمسألة الديمقراطية ، بما هي مطلب لا وسع الجماهير الشعبية ، وبما هي شرط لازم لازدهارها وانتعاشها . وتقتضي هذه الديمقراطية الغاء كافة التشريعات الدكتاتورية ، ورفع الإجراءات الإدارية البوليسية ـ التي تضيق الخناق على ثقافة التغيير، وعلى المبادرات الحرة .
ان ديمقراطية الثقافة ، تستوجب فتح المناطق المحروسة ، لان المقدس هو الله وحده ، لا شريك له في هذا التقديس ، غير مصالح الشعب ، ومصلحة الوطن في بشره، وفي جغرافيته التي يجب دفع أي خطر يتهددها . وفي هذا الاطار ، تبدو حاجة ثقافة التغيير ملحة ، الى نبذ الانغلاق والتقوقع السائد داخلها ، واعتماد الحوار والجدل العلني ، دون رمي بالتكفير ولا الهرطقة ، باعتبار ان سيادة الديمقراطية داخلها ، هي مجال لتفاعل الآراء وتخصيبها .
وتقتضي هذه الديمقراطية الانفتاح على أوسع الجماهير ، والبحث عن السبل للنفاد اليها ، وإمكانية التغلغل في الوجدان والوعي والسلوك ، اعتبارا انه دون هذا الانفتاح ، محكوم على هذه الثقافة بالضمور والكساح Le rachitisme ، وهنا ينبغي بذل مجهود جبار ، لتجديد اللغة ، بما هي وسيلة تواصل ، وامدادها بالحياة ، دون السقوط في الابتدال ، ولا اهمال أي مكون من مكونات الهوية .
4 ) الانفتاح او علاقة الكوني بالمحلي : مع التحولات الاستراتيجية التي تحصل في العالم ، مثلا كانهيار الاتحاد السوفياتي ، وسقوط جدار برلين ، وسقوط الأنظمة السياسية في اوربة الشرقية ، التي حكمت باسم الشيوعية ، والشيوعية منها براء ، لأنها كانت أنظمة برجوازية الدولة .. ، وتعمق عملية العولمة ، او القطب الواحد بدل القطبين الاقتصادي والسياسي ، وتوجيه طعنة للصراع الأيديولوجي ، ذاك التناقض الذي انعكس بحدة على المستوى الثقافي ، خصوصا في ظل ما تمتلك الامبريالية من إمكانيات هائلة ، لنشر خطابها وقيمها الثقافية ، تطرح بشدة على جدول اعمال ثقافة التغيير ، مسألة علاقة الكوني بالمحلي ، وما يرتبط بها من مشكلات الهوية ، وأسلوب ومضمون الانفتاح .. وهكذا تبدو الهوية مهددة بخطر كاسح ، لا تملك من أسلوب للمقاومة ، غير الانغلاق .
ان المطلوب من ثقافتنا ، انْ لا تتعامل مع الهوية كمعطى جاهز ونهائي ، او ككيان فوق التاريخ . بل هي مشروع منفتح على الدوام ، على المنجزات التقدمية للآخر ، تتفاعل معها دون تعصب ، ولا انغلاق ، وانْ لا نضع الذات ( هل هي مكون منسجم ) في تعارض مع الآخر . فعلاقة الخاص بالعام ، هي علاقة جدل وتفاعل مستمر ، وليست الخصوصية مقدسا جديدا ينضاف الى جملة مقدسات ، التي ترفع لمحاربة الفكر الاخر بكل منوعاته ، تحت يافطة الفكر المستورد ، الدخيل ، الأجنبي الخ ...
وفي هذا الصدد تطرح مشكلة الفرنكوفونية ، بما هي مشكلة لغوية ثقافية ، تتداخل بالسياسة والاقتصاد . فاللغة هي اكثر من أداة تواصل . انها الواقع المباشر للفكر ، ترتكز فيها النظرة للذات وللعالم ، وتلخص التجربة المعايشة . ان الطبقات والشرائح المرتبطة بالاستعمار ، هي التي تستميت دفاعا عن الفرنسية ، بتقديمها على انها أداة محايدة ، ووسيلة لامتلاك ثقافة الغرب المتقدم في مواجهة همجية الشرق . غير انه يجب ان لا يفوتنا التسجيل ، ان هذا الرأي يجد مبرره فيما تعيشه اللغة العربية من ركود ، وعدم مواكبة التطور ، وكون البحث في اللهجة البربرية بأصنافها الثلاث : تريفيت ، تشلحيت ، وتمزيغت لا يزال الى الآن ، كأنه في اطار التأسيس .
بقي ان نسجل في معرض العلاقة بين المحلي والكوني ، ان الحداثة الحقيقية وليس العصرنة ، كهَمّ يخامر كثير من المثقفين ، وحتى اشباه المثقفين ، ليست مغامرة غير مسؤولة ، ولا استهلاك لإحداث الصراعات الفكرية التي ينتجها الغرب المسيحي اليهودي الماسوني . ان الحداثة بما هي حركة ومفهوم ، هي ارتباط بهموم الانسان والمجتمع المغربي ، الذي يرزح تحت القهر ، والفقر ، والتجهيل ، والمرض .. ويعيش تحت سلطة الاستبداد والطغيان ، ومصادرة الحقوق ..
وعلى سبيل الختام . قد يلحظ القارء النزيه ، انّ هذه الملاحظات عامة ، لا مست قضايا شائكة بخفة . واغفلت قضايا أخرى ، في الوقت الذي يتطلب الامر ، تفكيرا معمقا ، وبحثا جديا وجماعيا ، للتدقيق فيها ، اعتبارا من ان هذا التدقيق ، واجب ومسؤولية على الغيورين على هذا المنبر . وهكذا انْ نجحت هذه الملاحظات في التحريض على الأسئلة والكتابة ، يكون ذاك هو المبتغى والمأمول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا