الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد بأية حال عدت يا عيد ---- بما مضى أم بأمر فيك تجديد

فلاح أمين الرهيمي

2023 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تَعوّد الأحفاد من أبنائنا في كل عيد الذهاب مرة واحدة إلى مدينة الألعاب القريبة من بيوتنا وقد أقيمت هذه المدينة في إحدى المتنزهات في وسط مدينة الحلة القديمة تحيط بها الأحياء والبيوت القديمة التي لا زالت تسكنها العوائل الفقيرة لأن أبنائها الأثرياء هجروها وسكنوا في أحياء فاخرة وفي بيوت تزين أطرافها الحدائق والشوارع المبلطة النظيفة والجميلة وفي ثاني يوم العيد سألت أحد أحفادي هل يذهبون إلى مدينة الألعاب فأخبرني نذهب إليها مرة واحدة لأنها تحتاج إلى مال كثير للدخول إلى المدينة بـ (خمسة آلاف دينار) وفيها ألعاب مثل المراجيح ودولاب الهواء والسيارات الصغيرة والطائرات والصواريخ وهذه الألعاب أسعار الركوب فيها من ألفين دينار إلى أربعة آلاف دينار ومدة يقضيها الإنسان في ركوبها لا تتجاوز خمسة دقائق ولذلك لا يتردد عليها سوى أبناء الأثرياء أما أبناء الأحياء الفقيرة القريبة من المدينة يقضون وقتهم خارج مدينة الألعاب يتفرجون على الألعاب من خلال السياج المشبك الذي يحيط بمدينة الألعاب في عوز وفي ألم وحسرة ... فتساءلت مع نفسي لماذا بلدية مدينة الحلة لا تحدد أسعار الدخول بمبالغ قليلة واللعب في مدينة الألعاب التي أصبحت لا يتردد عليها سوى الأثرياء بينما المفروض أن تكون أسعار الدخول واللعب قليلة حتى يستطيعون جميع الأطفال بدون تفريق طبقي مزاولة ألعابهم فأخبرني أحد أولادي أن هذه المدينة تعود إلى القطاع الخاص وليس للدولة فتذكرت ذلك المحامي المصري الشيوعي نبيل الهلالي الذي تجرد عن عائلته الأرستقراطية الثرية وهو ابن رئيس الوزراء نجيب باشا الهلالي في العهد الملكي ووزير للمعارف في عدة وزارات وأصبح يلقب بـ (قديس اليسار المصري) واصطف مع الفقراء والعمال والفلاحين والكادحين واشتهر بالدفاع عن حقوق الفلاحين والعمال والكادحين والحريات الديمقراطية وقد تعرض للسجن والاعتقال في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام/ 1959 لمدة خمسة سنوات وفي عام/ 1965 سجن أربعة سنوات وفي مقابلة صحفية مع إحدى الصحف سأله الصحفي كيف أصبحت شيوعياً وأنت ابن رئيس الوزراء وكنت تعيش في حياة بذخ وأرستقراطية ... فأجابه قائلاً في إحدى الأيام أرسلني والدي إلى شراء بعض الحلوى من إحدى المحلات في القاهرة وحينما وصلت إلى محل بيع الحلوى وجدت بعض الأشخاص واقفين فوقفت معهم أنتظر دوري لشراء الحلوى فكنت ألتفت يميناً ويساراً فوقع بصري على أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين أربعة سنوات وستة سنوات حفاة وملابسهم رثة وهم يخرجون ألسنتهم ويلطعون (يمسحون) زجاج المحل وحينما جاء دوري تناولت الحلوى وذهبت نحو الأطفال وأخذت أسألهم عن تصرفهم فأجابني أحدهم وقال لي : يا بك نحن لما نلطع زجاج المحل وكأننا نلطع الحلوى فناولت كل واحد منهم قطعة من الحلوى وبقيت أفكر عن هؤلاء المحرومين والجياع وكم يوجد أمثالهم في مصر والعالم وفي صباح اليوم التالي عندما كنت طالباً في الثانوية ذهبت وانتميت إلى اتحاد الطلبة في المدرسة الثانوية ومن ثم انتميت إلى الحزب الشيوعي المصري وأصبحت شيوعياً أناضل من أجل الفقراء والمساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع أفراد الشعب المصري.
وظاهرة الاغتراب تعتبر أيضاً من الظلم والتفاوت الطبقي والحرمان لأن الاغتراب هو شعور الفرد بالغربة والحرمان من جهده وعمله ويغتصب منه بالرغم منه وهو يعتبر شعور الفرد بالغربة والانفصال عن الناس وعن الآخرين من الأهل والأحبة وتجعل الإنسان في حالة غير إنسانية عندما تحول أفعاله ونشاطه إلى قوة طاغية أخرى نقف ضده ونغتصبه ونتحكم فيه بدلاً من أن يتحكم هو فيها والاغتراب خاصية تميز الإنسان وفي بعض الأحيان توصف على أنها ظاهرة غريبة ومرضية تفرض على الإنسان وتغتصبه وتجبره على اللجوء إليها بالرغم منه وتجعله شخص غريب وبعيد عن أهله ومحبيه ومجتمعه ووطنه ونشاطه وعمله وهو يمثل الحرمان بجميع مفرداته وجوانبه ... وقد عرّف الفيلسوف والمفكر الكبير كارل ماركس الاغتراب بحرمان الإنسان من السلعة التي يبذل جهده وعمله في إنتاجها ... كما يعرّف الاغتراب بالابتعاد والحرمان عن أي عمل يقوم به وحرمانه من حق اغتصب منه غصباً عنه والابتعاد عن الأهل والأحبة وحتى الإنسان الذي يغترب عن وطنه غصباً عنه وعندما ينفى ويترك داره كالمهجرين والذين يتركون أهلهم وأحبائهم ووطنهم إلى أرض الله الواسعة من أجل البحث عن العمل وتوفير لقمة العيش له ولعائلته وحتى الفقراء والجياع والبطالة هم محرومين وفي حالة اغتراب عن العمل ولقمة العيش والمواطنين المغيبون عن عوائلهم ومجتمعهم وديارهم غصباً عنهم هم مغتربون أيضاً.
يقول الشاعر :

يا طارق الباب رفقاً حين تطرقها ---- فإنه لم يعد في الدار أحباب
تفرقوا في دروب الأرض وانتشروا ---- كأنه لم يكن أنسن وأحباب
ارحم يديك فما في الدار من أحد ---- لا ترجُ رداً فأهل الود قد راحوا
ولترحم الدار ... لا توقظ مواجعها ---- للدور روح ... كما للناس أرواح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث